حكى لي صديق، ممن لم تكن تعجبه الدراسة تماما، لكنه كان عاشقا للموسيقى وتحديدا لآلة الغيتار، حكى لي بأنه حين قرر عازما مغادرة جنبات مقاعد الدراسة، والاتجاه نحو عالم الموسيقى. في أول يوم دخل فيه إلى "المعهد الموسيقي"، كان يحمل معه غيتارته المولع بها، لكن مفاجأته كانت كبيرة، بحيث أن المدرس وما إن ألقى عليهم التحية والسلام، حتى أمرهم بوضع آلاتهم الموسيقية جانبا واستبدالها بدفتر وقلم الكتابة. عبر هذا السلوك، فهم "صديقنا المسكين" بأن القرايا أمر لا مفر منه، وهي موجودة بشكل أساسي حتى في مكان الهواية. نقول هذا، ونحن نعرف بأن الذي فكر في دمج "الرياضة بالدراسة" لم يكن قصده التأكيد على أهمية الدراسة، غير أن إشكاليات كبيرة مرتبطة بالرياضة تجد جزء كبيرا من حلها في الدراسة. كم من رياضي بارز حقق إنجازات كبيرة في الجانب الرياضي، لكنك ما إن تدير "الميكرو" صوب فمه، إلا وتجده عاجزا عن التعبير، وغير قادر على نقل أحاسيسه بله خبراته إلى الجمهور، للأسف "فالعمر الرياضي" لهؤلاء الأبطال لا يطول، حيث يمكن قياسه "بزمن العطاء"، ما أن تمر أحلى الأيام على زمن الإنجازات، حتى تجد بطلنا إلا وقد طواه الزمن وأصبح في حكم الماضي، حيث يتم تذكره في بعض المناسبات فقط. على النقيض من ذلك، من أعطاهم الله المهارات الرياضية إلى جانب الكفاءة الدراسية المعرفية، تجدهم أكثر قدرة على التواصل، وأكثر قدرة على اقتحام بعض المجالات المغلقة، بقليل من "الذكاء الاجتماعي" تجد هذه الفئة تتدرج في المسالك الرياضية بسرعة كبيرة، من لاعب إلى مسير إلى مدرب إلى صاحب مقاولة رياضية إلى مهتم بجوانب التسويق الرياضي..، وبهذا تضمن هذه الفئة إدامة عمرها الرياضي، تصبح بموجبها الإنجازات الرياضية الميدانية بمثابة "نقطة الزيت المرجعية" التي تبدأ في التمطط موفرة لصاحبها نوعا من الحضور والإشعاع الدائم. لقد قربتنا الحياة، بالمناسبة، من بعض "النماذج الرياضية" في المجال، كما أعطتنا فكرة عن بعض الرياضيات والرياضيين الذين كانوا من النباهة بمكان، بحيث وما إن أحسوا بأن الموهبة الرياضية بدأت تعطي أكلها حتى سارعوا إلى تسجيل أنفسهم في بعض المؤسسات الدراسية ومعاهد اللغات، لتثمين قدراتهم وكفاءتهم في الميدان، بالمقابل هنالك آخرون، من انساقوا، إن لم نقل قد انخدعوا وراء بريق النجومية والشهرة، غير الدائمة، خصوصا "من غاب عنهم الإطار الذي يشتغل في كنفه الرياضي عموما"، لا تغطية صحية، وربما من دون عمل قار ودائم، إذ وبعد مدة قصيرة وجدناهم قد أصبحوا حالة إنسانية وحكايات اجتماعية تترددهم الألسن. هناك صنف آخر، وقد نقول هو الذي يهمنا في هذه المقالة، تجد أصحابها يمتلكون بشكل نسبي حس المهارة الرياضية، إلا أنهم لايزالون يتابعون دراستهم بحكم صغر السن، ومخافة أن ينساقوا وراء الموهبة، والإعلام الخادع في بعض الأحيان، تاركين دراستهم وراء ظهرهم، فقد ارتأت الوزارة مشكورة بأن "تأخذ بيدهم"، في محاولة منها لتأمين ورعاية مواهبهم من دون التفريط في دراستهم، في نوع من المزاوجة "بين الحسنيين"، وذلك عبر إقرار مسلك قائم الذات سمي بمسلك "رياضة ودراسة"، وإجراء تعديلات على مستوى المنهج الدراسي الخاص بهذه الفئة وكذا إقرار نوع من التوقيت المكيف الذي يجعل "التلميذ الرياضي" يزاول دراسته الموجهة صوب "علوم الرياضة" مع الاستفادة من الحصص التطبيقية الرياضية اللازمة وإفساح المجال له للمشاركة في الدوريات الرياضية الوطنية أو الدولية إن كانت مبرمجة. صراحة لا يمكن للمرء إلا أن يصفق لهكذا مبادرة، غير أن الإشكال وبحكم حداثة هذا المسلك، ربما لازال مطروحا من جهة الآفاق، مؤكد أن خلق هذا المسلك، كان من نتائجه تخفيف جانبا كبيرا من العبء والمعاناة التي كان يعيشها التلاميذ الموهوبون رياضيا والذين لم يكونوا مستعدين للتفريط في دراستهم، بهذا المسار صار بالإمكان إنجاح هذا التوازن بين الرياضة والدراسة. وحبذا لو تم إكمال الاجتهاد إلى منتهاه من حيث التفكير في مسألة الآفاق، مسألة سوق الشغل، وفسح المجال للراغبين في إتمام الدراسة في المسالك العليا، وأشياء أخرى من هذا القبيل. ممكن جدا أن يكون كاتب هاته السطور ليس على علم وليست له دراية كافية بالموضوع، غير أن المؤكد أن بعض المهن "طبيب/مهندس" هي التي يبدو أنها لاتزال تسيل لعاب التلاميذ وكذا أولياءهم. ربما الترويج لبعض الآفاق المتاحة لهاته المسالك الرياضية في الإعلام العمومي وإبراز بعض النماذج الناجحة في المجال قد يساعد بكيفية كبيرة هؤلاء التلاميذ لنزعهم ما يسمى "معطف المغامرة" والتوجه بثبات وبالوثوقية اللازمة نحو هاته المسالك، لأنها ستأخذ صفة مسالك احتراف وليست مسالك هواية، فالدراسة هنا تختلف كثيرا عن "ضربات جزاء الرياضة"، يمكنها أن تسجل كما بإمكانها الإفلات، مع الدراسة فالأمر مختلف، حين يتم اختيار المسار الدراسي الرياضي فيتعين على التلميذ وبنسب كبيرة أن "يصيب الهدف"، لأن الأمر وببساطة مرتبط بمصيره المستقبلي.