يعتبر تفعيل مراقبة دستورية القوانين مسلكا ضروريا لتكريس سمو الأحكام الدستورية على القواعد والمقتضيات القانونية. فمن خلال هذه الآلية يتم التحقق من مدى مطابقة القوانين للدستور. وسنحاول في هذا الموضوع إثارة إشكالية تطور المراقبة الدستورية الاختيارية للقوانين وحصيلة تفعيلها وآفاق تعزيز نجاعتها في الممارسة الدستورية العملية، وذلك بهدف المساهمة في إغناء النقاش العلمي الرصيد الموازي لسياق سياق مبادرة الحكومة بتاريخ 16 فبراير 2022 إلى إحالة مشروع قانون رقم 86.15 يتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون، بعد ترتيب الآثار القانونية لقرار المحكمة الدستورية رقم 18/70 الصادر بشأنه منذ تاريخ 6 مارس 2018. وسنحاول الإحاطة بمجال المراقبة الاختيارية القبلية لدستورية القوانين وحصيلة تفعيلها (المبحث الأول)، قبل رصد بعض الملاحظات الاقتراحية خلال النظر في محاور المراقبة الاختيارية البعدية لدستورية القوانين (المبحث الثاني). المبحث الأول: المراقبة الاختيارية القبلية لدستورية القوانين اكتفت دساتير المملكة طيلة 30 سنة، منذ أول دستور سنة 1962، باعتماد آلية المراقبة الإلزامية القبلية لدستورية القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها والأنظمة الداخلية للبرلمان قبل الشروع في تطبيقها، ولم تتم دسترة إمكانية تفعيل المراقبة الاختيارية القبلية لدستورية القوانين العادية في ظل الدساتير الثلاثة الأولى (دستور 1962،دستور 1970 ودستور 1972)، بما يثير أحقية الدفع بتفويت فرصة كبيرة لفحص دستورية القوانين وتكريس اجتهاد قضائي في هذا المجال ، دون أن ننسى التأكيد على إمكانية الإقرار باستحالة الجزم بعدم صدور قوانين أو مقتضيات تشريعية مخالفة للدستور خلال الفترة المذكورة وقبلها. وقد تمت دسترة المراقبة الاختيارية القبلية لدستورية القوانين لأول مرة بموجب أحكام دستور 1992 لتبقى هذه الآلية الدستورية مكسبا مهما حافظ عليه دستور 1996 وتعزز بفضل المراجعة الدستورية سنة 2011. فماهي خصوصية المراقبة الاختيارية القبلية لدستورية القوانين قبل وبعد دستور 2011. المطلب الأول: المراقبة الاختيارية القبلية لدستورية القوانين قبل دستور 2011 خول دستور 1992 حق تفعيل آلية المراقبة الاختيارية القبلية لدستورية القوانين بموجب الفصل 71 منه، لجلالة الملك، أو الوزير الأول، أو رئيس مجلس النواب، أو ربع أعضاء مجلس النواب. كما حدد بموجب الفقرة الثالثة من الفصل المذكور للمجلس الدستوري أجل شهر ليبت في مطابقة القوانين للدستور، كقاعدة عامة، مع إمكانية تقليص هذه المدة إلى 8 أيام بطلب من الحكومة كلما كان الأمر فيه استعجال. وكرس دستور1996 بدوره هذه الآلية ووفق نفس الأحكام الدستورية المتعلقة بها، مع الملاءمة التي اقترنت بدسترة نظام الغرفتين، حيث خول كذلك، بموجب الفصل 81 منه ،حق إحالة طلب التحقق من دستورية القوانين لرئيس مجلس المستشارين، أو ربع أعضاءه. وباستقراء الحصيلة الإجمالية لتفعيل آلية المراقبة الاختيارية القبلية لدستورية القوانين في ظل دستوري 1992 و1996 (طيلة 19سنة من الممارسة الدستورية) نسجل شحا بينا في عدد إحالات القوانين الرامية لفحص دستوريتها، إذ يمكن الوقوف على 6 إحالات من طرف الوزير الأول (أولا) و4 إحالات من طرف أعضاء البرلمان. أولا: تفعيل المراقبة الاختيارية القبلية لدستورية القوانين بطلب من الوزير الأول في عرضنا للحالات الستة التي تحقق فيها تفعيل المراقبة الاختيارية القبلية لدستورية القوانين بطلب من الوزير الأول في ظل دستوري 1992 و1996يمكن التمييز بين: أ-خمس حالات صرح فيها القضاء الدستوري بعدم مطابقة القوانين المعنية للدستور كما يلي: 1-في شأن القانون رقم 13.97 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية للبت في مدى مطابقة المادة 142 منه للدستور، والتي كانت تنص على أنه "يعتبر في حالة التنافي لممارسة مهمة رسمية أو تمثيلية كل من لم يؤد ديونا عمومية مستحقة عليه بمقتضى سند تنفيذي ، والتي ليست موضوع منازعة"، كما أنه "ترفع حالة التنافي بعد أداء المبالغ المستحقة"، حيث صرح المجلس الدستوري بمخالفتها للدستور بناء على عدة حيثيات، من بينها أن "المشرع لم يمارس كل ما يخوله له اختصاصه " و" لم يشر إلى القيود اللازمة لحصر استثناء لحرية عامة في حدود معينة مضبوطة، كما أنه لم يرفق إحداث حالة التنافي المذكورة بالضمانات القانونية التي من شأنها حماية المبادئ الدستورية ". ومن جهة أخرى فإن أن المادة 142 لم تراع الأحكام الدستورية التي تنص على أن أحوال التنافي المتعلقة بعضوية مجلس النواب أو مجلس المستشارين تحدد بقانون تنظيمي، إذ لم تستثن تلك المادة من نطاق المهمات التمثيلية المصرح بتنافي مزاولتها مع صفة الشخص الذي لم يؤد ديونا عمومية مستحقة، عضوية كل من مجلسي النواب والمستشارين، مما جعلها تتضمن أحكاما من اختصاص القانون التنظيمي (قرار المجلس الدستوري رقم 382/00). 2-في شأن القانون رقم 00-24 القاضي بتغيير المادة 20 من القانون المالي رقم 99-26 للسنة المالية 2000/1999، وحيث كانت المادة المذكورة ترمي إلى تمديد إلى فاتح يوليوز 2000 (بدل فاتح يناير 2000) الأجل الذي يتعين قبل انصرامه على المقاولين والمنعشين الشباب المستفيدين من القروض المشتركة أن يؤدوا ما عليهم من ديون مستحقة من أصل الدين والفوائد العادية ليتأتى إعفاؤهم من دفع فوائد التأخير فيما يتعلق بحصة الدولة أو أن يقدموا إن لم يتمكنوا من الأداء السالف الذكر طلب إعادة جدولة ما عليهم من ديون إلى السلطة الحكومية المكلفة بالمالية، صرح المجلس الدستوري بعدم مطابقته للدستور وذلك نتيجة ل: -عدم اتباع المشرع للمسطرة المعتمدة بموجب القانون التنظيمي رقم 7.98 لقانون المالية والذي ينص صراحة على أن القوانين المالية السنوية لا يجوز تعديلها خلال السنة إلا بقوانين مالية تسمى "قوانين معدلة". -كما أن تأجيل التاريخ المقترح في قانون المالية من شأنه أن يؤدي إلى تخفيض موارد الدولة، مما يعد خرقا لأحكام الدستور التي تنص على رفض المقترحات والتعديلات التي تؤدي إلى تخفيض الموارد العمومية وإما إلى إحداث تكليف عمومي أو الزيادة في تكليف موجود. كما أن عدم إعمال الحكومة للإمكانية المخولة لها بالدفع في ذلك في إبانه لم يكن من شأنه أن يحول دون مراقبة المجلس الدستوري، (قرار المجلس الدستوري رقم 386/00). 3-بشأن القانون القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 89-32 بتحديد النظام الأساسي الخاص بموظفي إدارة مجلس النواب، صرح المجلس الدستوري بمخالفته للدستور لأن "المشرع أسند بموجبه اختصاص السلطة التنظيمية إلى مكتب مجلس النواب "، كما أنه "لئن كان لمجلس النواب، بالنظر لاستقلاليته، صلاحية تدبير ميزانيته، فإنه بصفته مرفقا من مرافق الدولة، لا يتوفر على صلاحية وضع هذه الميزانية التي يتم إدماجها في إطار ميزانية الدولة"(قرار المجلس الدستوري رقم 480/02). 4-بشأن القانون القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 89-32 بتحديد النظام الأساسي الخاص بموظفي إدارة مجلس المستشارين، صرح المجلس الدستوري بمخالفته للدستور بنفس الحيثيات التي صرح بناء عليها بمخالفة القانون المتعلق بالنظام الأساسي لموظفي إدارة مجلس النواب للدستور (قرار المجلس الدستوري رقم 481/02). 5-بشأن المادة 58 من القانون رقم 03-76 المتعلق بالقانون الأساسي لبنك المغرب، والتي كانت تنص على أنه "يتم الإنصات إلى والي بنك المغرب من طرف اللجان الدائمة للبرلمان المكلفة بالمالية، سواء بطلب من هذه اللجان أو بطلب من الوالي ، حول المسائل المتعلقة بالسياسة النقدية ونشاط مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها"، حيث صرح المجلس الدستوري بأن ماورد في المادة 58 المذكورة بشأن الإنصات إلى والي بنك المغرب بعد أن يتقدم بطلب لذلك، غير مطابق للدستور بعلة أن هذا الأخير ليس فيه ما يُفيد أن لوالي بنك المغرب الحق، بهذه الصفة، في حضور جلسات مجلسي البرلمان واجتماعات لجانهما الدائمة، كما صرح بأن ماورد في نفس المادة بشأن الإنصات إلى والي بنك المغرب حول المسائل المتعلقة بالسياسة النقدية، غير مطابق للدستور بعلة أن تحديد السياسة النقدية التي لا تدخل ضمن صلاحيات والي بنك المغرب، بل هي من مهام المجلس الوزاري الذي يرأسه جلالة الملك (قرار المجلس الدستوري رقم 606/05). ب- حالة واحدة صرح فيها القضاء الدستوري بمطابقة القانون المعني للدستور وتهم: -القانون رقم 17.01 المتعلق بالحصانة البرلمانية الرامي إلى تحديد كيفية تقديم طلب الإذن بمتابعة عضو من أعضاء البرلمان من أجل جنايات أو جنح أو بإلقاء القبض عليه، وكذا التنصيص على إجراءات طلب توقيف متابعته أو اعتقاله، حيث صرح المجلس الدستوري بمطابقته للدستور، باستثناء عبارة وردت في الفقرة الأولى من المادة الثانية تلزم البرلماني الذي يتم إشعاره شفويا من طرف الوكيل العام للملك، بموضوع الشكاية الموجهة ضده، بالإدلاء بتصريحه بشأن وجود أفعال من شأنها إثارة مسؤوليته الجنائية. وعلة ذلك أن هذا الإلزام يعتبر في جميع الأحوال مسا بحريته في الإدلاء به من عدمه ويخالف بذلك أحد الحقوق الأساسية التي يضمنها الدستور، علما أنه حتى في حالة المتابعة، فإن للمتابع الحرية في عدم الإدلاء بأي تصريح، إعمالا بمبدإ قرينة البراءة (قرار المجلس الدستوري رقم 586/04). ثانيا: تفعيل المراقبة الاختيارية القبلية لدستورية القوانين بطلب من أعضاء البرلمان في عرضنا للحالات الأربعة التي تحقق فيها تفعيل المراقبة الاختيارية القبلية لدستورية القوانين بطلب من أعضاء البرلمان في ظل دستوري 1992 و1996 يمكن التمييز بين: أ-حالة واحدة صرح فيها القضاء الدستوري بعدم مطابقة القانون المعني للدستور وتتعلق ب: – القانون رقم 93-33 القاضي بالمصادقة على المرسوم بقانون رقم 388-91-2 الصادر في 13 أكتوبر 1992 بإحداث رسم على إقامة المحطات الأرضية الخاصة المعدة لالتقاط الإشارات الإذاعية التلفزية الصادرة عن أقمار صناعية، حيث صرح المجلس الدستوري بعدم مطابقته للدستور بحجة أن المرسوم بقانون المشار إليه صدر بعد انصرام الفترة الفاصلة بين دورتين والتي كان بإمكان الحكومة إصداره فيها (قرار المجلس الدستوري رقم 37/94). ب-ثلاث حالات صرح فيها القضاء الدستوري بمطابقة القوانين المعنية للدستور كما يلي: 1-بشأن القانون رقم 98-34 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 89-39 المأذون بموجبه في تحويل منشآت عامة إلى القطاع الخاص والقانون رقم 35.98 القاضي بتتميم وتغيير المرسوم رقم 2.98.402 الصادر بتاريخ 16 أكتوبر 1999 كما تمت إحالتهما على المجلس الدستوري من لدن أعضاء بمجلسي البرلمان، صرح المجلس الدستوري بعدم مخالفتهما للدستور لعدة أسباب، من بينها كون "نقل المنشآت العامة إلى القطاع الخاص يعد من مشغولات اختصاص السلطة التشريعية"، كما أن ذلك "يتضمن تعيين المنشأة أو المنشآت التي يقرر المشرع تحويلها للقطاع الخاص من جهة، وتحديد القواعد المطبقة على هذا التحويل من جهة أخرى"(قرار المجلس الدستوري رقم 298/99). 2-بشأن المواد 6 و15و 45 و 47 من قانون المالية لستة 2002، صرح المجلس الدستوري بمطابقتها للدستور ومن بين الأسس التي استند عليها في تعليل ذلك إحالته على سبقية تأويله للفصل 51 من الدستور في نطاق قراره رقم 98/259 الذي ورد فيه أن من عناصر تحقيق التوازن المالي الذي تقتضيه المصلحة العامة دفع الحكومة استنادا إلى الفصل51 من الدستور، بعدم قبول أي اقتراح قانون أو تعديل يفضي إلى الاخلال بالتوازن المالي (قرار المجلس الدستوري رقم 467/01) 3-بشأن قانون المالية لسنة 2009، صرح المجلس الدستوري بمطابقتها للدستور باستثناء مقتضيات وردت في البند II من المادة 8 بهدف إنشاء وسيلة إثبات جديدة للمخالفات المرتكبة في مجال مراقبة السير والجولان بواسطة الرادار الثابت وكاميرا المراقبة واعتبرها مخالفة للدستور لعدة حيثيات، من بينها أن تلك المقتضيات خارجة عن نطاق اختصاص قانون المالية (قرار المجلس الدستوري رقم728/08). المطلب الثاني : المراقبة الاختيارية القبلية لدستورية القوانين في ظل دستور 2011 إن أهم مستجد يمكن إثارته بشأن خصوصية المراقبة الاختيارية القبلية لدستورية القوانين في ظل دستوري 2011 يكمن في تخفيض النصاب الدستوري المطلوب لتفعيل هذه الآلية من لدن أعضاء مجلسي البرلمان، حيث أصبح محددا في خمس الأعضاء بالنسبة لمجلس النواب أو ثلث الأعضاء بالنسبة لمجلس المستشارين، مع تسجيل ندرة في تفعيل هذه الآلية التي لم تتجاوز، طيلة أزيد من 10 سنوات في ظل دستور 2011 ، إحالة واحدة بطلب من رئيس الحكومة (أولا) و 6 إحالات من بطلب من أعضاء البرلمان(ثانيا). أولا: حالة واحدة لتفعيل المراقبة الاختيارية القبلية لدستورية القوانين بطلب من رئيس الحكومة: وتتعلق بالقانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي ، حيث صرحت المحكمة الدستورية بعدم مطابقة العديد من مواده للدستور بناء على عدة حيثيات، من بينها أن "تعديل مجلس النواب، خلال القراءة الثانية لمشروع القانون المتعلق بالتنظيم القضائي، للمواد 7 و23 و48 و52 و71 و96 و103 و107، دون إحالة النص من جديد على مجلس المستشارين ينافي قواعد التداول بين مجلسي البرلمان" "(قرار المحكمة الدستورية رقم 19/89). ثانيا: ست حالات تفعيل المراقبة الاختيارية القبلية لدستورية القوانين بطلب من أعضاء البرلمان كما يلي: 1-بشأن قانون المالية رقم 10.13 للسنة المالية 2014، الذي تم الطعن فيه من لدن أعضاء بمجلس النواب بحجة أنه قدم من طرف حكومة جديدة وغير منصبة بعد التغيير الذي عرفته بعد انسحاب هيئة حزبية منها وانضمام هيئة حزبية أخرى، حيث صرحت المحكمة الدستورية بأنه ليس فيه ما يخالف الدستور على اعتبار أن المآخذ المستند بها للطعن في دستوريته لا تنبني على أساس دستوري صريح ف " تنصيب الحكومة من لدن مجلس النواب ينصب على البرنامج الذي يتقدم به رئيس الحكومة، وليس على أساس تركيبتها" (قرار المحكمة الدستورية رقم 931/2013). 2-بشأن القانون رقم 115.13 القاضي بحل المجلسين الجهويين لصيادلة الشمال والجنوب وإحداث لجنة خاصة مؤقتة، حيث صرحت المحكمة الدستورية بعدم قبول الإحالة الواردة عليها من لدن أعضاء بمجلس المستشارين للنظر في مطابقته للدستور، وذلك بعلة عيب في الشكل يتمثل في عدم توفر النصاب الدستوري المطلوب في توقيع رسالة إحالة القانون المطعون فيه (ثلث أعضاء مجلس المستشارين) (قرار المحكمة الدستورية رقم 937/2014). 3- بشأن القوانين المتعلقة بنظام التقاعد التي أحالها أعضاء بمجلس المستشارين (القانون رقم 71.14 المعدل للقانون المحدث بموجبه نظام المعاشات المدنية، والقانون رقم 72.14 المحددة بموجبه السن التي يجب أن يحال فيها على التقاعد الموظفون والمستخدمون المنخرطون في نظام المعاشات المدنية، والقانون رقم 96.15 المعدل للقانون المتعلق بإحداث نظام جماعي لمنح رواتب التقاعد)، صرحت المحكمة الدستورية بأن مسطرة إقرارها ليس فيها ما يخالف الدستور (قرار المحكمة الدستورية رقم 1015/2016). 4-بشأن المواد 1و2و3 و4 من القانون رقم 79.14 المتعلق بهيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، صرحت المحكمة الدستورية بأنها ليس فيها ما يخالف الدستور، مع مراعاة ملاحظتها بشأن اعتبار تعيين رئيس الحكومة لممثلي الإدارات العمومية منصبا على الاختيار من تلك التي لها اختصاص في مجال المناصفة ومكافحة أشكال التمييز وليس تمثيلا لتلك الإدارات (قرار المحكمة الدستورية رقم 17/40). 5-بشأن قانون رقم 26.20 يقضي بالمصادقة على المرسوم بقانون رقم 2.20.320 الصادر في7 أبريل 2020) المتعلق بتجاوز سقف التمويلات الخارجية، صرحت المحكمة الدستورية بأن مسطرة إقراره ليس فيها ما يخالف الدستور، تبعا لأنها لا تعتد في إعمال مراقبة دستورية قانون إلا بأحكام الدستور والقوانين التنظيمية ولا تملك صلاحية البت في النزاعات المترتبة عن تطبيق النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان(قرار المحكمة الدستورية رقم 20/106) . 6- بشأن القانون المتعلق بإلغاء نظام المعاشات المحدث لفائدة أعضاء مجلس النواب بموجب القانون رقم 24.92 الذي استند الطعن في نظر أصحابه على عدم حضور الحكومة أثناء مراحل دراسة مقترح القانون المحال، حيث صرحت المحكمة الدستورية بأنه ليس فيه ما يخالف الدستور لعدة حجج، من بينها: "عدم وجود ما حال بين الحكومة وتفعيل الإمكانيات والحقوق التي الدستور لحضور أشغال البرلمان"، كما أن "جلسات المناقشة والتصويت على المقترح المذكور عرفت حضور للحكومة" (قرار المحكمة الدستورية رقم 21/115). المبحث الثاني: المراقبة الاختيارية البعدية لدستورية القوانين بخلاف الدساتير الخمسة للمملكة، اعتمد دستور سنة 2011 المراقبة الاختيارية البعدية لدستورية القوانين الصادرة من خلال تنصيصه بموجب أحكام الفصل 133 منه على حق كل طرف في الدعوى بالمحكمة أن يثير، أثناء النظر فيها، الدفع بعدم دستورية قانون سيطبق فيها، يرى أنه يمس بالحقوق والحريات التي ضمنها الدستور، بما يعني إرساء محور ارتكاز أساسي لتحقيق عدالة دستورية مواطنة وحماية حقوق وحريات المواطنات والمواطنين ضد أي اعتداء أو تجاوز بمبرر تشريعي غير دستوري. كما أن تفعيل هذه الآلية الدستورية سيكون له أثره الإيجابي لا محالة في مجال تحيين المنظومة التشريعية الوطنية ونسخ المقتضيات التشريعية المخالفة لأحكام الدستور. ومن باب النظر الموضوعي، يتعين الإشارة في هذا الصدد إلى التأخر الحاصل في اعتماد القانون التنظيمي المتعلق بشروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون، تنزيلا لأحكام الفصل 133 من الدستور الذي تجاوز 10 سنوات من تاريخ إقراره، مع ملاحظة أن إحالة مشروع القانون التنظيمي المذكور على البرلمان تحققت تطبيقا لأحكام الدستور منذ الولاية التشريعية التاسعة بتاريخ 11 يوليوز 2016 وصادق عليه البرلمان في الولاية التشريعية العاشرة بتاريخ 6 فبراير 2018 وصدر قرار المحكمة الدستورية بشأنه بتاريخ 6 مارس 2018. كما سبق عرض ترتيب الآثار القانونية على القرار المذكور في المجلس الوزاري منذ تاريخ 4 يونيو 2019. وحيث إن بلادنا لم تعتمد خيار الرقابة القضائية البعدية على دستورية القوانين فإن المحاكم ستكتفي بإيقاف الدعوى في حالة إثارة الدفع بعدم دستورية القانون وإحالة الأمر على المحكمة الدستورية التي تعد صاحبة الاختصاص الأصيل للبت في ذلك، سيتم التمييز بين إثارة الدفع بعدم دستورية القوانين أمام المحاكم(المطلب الأول) ومراقبة الدفع بعدم دستورية القوانين من طرف المحكمة الدستورية(المطلب الثاني). المطلب الأول: إثارة الدفع بعدم دستورية القوانين أمام المحاكم إن المحاكم لا تملك الحق الدستوري في إثارة الدفع بعدم دستورية القوانين من تلقاء نفسها، بل يعد ذلك حقا للمتقاضين يمكنهم تفعيله في كل مراحل التقاضي أمام المحاكم المعنية شريطة التقيد بشروط يمكن إجمالها كما يلي: 1-تقديم الدفع بعدم الدستورية بمذكرة مكتوبة مستقلة وموقعة من قبل الطرف المعني أو من طرف محاميه، علما أنه إذا كانت الدعوى الأصلية مقرونة بضرورة الاستعانة بمحام فيتعين توقيع مذكرة الدفع من لدنه. 2- تضمين المذكرة المقتضى التشريعي موضوع الدفع، وأن يكون هذا المقتضى هو الذي تم تطبيقه أو يراد تطبيقه من طرف المحكمة المعنية، وألا يكون قد سبق البت في مطابقته للدستور، مالم تتغير الأسس التي تم بناء عليها البت المذكور. 3-تسديد رسم قضائي مقابل إثارة الدفع بعدم الدستورية، مالم يمتع مثير الدفع بالمساعدة القضائية، مع إرفاق المذكرة بنسخ منها بعدد الأطراف، وعند الاقتضاء بأي وثيقة يرغب الطرف المعني في الإدلاء بها أمام المحكمة. وقد استبعدت المحكمة الدستورية بحزم شديد أي تدخل للمحاكم في مجال التحقق من جدية الدفع المثار لديها بشأن عدم دستورية مقتضى تشريعي وصرحت بعدم دستورية التشريع لخيار نظام التصفية القضائية الذي كان سيسمح لقضاة المحاكم بمراقبة أولية للدستورانية وبغربلة للقضايا القانونية المحتمل إحالتها على المحكمة الدستورية. وفي هذا السياق ورد في حيثيات قرارها الشهير أن نظام التصفية "يؤدي إلى عدم مركزة المراقبة الدستورية، وانتقاص استئثار المحكمة الدستورية بصلاحية المراقبة البعدية للدستور، وحرمانها من ممارسة اختصاصها كاملا، عبر دفعها لمباشرة النظر في موضوع الدفوع المقبولة، دون رقابة شكلية عليها" وأن" اختصاص النظر في كل دفع بعدم الدستورية الموكول للمحكمة الدستورية، هو اختصاص عام، يشمل النظر في الدفوع المحالة عليها شكلا وموضوعا، وليس في الدستور ما يشرع لتجزيء هذا الاختصاص المندرج في ولايتها الشاملة، ولا أيضا ما يبرر نقله لغير الجهة المحددة له دستوريا". وبالرجوع إلى مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون، بعد ترتيب الآثار القانونية لقرار المحكمة الدستورية بشأنه، فإننا نثير جدية النقاش الدستوري في مدى تحقق الملاءمة المطلوبة، من زاوية النظر في خيار الاحتفاظ بنظام التصفية على مستوى المحاكم، ولو حتى في مرحلته الأولى ، حيث تحتم المادة السادسة من مشروع القانون التنظيمي المذكور على المحاكم التأكد من استيفاء الدفع بعدم دستورية قانون المثار أمامها للشروط المطلوبة بموجب المادة الخامسة داخل أجل أقصاه 12 يوما من تاريخ إثارته لديها. كما تحتم عليها إحالة مذكرة الدفع على المحكمة الدستورية داخل أجل أقصاه 8 أيام من تاريخ صدور مقررها بقبول مذكرة الدفع. ولئن كان مما لا يقتضي تفصيل بيانه، تسجيل ملاحظة تضييق مشروع القانون التنظيمي نطاق تدخل المحاكم في مجال الدفع بعدم دستورية قانون وحصره في نطاق التبين القضائي من توفر الشروط المنصوص عليها في المادة 5، فإن احتمال تصدي المحكمة الدستورية لذلك يبقى واردا، تبعا لاستقراء منطقها الحازم بشأن الاعتراض السابق على نظام التصفية القضائية في كليته ودفاعها عن أحقيتها وحدها دون غيرها في النظر في المراقبة البعدية لمدى دستورية القوانين. ويمكن أن يسند هذا الاحتمال، ولو من زاوية لفت النظر، إلى صعوبة فصل التحقق من مقتضى تغير الأسس التي تم بناء عليها البت في مطابقة المقتضى التشريعي محل الدفع للدستور، كعلة لقبول مذكرة الدفع، من نطاق المراقبة الدستورية. كما أنه من المهم إثارة سؤال جدوى تكرار التحقق من الشروط المطلوبة للدفع بعدم دستورية القوانين الواردة في المادة 5 المشار إليها باعتباره حقا أصليا للمحكمة الدستورية، تبعا لحيثيات قرارها وبناء على ما خوله مشروع القانون التنظيمي لهيئة أو هيئات التصفية التي ستحدث لديها للتحقق من شروط الدفع وجديته داخل أجل 15 يوما من تاريخ توصل المحكمة الدستورية به من طرف المحكمة (المادة 13 والمادة 14). وحيث إنه يتعين لفت النظر كذلك إلى مآلات عدم قبول هيئة التصفية الدستورية لمذكرات الدفع لعيب متعلق بالشروط التي يفترض تحقق قضاة المحاكم من وجودها وقبولهم مسبقا لتلك المذكرات، وهنا لانقصد الأثر القانوني المباشر المتمثل في التبليغ الفوري لقرار معلل بعدم قبول الدفع من لدن المحكمة الدستورية (الفقرة الثانية من المادة 14)، بل نقصد الأثر السلبي لتقدير جدوى تدخل قضاة المحاكم في المرحلة الأولى بعد إثارة الدفع بعدم الدستورية ولو في نطاق تشبث المشرع بغاية سن تصفية قضائية شكلية أولية للحيلولة دون تراكم الدفعات بعدم الدستورية والتصدي للطلبات الكيدية أو المعرقلة لإصدار الأحكام القضائية في آجال معقولة. وحيث إن أحقية النظر في دستورية المقتضى التشريعي للتصفية القضائية من خلال مستواها الأدنى تبقى بالضرورة شأنا برلمانيا واختصاصا حاسما للمحكمة الدستورية. لنصل إلى أهمية إثارة الضرورة الاحتياطية للدفع بإعادة النظر في أجل تحقق المحاكم من استيفاء الشروط المطلوبة للدفع بعدم دستورية القوانين، فقد يكون من باب النجاعة القضائية وحفظ الأمن القضائي وتجنب تأخر إصدار الأحكام القضائية الاحتفاظ، على الأقل ، بأجل 8 أيام بدل 12 يوما الواردة في المادة 6 من مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم دستورية القوانين ، لاسيما أن الأمر سيؤول بكل تأكيد إلى مدة أطول، إذا علما أن المشروع ينص على اعتبار الأجل الكامل الذي لا يشمل اليوم الأول واليوم الأخير، مع تخويله كذلك أجل 8 أيام للمحاكمة من تاريخ صدور مقررها بقبول مذكرة الدفع لإحالة هذه الأخيرة على المحكمة الدستورية، والحال أنه قد يكون من الملائم تقليص هذه المدة لدرجة يمكن معها ترجيح اعتبار الفورية فيها، ولو بمعيار التنصيص الوارد في الفقرة الرابعة من المادة 6 ، بشأن تبليغ مقرر المحكمة القاضي بعدم قبول الدفع فورا للأطراف. المطلب الثاني: بت المحكمة الدستورية في الدفع بعدم دستورية القوانين وحيث إن تحقيق غاية التوازن بين الحق الدستوري في إثارة الدفع بعدم دستورية مقتضى تشريعي وإسناد الاختصاص للمحكمة الدستورية للبث الشكلي والموضوعي في كل دفع دستوري يحال عليها، من جهة، وبين متطلبات النجاعة القضائية وسرعة إصدار قرارات البث في الدفع، من جهة أخرى، فقد تم التنصيص القانوني على إحداث هيئة أو هيئات للتصفية من بين أعضاء المحكمة الدستورية، وتتولى النظر في الدفوعات المعروضة عليها وتصفيتها، بالتحقق من توفرها على الشروط الشكلية القانونية المطلوبة والجدية الضرورية في موضوعها، داخل أجل 15 يوما من تاريخ توصل المحكمة الدستورية بالدفع المحال إليها من طرف المحكمة. وبعد ذلك يعرض الأمر على المحكمة بكامل أعضائها لتصدر قرار البث في الدفع في الحالة التي تكون نتيجة التصفية هي قبوله، أما في الحالة التي لا يتبين فيها توفر الشروط والجدية فإن المحكمة الدستورية تصدر قرارا معللا بعدم قبول الدفع ويبلغ فورا للمحكمة المعنية. وتجدر الإشارة إلى أن المحكمة الدستورية ملزمة بموجب المادة 22 من مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون بالبت في دستورية القوانين داخل أجل 60 يوما من تاريخ إحالة الدفع إليها، مما يثير بالضرورة مساءلة إمكانية الدفع في تقليص الأجل المذكور على الأقل إلى 30 يوما، ولو قياسا على الأجل المحدد للمحكمة الدستورية في حالة بتها في مطابقة القوانين التنظيمية والأنظمة الداخلية للمجالس والالتزامات الدولية للدستور(المادة 66 من قانون تنظيمي رقم 066.13 يتعلق بالمحكمة الدستورية). ومن جهة أخرى، فإن أي قرار للمحكمة الدستورية يصرح بموجبه بعدم دستورية المقتضى التشريعي موضوع الدفع يترتب عنه أثره على الدعوى وأثره على المقتضى التشريعي في حد ذاته بنسخه ابتداء من تاريخ تحدده المحكمة الدستورية في قرارها طبقا لأحكام الفصل 134 من الدستور. وفي كل الأحوال فإن تعزيز المراقبة الاختيارية لدستورية القوانين يقتضي تسريع اعتماد القانون التنظيمي المتعلق بشروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية القوانين وتيسير سبل تفعيل الحق الدستوري للأطراف المعنية بالدعوى أمام المحاكم لإثارة آلية الدفع البعدي، بما يجعل هذه الأخيرة ممارسة واقعية اعتيادية في حالة وجود مس تشريعي للحقوق والحريات الدستورية وبما يؤول بها لتصبح وسيلة دستورية ناجعة للمساهمة في تصفية المنظومة القانونية الوطنية من المقتضيات غير الدستورية، ودون أن ننسى ضرورة السعي لتجاوز محدودية تفعيل آلية المراقبة الاختيارية القبلية لدستورية القوانين من لدن رئيس الحكومة ( الوزير الأول سابقا) ورئيسي مجلسي البرلمان وأعضاءهما، إذ لا معنى لرهن مبادرات إحالة القوانين على المحكمة الدستورية قبل إصدار الأمر بتنفيذها بمنطق الحسابات والتوازنات السياسية أو بنتيجة التصويت البرلماني عليها بصفة نهائية بالإجماع أو بالأغلبية، لأن الأمر يتعلق بتفعيل حق دستوري مشروع يروم ضمان احترام مبدإ سمو الدستور الذي يعد، بموجب فصله السادس، من المبادئ الملزمة ولا يستهدف بأي حال من الأحوال تقدير تحقيق مصلحة خاصة