عرفت المبادلات الثقافية والشعبية بين الصينيين والمغاربة، تطورا مهما في السنوات الماضية، من خلال الاحتكاك والتثاقف بين السياح الصينيين والمغاربة، وتنامى التفاعل الثقافي والبشري بين المغاربة والصينيون. في فبراير2020 ، تزينت أزقة مدينة شفشاون (شمال المغرب)، بحوالي 1500 فانوس أحمر صيني، ليحتفل المغاربة بهذه المدينة التي توصف ب"الجوهرة الزرقاء"، ولأول مرة بحلول السنة الصينيةالجديدة، أو بعيد الربيع الصيني 2019. وقبل حوالي خمس سنوات كان التفاعل الثقافي والبشري محدود، بين المغاربة والصينيون، بالرغم من أن المغرب يتمتع بأهمية جيوسياسية واقتصادية كبيرة بالنسبة إلى الصينيين. فهل كان لقرار إعفاء الملك محمد السادس الصينيين من تأشيرات الدخول للبلد، بدءا من يونيو 2016، وقع كبير على تطور الرؤى والمبادلات الثقافية والشعبية بين البلدين؟ سنحاول تقصى حياة الصينيين في المغرب، كيف يتعايشون مع المغاربة؟ نبحث عن معطيات رقمية عن تطور توافد السياح الصينيون على المغرب، وذلك خلال السنوات القليلة الماضية؟ كيف تعزز التبادل الثقافي والشعبي بين المغاربة والصينيون؟ ولماذا الاهتمام المتزايد لساكنة مدينة "شفشاون"، بالثقافة الشعبية الصينية؟ ليظل السؤال المحوري الجامع، يتعلق بطبيعة تطور الرؤى والمبادلات الثقافية والشعبية بين المغاربة والصينيين خلال السنوات الثلاث الماضية. نقطة التحول يجمع المتتبعون والباحثون، على أن نقطة التحول في العلاقات المغربية الصينية، والتي ساهمت في تطوير الرؤى والمبادلات الشعبية والثقافية بين شعبي البلدين، هي الزيارة الرسمية التي قام بها الملك محمد السادس، إلى الصين في ماي 2016، والتي تميزت بتأسيس الشراكة الإستراتيجية والعالمية بين المغرب والصين، بالإضافة إلى توقيع الجانبين العديد من الاتفاقات في قطاعات مبتكرة. ويرى الدكتور محمد خليل، رئيس جمعية الصداقة والتبادل المغربية الصينية، في حديثه مع "اليوم 24″، أن تطور الرؤى والمبادلات الثقافية والشعبية بين الصينيين والمغاربة، حدث مع الزيارة التاريخية لملك المغرب إلى الصين سنة 2016، وقال، "هي الزيارة التي كان من نتائجها توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، بين المغرب والصين، تشمل عدة جوانب، منها الجانب الثقافي". وأوضح محمد خليل، وهو أول طالب مغربي مبتعث إلى الصين لدراسة الطب الغربي والطب التقليدي الصيني في سبعينيات القرن الماضي، إن من نتائج الزيارة "رفع تأشيرة دخول المغرب على الصينيين، لينتقل عدد السياح الصينيين الوافدين على المغرب من ما بين 8000 إلى 9000، قبل سنة 2017، إلى نحو 200 ألف سائح في السنة، بعد رفع التأشيرة على الصينيين". وتابع خليل، "السياحة الصينية ثقافية بالأساس، كانوا قبل الجائحة يزورون الدارالبيضاء وفاس وشفشاون بالدرجة الأولى، هذا المدينة الزرقاء أصبحت محجا للصينيين، نظرا لشكلها، كما يزورون مرزوكة بالصحراء الشرقية للمملكة، حيث يستمتعون بالنجوم التي لا يرونها في بلدهم بسبب التلوث"، مشددا على أن "السياحة الصينية ثقافية بالدرجة الأولى". اعتراف صيني ويؤكد رئيس جمعية الصداقة والتبادل المغربية الصينية، أن الجمعية "لعبت دورا كبيرا في تطوير العلاقات مع الصين، وأنجزت عددا كبيرا من الأنشطة، مما جعل الجانب الثقافي يتقوى بشكل كبير جدا"، وتحدث خليل عن أن المجهودات التي بذلتها جمعيته، تكللت بتوشيحه من طرف الرئيس الصيني، شي جين بينج، في يناير 2016، بوسام "جائزة المساهمات البارزة في الصداقة الصينية العربية"، ليكون واحدا من بين 10 شخصيات عربية، منهم بطرس غالي، الأمين العام للأسبق للأمم المتحدة، نالوا الوسام الرفيع المستوى. وأضاف محمد خليل، في تصريحه للموقع دائما، "التوشيح الرئاسي عزز جانب العلاقات بين البلدين، والآن أصبح عدد كبير من الطلب المغاربة يدرسون في الصين، وأصبحنا ننظم زيارات لأطفال، وشاركنا في دوري في الصين". وتحدث خليل عن وجود "ثلاثة معاهد لتعليم اللغة الصينية في المغرب، لتكون بذلك المملكة من الدول الإفريقية القليلة التي تحظى بكل هذا الاهتمام لتعليم اللغة الصينية، مما يعكس أهمية الصينيين بالنسبة للمغاربة لتقوية المجال الثقافي". وتوقف المتحدث أيضا، عند وجود "مسالك جامعية بجامعتي الرباطوالدارالبيضاء، تتعلق بالدراسات الصينية، وهذا مهم جدا"، مشيرا أيضا، إلى "المركز الثقافي الصيني في الرباط"، ليخلص إلى أن "كل هذا، يظهر رغبة البلدين في تقوية العلاقات الثقافية وتطوير الرؤى والمبادلات الثقافية والشعبية بين المغاربة والصينيين". جسر تعزيز العلاقات في دجنبر 2019، افتتح المركز الثقافي الصيني بالعاصمة المغربية الرباط أبوابه، ليباشر مهمته الأساسية، المتمثلة في تعزيز التلاقح الثقافي بين شعبي البلدين. وزير الثقافة والاتصال المغربي آنذاك، محمد الأعرج، قال في افتتاح المركز، إنه "سيشكل جسرا لتعزيز العلاقات بين البلدين في مجال التراث الثقافي"، وقال إنه "الثاني من نوعه بالعالم العربي، ويعتبر مظهرا من مظاهر تَجَذُّر العلاقات الثقافية المغربية الصينية وانفتاحها على مُختلف المجالات والأصعدة". وأوضح المسؤول الحكومي، أن "التبادل الثقافي بين البلدين، عرف مسارا طويلا وعريقا من المبادلات، هَمَّت بالأساس مجالات الكتاب والفنون، عبر الأسابيع الثقافية والمشاركات المتبادلة في مختلف الأنشطة المنظمة بمختلف المدن المغربية والصينية". من جهته، قال لي جين زاو نائب وزير الثقافة والسياحة الصيني، إن "علاقات التبادل والتعاون بين الصين والمغرب ممتدة عبر التاريخ، وأن حضارتهما عريقة، وثقافتهما متقدمة، ويتمتعان بقيم ومميزات خاصة". المسؤول الصيني، اعتبر أن "هناك مسؤولية كبرى تقع على عاتق الطرفين، ترتبط أساساً بإعطاء أهمية قصوى لتعزيز التبادل والتعاون في مجال الثقافة والمجالات المتعلقة بها بين البلدين". الدبلوماسية الثقافية المستشارة الثقافية في السّفارة الصينية، شين دونكيون قالت في حديث مع ل"اليوم 24″، إن "الثقافة لها دور مهم في تحقيق التواصل بين الشعوب، ولا يمكن لأي عمل دبلوماسي ثقافي أن يحقق النجاح، بدون تعزيز التلاقح بين الشعبيين"، مشيرة إلى أن "التواصل الإنساني أساسي للدبلوماسية الثقافية". وأوضحت المسؤولة الصينية، وهي أيضا مديرة المركز الثقافي الصيني في الرباط، أن هذا الأخير، "يعتبر أحد أهم المراكز ذات الأهمية، التابعة لسفارات الصين في العالم، وهذا دليل على دور الثقافة في الدبلوماسية الصينية"، تؤكد المتحدثة. وترى شين دونكيون، أن "العلاقة بين المغرب والصين جيد جدا، وهناك تبادل دبلوماسي بين البلدين منذ تأسيس الجمهورية الصينية، والمغرب ثاني بلد إفريقي أقام علاقات مع الصين". وأضافت، "في ستينيات القرن الماضي، الوزير الأول الصيني "شوان لاي" زار المغرب، ومنذ ذلك الوقت والعلاقات تتطور، والتواصل مستمر، التاريخ يذكر أنه كانت هناك فرق فنية حضرت للمغرب مع المسؤول الصيني في بداية الستينات، وكانوا يعزفون بعض الموسيقى المغربية بالآلات الصينية، وهو ما يبرز التلاقح الثقافي بين الشعبين". بدورها، تتوقف المسؤولة الصينية، عند "الطفرة القوية التي أعطاها الملك محمد السادس للعلاقات الثنائية عقب زيارة الصين، وما تمخض عنها من إعفاء التأشيرة للزوار الصينيين، مما أعطى دفعة قوية للتبادلات الشعبية"، مشيرة إلى أنه بعد إلغاء التأشيرة، أصبح المغرب بلد مفتوح على الصين، فانتقل خلال سنة فقط عدد زوار المغرب من الصينيين، من نحو 15 ألف إلى أزيد من 120 ألف سائح". الانجذاب للألوان مديرة المركز الثقافي الصيني في الرباط، تؤكد أن "الصينيين انجذبوا كثيرا للألوان في المغرب"، مضيفة، "عادة في البنايات الصينية، لدينا ألوان بسيطة، رمادي أكثر وأبيض أيضا، ولذلك وجدوا في المغرب الدارالبيضاء ومراكش الحمراء وشفشاون الزرقاء، وانبهروا بهذا الطراز المعماري الجميل". تضيف المتحدثة، "في شفشاون انجذب الصينيين أكثر، للون الأزرق الذي يغطي المدينة، وطريقة العيش في المدينة الجبلية الصغيرة، وكأنها مدينة أسطورية وسط الجبال"، لتؤكد أن مدينة شفشاون "مشهورة عند كل السياح الصينيون، وأهل شفشاون يحبون الأجانب، وينفتحون عليهم ويتعاملون معه بكرم". وزادت شين دونكيون، "في عام 2019 قررنا الاحتفال بأكبر عيد تقليدي في الصين، وهو عيد الربيع الصيني، وأيضا عيد رأس السنة الصينيةالجديدة، فنظمنا بتنسيق مع مجلس مدينة شفشاون أنشطة ثقافية، منها تعليق الفوانيس الحمراء في أزقة وساحات المدينة، لخلق نوع من الاحتفالية". واستمرت تحكي المسؤولة الصينية بانبهار، "تعاون كبير جدا لمسناه عند الجانب المغربي، وتلقينا دعما كبيرا من مجلس مدينة شفشاون، ومن وزير السياحة المغربية، والكل شاهد الفرق الموسيقة بالآلات الصينية، والتي ظلت تعزف في أزقة المدينة، وبذلك عاش الشفشاونيون لأول مرة نفس الإحساس مع الصينيين، كانت تجربة جميلة جدا". وتتأسف المسؤولة الصينية لتأثير الجائحة علي المضي قدما نحو تعزيز المبادلات الثقافية والشعبية بين المغاربة والصينيين، وتقول، "التأثير الأبرز في المجال الثقافي، يتجلى في توقف زيارات الأفراد والفرق الموسيقية الصينة التي كانت تأتي للمغرب". وقالت مستشارة سفير الصين في الرباط، إن الكثير من المنح في مجال الثقافة والتعليم تم توقيفها، كما توقفت أيضا زيارات المغاربة إلى الصين، مما حد مؤقتا من مظاهر التلاقح الثقافي بي الشعبين". رأي دبلوماسي ويرى عزيز مكوار، دبلوماسي مغربي، وسفير المغرب حاليا لدى بكين، أن "لكل من جمهورية الصين الشعبية والمملكة المغربية حضارة عريقة، وتتقاسم هاتان الحضارتان هويات مشتركة وتتمتعان بغنى ثقافي له تأثيره الكبير على الحضارات الأخرى، عبر مسيرة التاريخ، بدءا من طريق الحرير القديم ووصولا إلى رحلات الرحالة المغربي ابن بطوطة إلى الصين والرحالة الصيني وانغ دا يوان إلى المغرب". ويرى مكوار، والذي كان يشغل منصب رئيس مجلس منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، أن "البلدان قاما بتأسيس شبكة من العلاقات والتفاعلات مع بعضهما البعض، من خلال قنوات مختلفة كالتبادل الثقافي، وتجارة السلع، وتبادل المعارف والخبرات"، مشيرا في مقال نشر بمجلة "الصين اليوم"، (تأسست عام 1952)، إلى أن "حركة التجار والرحالة الذين كانوا دائمي التنقل ذهابا وإيابا بين المغرب والصين لمدة ألف عام، ساهمت في تعزيز التبادلات والتأثيرات الثنائية في شتى المجالات". ويتابع الدبلوماسي المغربي، في المقال المعنون ب"الصين والمغرب.. ستون عاما من الصداقة"، "المملكة المغربية هي أول بلد في منطقة المغرب العربي والبلد الأفريقي الرابع الذي وقع مذكرة تفاهم بخصوص التعاون حول مبادرة الحزام والطريق". ويشير مكوار، إلى أن "المغرب يؤمن بالقيمة الإستراتيجية لهذا المشروع، وباعتباره لاعبا مهما في منطقة البحر الأبيض المتوسط والمنطقة الأفريقية، ويؤمن بأن التواصل والترابط الذي ستولده مبادرة الحزام والطريق سيعود بمنافع عظيمة على التجارة الدولية".