باللغة العسكرية كيف يمكن وصف تدخل القوات المسلحة الملكية لتحرير معبر الكركرات من الانفصاليين وتأمين حركة التنقل المدنية والتجارية؟ يتعلق الأمر بعملية عسكرية ذات طبيعة شرطية خاطفة في الزمان والمكان وبأهداف محددة، بدليل أن القوات التي دخلت المنطقة العازلة بالكركرات هم عناصر بسلاحهم الفردي لا غير، وتقول بعض المصادر العسكرية الأوروبية إن قوات النخبة في الدرك الحربي مسنودة بالقوات المسلحة الملكية، أنجزت عملها وفقا لقواعد اشتباك تحترم القانون الدولي الإنساني، حيث أمَّنت بعض النساء والعجزة في المرحلة الأولى؛ ثم طاردت المسلحين الانفصاليين الذين هربوا شرقا وشمالا في سيارات رباعية الدفع وبعض الشاحنات. وخلال هذه العملية الخاطفة بدأ تمشيط المنطقة من الألغام، ومن العناصر التائهة. وفي المرحلة الثالثة تدخلت الهندسة العسكرية بسرعة فائقة في بداية إنجاز تمديد جدار الدفاع الأمني إلى الكيلومتر ال55 على الحدود الموريتانية. ويشار إلى أن هذه العملية لم تسفر عن أي ضحية، وسمحت القوات المسلحة الملكية للمدنيين بالالتحاق على الأقدام نحو شاحناتهم التي كانت متمركزة بعيدا من معبر الكركرات. تكررت عبارة وحدة الهندسة العسكرية كثيرا في الساعات الماضية، ما دور أفرادها في مثل هكذا عمليات؟ هي فرقة مكونة من مهندسين وتقنيين وخبراء في الطرقات والقناطر وانتزاع الألغام وبناء الجدار. فالعملية لم تدم إلا ساعات أظهر الجيش الملكي المغربي من خلالها بكفاءة عالية في السيطرة على المعبر وتحرير العالقين في الجانب الموريتاني. وجرت العملية، كذلك، تحت متابعة بعيدة لقوات المينورسو الأممية، التي كانت مُنِعت سابقا من طرف البوليساريو بالمكوث في عين المكان، والتي وثقت كل ما جرى بالتفصيل، وأرسلته إلى الأمين العام للأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن. هل انتهت الاستفزازات والتهديدات الانفصالية في المنطقة بتمديد الجدار الأمني؟ بتمديد الجدار الأمني إلى النقطة ال55 يكون الجيش الملكي المغربي، قطع كل مغامرات البوليساريو المستقبلية نحو الكركرات والمنطقة العازلة والمحيط الأطلسي. كيف تفسر الموقف الجزائري الذي سمح للجبهة بإغلاق المعبر لمدة 23 يوما وتهديد استقرار المنطقة؟ البوليساريو لا تحمل صفات المنظمة التحررية كما هو شائع في العالم لسبب واحد هو أن الجبهة لا تملك لا قرار الحرب ولا قرار السلم، علما أن الجزائر نفسها لا تخفي مساعدتها وتسليحها وتدريبها للانفصاليين. فلا يعقل أن تتحرك البوليساريو في مجموعات مدنية وعسكرية إلى معبر الكركرات الموجود على بعد 1500 كلم من تندوف، دون إملاء من قيادة الأركان الجزائرية ومخابراتها. وينبغي استنتاج أن عمق الصراع بين أجنحة متصارعة داخل المؤسسة العسكرية الجزائرية يُفسر تحول العملية من إقامة مخيم مدني للاحتجاج إلى عملية عسكرية لغلق المعبر باستعمال المدنيين كدروع بشرية. فحسب مصادر جزائرية هناك خلاف بين قائد الأركان الفريق سعيد شنقريحة وقائد المنطقة العسكرية الثالثة الجزائرية (تندوف). وهذا ما تأكد على لسان ما يسمى وزير الدفاع للانفصاليين عبدالله الطالب الذي أقر لوكالة الأنباء الجزائرية التي تسيطر عليها المخابرات أن غلق الكركرات نهائي ولا رجعة فيه. هل الجبهة قادرة على مجابهة الجيش المغربي؟ لا يمكن مقارنة ميليشيات البوليساريو التي تعتبر بمثابة قوات مساعدة للجيش الجزائري مع الجيش المغربي العتيد، الذي له تاريخه وتجاربه وحرفيته في الداخل والخارج. الجبهة تعرف تصدعا كبيرا داخل المخيمات، وصراعات داخل القيادة والميليشيات، كل هذا دفعها إلى هذه المغامرة غير المحسوبة النتائج والعواقب سواء بفعل فاعل أو بقرار انتحاري. فالجيش الملكي المغربي ليس هو جيش 1975، بل تغير اليوم شكلا ومضمونا، بحيث أصبح قوة إقليمية معترف بها دوليا، كما أنه استفاد من حروب الصحراء ومناطق نزاع أخرى في العالم، كما أصبح مزودا بعتاد حربي متطور يجعله في وضعية مريحة لمجابهة كل استفزاز أو تحرك عسكري صادر من الانفصاليين أو من يحتضنهم. كيف سيكون مستقبل النزاع بعد طرد الانفصاليين من الكركرات وتأمينه بشكل كامل؟ البوليساريو ستستمر كعادتها في المناوشات، اللهم إذا تدخلت الجزائر بطريقة غير مباشرة، فالوضع حينئذ سوف يتغير عموديا وأفقيا في إشعال المنطقة بيننا وبين الجزائر. وهذا ما ترفضه شعوب المنطقة. فالمغرب لازال متشبثا باتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة سنة 1991، والاتفاقيات العسكرية ذات الصلة. كما أنه لازال يدعم جهود الأممالمتحدة والأمين العام للأمم المتحدة في إيجاد حل سياسي وواقعي وعملي للنزاع في المنطقة. عبد الرحمان مكاوي/ خبير في الشؤون العسكرية والحربية