أجرى الحوار: المصطفى روض أخطر ما يستهدف الشعب الفلسطيني ويحاول تدمير قضيته المركزية هو التطبيع، الذي أصبح اليوم رسميا مع توقيع الإمارات العربية والبحرين اتفاقهما مع دولة العدو الصهيوني، فضلا عن مشروع «صفقة القرن»، وإن كان كل من المشروع الأخير وعملية التطبيع في صيغتها المعلنة الجديدة وجهين لعملة مشروع أمريكي-إسرائيلي. في محاولة لفهم أبعاد وخطورة التطبيع الجديد و«صفقة القرن» على القضية الفلسطينية، أجرينا حوارا مع عالم الاجتماع السياسي الفلسطيني، جميل هلال، وهو من الوجوه السياسية والثقافية البارزة في الساحة الفلسطينية، حيث شغل منصب كبير الباحثين في عدد من مؤسسات البحث الفلسطينية، وحاضر بصفته باحثا زائرا في جامعات بلندن وأوكسفورد، وشغل منصب مدير الدائرة الإعلامية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو أحد القادة السابقين للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، كما نشر كتبا عديدة من بينها: «استراتيجية إسرائيل الاقتصادية للشرق الأوسط»، «النظام السياسي الفلسطيني والمجتمع المدني بعد أوسلو»، «الطبقة الوسطى الفلسطينية»، «صعود منظمة التحرير الفلسطينية وأفولها»... في ما يلي نص الحوار: – بصفتكم باحثا سوسيولوجيا فلسطينيا، كيف نظرتم إلى الخطوة التطبيعية المتوجة أخيرا بإبرام اتفاق ثنائي معلن بين الإمارات وإسرائيل تحت إدارة الرئيس «ترامب»، قبل أن تلتحق بهما البحرين؟ + لعل أبرز دلالات الاتفاق الذي أبرمته كل من الإمارات والبحرين مع إسرائيل تؤشر إلى تراجع مكانة ووزن العالم العربي، حيث بات بعضه يبحث عن التطبيع مع الدولة الاستعمارية التي تحتل أرض شعب عربي (فلسطين) وجزءا من أرض شعب عربي آخر (سوريا ولبنان). لكن للاتفاق دلالات أخرى، أبرزها أنه اتفاق مع أنظمة فاقدة للشرعية الديمقراطية والأخلاقية، مع قيادة إسرائيلية مطعون في أخلاقياتها وتمارس سياسات عنصرية وقامعة للشعب الفلسطيني تحرمه، بالقوة المدعومة من أقوى الإمبراطوريات في العالم، من حقوقه التاريخية والسياسية والإنسانية. لذا، فالتطبيع سيبقى محصورا في نخبة حاكمة فاسدة ومعزولة عن شعوبها وتأتمر للإرادة الأمريكية المنحازة لإسرائيل الاستعمارية، وهي معادية، قولا وسلوكا، لتطلعات الشعوب العربية وللحرية والعدالة والتحرر من الإفقار والتهميش. ستبقى الشعوب العربية ضد هذه الأنظمة، ليس فقط لأنها تطبع مع دولة الاستعمار والاحتلال والتمييز والتشريد للشعب الفلسطيني، بل لأنها أنظمة تمارس التسلط والفساد والإفقار عليها. وهو أمر ينبغي أن يكشف طبيعة النظام الإسرائيلي الاستعماري العنصري، فإسرائيل تصطف دوليا مع أكثر دول العالم وفي المنطقة رجعية وقمعا وفسادا. لذا، لا أعتقد أن هذا التطبيع الحاصل والمرتقب سيغير من ميزان القوى الشعبي في المنطقة، في زمن سيشهد، على ضوء تداعيات وباء كورونا واستفحال النظام الرأسمالي النيوليبرالي، انتفاضات وتحركات واسعة من أجل التغيير نحو الديمقراطية والمساواة والعدالة. – لا تكمن خطورة الاتفاق التطبيعي المشار إليه فقط في تنكره لقرارات الشرعية العربية وخيانة القضية الفلسطينية، وإنما كذلك في تزامنه مع ظرفية سياسية يوجد فيها الشعب الفلسطيني في حالة انقسام حاد نتيجة تشرذم مكونات وفصائل حركته السياسية الوطنية. كيف تتصورون مستقبل العلاقة العربية الفلسطينية في ضوء الاتفاق المذكور؟ وبأية خطة ستواجه السياسات التوسعية الإسرائيلية؟ + تتمثل الرسالة الأبرز التي يرسلها التطبيع العربي الجديد مع إسرائيل في ضرورة مراجعة السياسة الخاطئة التي اعتمدتها القيادة السياسية الفلسطينية المتنفذة على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، والمتمثلة في الرهان على النظم العربية ودولها، وعلى النظام الدولي كما تجسده الدول والمؤسسات الدولية، وليس على القوى والمنظمات التي تمثل قيما تحررية وانعتاقية، كالنقابات العمالية والاتحادات الطلابية والمؤسسات النسائية التي تناضل من أجل حقوق المرأة، وحركات القوى الأصلانية (قوى الشعوب الأصلية) في أمريكا اللاتينية وكندا واستراليا وغيرها. وعلى النخب السياسية التعلم من نشاطات حركة المقاطعة التي استطاعت التأثير في مواقف العديدين في أمريكا وأوروبا، بدلا من الجري وراء حكومات هنا وهناك لا يهمها العدالة ولا الحرية ولا المساواة في أبسط أشكالها. يجب أن تبنى العلاقات الفلسطينية مع قوى تمثل قطاعات وفئات من الشعوب العربية وشعوب العالم. – لم يتخلص الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية المشتتة مكوناتها الرئيسة، بعد، من التداعيات الخطيرة لاتفاق أوسلو، ليفاجئه الرئيس «ترامب» بتنسيق مع نتنياهو بمشروع «صفقة القرن» الذي تفاعلت معه معظم الأنظمة العربية بإيجاب. فبأي منظور سياسي قرأتم هذا المشروع المدمر الذي سبقت نتائجه تاريخ إعلانه؟ + ما سُمي بمشروع «صفقة القرن» هو في واقع الأمر خطة أمريكية-إسرائيلية ذات رسالة واضحة مفادها أن «الحق تصنعه القوة»، وأنه لا مكان للقيم خارج هذه المعادلة. تمثلت القوة في ما تحتله الولايات المتحدة من موقع في النظام الدولي الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي، وفي موقع إسرائيل الإقليمي على الصعد العسكرية والتكنولوجية والاقتصادية قياسا بمكانة السلطة الفلسطينية وبمكانة الدول العربية التي باتت في الحضيض. إن مشروع «صفقة القرن» ينفي وجود حقوق تاريخية وسياسية وإنسانية للشعب الفلسطيني، ويستخف برواية الشعب الفلسطيني لتاريخه وعلاقته بأرض وطنه، ومقاومته المديدة والمستمرة للاستيطان الاستعماري والتهجير والتطهير العرقي والاحتلال العسكري، كما يتجاهل المشروع الذي أقرته القمة العربية في العام 2002. وفي المقابل، يتبنى المشروع الأمريكي الرواية الصهيونية المستندة إلى أساطير وخرافات لا صحة لها. منح المشروع الأمريكي مدينة القدس كاملة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، ووضع بيد إسرائيل السيطرة الأمنية الكاملة على كل الأرض الفلسطينية (وعلى الجولان)، ومنحها الحق بصفتها دولة محتلة في ضم المستوطنات ومناطق الغور وشمال البحر الميت إليها، مبقيا للشعب فلسطيني نتفا صغيرة من أرض وطنه التاريخية، ولا تزيد مساحة هذه النتف المتبقية على 10 في المائة من فلسطين التاريخية. أي أن ما يطرحه المشروع الأمريكي على الفلسطينيين يتلخص في دعوتهم إلى العيش في «بنتوستانات» أو «غيتوات» دون روابط بينها، سوى أنفاق أو جسور تسيطر عليها إسرائيل، ولهم الحق في تسميتها دولة، لكنها ستكون دولة دون سيادة، فهذه تبقى لإسرائيل. من هنا، فإن وثيقة «صفقة القرن» تشرعن (أي تمنح الشرعية) لنظام أبرتهايد (ميز عنصري) مفروض إسرائيليا على الشعب الفلسطيني المقيم على أرض وطنه، بما في ذلك الجزء الذي احتل عام 1948. وهذا ما أكده «قانون يهودية دولة إسرائيل» الذي أقره الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) في يوليوز عام 2018. وهو قانون يمنح المواطنة من الدرجة الثانية للفلسطينيين من حملة الجنسية الإسرائيلية، ويحصر حق تقرير المصير في اليهود، مستثنيا غير اليهود منه، ويمنح يهود العالم حق الهجرة إلى إسرائيل والحصول على الجنسية الإسرائيلية، في حين يغلق الباب نهائيا أمام اللاجئين الفلسطينيين للعودة إلى وطنهم (وفق قرار الأمم المتحدة رقم 194)، مقابل مواصلة مصادرة الأراضي الفلسطينية واستيطانها إسرائيليا. تفسير مسار تفاعل الدول العربية مع المشروع الأمريكي-الإسرائيلي يستدعي الانتباه إلى التالي: أولا، يجب الأخذ بعين الاعتبار طبيعة النظم السياسية التي تسيّر هذه الأنظمة، وطبيعة التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي دخلت عليها في العقود الأخيرة لصالح النخب الحاكمة والمسيطرة. ونرى الآن كيف يسارع بعضها للتطبيع مع إسرائيل. ثانيا، العلاقة القائمة بين هذه الأنظمة والولايات المتحدة، خاصة بعد إفشال أهداف ثورات الربيع العربي، والتي توفر للنخب الحاكمة الحماية والتغطية الدولية. ثالثا، تقييم النخب السياسية في الدول العربية للعلاقة القائمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وموقفهما من إيران، حيث تمثل الأخيرة، وفق رؤيتهم إياها مهددا لإسرائيل ولدول المنطقة، والخليجية منها تحديدا. رابعا، تفكك الحركة السياسية الفلسطينية وتهميش مؤسساتها كما جسدتها منظمة التحرير. – تتسم الظرفية السياسية، التي استغلها «ترامب» لتمرير مشروع يخدم المصالح الإسرائيلية على حساب قضية الشعب الفلسطيني، بانقسام حاد في الجبهة الداخلية المتوجة بجمود منظمة التحرير الفلسطينية وبانشقاق فصائلها، وبوجود سلطة فلسطينية عملها مقيد ببنود اتفاق أوسلو التي تجبرها على التنسيق الأمني مع إسرائيل. كيف تقرأ هذه الظرفية السياسية في الساحة الفلسطينية؟ وما هي، في نظرك، السياقات والعوامل المسببة في شل منظمة التحرير بما هي ممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني؟ + لا شك أن الظرف السياسي الذي رافق إحداث المشروع الأمريكي شجع على طرح أهداف تنسجم مع الاستراتيجية الإسرائيلية التوسعية، وتحديدا أهداف اليمين العنصري الإسرائيلي. وهو ظرف مهم في فهم محرك السياسة الأمريكية في المرحلة الراهنة، والتي تتسم بسيادة اتجاهات قومية رجعية، وبروز حركات شعوبية محافظة، وصعود تيارات عنصرية في الغرب وخارجه؛ الهند، وغيرها في دول آسيا، وبلدان عدة في أمريكا اللاتينية وفي دول وازنة في إفريقيا. هذا في سياق هيمنة الرأسمالية المتوحشة (الرأسمالية النيوليبرالية) على الاقتصاد العالمي. كما شهدت العقود الأخيرة تفكك عدد من الدول العربية الوازنة سياسيا وثقافيا واقتصاديا، كالعراق وسوريا وليبيا واليمن، وتضعضع دول أخرى كمصر ومعظم دول المغرب العربي والسودان، والتصارع بين دول الخليج، وانشغال بعضها (كالسعودية والإمارات) بالحرب في اليمن (أي أغنى الدول العربية تشن حربا على أفقر دولة عربية). وأخيرا وباء التطبيع مع إسرائيل الذي يرافقه انتشار وباء كورونا، وكلاهما له تداعيات مفجعة على المنطقة. تتمثل الملاحظة الأخرى في التحول الذي دخل على الحركة السياسية الفلسطينية، وهو تحول بنيوي له أبعاد استراتيجية سياسية. تمثلت السمة الأبرز لهذا التحول في تفكك الحقل السياسي الفلسطيني، الذي هيمنت عليه منظمة التحرير في عقدي السبعينيات والثمانينيات، إلى حقول محلية معزولة عن بعضها البعض إلى حد كبير، أخذت سماتها من الجغرافيا السياسية الحاوية لشعب الفلسطيني. بدأ هذا التحول البنيوي قبل اتفاق أوسلو؛ وبالذات بعد الخروج من بيروت في العام 1982، وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وهيمنة النيوليبرالية على الاقتصاد العالمي مع بداية عقد التسعينيات، وصعود الإسلام السياسي والسلفي الممول من البترو-دولار في المنطقة. كرّس اتفاق أوسلو وعمق تفكك الحقل السياسي الوطني، ودفع باتجاه انشغال السياسة الفلسطينية بشؤون قضايا تخص كل تجمع على حدة، حتى وإن جرت الإشارة في هذه الشؤون إلى قضايا عامة (كحق تقرير المصير، وعودة اللاجئين)، لأن هذه الأخيرة لا تحمل، في سياقاتها الراهنة، تبعات سياسية أو تنظيمية أو اقتصادية أو اجتماعية. يبرز التفكك الذي أصاب الحقل السياسي الفلسطيني في تفرد كل تجمع فلسطيني بتنظيمات وقيادات وهموم سياسية تخصه دون غيره، كما هو حاصل داخل الحقل السياسي الفلسطيني المتعلق بالمقيمين في الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1948، وداخل الحقل السياسي لفلسطينييالضفة الغربية، وداخل حقل فلسطينيي قطاع غزة، كما نجده بين صفوف الفلسطينيين في الأردن، وفي مخيمات اللجوء في لبنان وسوريا وفي المهاجر المختلفة. وفي الواقع، لم يتبق من مؤسسات منظمة التحرير سوى عناوين مؤسسات أفرغت من الفعل والفعالية، بعدما فقدت قواعدها الشعبية والمهنية الجامعة (المرأة والطلبة والعمال والكتاب، وغيرهم) والتي كانت تتخطى محددات الجغرافيا السياسية. لقد جرى تهميش مؤسسات منظمة التحرير لصالح مؤسسات السلطة الفلسطينية تحت وهم أن السلطة الفلسطينية في طريقها للتحول إلى دولة مستقلة وذات سيادة. لقد عمق هذا الوهم تفكك الحركة السياسية التحررية الجامعة للشعب الفلسطيني دون حيازة دولة مستقلة ذات سيادة، بعد فشل ما يسمى بحل الدولتين، وصعود «صفقة القرن» التي تتبنى كيانا من «بانتوستانات» فلسطينية تحت السيطرة الاستعمارية الإسرائيلية. المشروع الأمريكي المطروح لحل المسألة الفلسطينية هو وليد الظرف السياسي والاقتصادي والثقافي العالمي والإقليمي، ووليد ضعف الحركة السياسية الفلسطينية وتفككها، وهو يستهدف تعميق هذا الضعف والتفكك. والمؤشرات على ذلك نجدها في الموقف الأمريكي من مدينة القدس، ومن حقوق اللاجئين الفلسطينيين، وعبر حجب التمويل عن الأونروا (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)، وتشجيع ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية لإسرائيل، ومن خلال الإسراع في إغلاق مكتب المنظمة في واشنطن، ووقف المساعدات عن المنظمات الأهلية والمدنية الفلسطينية، والضغط على الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل وتجاهل الحقوق الفلسطينية. – بالإضافة إلى الانشقاق السياسي، هناك انشقاق جغرافي تسببت فيه حركة حماس عام 2007 عندما طردت واعتقلت أطر حركة فتح والأجهزة الأمنية من قطاع غزة وأخضعته لسلطتها، فيما احتفظت حركة فتح بسلطتها في الضفة الغربية، وهو الواقع الذي مازال مستمرا إلى يومنا هذا مع ما يسببه من مشاكل سياسية لنضال الحركة الوطنية الفلسطينية. بأي أفق استراتيجي يبدو لكم الحل الواقعي لإشكالية الانشقاق، سواء منه السياسي أو الجغرافي، لكي يستجيب لمتطلبات مواجهة المشاريع التطبيعية مع الإمارات وباقي البلدان العربية المرشحة لتبني هذه المشاريع؟ + أشرت في جوابي عن السؤال السابق إلى تفكك الحقل السياسي الوطني إلى حقول محلية، وسيطرة التوجهات المحلية على الواقع السياسي الفلسطيني الراهن. لقد فشلت كل محاولات المصالحة بين فتح وحماس. ما هو مطلوب الآن هو إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير على أسس ديمقراطية وتمثيلية للكل الفلسطيني، تتكفل بصياغة السياسات الوطنية دون أن تتنكر لخصوصيات كل تجمع فلسطيني. والمقصود هنا ليس فقط تشكيل مجلس وطني جديد أو مجلس مركزي جديد على أسس ديمقراطية وتمثيلية جامعة، تنبثق عن الأول لجنة تنفيذية منتخبة وتمثيلية، بل المطلوب أيضا مأسسة تشكيلات قاعدية جامعة للنساء والعمال والطلاب والصحافيين والكتاب والمعلمين، وباقي الفئات والفعاليات المجتمعية، بحيث تتخطى، قدر المستطاع، قيود وتحديدات الجغرافيا السياسية بكل الأشكال الممكنة (بما فيها التكنولوجيا الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي). ومن الواضح أن إعادة البناء هذه ينبغي أن تكون (كما كان حال مؤسسات منظمة التحرير سابقا) على أسس علمانية، أي وفق أسس وإجراءات تفصل بين خطاب وتشكيلات الحقل السياسي وخطاب وتشكيلات الحقل الديني. فدون هذا الفصل لن تظهر هناك ديمقراطية ولا شفافية ومحاسبة ومساءلة تقوم على استقلالية مؤسسات السلطة التنفيذية عن السلطة القضائية وعن السلطة التمثيلية، بما يضمن حرية الصحافة والإعلام والنشر والوصول إلى المعلومات. طبعا، وجود مؤسسات وطنية جامعة لا يعني نفي الحاجة إلى مؤسسات تعمل على نطاق محلي (على صعيد كل تجمع) تُعنى بشؤون وهموم ومصالح كل تجمع، وبما ينسجم مع الأهداف الوطنية الجامعة (بما فيها حق تقرير المصير وحق العودة). أما كيف تجري عملية البناء؟ ذلك يحتاج إلى حوار ونقاش وطني شامل ومعمق تشارك فيه كل القوى السياسية والمجتمعية ومن مختلف شرائح ومكونات الشعب الفلسطيني داخل فلسطين التاريخية وخارجها. – من المفارقات الغريبة هو أنهم كانوا يسمون الحوارات الثنائية الفاشلة بين حركتي حماس وفتح بحوارات الوحدة الوطنية، فيما مفهوم حوار الوحدة الوطنية كان، قبل ظهور حركة حماس، يعني، وبشكل واضح، الحوار بين كافة القوى الوطنية الفلسطينية، لأنه كان يندرج ضمن استراتيجية بناء الوحدة الوطنية والإصلاح الديمقراطي الشامل لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية. الآن، كيف ينبغي معالجة موضوع الوحدة الوطنية الذي بدونه لا يمكن مواجهة العدوان الصهيوني؟ + ليس واضحا المقصود بمفهوم «الوحدة الوطنية». المتداول، بشكل عام، هو إجراء مصالحة بين القوى السياسية، وتحديدا بين التنظيمين الأكبر(أي حركتي «فتح» و«حماس»). وهذا يعنى، في المحصلة، تقاسم السلطة (المحاصصة) بين التنظيمين الأكبر، وقد يترك مواقع هامشية لبقية التنظيمات السياسية أو بعضها على الأغلب. ما أفهمه من استراتيجية توليد الوحدة الوطنية هو بناء مؤسسات وطنية تمثيلية، على أسس ديمقراطية، تشمل المستويات السياسية والاجتماعية (المدنية) والمهنية أيضا، أي مؤسسات وحركات وتنظيمات تمثل الشعب الفلسطيني بتجمعاته المختلفة وبشرائحه الاجتماعية والمهنية (بما فيها النوع-اجتماعية) المتعددة، وليس فقط تمثيل القوى السياسية. والحكمة من وراء هذا الفهم يسندها الشرط الفلسطيني بشقيه، وهما تشتت الشعب الفلسطيني وفق مقتضيات الجغرافيا السياسية، وأن الشعب الفلسطيني مازال في مرحلة تحرر وطني وليس في مرحلة بناء دولة ديمقراطية ذات سيادة، فقد فشل مشروع الدولة لأسباب عديدة ليس هنا مجال شرحها. المفهوم الذي أتبناه لا يقوم على المصالحة بين فتح وحماس، والتي لا تعني، في الواقع الراهن، سوى تقاسم المواقع القيادية والامتيازات، حتى وإن كانت تحت سيطرة واستعمار دولة قامعة وعنصرية، بل يقوم على بناء مؤسسات تمثيلية على المستويات القاعدية والقيادية وعلى أسس ديمقراطية بكل ما يعنيه ذلك من إخضاع هذه المؤسسات (وقياداتها بمستوياتها المختلفة) للمساءلة. أي أن الوحدة الوطنية تعني، في ما تعنيه، وحدة الشعب وراء أهداف هو من يتولى صياغتها من القاعدة إلى القمة، وضمان صيانة حقوقه ومصالحه وفق أطر تمثيلية خاضعة للمساءلة والتغيير. – نعلم أن الفترات الذهبية في نضال الحركة الوطنية الفلسطينية، وبغض النظر عن هيمنة حركة فتح التي كان يطلق عليها تعبير أكبر فصائل منظمة التحرير، كان فيها اليسار الفلسطيني بمكوناته الأساسية؛ الجبهة الديمقراطية والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مؤثرا بنضاله وفكره السياسي في الساحتين الفلسطينية والعربية، وكان هو صاحب برنامج المرحلة. لكن منذ وقع عرفات على اتفاق أوسلو، بدأ اليسار الفلسطيني ينهار بالتزامن مع انهيار اليسار العربي خاصة والعالمي عامة. فهل تأسيس قطب يساري فلسطيني أخيرا من أربع فصائل تحت اسم «التحالف الديمقراطي الفلسطيني» سيشكل بديلا حقيقيا قادرا على تكسير الثنائية القطبية (حماس – فتح) المهيمنة في الساحة الفلسطينية؟ + لقد تراجع تأثير اليسار الفلسطيني في الحركة السياسية الفلسطينية، الممثلة في منظمة التحرير، بفعل عدة عوامل أبرزها؛ توقيع اتفاق كامب ديفيد بين مصر (أكبر الدول العربية وذات التأثير القوي على منظمة التحرير) وإسرائيل (1978)، الثورة الإسلامية في إيران (1979)؛ الخروج من بيروت وتشتت قوى منظمة التحرير في العام 1982؛ مساعي دول عربية لإضعاف المنظمة والتمثيل الفلسطيني عبر شق المنظمة وقواها، كما حدث في العام 1983، وفي الحرب على المخيمات الفلسطينية في لبنان في منتصف الثمانينيات؛ وأخيرا، وليس أخرا، انهيار الاتحاد السوفيتي الحليف الدولي الأكبر والأكثر تأثيرا في العالم (1990)، وفرض العزلة المالية والسياسية على منظمة التحرير من لدن دول خليجية على إثر غزو العراق للكويت. لقد فاقم اتفاق أوسلو، رغم الدور المهم الذي لعبه اليسار الفلسطيني في تفجير وإدامة الانتفاضة الأولى التي انطلقت في أواخر العام 1987، من ضعف اليسار، لأنه همش مؤسسات منظمة التحرير، حيث كان لليسار دور فاعل فيها، وإن لم يكن مقررا، لكنه كان مانعا، إلى حد ما، لقرارات وتوجهات معارضة لقيمه ورؤاه. لقد جرى بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية (المنبثقة عن اتفاق أوسلو) ولم يكن لليسار موقع فيها، ولا في معارضتها التي باتت، بشكل أساسي، بيد الإسلام السياسي (ممثلا بحركتي حماس والجهاد الإسلامي) الذي نما تأثيره بفعل ودعم الدول الإسلامية النفطية، وتراجع كل من تأثير اليسار العربي والتيار القومي العربي. يواجه اليسار الفلسطيني راهنا، كما حال اليسار العربي والعالمي، عقبات عدة، أبرزها يتمثل في غياب الصوت والفعل الموحدين والواضحين من قضايا مجتمعاته وقضايا العالم الراهنة، كما تغيب عنه رؤية موحدة للمشروع الوطني الفلسطيني بعد انهيار اتفاق أوسلو وحل الدولتين، وتبني الولايات المتحدة الخطاب الصهيوني التوسعي لليمين الصهيوني العنصري. كما انحصر دوره إزاء الخلاف الجاري بين فتح وحماس في دور الوسيط والساعي إلى المصالحة بين الطرفين، وليس طرح رؤية وبرنامج وسياسة بديلة لفتح وحماس. لقد فشلت التجارب السابقة لتوحيد اليسار الفلسطيني لاعتبارات ذاتية ومصلحية ضيقة، في حين كانت الاعتبارات التنظيمية والسياسية القائمة بين أطرافه قابلة للحل وراء هدف امتلاك اليسار دورا فاعلا وموجها للحركة السياسية الفلسطينية. لذلك، وللأسف الشديد، لا نجد رهانا شعبيا ولا من قوى اليسار والديمقراطية نفسها على أن ينهض «التحالف الديمقراطي الفلسطيني» بدور فاعل، وتجلى ذلك من خلال المواقف المختلفة التي برزت بعد تشكيله (بما فيها المشاركة أو عدمها في حكومة د.محمد اشتية)، وإزاء قضايا أخرى، وفي الأشهر الأخيرة خف دوره، وكأنه لم يعد موجودا. – القيادة الفلسطينية الرسمية عاجزة كليا عن القيام بكفاح يستجيب لإرادة الشعب الفلسطيني، وهي تراهن فقط على المفاوضات، وتُبخس الكفاح المسلح الذي هو حق مشروع للشعب الفلسطيني، ودونه لا يمكن اكتساب ميزان القوة على الأرض، والذي يعتبر القاعدة الأساسية للانتصار في مائدة المفاوضات، والنموذج الفيتنامي دليل قاطع في هذا المجال. أليس كذلك؟ + شكل النضال الفلسطيني أعقد بكثير من أن يتخذ لونا أو أسلوبا واحدا يختزل في الكفاح المسلح أو في غيره. لقد حدث النموذج الفيتنامي في شروط مغايرة عن الشرط الفلسطيني الراهن، فالشعب الفلسطيني له مكونات عدة تتمايز الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية لكل منها عن المكونات الأخرى. فليس هناك سند خلفي أو مجاور للفلسطينيين كما كان الحال في فيتنام. وما هو ممكن للفلسطينيين في غزة، حيث يمكن امتلاك السلاح من إيجاد نوع من توازن الرعب مع إسرائيل، لكنه لا يقوى على تحرير الأرض المحتلة، وليس ممكنا ولا محبذا للتبني من لدن الفلسطينيين في إسرائيل أو في الأردن ولا في أوروبا أو الأمريكيتين. لذا، فكل مكون من مكونات الشعب الفلسطيني له أشكال ملائمة للنضال والمقاومة وأشكال مختلفة من التنظيم، وعلى القوى الفاعلة في كل مكون أو تجمع أن تقرر في كل مرحلة أشكالا نضالية ملائمة (الإضراب، المسيرات، المظاهرات، المقاومة السلمية الشعبية أو المقاومة المسلحة، أو النشاط الهادف إلى نزع الشرعية عن إسرائيل وسياساتها كما هو حال حركة المقاطعة، وغير ذلك). والتفاوض له أهدافه وشروطه وقواعده وآلياته، وهو في ظل ميزان القوى المختل بين إسرائيل والسلطة، وفي سياق الأسس المطروحة، ليس شكلا قادرا على دحر الاحتلال، ناهيك عن تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير والعودة. على كل الأحوال، فإن المفاوضات، حتى اللحظة، توقفت بين إسرائيل والقيادة الفلسطينية نتيجة السياسة الإسرائيلية الاستيطانية والقمعية والمستهترة بالسلطة وصلاحياتها، لكن الرهان على العودة إلى المفاوضات مازال قائما لدى النخبة الحاكمة. – شغلتم مسؤوليات إعلامية عديدة في مجلتي «الحرية» و«الفكر الديمقراطي» وفي مراكز للدراسات الفلسطينية، وكنتم مديرا للدائرة الإعلامية في منظمة التحرير الفلسطينية في أواخر الثمانينيات والسنوات الثلاث الأولى من التسعينيات، فضلا عن مسؤوليتكم السابقة في قيادة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، قبل تأسيس حركة «فدا». كيف تقيمون حاليا وضعية الإعلام الفلسطيني بعدما كان في السابق يعرف تطورا غير مسبوق في تاريخ فلسطين المعاصر؟ + دور الإعلام الفلسطيني، كأي إعلام آخر، يقيّم وفقا للاستراتيجية السياسية والثقافية التي يسعى إلى ترويجها. المجلات والإذاعات والمراكز الإعلامية والمؤتمرات كانت تديرها منظمة التحرير وفصائلها، وكانت تستهدف خدمة سياسة المنظمة وفصائلها، سواء بتوجهها إلى الجمهور الفلسطيني أو إلى الجمهور العربي أو الأجنبي. كانت وسائل إعلام اليسار تسعى أيضا إلى تعزيز قيم اليسار المتمثلة في الحرية والمساواة والعدالة، وخلق مجتمع حر وعادل ومتحرر. بعد اتفاق أوسلو، تغيّرت لغة الإعلام الفلسطيني الرسمية بعدما سيطرت وسائل إعلام السلطة الفلسطينية على المؤسسات الإعلامية، وتبنت استراتيجية متمحورة على بناء مؤسسات دولة على الضفة الغربية وقطاع غزة بدل التحرير وتقرير المصير. لذلك، رأينا لغة جديدة تماما تركز على بناء مؤسسات «دولاتية»، أي ذات تراتبية وخطاب «دولاتي» قبل تحرير الأرض، وعلى خطاب سياسي جديد يقزّم فلسطين إلى مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة (22% من أرض فلسطين التاريخية)، معتبرا أن كلا منهما يشكل «جناح الوطن» الفلسطيني، ويدعو إلى إنهاء الاحتلال وليس دحر الاستعمار الاستيطاني، ونظام الأبارتهايد، وهو خطاب هيمنت عليه لغة التفاوض وتسميات الدولة السيادية (رئيس، ورئيس وزراء، ووزير ووكيل ومدير عام، والمجلس التشريعي، ومجلس القضاء الأعلى، والأمن الوقائي والأمن الوطني، والشرطة، والرتب العسكرية والدبلوماسية)، وتحديدا بعد اغتيال الرئيس عرفات. وبات الفعل الدبلوماسي بديلا عن أشكال الفعل الأخرى. كما حصر الاهتمام بشؤون الضفة الغربية وقطاع غزة، وأُهمِل الفلسطينيون في الأراضي التي احتلت عام 1948، وفي الشتات. وبعد «سيطرة» حماس على قطاع غزة في العام 2007، و«سيطرة» فتح على أجزاء من الضفة الغربية، بات اهتمام الطرفين مُنصبا على اتهام وإدانة الطرف الآخر، ولم يعد دحر الاحتلال والاستيطان الشغل الشاغل للحزبين الحاكمين، رغم أن كليهما بقي تحت السيطرة الإسرائيلية. شهد العقدان الأخيران نموا في حجم ودور الطبقة الوسطى المعتمدة بالأساس على التوظيف في مؤسسات وأجهزة السلطة الفلسطينية، وعلى نمو أعداد جديدة من المنظمات غير الحكومية وقطاع الخدمات للرأسمال الخاص (البنوك، والاتصالات والتأمينات...). ومعظم المنظمات غير الحكومية، كما هو حال مؤسسات السلطة، اعتمد ويعتمد بشكل واسع على التحويلات والمساعدات المالية الخارجية. وكلاهما، كما طبقة مؤسسي القطاع الخاص الحديث، بجسمها الرئيس، يتكون من فئات غير منتجة تهيمن على سلوكها النزعة الفردانية، بعد تحول التنظيمات السياسية من تنظيمات حركة تحرر إلى تنظيمات لأحزاب حاكمة (فتح وحماس)، أو هي تنظيمات تعتمد، بشكل أو بآخر، على مؤسسات السلطة. وباتت الشرائح العليا من الطبقة الوسطى في الضفة والقطاع تستلطف الاستهلاك، وبعضها بات مشدودا للاستهلاك الاستعراضي، وفاقم من هذه النزعة فتح البنوك المجال أمام الاستقراض لشراء الشقق والسيارات وتأثيث المنازل وغير ذلك. ورافق نمو مؤسسات السلطة نمو مؤسسات خدمية مالية وتجارية وعقارية، أنتجت بدورها شرائح من موظفي الطبقة الوسطى تدرك، كمعظم الشرائح الأخرى من هذه الطبقة (ناهيك عن فئات أصحاب رؤوس الأموال)، أهمية وجود السلطة شرطا لوجودها، رغم إدراكها أن تحوّل السلطة إلى دولة لم يعد أمرا ممكنا. وهي طبقة غير مؤهلة لإنتاج ثقافة ملتزمة بقيم تحررية ومساواتية وتقدمية. الرهان على المستقبل يستند إلى أفواج الشباب الذين يتخرج منهم سنويا عشرات الآلاف، ولا تجد النسبة الأكبر منهم عملا ولا ترى لنفسها مستقبلا، وهذه هي الشريحة ذات المصلحة في التغيير الجذري، بما في ذلك تبني مشروع وطني يتخطى مشروع بناء دولة «بانتوستانات» على أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة تحت هيمنة استعمارية عنصرية. – هناك اختلال واضح بين السياسي والثقافي، حيث إن هذا الأخير، رغم دوره المهم في الإنتاج الأدبي والفكري، عاجز عن تصحيح مسار سياسات السلطة الفلسطينية المحكومة باتفاق أوسلو الذي استفادت منه إسرائيل، وأضر بالشعب الفلسطيني وبحركته الوطنية، خاصة عندما تسبب في انقسام وتشرذم الفصائل الفلسطينية، وشل منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. ما هو المطلوب لتصحيح هذا الاختلال؟ + للدقة، شهد الحقل الثقافي الفلسطيني، مقارنة بالحقل السياسي، نشاطا ملحوظا في العقدين الأخيرين تحديدا، ربما بسبب تفاقم تفكك الحقل السياسي وتراخي سيطرته على النشاط الثقافي نسبيا. ويشمل الحقل الثقافي الأدب والفن والفكر والغناء والموسيقى والإنتاج المعرفي بشكل عام، وهو لا ينحصر في ما ينتجه المثقفون والفنانون والباحثون في الضفة والقطاع فقط، بل كذلك في المنافي والمهاجر وفي الأراضي المحتلة عام 1948، وفي الأردن. تكمن أهمية الحقل الثقافي الفلسطيني، مقارنة بالحقل السياسي، في قدرته على تخطي قيود الجغرافيا السياسية؛ فالرواية الفلسطينية التي تصدر في حيفا تصل إلى رام اللهوغزة وعمان وأوروبا وأمريكا، بسهولة، وهذا يسري على الفيلم والأغنية والموسيقى والمسرحية والقصيدة والقصة القصيرة والمقالة، ومختلف مكونات الحقل الثقافي التي تعبر الحدود بسهولة. لذلك، يقع على الحقل الثقافي دور مهم في الحفاظ على الرواية التاريخية الفلسطينية في مواجهة الرواية الصهيونية وتحريفاتها وأساطيرها وتشويهاتها، وفي الحفاظ على الانتماء الوطني الفلسطيني، بغض النظر عن مكان الإقامة والوجود. وهذا مهم لأنه ملهم للحقل السياسي ولبروز حركات وتنظيمات جديدة، أو لتطوير ما هو قائم عبر حركة النقد والنقاش ومراجعة الأوضاع القائمة. ربما تتجلى نقطة الضعف الأساسية للحقل الثقافي الفلسطيني (كما الحقل السياسي) في غياب مركز تتفاعل فيه وعبره مكونات الثقافة عبر مراكزها ومؤسساتها ومسارحها ومعارضها ودور السينما والنشر والأبحاث فيها، بما يغني الحقل الثقافي، ويحافظ على حيويته ويعمق تأثيره. لكن هذا لا يقلل من الدور المهم والحيوي للثقافة الفلسطينية -وهي جزء وامتداد للثقافة العربية وتفعل فيها كما تتفاعل معها وتتأثر بها- في الحفاظ على وظيفتها ودورها الطليعي، وإغناء الرواية التاريخية الفلسطينية، وتعميق الروابط بين مكونات الشعب الفلسطيني. (جميل هلال/ باحث اجتماعي وكاتب فلسطيني)