في هذا الحوار مع الباحث والوزير الفلسطيني السابق إبراهيم إبراش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر وجامعة محمد الخامس سابقا، نتوقف عند التطورات التي تشهدها القضية الفلسطينية، منها «صفقة القرن»، ومحاولة الضم التي باشرها الكيان الصهيوني. غايتنا تسليط الضوء على قضية من القضايا الإنسانية المهمة، التي أخذ اليوم يغطيها غبار الصراعات العربية الداخلية، وضجيج حكومات اليمين المتطرفة التي تظهر هنا وهناك في الغرب، كما أخذ يؤثر فيها انبطاح الأنظمة العربية وخنوعها وتسابق بعضها نحو التطبيع. في مستهل هذا الحوار، نتوقف عند التطورات الأخيرة في فلسطينالمحتلة، خصوصا محاولة ضم أجزاء من الضفة الغربية. نرجو أن تطلع القارئ المغربي على طبيعة هذه المحاولة. هل هي نتاج «صفقة القرن»، أم مناورة سياسية لكيان الاحتلال للتغطية على جرائمه التي يمارسها بشكل يومي ضد الفلسطينيين؟ صفقة القرن والتأييد الأمريكي لإسرائيل غير المسبوق في عهد ترامب شجعا نتنياهو على التفكير في ضم أجزاء من الضفة تمهيدا لضم كل الضفة، لأن الصفقة تعاملت مع الضفة الغربية باعتبارها أراضي إسرائيلية، ولأن المواقف الفلسطينية والعربية لم تكن حازمة كفاية تجاه الصفقة وتجاه القرار الأمريكي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، والتوجه نحو الضم ليس تكتيكا، بل جزء أصيل من السياسة والعقيدة الصهيونية، خصوصا في ظل حكومات إسرائيلية يمينية، والتوجه العام في المجتمع الصهيوني نحو التطرف، ذلك أن إسرائيل قامت على أسطورة أرض الميعاد التي تشمل كل فلسطين، وأن الضفة الغربية هي يهودا والسامرة اليهودية، والتي يحتلها العرب والمسلمون من وجهة نظرهم! وفي عدوان حزيران 1967 واحتلال إسرائيل الضفة وغزة وأراضي عربية أخرى، اعتبرت إسرائيل احتلال الضفة وكأنه إعادة تحريرها، ولم تكن إسرائيل بعد ذلك جادة في أي عملية تسوية، ومن هنا رفضت ومازالت قيام دولة فلسطينية تشمل الضفة الغربية وعاصمتها القدس. إن ضم الأراضي في الضفة ليس بداية المشكلة، بل هو تتويج لسياسة بدأت مع الاحتلال ثم الاستيطان، والضم تتويج لهما في سياق أوضاع محلية وإقليمية ودولية مواتية لإسرائيل. الرفض الفلسطيني الرسمي والشعبي، وكذلك المواقف العربية والدولية وحتى داخل إسرائيل الرافضة لسياسة الضم دفعت نتنياهو إلى تأجيل عملية الضم، وما نخشاه أن تقوم إسرائيل بالضم بصمت دون إعلان، أو بضم تدريجي لعدم إثارة الرأي العام الدولي، ولعدم إحراج الأنظمة العربية الصديقة لإسرائيل. في نظرك، لماذا لم تعد ردود فعل الفلسطينيين بالقوة نفسها التي تميزت بها من قبل إزاء محاولات كهذه، بل وأقل منها؟ كلام صحيح، فقبل ذلك كانت أي ممارسة عدوانية أو استفزازية إسرائيلية تواجَه بثورة أو انتفاضة أو ردود عسكرية، كما جرى في الانتفاضتين السابقتين 1978 و2000. أما الآن، فإسرائيل ضمت القدس واعتبرتها عاصمة لها، وتواصل الاستيطان والتهويد في الضفة والعدوان والحصار على غزة دون ردود فعل قوية. ونعتقد أن السبب يعود للانقسام الفلسطيني وتراجع التأييد العربي، لانشغال العرب بمشاكلهم الداخلية أيضا، بسبب الدعم الكبير الذي تلقاه إسرائيل من الولاياتالمتحدةالأمريكية، وقدرة هذه الأخيرة على تصنيف المقاومة الفلسطينية فعلا إرهابيا. هذا بالإضافة إلى قناعة لدى القيادة الفلسطينية بعدم جدوى العمل العسكري نظرا إلى اختلال موازين القوى لصالح إسرائيل، وخشية توظيف العمل المسلح من لدن جماعات إسلامية كحركة حماس لتخريب السلطة الفلسطينية. في نظرك، هل باتت القضية الفلسطينية في مهب الريح مع «صفقة القرن» الأمريكية؟ إلى أي حد يمكن القول إن هذه الصفقة هي نتاح الضغوط الأمريكية على الأنظمة العربية؟ ألا يلعب ضعف القيادات الفلسطينية، بمختلف تياراتها، دورا في فرض هذه الصفقة؟ لا شك أن كل ما يجري ليس في صالح الشعب الفلسطيني، وضعف ردود الفعل العربية على صفقة القرن ومجمل الممارسات الإسرائيلية يرجع إلى قوة الهيمنة الأمريكية على غالبية الأنظمة العربية. فهذه الأنظمة أصبحت فاقدة القدرة والرغبة أيضا في مواجهة واشنطن لأسباب سياسية وأمنية واقتصادية. كما أن الرابطة القومية تراجعت بشكل كبير، وما يسمى الربيع العربي أضعف من حصانة الأمة العربية، وخلق لها مشاكل داخلية أصبحت لها الأولوية حتى على القضية الفلسطينية. كما أن حالة الانقسام الفلسطيني أعطت الأنظمة العربية المبرر للتهرب من التزاماتها القومية، فكيف للعرب أن يتوحدوا لدعم الفلسطينيين، فيما الفلسطينيون أنفسهم منقسمون على الأهداف وسبل تحقيقها! ولكن هذا لا يعني نهاية القضية الفلسطينية، لأن الخلل ليس في عدالة القضية، ولا في الشعب الفلسطيني، بل في طبقة سياسية فاشلة وعاجزة، ولأن التحولات والمتغيرات الإقليمية والدولية جاءت متعاكسة لتطلعات الشعب الفلسطيني، ولكن كل ذلك مرحلي، لأن موازين القوى غير ثابتة، وستستعيد القضية الفلسطينية حضورها وعافيتها، خصوصا أن أي طرف فلسطيني لم يتخل عن الحقوق الشرعية. بالنظر إلى الواقع العربي المتشرذم والانقسام الفلسطيني، هل لاتزال هناك فرص للمقاومة وإحياء الانتفاضة في صورتها الأولى خصوصا، أم إن اتفاقات أوسلو نجحت فعلا في إقبار حركة الاحتجاج والنضال والمقاومة نهائيا؟ اتفاقية أوسلو كانت مراهنة من القيادة الفلسطينية على إمكانية أن يؤسس وجود سلطة فلسطينية منبثقة عن الاتفاق قيام دولة فلسطينية. كما جاءت اتفاقية أوسلو في وقت كانت فيه الثورة الفلسطينية ضعيفة ومحاصرة عربيا ودوليا بعد حرب الخليج الثانية، واتهامها بأنها تقف إلى جانب صدام حسين، كما كانت أوسلو مراهنة من الإسرائيليين والأمريكيين بأنها ستؤدي إلى إجهاض حركة التحرر الفلسطينية وتحويلها إلى سلطة تحت الاحتلال وخاضعة لشروطه. وللأسف، نجحت المراهنة الإسرائيلية الأمريكية، فيما وصلت مراهنة الفلسطينيين على قيام دولة مستقلة إلى طريق مسدود. ولكن هذا لا يعني نهاية القضية الفلسطينية، كما سبق وأن ذكرنا، حيث يمكن الفلسطينيين أن يقوموا بمراجعة استراتيجية، والتخلي عن اتفاقية أوسلو وملحقاتها، والعودة إلى حالة التحرر الوطني. وقد هددت القيادة الفلسطينية وكل القوى السياسية بالتخلي عن اتفاقية أوسلو وكل الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل في حال قيامها بضم أراضي الضفة. هناك ملاحظة مفادها أن فلسطين كانت تخرج مئات الآلاف من العرب إلى الشوارع تضامنا أو احتجاجا. ما مدى حجية إخفاق ما سمي بالربيع العربي في تفسير خفوت الحماس العربي تجاه القضية الفلسطينية؟ القضية الفلسطينية اليوم ليست كما كانت قضية العرب الأولى، واليوم وبسبب فوضى وخراب ما يسمى الربيع العربي أصبحت المسألة الوطنية الداخلية، وحماية والحفاظ على الأمن الداخلي واستقرار الدولة هي القضية الأولى لكل دولة عربية. ولكن هذا لا يعني أن العرب وشعوب المنطقة تخلوا عن القضية الفلسطينية، ولكن طريقة التعبير عن هذا التضامن والتأييد لم يعد كما كان سابقا وبالحجم نفسه. ومن جهة أخرى، فإن ركوب جماعات الإسلام السياسي على موجة الحراك الشعبي أضر بالقضية الفلسطينية، كما أضر بالشعوب العربية، لأن هذه الجماعات في غالبيتها صناعة أمريكية لإثارة الفتنة أو «الفوضى الخلاقة» كما وصفتها وبشَّرت بها كوندوليزا رايس، ولأنها أيضا لا تضع قضية فلسطين على سلم اهتماماتها. ألا يرجع الأمر إلى خفوت الوعي التحرري الذي رسخه اليسار والتيار القومي العربي منذ خمسينيات القرن الماضي، مقابل صعود التيار الإسلامي الذي يحول كل شيء إلى معركة دينية؟ صحيح، التحولات الفكرية والإيديولوجية لعبت دورا مهما. فعندما أسِّست منظمة التحرير وانطلقت الثورة الفلسطينية في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، كانت المنطقة تشهد مدا قوميا عربيا ويساريا تحرريا، وكانت فلسطين عنوانا للعروبة ولقوى التحرر العربية والعالمية، وكان الاتحاد السوفيتي ودول عدم الانحياز تدعم فلسطين. ولكن المعسكر الاشتراكي انهار، كما انهار النظام الإقليمي العربي والمشروع القومي العربي مع حرب الخليج الثانية 90-91 ثم مع فوضى ما يسمى الربيع العربي لاحقا، وهذا أدى إلى فراغ ملأته جماعات الإسلاموية السياسية بدعم غربي، وهذه الجماعات لا تضع القضية الفلسطينية على سلم اهتماماتها، وقد رأينا كيف أنها قاتلت في كل مكان في العالم، وعملت على تخريب وتدمير دول وطنية، ولكنها لم تفكر بقتال إسرائيل، حتى حركة حماس، التي تعد جزءا من جماعة الإخوان المسلمين، لم تقاتل من أجل تحرير فلسطين، بل لصالح مشروع الإسلام السياسي الإخواني. من جانب آخر، طفت في الآونة الأخيرة خطابات التطبيع في مسلسلات التلفزيون ومقالات الصحافة ومجالات أخرى. في نظرك، ما هي العوامل التي سمحت بظهور هذه الخطابات والمشاركات التطبيعية؟ حتى الآن، يبقى التطبيع حالات محدودة، والإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي ضخمتها، وهذا لا يقلل من خطورتها لأنها خروج عن وضع شعبي ورسمي عربي يرفض التطبيع، كما أنها تزامن خطوات تطبيعية مكشوفة، خصوصا من دول خليجية، حيث زار نتنياهو سلطنة عمان، وهناك زيارات واتفاقات متعددة بين إسرائيل والإمارات العربية والبحرين وقطر وربما العربية السعودية، ولو لاحظنا المسلسلات التطبيعية والمطبعين الذين يتحدثون عن التطبيع ويمدحون إسرائيل وينتقدون الفلسطينيين، لوجدناهم ينتمون غالبا إلى دول خليجية تطبع أو تريد أن تطبع مع إسرائيل، ولو كان الموقف الرسمي حازما، ما سمح لهذه الأصوات بأن تتحدث بهذا الشكل الاستفزازي عن التطبيع، أيضا بعض المطبعين ينتمون إلى أقليات عرقية وطائفية أو جماعات معارضة، وهي تستعمل ورقة التطبيع مع إسرائيل نوعا من المناكفة، أو لكسب ود إسرائيل في صراعاتها وخلافاتها الداخلية مع أنظمة عربية. كتبت أخيرا أنك لا تخشى تطبيع الأنظمة الحاكمة، بل تطبيع الشعوب. عندما ينظر المرء إلى حالات محددة، مثلما ما يحصل في المغرب مثلا، حيث نظم الكيان الصهيوني زيارات لإعلاميين مغاربة، كما استدعى فنانين سينمائيين وتشكيليين للمشاركة في بعض «تظاهراته الثقافية والفنية»، وكذا إلى محاولة تشييد نصب «تذكاري» لما سمي ب«الهولوكوست» بنواحي مراكش، ألا ترى أن هذا الكيان شرع فعلا في اختراق الشعوب؟ ذكرت ذلك انطلاقا من التجربتين المصرية والأردنية، حيث لم يؤد التطبيع الرسمي إلى تطبيع شعبي إلا في أضيق الحدود، كما أن التطبيع الرسمي قد يكون لأسباب سياسية قاهرة، أو لخلل في الأنظمة السياسية وخضوعها لضغوط أو إغراءات أمريكية، ويبقى إجراء فوقيا، أما التطبيع الشعبي فهو تحول عميق في الوجدان والضمير الشعبي. وهنا تكمن الخطورة، حيث تبذل إسرائيل جهودا جبارة لاختراق الشعوب والأنظمة العربية. وقد أعلن نتنياهو، أكثر من مرة متباهيا، بأن عملية التطبيع مع الأنظمة العربية تسير بسرعة، لكنه ومعه مسؤولون آخرون اعترفوا بصعوبة التطبيع مع الشعوب. ما يجري بالنسبة للمغرب ليس بجديد، نظرا إلى أنه كان يحتضن أعدادا كبيرة من اليهود المغاربة، وهناك حوالي مليون إسرائيلي من أصل مغربي يتواصلون مع المغرب ويحنون إليه، ودائما نجد بعض الأشخاص يقبلون بالإغراءات التي تقدمها إسرائيل، أو لهم وجهة نظر خاصة حول العلاقة مع إسرائيل والصراع العربي الإسرائيلي بشكل عام. لكن الوضع العام في المغرب والموقف الرسمي مازال مع القضية الفلسطينية وضد إسرائيل، ولو نظرنا إلى عدد المطبعين أو الذين زاروا إسرائيل، لوجدناهم قلة لا تذكر، مقابل مئات الآلاف بل والملايين من المغاربة الذين يخرجون بمظاهرات ومسيرات تؤيد الشعب الفلسطيني. كما أن غالبية المطبعين هم من المثقفين أو الفنانين الذين لا وزن لهم في الساحة المغربية. وهنا تقع المسؤولية على القوى الوطنية للدخول في نقاش عام مع المطبعين لكشف مخاطر التطبيع وأهداف إسرائيل الخبيثة، أما بالنسبة لمحاولة تشييد نصب للهولوكوست، فأعتقد أنها ستكون محاولة فاشلة. في المقابل، بدأ أثر «الحركة الصهيونية» يخفت في الغرب، بفضل نضالات حركة «BDS» التي تدعو إلى مقاطعة هذا الكيان. هل يعني ذلك استفاقة الوعي الغربي، مقابل ضمور الوعي العربي، أم إن هناك تفسيرات أخرى لهذا التحول؟ ملاحظة صحيحة. قبل سنوات كانت الرواية الإسرائيلية هي التي تهيمن على الرأي العام في أوروبا وغالبية دول العالم، من خلال مزاعم بأن إسرائيل واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط، وأن الفلسطينيين إرهابيون ولا يريدون السلام. إلا أن العالم اكتشف الحقيقة؛ وهي أن إسرائيل تمارس الإرهاب والتمييز العنصري وجرائم حرب ضد الفلسطينيين، وأن هؤلاء الأخيرين ومعهم العرب مدوا أيديهم للسلام، وقدموا تنازلات كبيرة دون جدوى. وقد لعبت الBDS دورا في فضح المزاعم والأكاذيب الإسرائيلية. كما أن العالم يشاهد ويسمع ما يجري نتيجة الثورة المعلوماتية التي جعلت كل شيء متاحا، ومن هنا فإسرائيل تحارب حملة المقاطعة، وتعادي منظمات حقوق الإنسان التي تفضح الممارسات الإسرائيلية. ويمكن اعتبار ما يجري خطوة مهمة، وإن كانت متواضعة، لإعادة تصويب الموقف الأوروبي تجاه القضية الفلسطينية. أما بالنسبة إلى ضمور الوعي العربي، فالأمر في اعتقادي مؤقت، وإن كانت الأمور لن تعود كما كانت في زمن المد القومي والتحرري الثوري، وقد لعبت الجماعات الإسلاموية دورا في تشويه الوعي العربي وفي حرف الشعوب العربية عن القضايا الكبرى. بناء على هذا، هل لاتزال هناك فرصة لإعادة بناء تحالفات قوية مع القضية الفلسطينية؟ لا شك أنه ليس للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الآن حلفاء استراتيجيون، كما كان الحال قبل سقوط الاتحاد السوفيتي وفوضى ما يسمى الربيع العربي، وأيضا قبل الانقسام الفلسطيني الذي أساء كثيرا إلى القضية وإلى الشعب، لكن، مادامت القضية الفلسطينية عادلة وغالبية دول العالم تعترف بحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، وقد رأينا كيف وقفت دول الاتحاد الأوروبي ضد سياسة الضم الإسرائيلي، فإن إعادة تصويب مسار القضية عربيا ودوليا أمر وارد، لكن على أرضية الشرعية الدولية وقرارات الأممالمتحدة التي تعترف بحق إسرائيل في الوجود، وأن الاحتلال الإسرائيلي يقتصر على الضفة الغربية وقطاع غزة، ولو لم يكن هناك مؤيدون وأنصار للشعب الفلسطيني، لكانت واشنطن وإسرائيل نفذتا صفقة القرن وسياسة الضم. أخيرا، هل نتوقع من الفصائل الفلسطينية العودة إلى حمل السلاح ضد المحتل؟ العودة إلى ما قبل توقيع اتفاقية أوسلو وإلى حالة المقاومة المسلحة، كما كانت في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، أمر مستبعد الآن لعدة أسباب منها: الانقسام الفلسطيني وغياب استراتيجية ووحدة وطنية حول هذا الهدف، وغياب حليف دولي أو عربي يمكنه احتضان مقاومة مسلحة في فلسطين ويشكل لها حاضنة وقاعدة ارتكاز، كما أن غالبية دول العالم لم تعد تقبل العمل الفدائي أو المقاومة المسلحة وتخلط بينها وبين الإرهاب، لكن، في المقابل، فإن المقاومة ليست عملا عسكريا فقط، فهناك أشكال متعددة لها، ونذكر هنا أن الانتفاضة الأولى عام 1978 لم تكن مسلحة، بل كانت انتفاضة حجارة وحققت الكثير للفلسطينيين. وكما ورد سابقا، فإن حملات مقاطعة إسرائيل شكل من أشكال المقاومة، فالمقاومة الشعبية بكل صورها ستكون مجدية الآن أكثر من العمل العسكري، ولكن قد تكون هناك عودة إلى العمل العسكري إذا ضمت إسرائيل الضفة الغربية، وجرى حل أو إسقاط السلطة الفلسطينية، فآنذاك لن يكون أمام الفلسطينيين إلا العودة لمرحلة التحرر الوطني والعمل العسكري..