مع احتفال الجزائر بالذكرى 58 للاستقلال عن فرنسا، وفي حديث لقناة "فرانس 24′′، اعتبر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إعادة جماجم 24 من المقاومين الجزائريين، بأنه "نصف اعتذار" عن سنوات الاستعمار، وأن الجزائر تنتظر المزيد من الخطوات من الرئيس الفرنسي، ماكرون، والحكومة الفرنسية. الرئيس عبد المجيد تبون تحدث عن فترة شنيعة من تاريخ الاستعمار الفرنسي للجزائر في القرن التاسع عشر، وأكد أن الحكومات الفرنسية المتعاقبة قامت بخطوات شجاعة في طريق إعادة النظر في التاريخ الاستعماري، والجزائر لاتزال تنتظر المزيد من الخطوات، لا سيما من الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي وصف استعمار بلاده بالجريمة ضد الإنسانية. الرؤساء، الذين تعاقبوا على الحكم في قصر الإليزيه، خلال فترات الرئاسة الثلاثة الأخيرة، نيكولا ساركوزي، وفرانسوا هولاند، والحالي إيمانويل ماكرون، قاموا بخطوات أعربوا فيها عن اقتناعهم ببشاعة جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، إلا أن الحكومات لم تذهب إلى حد تقديم اعتذار للدولة الجزائرية، وقد قوبلت تصريحات، وأفعال الرؤساء الفرنسيين بمعارضة إعلامية، وسياسية شديدة، لاسيما من أحزاب اليمين المحافظ، واليمين المتطرف. وبحسب الرئيس الجزائري، فإن أنصاف الاعتذارات ستساهم في مواجهة ملف "الذاكرة " بين البلدين، وتهدئة العلاقات بين الشعبين، وسيفتح صفحة جديدة من العلاقات، ولهذا لاتزال الجزائر تنتظر المزيد من الخطوات الفرنسية. واعتبر المدير العام للأرشيف الجزائري، والمستشار المكلف بالذاكرة الوطنية، عبد المجيد شيخي، أن استرجاع رفات شهداء المقاومة من فرنسا، بعد مرور أزيد من 170 سنة، من فرنسا، بمثابة خطوة أولى على درب استعادة كل ماله علاقة بالذاكرة الوطنية. قانون تجريم الاستعمار الفرنسي ملف ذاكرة الاستعمار الفرنسي أدرج عدة مرات في برنامج الحكومات الجزائرية، لكن هذا لم يقترن بمطالب رسمية من البرلمان، أو المؤسسات الجزائرية باعتذار رسمي من فرنسا، وذلك بسبب تشابك المصالح بين الأنظمة الجزائرية المتعاقبة، والحكومات الفرنسية. ومنذ مجيء الرئيس عبد المجيد تبون، عاد ملف الذاكرة إلى نقاشات الحكومة، وتم تفسير ذلك بالتوتر، الذي شهدته العلاقات الجزائرية الفرنسية منذ استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، والرغبة في فتح صفحة جديدة، حيث أكدت المصادر في البرلمان الجزائري، أن مشروع قانون تجريم الاستعمار من المنتظر أن يتم طرحه من جديد، وسيكون هدفه تجريم الاستعمار الفرنسي عن كامل الأعمال الإجرامية، التي قام بها طوال 132 سنة، وما نتج عنها من آثار سلبية إلى اليوم. التعليقات داخل الجزائر حول تصريحات الرئيس، عبد المجيد تبون، جاءت متناقضة مع القراءة الفرنسية، حيث تم استهجان اختياره الحديث باللغة الفرنسية عشية الاستقلال عن فرنسا، وأشار بعض إلى أن الرئيس ماكرون كان أكثر شجاعة، وصراحة حينما تحدث عن "جرائم فرنسية ضد الإنسانية " في وقت اكتفى الرئيس الجزائري على قناة فرنسية بالقول إنها " شبه جرائم ضد الإنسانية". ملف العلاقات بين الجزائر، وفرنسا لا يمكن فصله عن العلاقات الداخلية لكل بلد، إذ بالنسبة إلى فرنسا قضية تقديم الاعتذار الرسمي للجزائر غير واردة، على الأقل في الوقت الراهن، لأن المسؤولين الفرنسيين، وحتى الرئيس ماكرون، عرفوا كيف يصرفوا النقاش في ملفات أقل شأنا من الاعتذار، مثل تسليم جماجم المقاومين، وإرجاع الأرشيف المسروق، وقضايا قتل، وتعذيب مؤيدين للثورة الجزائرية، لكن حسب المراقبين لن يذهب السياسيون الفرنسيون لحد اتخاذ خطوات أحادية، لأن أي مسؤول فرنسي يعلم أن قضية الاعتذار تتجاوز شخصه، وهي ذات عواقب سياسية، ومادية على فرنسا. بالنسبة إلى الجزائر، فالحكومات المتعاقبة بقيت عاجزة عن سن قانون داخلي يجرم جرائم احتلال الدولة الفرنسية، كما أن الأنظمة الجزائرية المتعاقبة اعتمدت على ملف الاستعمار الفرنسي، لتأجيج، وتجييش العاطفة، وحشد الوحدة الوطنية في مواجهة الانتقادات ومطالب التغيير، حيث لفت الشباب، المشاركون في الحراك الجزائري على مواقع التواصل الاجتماعي، النتباه إلى أن تصريحات الرئيس الجزائري تبون عن اعتذار فرنسا، بأنها مجرد تصريحات إعلامية تشبه تصريحات المسؤولين السابقين، ولا تخرج عن سياق رغبة السلطة، والأنظمة الجزائرية المتعاقبة في الحصول على دعم، ومشروعية دولية، من خلال بلد قوي مثل فرنسا، سيما أن النظام الحالي يواجه انتقادات شعبية، ويعجز في إقناع الجزائريين بالتخلي عن مطالب التغيير.