يقوم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يوم غد الأربعاء، بزيارة حساسة إلى الجزائر، حيث من المتوقع أن يؤكد مجدداً "العلاقة الخاصة" بين البلدين، محاولاً في الوقت نفسه تجاوز خلافات فترة الاستعمار، على غرار ما فعل الأسبوع الماضي في جنوب الصحراء الإفريقية. وستتميز زيارة ماكرون إلى الجزائر، التي كانت استعمرتها فرنسا بين عامي 1830 و1962، بلقاء الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة (80 عاماً)، في إقامته بزيرالدة غرب العاصمة. ولا يستقبل بوتفليقة إلا القليل من القادة الأجانب، بعد أن أُصيب بجلطة دماغية في 2013. ولا يزال في السلطة منذ عام 1999. مطالب بالإعتذار وقال الطيب زيتوني وزير المجاهدين (قدماء المحاربين الجزائريين)، أمس ، بحسب "الأناضول" إن بلاده متمسكة بمطلب "الاعتراف الرسمي لفرنسا بجرائم الاستعمار"، وحسب الوزير الجزائري: "نحن سئمنا من التصريحات والسياسة نريد أمورا ملموسة". وتابع: "هناك جرائم ارتكبها الاستعمار الفرنسي في الجزائر طيلة 132 سنة (1830/ 1962) ولا بد من الاعتراف والتعويض والإعتذار من الجانب الفرنسي، فهذه مطالب شرعية". وشدّد زيتوني، على أنه "كما قال الرئيس الجزائري السابق هواري بومدين (1965/1978) بيننا وبين فرنسا جبال من الجماجم ووديان الدماء ولا يمكن لأي جيل جزائري أن يطوي الصفحة لأن طيها لا بد أن يكون على أسس متينة وإعطاء الضحايا حقهم". تعليق الوزير الجزائري جاء ردّا على على تصريح جديد للرئيس ماكرون في حوار تلفزيوني بث أمس، مع قناة تلفزيونية غانية، أكد فيه أن موقفه من جرائم الاستعمار هو "لا إنكار ولا اعتذار" وأنه يجب طي الصفحة والتوجه نحو المستقبل. واعتبر زيتوني، أن "ما ينقص العلاقات الجزائرية الفرنسية، هو الثقة ولن تكون بأُسسها إلا بدراسة الماضي المشترك". وأكد أن هناك أربعة ملفات عالقة بين البلدين، هي "الأرشيف الجزائري خلال مرحلة الاستعمار المحتجز في فرنسا وقضية المفقودين خلال نفس المرحلة، والتفجيرات النووية الفرنسية في الجنوبالجزائري والتعويض عنها، وجماجم المقاومين الجزائريين المحتجزة بباريس، وهي ملفات لن نقبل المساومة عليها أو طيها". وأوضح زيتوني: "بدأنا العمل على هذه الملفات ولكن المفاوضات توقفت بسبب الانتخابات في فرنسا خلال العام الجاري ونعمل حالياً على إعادة تفعيلها"، دون أن يقدم تفاصيل حول ما إذا كانت تدخل ضمن أجندة زيارة ماكرون. وفي 2012، سمح اعتراف فرنسوا هولاند ب"الآلام" التي سبَّبها "الاستعمار الفرنسي" بتحسُّن في العلاقات بين البلدين. جولةٌ وسط الجزائر وكما اعتاد في أثناء جولاته، سيقوم ماكرون بجولةٍ وسط العاصمة الجزائرية. وقالت الرئاسة الفرنسية إن ماكرون "يتمتع بصورة جيدة جداً في الجزائر"، موضحةً أنه زارها مراراً حين كان وزيراً للاقتصاد. ويرى منصور قديدير، الباحث الجزائري في العلوم السياسية، أن "زيارات الرؤساء الفرنسيين للجزائر باتت تقليداً" في بداية ولاياتهم، "والخروج عنه غير وارد"؛ لأن "الرمزية مستمرة في القيام بدور مهم في التقارب بين البلدين". ومنذ فاليري جيسكار ديستان في 1975، الذي قام بأول زيارة رسمية من رئيس فرنسي إلى الجزائر المستقلة، زار رؤساء فرنسا كافة الجزائر. وفي 1981، أكد فرنسوا ميتران أن "فرنساوالجزائر قادرتان على التغلب على خلافات الماضي وتجاوزها". وفي 2003، وقَّع شيراك مع بوتفليقة "إعلان الجزائر"، الذي نص على "شراكة مميزة" بهدف تجاوز "ماضٍ لا يزال أليماً" ولا ينبغي "نسيانه أو إنكاره". ثم في 2007، ندد نيكولا ساركوزي بالنظام الاستعماري "الظالم" الذي كانت فرنسا أقامته في الجزائر، مضيفاً: "لكن، من العدل أيضاً القول إنه داخل هذا النظام، كان هناك الكثير من الرجال والنساء الذين أحبوا الجزائر قبل أن يضطروا إلى مغادرتها". "صعوبات" اقتصادية وزيارة الرئيس الفرنسي للجزائر ستتيح لماكرون -بحسب صحيفة "الوطن" الجزائرية الناطقة بالفرنسية- ب"أن يسدد دينه للجزائر التي لم تستسغ تفضيله المغرب على الجزائر في أول زيارة رسمية للمنطقة". وما زالت زيارة ماكرون للجزائر في أثناء الحملة الانتخابية عالقة بالأذهان، حيث وصف فيها الاستعمار الفرنسي للجزائر بأنه "جريمة ضد الإنسانية". ولقي هذا التصريح ترحيباً في الجزائر مقابل انتقادات شديدة في فرنسا من اليمين واليمين المتطرف. وقالت الرئاسة الفرنسية إن "مسألة الذاكرة" سيتم التطرق إليها في أثناء الزيارة. والأمر يتعلق بالنسبة لماكرون -وهو أول رئيس للجمهورية الخامسة الفرنسية مولود بعد حرب الجزائر- ب"طي الصفحة" و"بناء علاقة جديدة". وكان ماكرون قال الأسبوع الماضي، في أثناء جولة بغرب إفريقيا، إنه إزاء الاستعمار "لا إنكار ولا توبة. لا يمكن أن نبقى حبيسي الماضي". وإحدى أولويات باريس، هي إعادة دفع المبادلات الاقتصادية في وقت تركت فيه فرنسا مكانها، كأول مزوّد لإفريقيا، للصين. وبين القطاعات ذات الأولوية، صناعة السيارات والصيدلة والصناعات الغذائية. وتبقى فرنسا أول مستثمر خارج مجال المحروقات، وأول موظف أجنبي في الجزائر مع 40 ألف وظيفة مباشرة و100 ألف وظيفة غير مباشرة. لكن البلد يعاني تراجعاً في سعر برميل النفط، الذي يوفر 95في المائة من مواردها الخارجية. كما ستشمل المباحثات، الأمن الإقليمي والدولي، خصوصاً الأزمة الليبية ومكافحة الإرهاب.