فجر التحول المفاجئ والجذري للبيجيدي من التحالف مع حزب البام في أكبر جهة بشمال المغرب، زوبعة تنظيمية كبيرة داخل حزب العثماني، كشفت عن مواقف متشددة ومتباينة، من الدخول في التحالف مع غريم سياسي إلى وقت قريب يعتبر التحالف معه خطا أحمر، ووصفت التحالف مع البام، ب”التراجعات الديمقراطية واستمرار التحكم في صناعة الأغلبيات الهجينة”. هذا التحول الكبير في السلوك السياسي للبيجيدي، سارعت الأمانة العامة، للتهوين منه، والحديث عن مبرراته السياسية، وخرج سليمان العمراني، نائب الأمين العام للحزب، ليكشف أن الأمانة العامة توقفت مليا خلال اجتماعها الأسبوعي، الذي انعقد، مساء أول أمس الاثنين، عند استحقاقات انتخاب مكتب مجلس جهة طنجةتطوانالحسيمة، واستعرضت كل الاعتبارات والحيثيات والمساطر والمرجعيات المؤطرة لموقف الحزب. وشدد العمراني في تصريح عقب اجتماع الأمانة العامة، أن التحاق حزب العدالة والتنمية بالأغلبية المسيرة للجهة، أملاه تفاعل الحزب مع طلب ورد إليه من جهة الترشيح في هذه الجهة، حيث إنّ ممثلي الكتابة الجهوية نقلوا للأمين العام الحيثيات والخلاصات التي انتهى إليها اجتماع الكتابة الجهوية وفريق الحزب بمجلس الجهة، والذي كان التوجه العام هو المشاركة في التسيير، تفاعلا مع الدعوة التي وجهت إليه للالتحاق بالأغلبية المسيرة. وكشف وجود مقرر تنظيمي صدر في 3 شتنير 2015، يؤطر عملية تدبير هذا التحالف، والذي ينص على أنه “تشرف على تدبير التحالفات للرئاسة وتعيين مرشحي الحزب للرئاسة أو لعضوية مكاتب مجالس الجهات والمدن الكبرى، لجن يعينها الأخ الأمين العام وتعمل تحت إشرافه”. وأوضح العمراني أن الأمانة العامة تداولت في الموضوع وخلصت إلى أن “دخول الأغلبية أمر مهم ونأمل منه فوائد عديدة، بالإضافة إلى أنه تحالف مع مكونات عديدة داخل المجلس”، ثانيا، يقول نائب الأمين العام، يعلم العموم أنّ الحزب سنة 2015 أمضى تحالفات مع الحزب الذي يرأس جهة طنجةتطوانالحسيمة في مدن عديدة، ثالثا، أنّ التحالف الانتخابي أو التنموي ذو طبيعة محلية وليس بأي حال من الأحوال تحالفا سياسيا مع الحزب الذي يرأس الجهة. وشدد المتحدث ذاته على أنّ قرار المشاركة في الأغلبية المسيرة لجهة طنجةتطوانالحسيمة “كان قرارا مؤسساتيا، سليما مسطريا”، وتابع، “ننشد أن يسهم الحزب من خلاله الدفع بعجلة التنمية في هذه الجهة، واستدراك الخصاص المسجل في السنوات الأربع الماضية.. رائدنا المصلحة العليا للجهة بكافة مواطنيها ومجالسها الترابية”. محمد شقير، الباحث في العلوم السياسية، وتفسيرا منه للتحول الجذري في الموقف الراديكالي للبيجيدي من البام، قال إن الحسابات السياسية للتحالفات تختلف بين المستويين الوطني والجهوي، مؤكدا أن التحول الجديد في سلوك البيجيدي، هو ما ارتبط أساسا بالضجة التي لها علاقة بالتحول العميق في ما كان يُسمى خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها، والتي كانت ترفض بشكل مطلق، أي تحالف ما بين حزب العدالة والتنمية، وحزب الأصالة والمعاصرة، خاصة في فترة تولي عبدالإله بنكيران، رئاسة الأمانة العامة، ووجود إلياس العماري على رأس الأصالة والمعاصرة، مشددا على أنها من أهم العوامل التي لعبت دورا كبيرا في التغيير الجذري في التعامل بين الحزبين الغريمين. وأوضح شقير أن اللعبة السياسية بالمغرب تبقى مشخصنة، والأكيد أن تصريحات بنكيران التي كانت تعتبر التحالف مع الأصالة والمعاصرة خطا أحمرا، وهي المواقف التي كانت تساهم في إبعاد البام من أي تحالف سواء على الصعيد الوطني أو الجهوي، ومقابل هذا الموقف نجد أن إلياس العماري هو أيضا كان يعتبر أن أي تحالف مع البيجيدي برئاسة بنكيران، هو خط أحمر، وبالتالي، هذا الموقف المتشدد من قياديين غلب عليهما الطابع الشعبوي، أظنه موقف لعب دورا كبيرا في التباعد بين الحزبين، دون أن ننسى أن كل الاحتمالات واردة في العمل السياسي، وبالتالي وضع خطوط حمراء، هذا الأمر شخصن الحسابات السياسية وهي التي كانت وراء إقصاء كل حزب للآخر. ويرى شقير أن مع مجيء سعد الدين العثماني كأمين عام للبيجيدي، أصبحت اللعبة السياسية أكثر ليونة وابتعدت عمّا سمّاه ب “الشخصنة والشعبوية”، التي كانت سابقا مع وجود بنكيران والعماري. وفي رده على موقف بعض من قيادات البيجيدي التي مازالت ترى في البام تكريسا للسلطوية وإفساد الحياة السياسية، أوضح شقير أن هذه المواقف تعبر عن خطاب سياسي ليس إلا، إلا أن الواقع السياسي، يفرض على أي حزب أن يضع وجود احتمالات سياسية واردة نصب عينيه، مؤكدا أن مثل هذه المواقف المتشددة بين الحزبين الغريمين، هي مواقف محسوبة على حقبة سياسية كانت تتسم بالشخصنة تظهر على أن المشهد السياسي فيه قطبين متباعدين لا يمكنهما أن يلتقيان في أي محطة من المحطات، مشددا أن التحول الجذري في موقف البيجيدي بمجيء العثماني خلخل هذا المنظور، لأن التغيير طال قيادات الحزب، لأن شخصية العثماني ليست هي شخصية بنكيران، فهو، ربما، حريص أكثر في وضع حسابات سياسية جديدة بشكل أكثر احترافية، ويتعامل مع ما استجد منها بمنطق الربح والخسارة، وهذا ما أدى إلى هذا التحول المفاجئ والجذري مع البام، وهذا ما لاحظناه من كون التحالف مع البام في جهة طنجةتطوان، لعب فيها العثماني إلى جانب مستشاره سعيد خيرون دورا كبيرا، في إجراء هذا التحول، في الوقت الذي تعالت فيه أصوات من داخل الكتابات الإقليمية والجهوية منتقدة هذا الموقف، واعتبرت أنها لم تشرك في هذه العملية. ويشدد شقير على أن التحول في موقف البيجيدي، لعب فيه عامل تغيير القيادات وتمرسه السياسي على اللعبة السياسية، دورا كبيرا في أن يحدد موقفه الجديد بحسابات الخسارة والربح، أكثر من أن يرتهن موقفه بأمور شخصية. سعيد خيرون، عضو الأمانة العامة، شدد في اتصال مع “أخبار اليوم”، أن الموقف الجديد من البام والدخول معه في تحالف التسيير في جهة طنجة، كان بقرار من الكتابة الجهوية، وبعلم جميع المنتخبين، احترمت فيه جميع المساطر القانونية، مؤكدا أن جرأة القرار أحدثت رجة سياسية، واصفا الأمر بالعادي، لأن مجموعة من الجماعات تحالف فيها العدالة والتنمية مع البام في التسيير، معتبرا أن خصوصية جهة طنجة كانت دائما تثير مواقف متباينة حول التحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة. هذا الموقف الجذري من التحالف مع البام، لم يرق قيادات وازنة داخل البيجيدي، منهم عبدالصمد الإدريسي، عضو الأمانة العامة، الذي قال: “إن في منطق السياسة، تغيير الموقف 180 درجة، يقتضي نقاشا سياسيا يجيب عن سؤال، ما الذي تغير؟ فالبام، الذي أفسد العملية السياسة منذ 2007 هو نفسه، لم يتغير.. فإذا كان اليوم يعيش أزمة انفجار من الداخل، فلا معنى لإعطائه ترياق الحياة”. محمد خيي، أحد قياديي الحزب بجهة الشمال، كشف في تدوينة له على صفحته الرسمية، أن “صفة نائب الكاتب الجهوي لحزب العدالة والتنمية جهة طنجةتطوانالحسيمة لم تشفع لي بالاطلاع مسبقا على قرار التحالف مع البام، فقد عرفت بالأمر من خلال المواقع الإلكترونية كباقي الناس، صحيح أنني اعتذرت عن حضور آخر اجتماع للكتابة الجهوية يوم 20 أكتوبر بسبب وعكة صحية، لكنني تابعت أهم مخرجات الاجتماع، وخصوصا إصدار بلاغ للرأي العام يدين التحكم في الأغلبية ويستهجن إعادة سيناريو 2015، وبعده تم إعلان ترشيح الأخ سعيد خيرون لمنصب رئيس الجهة، بما يعني أنه لا جديد في الأفق”. خيي قال إنه تفاجأ بقرار حزبه، “كما تفاجأ الجميع بقرار سحب الترشيح للرئاسة ومعه المشاركة في مكتب جهة طنجةتطوانالحسيمة والتحالف مع البام في الدقائق الأخيرة من الولاية الانتدابية والحصول على مقعدين في المكتب وتسمية الأخوين سعيد خيرون ونبيل الشليح نائبين للرئيسة الجديدة للجهة، في بداية الأمر ظننت أو توهمت أنه ربما فاتني حضور اجتماع استثنائي ومستعجل للكتابة الجهوية التي قد تكون اجتمعت أمس أو هذا الصباح بشكل عاجل واستثنائي بالضرورة لمناقشة العرض السياسي الجديد للبام الذي يقود التفاوض للانتقال إلى الأغلبية، وكذلك، للمصادقة على هذا التوجه وتفعيل مسطرة انتخاب عضوين للمكتب والتداول في الشخصين المناسبين لهذين المنصبين ولغيرهما من المناصب الأخرى في أجهزة المجلس، لكنني تأكدت للأسف بأنه لم يفتني أي اجتماع، لأنه لم يتم الدعوة إلى انعقاد الكتابة الجهوية، وهي بالمناسبة أعلى هيأة تقريرية في الحزب على مستوى الجهة!”. ووصف خيي قرار العثماني بالتحالف مع البام في جهة الشمال، ب”القرار الأخرق”، وذلك لاعتبارات أخلاقية وسياسية وتدبيرية، من أهمها أن قرار التحالف مع البام والمشاركة معه في المكتب والترشيح للنيابة الأولى للرئيس وللنيابة الخامسة بعد سحب الترشح للرئاسة، هو قرار فاقد للمشروعية لأنه لم يتم اتخاذه حسب علمي من طرف أي مؤسسة حزبية”..