تتفاقم الأزمة داخل حزب الأصالة والمعاصرة يوما بعد يوم. ورغم محاولة أمينه العام حكيم بنشماش إظهار نفسه في اجتماع المكتبين السياسي والفيدرالي أمس الأحد، على أنه “يحث على المصالحة”، وحصل نظير ذلك، على تفويض لإدارتها مع خصومه في تيار “المستقبل”، إلا أن البلاغ الصادر عن الاجتماع لاحقا، أفسد كل ذلك، بعدما طغت على مضامينه توافقات بين الأمين العام للحزب، والتيار المحسوب على العربي المحارشي. وعلى ما يبدو، فإن بنشماش يشترط تحت ضغط التيار المحسوب على المحارشي، أن تكون المصالحة دون أحمد اخشيشن، رئيس جهة مراكش- آسفي، والأمين العام بالنيابة للحزب، المقال من منصبه، وأيضا دون سمير كودار، رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الرابع المقرر عقده في دجنبر المقبل. يظهر ذلك بوضوح في مطالبة المكتبين السياسي والفيدرالي – اللذين يطعن خصوم بنشماش في شرعيتهما- من الجهات المختصة “فتح تحقيق قضائي نزيه في مجمل الصفقات المشبوهة والتجاوزات المفضوحة التي قدمت بشأنها شكايات في الموضوع أو تصريحات عمومية في مجلس جهة مراكش- آسفي”، الذي يرأسه اخشيشن، ويشغل كودار منصب نائب له. وفي الواقع، كما يقول كودار نفسه، فإن كلا من الأمين الإقليمي لحزب الأصالة والمعاصرة بالحوز حميد بنساسي، وعضو المجلس الوطني للحزب عبد اللطيف الزيالي، “قد استمعت إليهما الشرطة بمراكش بأمر من النيابة العامة، مؤخرا، بسبب تقديمهما اتهامات ضده، ووضعه شكاية.. والمسطرة مازال جارية، لكن بنساسي سارعا الخطى إلى بنشماش وشارك في الاجتماع ليحصل على دعم أمينه العام دون أي احترام للمؤسسات القضائية”. وبالفعل، فقد شارك بنساسي في هذا الاجتماع، وقدما عرض يزعم فيه تعرضه هو والزيالي لضغوط أيضا. وأعلن بنشماش “مؤازرتهما قانونيا لما يتعرضان له من مضايقات ومتابعات تستهدفهما بسبب مواقفهما التي تفضح العديد من الاختلالات والتجاوزات التي تعتري بعض الصفقات بجهة مراكشآسفي”. لكن الزيالي أعلن اليوم أنه “بريء من إقحامه في هذا البلاغ”، مشددا على أنه “غير معني به”. وهذه ليست أول مرة، التي يستعمل فيها بنشماش صفقات مجلس جهة مراكش- آسفي في صراعه مع خصومه بالحزب، فقد استخدمها في رسالة “الإكوادور”، لكنها لأول مرة يجري استعمالها في بلاغ رسمي صادر عن مؤسسات الحزب. ويعتبر ذلك “مؤشرا دالا” على مستوى التدهور الذي بلغته الصراعات داخل هذا الحزب. ويقول كودار إن هذا التصريح، وبهذه الكيفية، هو “إعلان حرب”، مضيفا: “المحاكم ستكون لها الكلمة الأخيرة”. وتبعا لذلك، رفض تيار “المستقبل”، أي تقارب بينه وبين بنشماش، رغم أن الأمين العام للحزب حاول إقناع مكتبيه السياسي والفيدرالي بتوليه مهمة إدارة التفاوض مع خصومه، إلا أن استهدافه لشخصيتين قياديتين في “المستقبل”، وأيضا بسبب المنهجية التي يسعى المكتب السياسي إلى فرضها في إدارة الحوار، جعلت خصومه ينأون بأنفسهم عن التورط فيها. ولا يقبل خصوم بنشماش أن يجري الحوار داخل “مؤسسات الحزب”، كما ورد في البلاغ الصادر عن المكتبين السياسي والفيدرالي أمس الأحد. ويرى تيار “المستقبل” أن “هذه المؤسسات تعاني من اختلال كبير لا يسمح لهما بإدارة دفة أي حوار. ويقول عبد اللطيف وهبي، القيادي في هذا التيار ل”اليوم 24″، إن المكتبين السياسي والفيدرالي “ليسا أهلا لمراقبة وتنفيذ أي مصالحة، لأنهما لا يحوزان الشرعية المطلوبة بعدما قام الأمين العام بإفراغهما من أعضائهما الشرعيين، وتعويضهم بأعضاء آخرين ليست لديهم صفة قانونية”. ويقصد بذلك الطريقة التي أقال بها بنشماش رئيس المكتب الفيدرالي، محمد الحموتي، وجمد عضوية الكثير من أعضاء هذا المكتب. ويشدد خصوم بنشماش على أن المصالحة “يجب أن تجري خارج هذه المؤسسات، أو ينبغي تصحيح وضعيتهما أولا”، وكلا هذين الشرطين يرفضهما قياديون في جناح “البام”، مثل ميلودة حازب وخديجة الكور وابتسام عزاوي. ولم يحضر في اجتماع أمس سوى ثلث مجموع أعضاء المكتبين، كما غاب عنه العربي المحارشي كذلك. كما يعيب التيار على بنشماش استمراره في التصريح بوجود “جهات خارجية تمارس ضغوطا” في الصراع الجاري بينه وبين تيار “المستقبل”. وقد استخدم بنشماش هذه العبارة مرتين في البلاغ الأخير، إحداها في سياق شرحه لشروط الحوار الداخلي، والثانية، في سياق تضامنه مع العربي المحارشي بدعوى تعرضه ل”مضايقات وضغوطات مرفوضة وغير مبررة”. ولم يقدم بنشماش أي تفاصيل عن طبيعة الضغوط التي يتعرض لها المحارشي، أو مصدرها. لكن تيار “المستقبل” يرى في هذه العبارة تلميحات مسيئة إليه، ناهيك عن تضامن بنشماش مع المحارشي لوحده لا يعكس بحسب خصومه، سعيا جديا إلى المصالحة على اعتبار أن المحارشي “يمثل كابحا كبيرا لأي تقارب بين الطرفين”، كما يقولون. كما يُنظر إلى التضامن معه على أنه “رسالة موجهة إلى قياديين في تيار المستقبل لا يرغبون البتة في أن يكون المحارشي جزءا من الحل”.