العلاقات المغربية-الجزائرية اتسمت، وعلى مدار أزيد من خمسة عقود، بالخلاف والعداء الذي وصل إلى الحرب بين الطرفين بسبب مجموعة من الرواسب التاريخية والسياسية التي يبقى أبرزها، ملف الصحراء. وقد ظهرت في الآونة الأخيرة عدة مؤشرات تؤكد رغبة المغرب في تطبيع علاقاته مع الجزائر والتقرب أكثر من هذا الجار، رغم الخلافات الجوهرية بين البلدين والعداء المستشري بسبب ملف الصحراء، هذا العداء وصل مداه عندما رفضت الجزائر فتح حدودها مع المغرب، وأخذ أشكالا متعددة، إن على مستوى “الاشتباك الدبلوماسي” ودخول الطرفين في حرب استنزاف في عدة مناطق في العالم، سواء في إفريقيا وأوروبا أو في أمريكا اللاتينية. كما وصلت هذه “العلاقة العدائية” إلى مستويات غير مسبوقة من التوجس وانعدام الثقة، من خلال استعداد كل طرف لإمكانية الدخول في مواجهات مباشرة من خلال ارتفاع نفقات العسكرة والتسلح في كلا البلدين. وفي ظل هذا الوضع المتسم بالتوتر وتبادل الاتهامات بين الطرفين، وقع تحول مفاجئ على مستوى السياسة المغربية تجاه الجار، حيث ظهر بشكل جلي رغبة المملكة في مد يدها إلى الجزائر من أجل بناء جسور الثقة وتقوية العلاقة الثنائية بين الطرفين وتجاوز وضعية الاحتقان الحالية، وأول بوادر هذا التحول تمثل بالأساس في الخطاب الملكي الأخير لذكرى المسيرة الخضراء، في 6 يونيو 2018، حيث وجه الدعوة إلى الجزائر إلى ضرورة تجاوز الوضع الراهن، وتشكيل آلية مشتركة بين البلدين لبحث الخلافات وتقوية العلاقة بين الطرفين. وقد غدا هذا التحول المغربي أكثر وضوحا على مستوى الخطابات الملكية، فبعدما كانت تتسم سابقا بنوع من الحدة والصرامة والوضوح ضد الجزائر، إلا أن الخطابات الأخيرة لسنتي 2016 و2017 و2018 سواء بمناسبة عيد العرش أو ثورة الملك والشعب أو المسيرة الخضراء، فقد خلت – الخطابات- من تلك اللهجة أو النبرة المنتقدة التي تم استبدالها بلهجة أكثر هدوءا وودية، حيث خصصت هذه الخطابات الخطاب حيزا مهما لعلاقة المغرب بالجزائر والإشارة إلى الروابط التاريخية والنضالية التي تجمع البلدين. لكن الدعوات المغربية لم تجد أذانا صاغية، فبعد مرور أسبوعين على الدعوة التي وجهها ملك المغرب بمناسبة ذكرى 43 للمسيرة الخضراء، جاء الرد الجزائري رافضا ومناورا في الشهور الأخيرة لرئيس بوتفليقة – قبل دفعه إلى تقديم الاستقالة- من طرف الحراك الشعبي، حيث ردت الجزائر بالدعوة إلى اجتماع وزراء الخارجية لدول المغرب الكبير، وهو رد مبطن على رفض الدعوة الملكية، لأن دعوة اجتماع وزراء خارجية دول المغرب العربي يأتي خارج السياق وبمثابة هروب إلى الأمام، لاسيما وأن تعطيل وجمود اتحاد المغرب العربي يرتبط، أساسا، بالصراع المغربي الجزائري. علاقة المغرب بالخليج.. بين الأمس واليوم تحولات وتغيرات مهمة مست العلاقة بين الطرفين خلال السنتين الأخيرتين، خاصة العلاقة مع السعودية والإمارات، فسابقا كانت الأخوة والصداقة والعلاقات الشخصية والأسرية، هي المفردات والمصطلحات التي تحكم العلاقة بين ملك المغرب وحكام السعودية والإمارات، وانتقلت العلاقة سنة 2012 إلى مستويات جديدة وعرفت تحولا نوعيا بفعل سياقات ومتغيرات الحراك الشعبي الذي عرفته المنطقة العربية. واندرج هذا التحول النوعي في إطار الشراكة الاستراتيجية التي تمت بلورتها على المستويات الاقتصادية والعسكرية والأمنية والاستخباراتية، شراكة تمتد من شمال إفريقيا إلى غرب آسيا، محورها المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي، هذا المحور عجلت التحولات المتسارعة التي تعرفها المنطقة العربية والتوازنات الجيواستراتيجية في ظهوره، حيث كان ينظر إلى الحلف المغربي- الخليجي آنذاك، كخيار استراتيجي لكلا الطرفين، إذ يشكل متنفسا اقتصاديا وماليا للمغرب، من خلال سعيه إلى بناء شراكة استراتيجية، توجت في السابع من نونبر 2012 بتوقيع الجانبين في المنامة على مخطط عمل بينهما عن الفترة (2012-2017)، ثم تعديله إلى الفترة (2013-2018). أما دول الخليج، فالحليف المغربي بالنسبة إليها يتوفر على عدة مقومات من بينها ما هو اقتصادي وعسكري وأمني، حيث يعتبر المغرب بوابة مجلس التعاون الخليجي تجاه إفريقيا وأوروبا، نظرا إلى موقعه الاستراتيجي المهم، مما يمكنها من التوسع اقتصاديا في هذه المناطق، أو بغرض الاستفادة عسكريا وأمنيا واستخباراتيا، وذلك بغية الحد من التغلغل الشيعي مغاربيا وإفريقيا، إضافة إلى حاجتها الملحة والحيوية إلى الجيش المغربي للدفاع عن سيادتها وأمنها القومي. تحالف استراتيجي بلغ مداه عندما أعلن مجلس التعاون الخليجي دعمه للوحدة الترابية للمغرب خلال القمة الخليجية المغربية الأولى، التي انعقدت بالرياض في 20 أبريل سنة 2016، وكان هذا الإعلان مؤشرا قويا آنذاك، على متانة وقوة التحالف المغربي – الخليجي. لكن، سرعان ما تعرض هذا التحالف لهزات قوية أفقدته زخمه وقوته، خاصة خلال الأزمة الخليجية البينية عندما قررت السعودية والإمارات في 5 يونيو 2017 مقاطعة قطر اقتصاديا وسياسيا، لدفعها إلى الرضوخ لبعض المطالب، حيث تدهورت العلاقة بين المغرب والسعودية والإمارات بسبب موقف الحياد الايجابي الذي تبناه العاهل المغربي تجاه هذه الأزمة، ورفض المغرب التدخل في استقلالية وسيادة قراراته. عدم استساغة موقف المغرب من الأزمة الخليجية البينية من طرف السعودية والإمارات، دفعهما إلى إنتاج مواقف عدائية تجاه مصالح المغرب، وبدأ مسلسل معاكسة المغرب بالتعبئة ضده ترشحه لاحتضان كأس العالم لسنة 2026، ليرد المغرب بالانسحاب من قوات التحالف في اليمن، بعدها لم يتأخر رد السعودية والإمارات من خلال بث تقرير يمس الوحدة الترابية للمغرب. لينتقل مسلسل الخلاف إلى أن وصل إلى استدعاء السفراء وتضارب مصالح بين الطرفين في عدة ملفات وقضايا، سواء صفقة القرن، أو التنسيق الإماراتي/الجزائري ودعم القايد صالح، وتحركات الإمارات في ليبيا ودعمها للجنرال حفتر، وشراء ميناء نواذيبو في موريتانيا ومحاولة جعله منصة تنافس وتهديد للأدوار الحيوية المتوقعة لميناء الداخلة المتوسطي. تحركات إماراتية في كل من ليبيا وموريتانياوالجزائر، تتناقض مع المصالح العليا للمغرب، أغضبت الرباط، وربما، ساهمت مع تأزيم العلاقة معها مقابل الانفراج المسجل على مستوى العلاقة مع السعودية، حيث استثنى وزير الخارجية المغربي الإمارات خلال الجولة التي قام بها شهر أبريل الماضي إلى الخليج، عندما نقل رسائل من الملك إلى معظم ملوك وأمراء دول الخليج (السعودية، الكويتوقطر)، الأمر الذي لم تستسغه الإمارات ودفعها إلى استدعاء سفيرها من المغرب.