محمد الزهراوي- استاذ العلوم السياسية، جامعة القاضي عياض/ / في ظل التوتر الذي تعيشه منطقة الخليج العربي، وجه العاهل السعودي الملك سلمان الدعوة إلى قادة دول مجلس التعاون الخليجي وقادة الدول العربية لعقد قمتين خليجية وعربية طارئة في مكةالمكرمة يوم الخميس 30 ماي 2019. وحسب البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية السعودية، فإن الدعوتين إلى قمتين طارئتين تأتيان حرصاً من ملك السعودية ” على التشاور والتنسيق مع الدول في مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية في كل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وفي ظل الهجوم على سفن تجارية في المياه الإقليمية لدولة الإمارات وما قامت به ميليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران من الهجوم على محطتي ضخ نفطية بالمملكة، ولما لذلك من تداعيات خطيرة على السلم والأمن الإقليمي والدولي وعلى إمدادات واستقرار أسواق النفط العالمية”. من الواضح، بحسب هذا المقتطف من البيان، أن دواعي وجدول أعمال القمتين محسومة سلفا، وهي لا تخرج عن محورين اثنين، الأول، حشد الدعم السياسي والعسكري لمواجهة الحوثيين أولا، والإيرانيين ثاينا. ومحاولة، خلق اصطفاف إقليمي ودولي ضد إيران والمحسوبين على محورها. غير أن توجيه الدعوة إلى جميع الدول العربية، يدفع في اتجاه التساؤل عن الكيفية التي سيتعامل بها المغرب مع التحولات وحالة اللاحرب واللاسلم التي تعيش على إيقاعها منطقة الخليج العربي، خاصة في ظل “الفتور والجفاء ” الدبلوماسي الذي صار واقع ملموسا وصار معلنا بين المملكة المغربية وبعض حلفاء الأمس. وارتباطا بهذه القمة، يتبادر إلى الأذهان الموقف الرسمي المغربي من القمم العربية، بعدما اعتاد العاهل المغربي على مقاطعة القمم العربية منذ سنة 2005، بفعل الاختلالات التي تشوب العمل العربي وتجعله غير مجد كما جاء في احد الرسائل الملكية، هذا، بالإضافة لحالة البرود والجفاء والتوتر التي صارت عناوين بارزة لعلاقة المغرب ببعض دول الخليج. معطيات ومؤشرات تجعل من مشاركة الملك محمد السادس شخصيا في قمة مكةالمكرمة القادمة، محل تخمين ويصعب التكهن أو حتى الجزم بمنطق التفاؤل أو التشاؤم لترجيح سواء خيار الحضور أو الاعتذار وتكليف من ينوب عنه كما جرت العادة في القمم العربية السابقة. أسئلة كثيرة تفرض نفسها في الوقت الراهن، من قبيل هل سيحضر ملك المغرب بشكل شخصي ؟ وما هي الملابسات والظروف الطارئة التي ستدفع المغرب إلى الحضور بأعلى تمثيلية ؟ وهل المغرب مستعد للالتزام بمخرجات هذه القمة سياسيا وعسكريا ؟ هل تشكل قمة مكة المرتقبة مناسبة لإعادة النظر في السياسات السابقة؟ ألا يمكن اعتبار هذه القمة فرصة المغرب لترميم علاقاته بحلفاء الأمس ؟ بالمقابل، ألا يمكن أن تكون هذه القمة محاولة لفرض الاصطفاف وبعض التحالفات والمشاركة في بعض السياسات التي سبق وأن رفضها المغرب ؟ ما هي مكاسب ومحاذير حضور الملك القمة من عدمها ؟ كيف يمكن للمغرب أن يوظف الحضور في رسم وضبط ايقاع التحولات التي تشهدها رقعة المغرب الكبير؟ تساؤلات عدة وعلامات استفهام كبرى تفرض نفسها في ظل التحولات المتسارعة التي تعرفها منطقتي الخليج والمغرب الكبير، تحولات جيوسياسية وخرائط وتحالفات يجري إعادة تشكيلها. علاقة المغرب بالخليج .. بين الامس واليوم تحولات وتغيرات هامة مست العلاقة بين الطرفين خلال السنتين الأخيرتين، خاصة العلاقة مع السعودية والإمارات، فسابقا كانت الأخوة والصداقة والعلاقات الشخصية والاسرية هي المفردات والمصطلحات التي تحكم العلاقة بين ملك المغرب وحكام السعودية والإمارات، وانتقلت العلاقة سنة 2012 إلى مستويات جديدة وعرفت تحولا نوعيا بفعل سياقات ومتغيرات الحراك الشعبي الذي عرفته المنطقة العربية. ويندرج هذا التحول النوعي في إطار الشراكة الاستراتيجية التي تمت بلورتها على المستويات الاقتصادية والعسكرية والأمنية والاستخباراتية، شراكة تمتد من شمال أفريقيا إلى غرب أسيا، محورها المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي، هذا المحور عجلت التحولات المتسارعة التي تعرفها المنطقة العربية والتوازنات الجيواستراتيجية في ظهوره، حيث كان ينظر إلى الحلف المغربي-الخليجي آنذاك خيار استراتيجي لكلا الطرفين، إذ يشكل متنفسا اقتصاديا وماليا للمغرب، من خلال سعيه إلى بناء شراكة استراتيجية، توجت في سابع نونبر 2012 بتوقيع الجانبين في المنامة على مخطط عمل بينهما عن الفترة (2012-2017)، ثم تعديله إلى الفترة (2013-2018 ). أما دول الخليج، فالحليف المغربي بالنسبة إليها يتوفر على عدة مقومات على المستويات اقتصادية والعسكرية والأمنية، حيث يعتبر المغرب بوابة مجلس التعاون الخليجي تجاه أفريقيا و أوربا نظرا لموقعه الاستراتيجي المهم، مما يمكنها من التوسع اقتصاديا في هذه المناطق، أو بغرض الاستفادة عسكريا وأمنيا واستخباراتيا، وذلك بغية الحد من التغلغل الشيعي مغاربيا وأفريقيا، ونظرا كذلك لحاجتها الملحة والحيوية للجيش المغربي للدفاع عن سيادتها وأمنها القومي. تحالف استراتيجي بلغ مداه عندما أعلن مجلس التعاون الخليجي دعمه للوحدة الترابية للمغرب خلال القمة الخليجية المغربية الأولى التي انعقدت بالرياض في 20 أبريل سنة 2016، وكان هذا الإعلان مؤشرا قويا آنذاك على متانة وقوة التحالف المغربي-الخليجي. لكن، سرعان تعرض هذا التحالف لهزات قوية افتقدته زخمه وقوته، خاصة خلال الأزمة الخليجية البينية عندما قررت السعودية والإمارات في 5 يونيو 2017 مقاطعة قطر اقتصاديا وسياسيا لدفعها إلى الرضوخ لبعض المطالب. حيث تدهورت العلاقة بين المغرب والسعودية والإمارات بسبب موقف الحياد الايجابي الذي تبناه العاهل المغربي تجاه هذه الأزمة، ورفض المغرب التدخل في استقلالية وسيادية قرارته. عدم استساغة موقف المغرب من الأزمة الخليجية البينية من طرف السعودية والإمارات، دفعهما إلى إنتاج مواقف عدائية تجاه مصالح المغرب، وبدأ مسلسل معاكسة المغرب بالتعبئة ضده ترشحه لاحتضان كأس العالم 2026، ليرد المغرب بالانسحاب من قوات التحالف في اليمن، بعدها لم يتأخر رد السعودية والإمارات من خلال بث تقرير يمس الوحدة الترابية للمغرب. لينتقل مسلسل الخلاف إلى أن وصل إلى استدعاء السفراء و تضارب مصالح بين الطرفين في عدة ملفات وقضايا، سواء صفقة القرن، أو التنسيق الإماراتي/الجزائري ودعم القايد صالح، وتحركات الإمارات في ليبيا ودعمها للجنرال حفتر،، وشراء ميناء نواذيبو في موريتانيا ومحاولة جعله منصة تنافس وتهدد الأدوار الحيوية المتوقعة لميناء الداخلة المتوسطي. تحركات إماراتية في كل من ليبيا وموريتانيا والجزائر، تتناقض مع المصالح العليا للمغرب، أغضبت الرباط، وربما ساهمت مع تأزيم العلاقة معها مقابل الانفراج المسجل على مستوى العلاقة مع السعودية، حيث استثنى وزير الخارجية المغربي الإمارات خلال الجولة التي قام بها شهر أبريل الماضي إلى الخليج عندما نقل رسائل من الملك إلى معظم ملوك وأمراء دول الخليج(السعودية، الكويت، قطر)، الأمر الذي لم تستسغه الإمارات ودفعها إلى استدعاء سفيرها من المغرب. حضور الملك إلى قمة مكةالمكرمة …مكاسب ومحاذير من المؤكد أن السبب المباشر لاضطراب وتأزم العلاقة بين المغرب وبعض حلفاء الأمس الخليجيين، هو محاولة المملكة المغربية ترسيم حدود العلاقة مع هذه الدول بما يخدم وينسجم مع مصالحها واستقلالية قرارها واختياراتها، أو إعادة تشكيل وبناء هذه العلاقة وفق منظق رابح/رابح، وليس بمنطق يراد له أن يكون تبعيا. ومن المؤكد كذلك، أن القيادات الجديدة في كل من السعودية والإمارات لها طموحات لقيادة المنطقة العربية، وفق تصورات وسياسات ومخططات لم يستشر بشأنها وهي لا تتماشى ولا تخدم مصالح المغرب ولا تراعي مركزه الإقليمي والديني(الملك رئيس لجنة القدس). وارتباطا بقمة مكة المرتقبة يوم 30 ماي من هذا الشهر، ونظرا لوضعية التوتر والاحتقان التي تشهدها منطقة الخليج العربي، فحضور أو عدم حضور الملك شخصيا لهذه القمة يمكن قراءته من عدة مستويين اثنين : الأول، الحضور الملكي في هذه الظرفية العصيبة التي تعيشها منطقة الخليج، هو رسالة قوية على دعم وحرص المغرب على أمن واستقرار الخليج، مما قد يساعد على تجاوز حالة الجفاء والفتور، ويمهد لاستعادة العلاقة بين الطرفين وفق أسس جديدة تراعي مصالحهما. إن ترميم العلاقة في هذه الظرفية، ليس بتلك السهولة التي قد تبدو، فمخرجات القمة ولغة وأسلوب التفاوض محددان أساسين لتجسير الهوة ” وتصفير الأزمة” ولتحقيق بعض المكاسب، لذلك، فبقدر ما يعتبر فالحضور الملكي مهما لتجاوز الوضع السابق واستعادة حلفاء الأمس، بقدر ما يحتمل أن يشكل مناسبة لفرض سياسات وتوجهات سبق وأن رفضها. الثني، عدم الحضور، و تكليف الملك لمن سيمثله في هذه القمة، هذا الخيار يعتبر رسالة كذلك على أن المملكة غير معنية بالصراعات والسياسات التي يجري التحضير لها، وبقدر ما يساهم هذا الخيار في استمرار حالتي البرود والجفاء بين الطرفين، بقدر ما يجنب المغرب سياسة الأمر الواقع التي سيحاول البعض فرضها داخل القمة، من خلال محاولة دفعه إلى مباركة قرارات جاهزة والمشاركة في سياسات لم يستشر بخصوصها. بين الخيارين، تبدو الأمور معقدة ومتشابكة، فالانخراط أو رفض الانخراط في سياسات أو تموقعات جديدة، كالمشي فوق الألغام، لذا، لا بد من أدوات استشعار لتوقع كافة السيناريوهات، كي لا يلعب المغرب دور ” كاسحة ألغام” في المنطقة. على صعيد آخر، فالنموذج المصري، جدير بالتأمل والدراسة على مستوى العلاقة بدول الخليج، إذ يدبر الرئيس العلاقة وفق مستويات تشمل السياسة والاقتصاد، في حين أن الجاني العسكري أو ” تصدير”الخدمة العسكرية” يظل من الاختصاص الحصري لمؤسسة الجيش. نهج من المؤكد أنه تبادل أدوار أو تكتيك تنهجه مصر لتصريف تعقيدات وتشابكات الوضع الإقليمي المأزوم. مصر تستفيد من الدعم و الأموال الخليجية من جهة، لكنها تتفادى وحريصة قدر الإمكان على عدم الدخول في مواجهات وصراعات عسكرية لأجل الخليج، فهي تكتفي بإصدار بيانات تضامنية كسقف لا يمكن تجاوزه كلما تعرضت منطقة الخليج لبعض الهزات، لاسيما وأن عقيدة الجيش المصري لا تضع إيران ضمن مجال الأعداء أو المنافسين لمصالحها وسياساتها في المنطقة. هي معادلة معقدة، باتت مكشوفة لكنها جنبت مصر الانخراط في سياسات وخيارات لا تخدم مصالحها الحيوية، وتفادي الزج بجنودها في صراعات إقليمية لا يمكن التكهن بمالاتها وتداعياتها على واقع ومستقبل المنطقة. وقد سبق وأن سبق لمصر وان رفضت مؤخرا مشروع جيش عربي “ناتو عربي” تقوده السعودية والإمارات، وبسبب هذا الموضوع، قام السيسي بزيارة لأمريكا، ليبرر لترمب دواعي وصعوبة انخراط مصر في هذا المشروع، بدعوى أن الأمر يتجاوزه، وان مؤسسة الجيش ترفض أن تصبح تابعة لأي طرف عربي. ومع اتساع دائرة الاحتقان والتوتر، ارتفع الطلب الخليجي خاصة الإماراتي والسعودي على الدعم العسكري المصري، حيث قام ولي عهد الإمارات محمد بن زايد يقوم بزيارة طارئة الأسبوع الماضي، إلتقى خلالها بالرئيس المصري، وبالنظر إلى سياق الزيارة وأسبابها التي تأتي بالتزامن مع حالة التوتر والاحتقان التي تشهدها منطقة الخليج. فمن الأكيد وشبه المؤكد أن هذه الزيارة تكتسي بعدا تعبويا، إذ أن الإمارات تطالب مصر بدعم عسكري وتعاون واضح في هذه الظرفية بعيدا عن لغة البلاغات التضامنية. التنسيق والتشاور بين مصر وحلفائها الخليجيين وصل إلى نقطة الصفر، بفعل وجود تبايُن واختلاف ً في وجهات النظر، بسبب طلب السعودية من السيسي إعلان موقف عملي داعم، واتخاذ إجراءات عقابية ضد طهران، لتقوية الموقف الخليجي في مواجهة طهران، وهو ما ترفضه مصر جملة وتفصيلا. رفض مصر الانخراط عمليا في التحالف ضد إيران، وامتناعها عن الزج بجنودها في لعبة استعراض القوة، يواجه بضغوط واغراءات لدفعها لتغيير مواقفها، إذ تحاول كل من السعودية والإمارات تقديم إغراءات مالية واقتصادية كبيرة وضخمة، حيث توزعت الإغراءات بين تقديم الإمدادات البترولية المجانية من طرف شركة أرامكو السعودية التي تقدر قيمتها بنحو 750 مليون دولار شهرياً، أو تقديم وعود بعدم استرداد الودائع الدولارية السعودية والإماراتية في البنك المركزي المصري. وجدير بالذكر، فالتوتر الذي تشهده منطقة الخليج، يخفي الكثير من التناقضات والتباينات الموجودة بين الحلفين الرئسيين بخصوص كيفية التعامل مع التهديدات الإيرانية، فالسعودية تريد مواجهة عسكرية مع إيران، في حين أن الإمارات ترفض وغير متحمسة للخيار العسكري ضد إيران، نظرا لمجموعة من الاعتبارات الاقتصادية والسياسية. ختاما، وفي ظل التحولات المتسارعة، وارتباطا بقمة مكة المرتقبة، فالمغرب أمام مفترق طرق في علاقته بحلفاء الأمس، سواء لتجاوز الوضع الراهن، أو ترك الأمور على حالها والرهان على الوقت والانتظار حتى تكتمل الصورة.