أسدلت كأس إفريقيا للأمم بمصر ستائرها، انتهت قصة النسخة ال32 من المونديال القاري، كان بطلها جزائريا، تألق من تألق، وتواضع من تواضع، تحققت مفاجآت عدة، واحترم المنطق في مجموعة من فصول هذه البطولة، وعلى غرار عاداتنا في هذه البطولة القارية، التي لم نجد فيها بعد مكانا ضمن الكبار، فقد خرجنا صاغرين، وعلى يد منتخب “صغير”. نسخة “الكان” المصري، أبت إلا أن تحطم كل أحلام المغاربة، الذين اكتشفوا في آخر البطولة بأنها لم تكن سوى أوهاما، انكسرت في أول اختبار حقيقي في الدور الثاني للبطولة، لكنها لم تمضي قبل أن تعطينا الكثير من الدروس والعبر، والحقائق التي أظهرت وجهنا “الحقيقي” في “مرآة” الكرة السمراء. الدروس، جاءت من جارنا الأول، المنتخب الجزائري، الذي أصبح هو المنتخب الثاني للمغاربة، وسبب تجمهرهم في المقاهي وصراخهم للأهداف، بعد فشل “أبناء جلدتهم” في منحهم “فرحة ونشوة كروية”، صحيح عابرة، ولكنها، على الأقل، مسكنة لبعض “الأوجاع”. عِبرُ الجزائر، أفتاها علينا جمال بلماضي، هذا المدرب المحلي الذي ربط أمجاد الحاضر بالماضي، وأعاد الروح لجسد منتخب جزائري نخرجه التواضع لسنوات، وغاب عن التألق الإفريقي والعالمي، بعد فترة سعدان وخليلوزيتش، ليقلده الذهب في أرض الفراعنة، ويحقق إنجازا عجزت عنه الكرة الجزائرية، لأزيد من 29 سنة، ورفعته مرتين اثنتين فقط في التاريخ. مؤخرة بلقبلة… أول درس قدمه بلماضي للعالم الإفريقي، هو الإنضباط، كن من تكون لكن انضبط واكتسب أدبا، ومن يخالف ذلك، فلا مكان لك بيننا، وستغادر من أقرب الأبواب، هكذا قال بلماضي للاعب بلقبلة، وغادر معسكر المنتخب، بعد حركة غير أخلاقية، فطرده رغم التدخلات والتوسلات، حتى من أسماء رنانة. التقط باقي اللاعبين الرسالة، فكان الالتزام بتعليمات المدرب شعارهم، فهو المرشد الأول، ولا تهم قيمة الأسماء الأخرى. “كيف كيف” راتب النجم يوسف بلايلي، بغداد بونجاح، جمال بلعمري، وغيرهم من نجوم المنتخب، ليست سوى “بقشيشا” بالنسبة للنجم رياض محرز، نجم مانشيتر سيتي الإنجليزي، لكن بالرغم من ذلك فلا فروقات على أرض الملعب، ولا فرق بين “محترف” ومحترف إلا بحب القميص، والتفاني على أرضية الملعب، فالكل تحت سقف المنتخب “كيف كيف”. بلماضي، نجح في انصهار مهارات وموهبة محرز في المجموعة، بل جعلها جسرا مرت منه نجومية مجموعة من اللاعبين، على غرار اسماعيل أيت بناصر، يوسف بلايل، بغداد بونجاح، وغيرهم. الملعب ساحة قتال.. قتال بالمعنى الكروي.. أن تتوفر على مجموعة غنية بالنجوم، لا يكفي دائما لصناعة منتخب قوية ومتماسك، وقادر على مقارعة الكبار، بل وجب أن تزرع فيهم الحافز، والأكيد أن بلماضي نجح في هذا الأمر، فالمنتخب الجزائري لم يبدع فقط فرديا، بل إنه تألق على المستوى الجماعي أيضا، وحول الملعب من رقعة للعب الكرة، إلى ” ساحة قتال”. ” فين ندخلو كننسى راسي، كنفكر غير ف درابو البلاد، كنبغي نخلي رجلي وروحي من أجل بلادي، وكنتفكر غير الشعب لي مورانا ومتبعنا”، هكذا صرح بغداد بونجاح بعد التتويج باللقب، وهو تصريح يكفي لأن تطرح سؤال، ” ما الذي بثه هذا الرجل في نفوس اللاعبين؟”، الجواب سهل جدا.. أعد مشاهدة مباريات المنتخب في البطولة، وخاصة ضربات الجزاء أمام الكوت ديفوار. إبعاد الضغط البطل المفترض، يظهر أثناء المنافسة وليس قبلها، على رقعة الميدان وليس على صفحات الصحف، وأفواه الصحفيين، فقد اختار بلماضي قطر للاستعداد للبطولة، قرر بأمر منه، عدم نقل مباريات المنتخب تلفزيا، منع الخروج بتصريحات صحفية، حتى كدنا ننسى بأن هذا المنتخب مشارك في “الكان” الإفريقي. جميع “الأبواق' والصفحات والتكهنات، كانت تشير للسينغال، المغرب، مصر، والكوت ديفوار، سلطت عليهم ضغطا نفسيا مضاعفا، ومنحت مساحة للمنتخب الجزائري، من أجل تفجير المفاجأة، على الرغم من أنه يتوفر على نجوم لا يقلون أهمية وقيمة عن باقي النجوم الأفارقة. المنتخب فرصتك للظهور لا يمكنك أن تنتظر من لاعب محترف أن يقدم كل إمكانياته وأكثر، وأنت لا تمنحه الحافز، والحافز ليس ماديا أو معنويا فقط، بل كرويا أيضا، فاللاعبين الشباب والذين يتحسسون طريقهم نحو المجد الكروي، يعلمون جيدا أن هذه المنافسة تعتبر فرصة ذهبية من أجل الظهور، وخط إسمه بمديد من ذهب، وفرصتهم أيضا للارتقاء في سلم النجومية. فلو لم يتح بلماضي الفرصية لأيت بناصر، لما توج بجائزة أحسن لاعب في البطولة، ولما رغب آرسنال الإنجليزي في استعادة خدماته، ولو لم يحفز يوسف بلايلي، لما كتبت تقارير صحفية إيطالية، بأن العملاق ميلان يرغب في ضمه من الترجي التونسي. الحافز، فجر لنا أيضا إسما رائعا، هو المدافع جمال بلعمري، الذي يبدو بأن المنتخب عبد له الطريق نحو الاحتراف في أروبا، هو الذي يمارس حاليا في الدوري السعودي.