في ثاني تقرير تصدره رئاسة النيابة العامة منذ تولي مهامها في 7 أكتوبر 2017، أثار رئيسها محمد عبدالنباوي، مسألة “بناء الثقة في النظام القضائي”، معتبرا أن ذلك “لا يتأتى عن طريق إجراء محاكمات عن طريق الوسائط الاجتماعية، للإجراءات والأحكام القضائية، قبل انتهائها”، ولا عن طريق “إطلاق أوصاف قدحية على الأحكام والإجراءات القضائية واتهامها بالجور والظلم، وبالانحياز وعدم الاستقلال”، دون تقييمها قانونيا وموضوعيا. ودعت النيابة العامة في تقريرها، كل السلطات والمؤسسات ووسائل الإعلام وجميع المواطنين، إلى دعم استقلال القضاء “لأنه هو الطريق الوحيد لتحقيق العدل والإنصاف”، وأن الاستقلال لا يمكن أن يتحقق “دون احترام لقرارات القضاة والثقة فيها”.. واعتبر التقرير أن إبداء المواقف من الأحكام “يعتبر حقا مشروعا”، ولكنه ينبغي أن يتقيد “بالضوابط الأخلاقية والقانونية وأن يتم بعد انتهاء الإجراءات، حتى لا يستعمل للتأثير في المقررات القضائية”. واشتكت رئاسة النيابة العامة، في تقريرها، الذي حصلت عليه “أخبار اليوم”، من الصورة التي رسمتها النقاشات التي “قادتها بعض الجهات” عبر وسائل الإعلام وغزت الوسائط الاجتماعية، عن رئاسة النيابة العامة بالحديث عن ميلاد مؤسسة تتسم ب”التغول”، ولا تخضع للمساءلة والمحاسبة الدستورية، “وهو ما ولّد لدى المواطنين إحساسا بوجود خطر وهمي”. واعتبر تقرير النيابة العامة أن النقاش المجتمعي، الذي صاحب عرض القانون المتعلق باستقلال النيابة العامة على البرلمان، أظهر وجود “ثغرة” في بناء السلطة القضائية المستقلة، تتجلى في “غياب جهات يمكنها أن تدافع عن هذه السلطة على المستوى المجتمعي”، مشيرا إلى أن النيابة العامة نهجت سياسة تواصلية مكّنت من رسم صورة حقيقية لرئاسة النيابة العامة. وبخصوص دور البرلمان من خلال لجنتي العدل والتشريع في مجلسيه، في مناقشة تقرير رئاسة النيابة العامة، خاصة بعد صدور التقرير الأول العام الماضي، رسم عبدالنباوي، حدود هذه المناقشة، محذرا من تحول المناقشة إلى محاسبة للنيابة العامة، مستندا على قرار المجلس الدستوري، الذي أوضح أن مناقشة البرلمان لتقرير النيابة العامة، “لا تتم من أجل مساءلة ومحاسبة النيابة العامة حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة”، لأن ذلك “يعتبر مساسا باستقلال السلطة القضائية التي تنتمي إليها النيابة العامة”، واعتبر التقرير أن مناقشته أمام البرلمان “يجب أن تتم في إطار الاحترام اللازم للسلطة القضائية كسلطة مستقلة”، وأن مناقشة التقرير لا يمكن أن تصبح تقييما أو انتقادا لأداء النيابة العامة”. واعتبرت النيابة العامة أن الغاية من مناقشة البرلمان للتقرير، هو فقط “توفير وسيلة للتعاون بين السلطتين القضائية والتشريعية”، حتى يكون البرلمان “على علم بكيفيات تنفيذ تلك السياسة، وبالنتائج المحصلة من تنفيذها”. ومن جهة أخرى، اشتكت النيابة العامة من عدم استكمال استقلالها، فرغم استقلالها المؤسساتي إلا أن “تجربة السنة الأولى أظهرت أن هذا الاستقلال يبقى جزئيا”، لعدة أسباب، منها تبعية الموارد البشرية، (غير القضاة)، العاملة بالنيابات العامة للسلطة التنفيذية، و”عدم وجود جسور حقيقية للتعاون بين السلطات خلال مرحلة وضع التشريع، وفي هذا الصدد اشتكت النيابة العامة من غياب التنسيق والتعاون بين السلطات خلال صدور مرسوم التنظيم القضائي، حيث لم تقم الجهة الحكومية المعنية بإحاطة السلطة القضائية مسبقا بتاريخ نشر المرسوم، الذي صادف يوم عطلة بداية سنة 2018، وهو ما أدى إلى حدوث اضطراب في سير بعض الإجراءات القضائية، علما أن المرسوم أحدث 13 محكمة ابتدائية جديدة ومحكمة استئناف واحدة. كما أن بعض المحاكم الابتدائية ألحقت بمحاكم استئناف جديدة دون أن يكون المسؤولون القضائيون بالنيابة العامة على علم بذلك. كما اشتكت الأخيرة من عدم طلب رأيها في القانون المتعلق بالتنظيم القضائي، الذي حذف سلطة المسؤولين القضائيين على موظفي كِتابة الضبط وكِتابة النيابة العامة، وأسندها إلى كاتبٍ عام للمحكمة يقع تحت سلطة وزير العدل.