في بيته بحي لحبوس بمدينة الحسيمة، استقبلنا أحمد الزفزافي والد قائد حراك الريف ناصر الزفزافي المحكوم عليه بعشرين سنة سجنا. الزفزافي الأب يحكي لنا في هذا الحوار عن أصول عائلته وعلاقتها بمحمد بن عبدالكريم الخطابي، ويسرد لنا روايته لأحداث 1959 ثم 1984 كشاهد عيان، كما عرج للحديث عن تجربته السياسية وعلاقته بحزب الأصالة والمعاصرة، ثم حكى لنا عن طفولة ابنه الذي أصبح أيقونة حراك الريف، اهتماماته وتفاصيل عن نشأته وحياته… بعد الأحداث التي عرفتها المنطقة، هل تعتقد أن تكون هناك مصالحة؟ من جهتي تواصلت مع العديد من الشخصيات التي كانت تريد القيام بالوساطة، بل إنني قمت بزيارة إلى بيت بنكيران ليتدخل في الملف، لكنه قال لي: “ليس لديّ ما أقدمه لك، أنا وحيّدني الملك من رئاسة الحكومة دون أن أتكلم، ولزمت الصمت”. بعدها قال لي ناصر ابني: “توقف عن البحث عمن يقوم بالوساطة، وليفعلوا ما شاؤوا. قمت بذلك مرتين. لكن هؤلاء الناس لا يريدون المصالحة”. اليوم، الأحزاب السياسية التي كانت تتهمنا بالانفصال خرجت للقيام بمبادرات قصد المصالحة، لدرجة أن المبادرات “بقاو غير شايطين”، حتى حكيم بنشماش قيل لي إنه يسعى من جانبه إلى القيام بمبادرة في هذا الإطار، وهو الذي حين يأتي إلى هنا “كيتخبع”.
لماذا بنشماش لا يأتي بوجه مكشوف إلى المنطقة؟ بنشماش الأصالة والمعاصرة، هذا الحزب الذي ظللنا هنا سبعة أشهر ولم يأت أمينهم العام السابق إلينا ويسأل عن مطالبنا، لو كانوا سياسيين فعلا لنزلوا وتساءلوا عما يعانيه السكان، لكن للأسف لم يسبق لأي واحد منهم أن نزل، رغم أنهم حصلوا على الأصوات من الريف. لو كنت مكانهم لنزلت إلى المنطقة حتى ولو تعرضت للسب، ورفض السكان استقبالي. ولأنني ابن المنطقة وأمين عام الحزب سأظل هنا حتى أرى ماذا يجري، لكنهم لم يكلفوا أنفسهم حتى ساعة واحدة للخروج إلى الشارع مع الناس والتساؤل عن مطالبهم، رغم أنهم كانوا يقولون إن الحسيمة قلعة “البام”، وبالفعل كانت، كذلك. إذ إن جميع الدوائر هم من يسيرونها، باستثناء جماعة “لوطا” التي يسيرها الاتحاد الاشتراكي..
يعني أن إلياس العماري كان له وزن في المنطقة، وكان من الممكن أن يؤثر إيجابا في الحراك؟ نعم، هو كذلك، ومادام هو أمين عام الحزب ومنتخب في المنطقة، كان عليه أن يتحمل مسؤوليته، وأن ينزل إلى الشارع عند المحتجين. سابقا، هوجم علال الفاسي “بمطيشة” هنا في ساحة كلوريدو عام 1958، لكن لم يقل شيئا واستمر في زيارة المنطقة، لكن هؤلاء الناس اختبؤوا، والآن يتحدثون عن مبادرة من أجل المصالحة. المبادرة الحقيقية هي أن يذهبوا عند الشباب المعتقل، وإلى المتضررين الذين تعرضوا للعنف.. لكن عوض ذلك، أعادوا السلوك نفسه، الذي قامت به الحكومة أثناء الحراك، حين جلست مع المنتخبين وتجاهلت نشطاء الحراك. في نظري أيهم أحق بالجلوس معهم، النشطاء أم المنتخبون؟ ثم من خرج للاحتجاج، هل شباب الحراك أم المنتخبون؟ أثناء وجود البعثة الوزارية بالمنطقة مرت بمحاذاة أحد المقاهي الذي كان يتردد عليه النشطاء، لكن ما إن لمحتهم حتى غيّرت الشارع لكي لا تلتقي بهم. وحين ذهبت إلى العمالة نادت على نشطاء الحراك، ذهب اثنان وهما أشرف الإدريسي ومرتضى إعمرشان. والإدريسي اليوم، يهاجم الحراك ونشطاءه من خارج المغرب، ثم إنه الوحيد الذي حصل على حق اللجوء في ظرف قياسي بمساعدة قياديين من حزب الأصالة والمعاصرة.. كيف يهاجم الحراك والنشطاء؟ لديه مجموعة يوجهها من هناك، وهي من تبث على المباشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هجومها على المعتقلين والنشطاء والحراك، ويخونون الكل..
في أي بلد حصل على اللجوء؟ أظن بلجيكا أو هولندا. لا أتذكر بالضبط..
هل الذين ساعدوا الإدريسي على اللجوء هم من يقودون مبادرة المصالحة اليوم؟ هذا صحيح، لكنهم لا يقومون بذلك من أجل سواد عيوننا، وإن كان، كذلك، فلماذا لم يأتوا إلينا سابقا وقالوا لنا: “نتوما خوتنا ونحن من سنوصل مطالبكم إلى الملك..”. الحقيقة أنهم كانوا خائفين والدولة وبّختهم لأنهم كانوا يقولون لها إنهم يضبطون منطقة الريف. علاوة على ذلك جاءت مبادرة صديق الملك، نورالدين عيوش، الذي ذهب إلى زيارة المعتقلين، لكنهم رفضوا استقباله، ولما تحدث إليهم استقبلوه ثلاث مرات حتى لا يُقال إنهم عدميون. كما جاء إلى هنا والتقى بالعائلات، لكن في الأخير خرج كمال الحبيب، الذي كان يرافقه ليقول إن القصر يرفض هذه المبادرة.. هل سيتجاوز سكان الريف الأحداث التي عاشوها منذ 1958 إلى اليوم؟ ليس هناك في المنطقة من سيتجاوز المعاناة التي عشناها ونعيشها اليوم، فقط نحن نتناسى، لكن دون أن نغفر. والآن، الثقة فُقدت في النظام بعد الأحداث التي عاشتها منطقة الحسيمة. وإذا كانت الدولة تسعى إلى مصالحة حقيقية ومنصفة مع الريف، فما عليها إلا أن ترد الاعتبار للمنطقة ككل من خلال خلق مشاريع تنموية فعلية شاملة وحقيقية.