في بيته بحي لحبوس بمدينة الحسيمة، استقبلنا أحمد الزفزافي والد قائد حراك الريف ناصر الزفزافي المحكوم عليه بعشرين سنة سجنا. الزفزافي الأب يحكي لنا في هذا الحوار عن أصول عائلته وعلاقتها بمحمد بن عبدالكريم الخطابي، ويسرد لنا روايته لأحداث 1959 ثم 1984 كشاهد عيان، كما عرج للحديث عن تجربته السياسية وعلاقته بحزب الأصالة والمعاصرة، ثم حكى لنا عن طفولة ابنه الذي أصبح أيقونة حراك الريف، اهتماماته وتفاصيل عن نشأته وحياته… هل كان لديكم تواصل مع قيادة الحزب؟ نعم، كانوا يأتون في المناسبات، وكمثال حضورهم في ذكرى معركة أنوال. إذ كان يزورنا اليازغي وجسوس وفتح الله ولعلو، وعلى الرغم من ترددهم علينا لم يكن لدينا توافق مع قيادة المركز. إذ دائما ما كنا مختلفين في نظرهم وسياستنا كان فيها نوع من الرعونة، لأن سكان المنطقة «مكيعرفوش يديرو السياسة»، والسياسة ليس فيها أخلاق، إذ أينما وجدت المصلحة يكون السياسي، لذلك لم ينجح أي حزب هنا. في أواسط الخمسينيات من القرن الماضي كان حزب الشورى وحزب الاستقلال، حاضرين بقوة في المنطقة، فكان الحزب الأول يُخرج أعضاءه للشارع يرفعون شعار: «ابن يوسف ملكنا وعبدالكريم زعيمنا»، بينما يأتي مناضلو حزب الاستقلال ويقولون: «زعيمنا السياسي سيدي علال الفاسي»، لكن بعد 1959 اندثرت الأحزاب هنا، إذ تم ضرب عصفورين بحجر واحد، ثم إن الناس حين صعدوا الجبل كانوا يقولون عاش الملك، ويسقط علال الفاسي. اليوم، التاريخ يكرر نفسه، وللغرابة فأهل الريف حين يُعتقلون يُرسلون إلى المدن المغربية الأخرى، مثلا عناصر حكومة عبدالكريم الخطابي نُفوا كلهم نحو مدن مثل: الصويرة وآسفي والدار البيضاء، كما تمت مصادرة أموالهم، وجاء الاستقلال ولم يعيدوها إليهم.. هل نُفي جدك الذي كان وزيرا للداخلية في حكومة عبدالكريم الخطابي؟ نعم، لقد نفوه إلى الجزر الجعفرية. وهل تعرضت أملاكه هو الآخر إلى المصادرة؟ نعم، لقد صُودرت جميع أمواله، وجميع أموال وزراء عبدالكريم الخطابي. وهو نفسه، أي عبدالكريم، نُزعت منه المساعدة المالية التي كانت تُمنح له من طرف محمد الخامس الذي قام بزيارته بعد أحداث 1959 في القاهرة، لمجرد أن قال رأيه في الحسن الثاني. بالنسبة إلى لقاءاتكم مع قيادات الاتحاد الاشتراكي. ما هي نقاط الخلاف التي كانت بينكم؟ مسألة تهميش الريف، إذ كانوا يبكون معنا لما يحضرون بيننا، لكن صوتنا لم يكن يصل إلى المركز. ما هي مطالبكم آنذاك؟ كان لدينا مطلب واحد هو رفع التهميش عن المنطقة، فالريف منذ 1956 وإلى حدود الساعة يعيش التهميش. هناك أناس من المنطقة في المهجر يريدون الاستثمار في الريف، لكنهم يمنعون من ذلك. إذ تُعرقل كل خطواتهم، فيعودون أدراجهم، وهناك أيضا الحي الصناعي في الحسيمة، لكنه فارغ من المعامل. نحن لا نفهم لماذا هذه المنطقة مهمشة، ثم لماذا يرفض المسؤولون أن يصل إليها الاستثمار، في حين أن عشرات المعامل كانت هنا في عهد الاستعمار الإسباني، لكنها أغلقت. كيف عشت أحداث 1984؟ كانت أحداثا دامية، قتل فيها العشرات من أبناء الحسيمة عكس ما قيل وروج أن القتلى لا يتجاوزن أربعة أشخاص، واختطف العشرات، وهذا كان بسبب أن الساكنة خرجت للاحتجاج ضد غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار بعد تطبيق سياسة التقويم الهيكلي، خصوصا وأنه بعد أحداث 1959 شُلّ الاقتصاد في المنطقة وأُغلقت المعامل.. هل تعرضت للاعتقال أثناء اندلاع المواجهات؟ لم يتم اعتقالي، لكن اعتقل عدد من معارفي وبعض من زملائي في الحزب. وهنا أستحضر خطاب الحسن الثاني الذي خاطبنا بقسوة لأول مرة، حين قال إننا نعرف ولي العهد في هذا الباب، لكن لا نعرف بعد الملك الحسن الثاني. والحقيقة أننا لم نعرف الملك حتى جاءت تلك الأحداث ورأينا بأعيننا كيف كان الرصاص الحي يتطاير في سماء المدينة ويردي عشرات السكان قتلى بدون سبب أو مبرر، لا لشيء سوى أنهم عبروا عن مطالبهم ورفضهم للتهميش، وذلك بالخروج إلى الشارع.