صار من المعتاد أن تتجه أسعار المواد الغذائية نحو الارتفاع في بلدنا بنسب تتراوح بين 50 بالمائة وأحيانا تصل إلى 100 بالمائة، مع اقتراب شهر رمضان أو في الأيام الأولى منه، وهو الواقع الذي يربطه التجار بارتفاع الطلب مقارنة بحجم العرض بالأسواق. ولاحظت “أخبار اليوم”، عند زيارة عدد من الأسواق الشعبية في العاصمة الرباط قبيل يوم من رمضان، إقبالاً جد كبير من قبل الأسر المغربية على شراء المنتجات الغذائية، من خضر وفواكه، والبقوليات، وأيضا اللحوم الحمراء والبيضاء والأسماك إلى جانب الحلويات والمعجنات التي تؤثث مائدة الإفطار. هنا “سويقة” باب الأحد بالمدينة العتيقة بالعاصمة الرباط، بالرغم من الإصلاحات التي تعرفها منذ مدة إلا أنه يكاد يخيل إلى المار من المكان أنه لن يكون مفتوحا غدا أو بعده، طبعا جراء هذا الاكتظاظ والتدافع غير المسبوق، فهذا السوق الذي يعد قلب العاصمة النابض يعرف خلال هذا الشهر انتعاشة كبيرة ويستقبل زبناءه من كل صوب، بما فيهم المدن القريبة من الرباط، مثل سلا، تمارة، الهرهورة، تامسنا… “الغلاء قهر الفقراء البصل حتى هو كبر له الشان ولا ب 14 درهم”، تقول فاطمة سيدة في عقدها الخامس وهي تحاول أن تبقى صامدة وسط تدافع الأجساد بالمكان، احتجاجا على الارتفاع المهول الذي تعرفه الخضر خلال هذا الشهر. المواطنة المنحدرة من تمارة تساءلت في تصريحها ل”أخبار اليوم” عن مدى علم حكومة العثماني بهذه الأثمنة في بلد كالمغرب ينتج ما يزيد عن 2.5 مليون طن من الخضر والفواكه سنويا، ويصدر أطنانا أخرى إلى الخارج مضيفة: “واش الحكومة كتتقدا هنا؟ قوليهم يجيو يشوفو الفقير بشحال كايشري ماياكل فبلاد كلها أراضي زراعية؟.. هادشي راه عيب”، تضيف المتحدثة وهي تمسح قطرات العرق المتصببة على جبهتها. لعنة الغلاء لم تضرب فقط البصل الذي تربع على عرش الخضر بثمن يتراوح بين 13 و15 درهما، بل أيضا الطماطم حيث وصل ثمن الكيلوغرام الواحد إلى 10 دراهم، وهي المادة التي يستحيل أن يستغني عنها المغاربة خلال هذا الشهر، حيث تعتبر أساسية في تحضير وجبة “الحريرة” الشهيرة، وعدد من الأطباق المغربية، فيما حافظ الجزر على ثمن 4 دراهم، إلى جانب الباذنجان والبطاطس التي تراوحت بين 5 و6 دراهم. ويقول سعيد أحد البائعين في سوق الخضر بالحي الشعبي يعقوب المنصور، إن السبب في هذا الارتفاع الصاروخي للبصل هو ندرته في الأسواق خلال هذه الفترة من السنة، كون الزراعة تكون بين أكتوبر ونونبر ولا تصل الحجم المطلوب إلا في الصيف، مشيرا إلى أن الحل ل “أزمة البصل”، والذي وجب على الحكومة اتخاذه هو استيراده من الخارج. بالانتقال إلى سوق الفواكه والتي يستهلكها المغاربة بشكل وافر خلال شهر رمضان نلحظ أيضا غلاء لافتا، حيث بلغ سعر الموز المحلي بالأسواق الشعبية للدار البيضاء ما يقارب 12 درهما للكيلوغرام، بينما ارتفع سعر الموز الأجنبي القادم من أمريكا الجنوبية إلى 22 درهما للكيلوغرام، واستقر سعر التفاح بين 14 و25 درهما حسب أنواعه، في الوقت الذي قفزت فجأة أسعار فاكهة الأفوكا إلى 50 درهما للكيلوغرام الواحد. في هذه الحالة يجد المواطن المغربي نفسه أمام خيارين، إما اقتناء المواد الأساسية بكميات محدودة أو اللجوء إلى المساحات التجارية الكبرى التي تكون ملاذهم الأخير، بحكم محافظتها على نفس الأسعار التي كان معمولا بها طيلة الأشهر الماضية، حيث يتراوح هناك سعر الكيلوغرام الواحد من الطماطم ما بين 4 و5.5 دراهم، فيما يبلغ البصل 10 دراهم للكيلو الواحد، والأفوكا 25 درهما. ولا تخلو الموائد المغربية من “شهيوات السمك”، غير أن أسعاره لافحة بدورها هذه السنة، حيث بلغ سعر القريدس أو القمرون 170 درهما للكيلوغرام، فيما قفزت أسعار الميرلان والصول إلى 90 و140 درهما على التوالي. وانتقلت “أخبار اليوم” إلى مرسى السمك بسيد العابد الهرهورة لتستفسر سبب هذه الأثمنة الخيالية، في بلد مثل المغرب يتوفر على واجهتين بحريتين، ويصل طول شريطه الساحلي إلى 3500 كيلومتر، ويصنف في المركز 25 عالميا في إنتاج السمك والأول أفريقيا. رشيد أحد الصيادين في المكان، اعتبر هذه الأسعار “منطقية نظرا لارتفاع الطلب مقارنة بالعرض، إلى جانب عمليات الاحتكار التي يلجأ إليها بعض الوسطاء والسماسرة وتأثيرهم على سلسلة التسويق بين المهني الذي يسوق منتجاته عبر الأسواق الرسمية التابعة للمكتب الوطني للصيد وتاجر التقسيط، إلى جانب الظروف المناخية التي عسرت دخول الصيادين إلى البحر في فترة سابقة”. وأردف المتحدث: “عموما المغاربة فطنوا لأمر الارتفاع في الأثمنة في رمضان وبالتالي صاروا يلجؤون إلى تجميد السمك، وهو أمر محمود، المذموم طبعا هو لجوء بعض التجار إلى هذه العملية وادعاء أنها ناضجة وجديدة لبيعها بثمن جد مرتفع”.