يبدو قويا وعازما على تغيير قدره نفسه بنفسه. فكرة أن السجن ستضعف لولا إناسيو دا سيلفا، مع مرور الوقت، لا تعكس واقع حال الرجل. فالرئيس السابق للبرازيل، المزداد سنة 1945، والمعتقل منذ أبريل سنة 2018، قرر كسر جدار الصمت في هذا الحوار مع «إلباييس» من سجنه. ونحن في انتظاره، دخل لولا غرفة صغيرة، حيث سُمح لنا بإجراء الحوار معه داخل السجن، مرتديا حذاء رياضيا وقميصًا وسروال جينز وسترة رمادية اللون. لا يبدو حزينًا ولا سعيدًا. ولا يبدو أنه قد تقدم في العمر، رغم أنه ظهر مختلفا نوعا ما. شرعنا في الحوار الأول معه من داخل السجن. كان في البداية شارد الذهن، لكن سرعان ما استرخى. ما الذي فكرت فيه لحظة اعتقالك واقتيادك مباشرة إلى السجن قبل سنة؟ طوال المحاكمة كنت متأكدا من أن هناك هدفا رئيسا: هو استهدافي. لذلك تجدني مهووسا بتعرية حقيقة سيرخيو مورو (القاضي الذي أصدر في حقه الحكم الابتدائي، والذي صار وزيرا للعدل في حكومة الرئيس الجديد خايير بولسونارو) ورفاقه، ورفع القناع عمن تبقى من المتورطين في إصدار ذلك الحكم ضدي. يمكن أن استمر في السجن 100 عام أخرى، لكن لن أقايض كرامتي بحريتي. أعمل على إثبات بالحجة والبرهان أن كل ما يحصل لي هو مجرد مسرحية هزلية. وأنا منشغل بكل هذا، لا أشعر بالكراهية، ولا أحقد على أي كان، لأنه في سني إذا استسلمت لهذه الأحاسيس ستموت قبل الوقت. كما أنني أريد أن أعيش 120 سنة، لذلك سأعمل جاهدا لإثباتي براءتي. ألا تفكر أنك قد تقضي ما تبقى لك من العمر في السجن؟ لا مشكل لدي في ذلك. أنام يوميا وضميري مرتاح. في المقابل، أنا متأكد أن المدعي العام ديلتان دايانيول لا ينام، وقل الشيء نفسه عن القاضي سيرخيو مورو، بما في ذلك قضاة محكمة الاستئناف الذين أكدوا حكم مورو. شخص مثلي، وهو في أرذل العمر (يبلغ 73 عاما)، قام بما قام به من أجل هذا البلد، وأعاد الهيبة والاعتزاز والافتخار بالذات للشعب البرازيلي، لن يستسلم. ثم إن كل من رأى النور في منطقة «بيرنامبكو»، (المنطقة الأكثر فقرا في شمال البرازيل، مسقط رأس لولا) ولم يمت في سن الخامسة، لن ينبطح أمام أي شيء. أتعتقد أنني لا أرغب أن أكون بين أحضان عائلتي الآن؟ لكن لا يهم، لأن ما يهمني الآن، هو الخروج ورأسي مرفوع؛ كما دخلت أول مرة: بريء. وفقط يمكن تحقيق ذلك بالشجاعة والنضال. هل تعتقد أنه يمكن نيل البراءة في قضية الشقة؟ نعم، رغم أن الأمر قد يبدو غير قابل للتصديق. سيأتي يوم سيكون فيه كل الأشخاص المتورطين في محاكمتي قلقين من الأدلة الحقيقية والدامغة؛ وليس بما تخطه عناوين الصحف؛ الصفحات الرئيسة للمجلات والأخبار الزائفة. فقط أريد، من أجل الله، أن يحاكمونني على أساس الأدلة. وأنا هنا متأكد من براءتي والقاضي مورو متأكد، أيضا، من ذلك. أنا هنا بحثا عن العدالة، لتأكيد براءتي. خلال هذه السنة، اجتزت أوقات حزن شديد: وفاة شقيقك وحفيدك… عشت مناسبتين كانتا قاسيتين عليّ. وفاة شقيقي وحفيدي. فعلا، لا أصدق، لا، لا، لا… (بكى وتوقف عن الكلام). أحيانا أفكر في أن أكون أنا المتوفى. لماذا عشت 73 عاما، كان يمكن أن أكون في عداد الموتى ويعيش حفيدي. لكن ذلك غير ممكن. ليست هاته الفترات وحدها هي التي تجعل الواحد منا حزينا؛ كنت دوما أسعى إلى أن أكون فرحا وأعمل كثيرا لكي لا تستبد بي الكراهية؛ ذلك الحقد العميق. عندما أشاهد أولئك الذين حاكموني عبر شاشة التلفزيون، وأنا أعلم أنهم كذّابون، ينتابوني حزن شديد، لكن الشيء الذي يجعلني مفعما بالحياة ومقبلا عليها، هو التزامي مع بلدي البرازيل، وهذا الشعب. متوجس أنا مما يجري اليوم: تدمير السيادة الوطنية وتدمير الشغل، وجمع الملايير على حساب المتعاقدين. وكيف هو روتين الحياة اليومية في السجن؟ أقضي كل الوقت وحيدا؛ أقرأ كثيرا، وأشاهد الأفلام، وأتابع المسلسلات والخطابات، وأحضّر الكثير من الدروس، وأستفيد منها طوال الأسبوع. سأخرج بشهادة دكتور منها. هل تنظف ملابسك بنفسك؟ ثم هل غيّر السجن روتينك اليومي؟ كانت لدي دوما الرغبة في العيش وحدي. أترك ملابس وأشيائي مبعثرة في أي ركن، ولا أحد يحاسبني على ذلك. لكن عندما توفيت زوجتي الأولى سنة 1971، أصرت والدتي على العيش معي. (عاش لولا أرملا مرتين، إذ حتى زوجته الثانية توفيت سنة 2017). اليوم، لا أنظف الملابس، بل أبعث بها لأسرتي لينظفوها. أحب الوحدة، لأنه يمكنني التعلم والتعمق في روحانياتي. أريد أن أخرج من هنا أفضل حال مما دخلت، بأقل حنق وحقد على الأشخاص الذين أساؤوا إليّ. (يُتابع لولا من غرفته نشرات الأخبار. يستقبل زواره من العائلة والأصدقاء والسياسيين والمحامين كل أسبوع. كما يحظى، يوميا، بتحفيز ودعم من أنصاره ممن يقومون بطقوس دينية يوميا، التي يصل صداها من الخارج إلى زنزانته، حيث يصرخون: «صباح الخير، السيد الرئيس»، و»مساء الخير…»، و»ليلة سعيدة». يقومون بذلك ثلاث مرات في اليوم. يجتمعون يوميا وينادون لولا لكي لا يشعر بالوحدة). هل تسمع تلك الأصوات في الخارج؟ ثم ماذا تعني لك؟ أسمعها كل يوم. بكل صدق لا أعرف كيف أشكر هؤلاء الأشخاص. بعضهم يأتون منذ اليوم الأول لي في السجن. عندما أخرج، أريد أن ألتقيهم. أول كأس نبيذ أريد أن أشربه سيكون معهم، وأحتفل معهم. خسر حزبك الانتخابات السنة الماضية، ووصل اليمين المتطرف إلى الحكم بأصوات الكثير من الناخبين السابقين لحزبك. كيف ترى هذا الهروب صوب اليمين لناخبين كانوا متعاطفين مع إدارتك؟ الكثير من رجال القانون كانوا متأكدين بأنه لا يمكن منعي من الترشح، إذ أنه مادامت لم تنته مراحل التقاضي، يمكن أن أترشح. وأنا كنت، كذلك، جد متأكد من ترشحي، وكنت أشعر بفخر كبير بقدرتي على الفوز بالانتخابات من داخل السجن. ثم إنه من داخل السجن ارتفعت احتمالات فوزي ب16 نقطة في استطلاعات الرأي، علما أنه لم يكن يسمح لي بالحديث. في الحقيقة، كانت انتخابات غير عادية. ولكي نكون واضحين، كان دور الأخبار الزائفة وحجم الأكاذيب باديا بشكل سلبي. بعد ذلك، يأتي دور قلة التوعية لدى مختلف أطياف اليسار التي لم تستطع توحيد صفوفها. لم يسبق أن عاينت حجم الكراهية في الشارع، كما هو اليوم. فعلا، تمت شيطنة الحياة السياسية، وسنحتاج إلى وقت كثير لمعالجة مخلفات الحاضر. لا أنتظر أن يقوم الرئيس الجديد بولسونارو بمعالجة مشاكل البرازيل في أربعة شهور، لا سيما في ظل الجنون الذي تبديه عائلته. إلى جانب حزبنا، فالعدو الرئيس لبولسونارو هو نائبه Hamilton Mourão؛ إنه الجنون. البلد مرهون ل»اللاحكامة». إلى حدود الساعة، لا يعرف بولسانورو ما يفعله، والذي يقوم بكل شيء هو وزيره في الاقتصاد باولو غيديس. ما طبيعة النقد الذاتي الذي تقوم به بعد كل ما حدث؟ هل يتعلق الأمر بأخطاء الحزب العمالي؟ وكيف سيمضي الحزب قدما إلى الأمام من دونك؟ بديهي أن نعترف أننا خسرنا الانتخابات. الآن مساره جيد، لذلك يجب التذكير بقوة الحزب العمالي، وما يتعرض له من هجوم، لأنه، شخصيا، شُهّر بيّ في أكثر من 80 غلافا في مجلة. أكثر من ذلك عندما اعتقلوني خصصوا 80 ساعة إخبارية ضدي، كان يوما إعلاميا وطنيا ضدي. ورغم ذلك فشلوا في تدميري. هذا يدل على أن الحزب العمالي لديه قوة كبيرة. صحيح أن الحزب خسر الانتخابات، لكنه لم يُدمر، بل أكد أنه يعتبر الحزب الوحيد في هذا البلد. قد يكون ارتكب أخطاء خلال ولاياتنا الحكومية… وماذا عن الفساد الذي تُتهمون به؟ آيرتون سينا، البرازيلي وبطل العالم السابق في الفورميلا وان، ارتكب خطأ وحيدا ولقي حتفه على إثره. يمكن أن يكون هناك فساد، لكن يجب إثبات ذلك بالأدلة والحجج. إذا كان هناك فساد، فليتم التحقيق، وتوجيه الاتهامات، وتوكيد ذلك بالحجج الدامغة، وبعدها تُصدر الأحكام. وللحقيقة نحن من وضع آليات التحقيق في تهم الفساد، ولم نجعلها يوما خصما لنا. لذلك يجب على النخبة البرازيلية القيام بالنقد الذاتي. كيف ربحوا كثيرا أثناء حكم لولا عندما كان الفقراء يعيشون جيدا؟ لنقم بالنقد الذاتي بخصوص ما جرى سنة 2018. لا يمكن أن يكون هذا البلد محكوما بعصابة من المجانين. هل تتابع تحركات الجنرال هاملتون موراو، ونائب الرئيس بولسونارو حاليا؟ لا أستطيع قول أي شيء. بكل بساطة لأنني لا أعرفه جيدا. أشكره، مثلا، على الالتفاتة التي قام بها لما توفي حفيدي. إذ على عكس ابن الرئيس بولسونارو الذي نشر كلام هراء على «تويتر». قال مورو إن حضوره مراسيم دفن حفيدي كانت مسألة إنسانية لا غير. وأريد عندما تخرجون من هنا (يخاطب الصحافيين) أن تصِفُوا وتنقلوا هذه الرسالة: وهي أنكم لم تتحاوروا مع مواطن مكسور الجناح، بل مع مواطن فيه كل العيوب التي يمكن أن تكون في أي إنسان، لكن هناك شيئا لن يتخلى عنه تعلّمه من السيدة «ليندو» (ويقصد والدته)، التي ولدت وتوفيت أمية، وهو أن الكرامة والشخصية القوية لا تُباعان في الأسواق ولا تُتَعلَم في الجامعة. بل يُجبل عليهما المرء، وأنا لن أتنكر لهما. إنهما ثروتي. ما هو الشيء الذي يقلقك أكثر وأنت بالسجن، الأسرة أم الأصدقاء؟ كلهم في حالة سيئة. إضافة إلى أن أموالي مجمدة. أنظر إلى حجم العبث: عليّ دفع غرامة مالية بقيمة 7 ملايير سنتيم (7 ملايين أورو) لماذا؟ لا أعرف، قبل أن تتدخل المحكمة العليا وتخفضها إلى ملياري سنتيم. لماذا هذا الفرق؟ أي منطق هذا الذي يضع غرامة بقيمة مليارين؟ أتمنى أن يرفعوا الحجز عن أموالي لكي يتمكن أبنائي من العيش بكرامة. هذا يقلقني. كما يقلقني وضع ابني الذي يتردد عليّ كثيرا في السجن. لكن أكثر ما يقلقني هو حال البرازيل. لذلك، لا أستطيع تخيل حجم الأحلام والمشاريع التي كانت تراودني تجاه بلدي البرازيل عندما اكتشفنا البترول. كنت جد فخور وكانت أحلامي كبيرة، لأنني كنت رئيسا محترما. هنا في أمريكا اللاتينية، كان البرازيل أنموذجا. كنت أحلم بتكوين تكتل أمريكي لاتيني لكي تكون لدينا قوة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي وأمريكا والصين. فرادى، نحن ضعفاء. وهنا أريد أن أؤكد على حقيقة، وهي أنا الرئيس الوحيد في أمريكا اللاتينية الذي شارك في مجموعة الثمانية (G8). لكن كل ذلك انهار، إلى درجة أن عمدة نيويورك لم يرغب في تنظيم حفل عشاء على شرف رئيس البرازيل (بولسونارو). هل ترون أي درك بلغناه؟ يا للعار! وإذا خرجت في يوم من الأيام من هنا… سأخرج. وأتمنى أن تكون هنا في البرازيل. وما هو أول شيء ستقوم به؟ تراودني رغبة تنظيم مواجهة مع القاضي والوزير، حاليا، مورو والمدعي العام. هُما بآلاف الأوراق التي تسرد الأكاذيب، وأنا بحقيقتي. سأوجههما بكل هدوء وبوجه مفعم بالحيوية والإشراق، كما هو اليوم. لكن في الحقيقة، أريد تنظيم مائدة باللحم المشوي والنبيذ. سأقوم بذلك، لكن عليكم بالصبر. عن «إلباييس»