في هذه الدردشة، يعود ماريو فارغاس يوصا، الحائز على جائزة نوبل للآداب 2010، إلى تفكيك التطورات السياسية في بلاده، وأيضا في بلدان أمريكا اللاتينية، مع منحها بعدها العالمي. كيف تنظر إلى مستقبل بلدك الأصلي البيرو والعالم، بتفاؤل أم إن هناك الكثير من الإشارات المقلقة؟ في رأيي أسباب التفاؤل أكثر من التشاؤم، لاسيما في أمريكا اللاتينية. لدينا الآن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس البرازيلي الجديد جايير بولسونارو… إنهما ليسا قادة ديمقراطيين تماماً، وليست لديهما مواقف متسامحة … أتفق معك. بولسونارو قام بفظاعات… لكن لا يمكن القول إن 55 مليون برازيلي هم فاشيون. أعتقد أن التصويت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لصالح بولسونارو يعكس اعتقادا منتشرا بشكل كبير في أمريكا اللاتينية: لقد تعبت الجماهير من الفساد. في البرازيل كانت هناك انتفاضة شعبية حقيقية ضد هذا الفساد الذي غطى كل شيء، السياسة، والاقتصاد، والعالم التجاري، وأعتقد أن هذا التصويت بطريقة ما يعبر عن هذا اليأس من السياسة التقليدية التي تبدو لمعظم البرازيليين مجرد واجهة للسرقة والإثراء من خلال استغلال السلطة. هذا الفساد صُدر إلى باقي دول أمريكا اللاتينية.. نعم. في البيرو عشنا هذا الفساد البرازيلي بطريقة مباشرة جدا من خلال شركة “أودبريشت” و”لولا دا سيلفا”، رئيس البرازيل السابق والمعتقل حاليا، شخصية لديها شعبية كبيرة وكانت وسيطا في الفساد. لهذا يجب فهم تصويت البرازيليين في هذا السياق والتفكير في أن هناك وقائع إيجابية. مثلا، أن يتقلد هذا القاضي المدهش “مورا” منصب وزير العدل (هو القاضي الذي حكم بالسجن على لولا). هذا القاضي يمكنه تصحيح تجاوزات “بولسونارو”. هذا دون إغفال أن وزير الاقتصاد الجديد استثنائي وليبرالي حقيقي.. وكل الليبراليين الحقيقيين هم ديمقراطيون. آمل ألا تسوء الأمور في البرازيل. إذا كان الأمر كذلك، ماذا عن الولاياتالمتحدةالأمريكية مهد الحرية؟ مُني ترامب بهزيمة، وخسر “الكونغريس” الذي يشبه مجلس النواب. هذا يعني أن هذه الغرفة يمكنها الوقوف أمام الكثير من القرارات الهمجية التي يريد ترامب تمريرها. تؤكد دوما أن ميزة الديمقراطية هي أن لديها إمكانية تجديد نفسها.. هذا أكيد. إذ يمكن تصحيح الأخطاء دون عنف عبر صناديق الاقتراع. يظهر ذلك بشكل جلي في الولاياتالمتحدة: فقدان السيطرة على الكونغريس فيه تحذير جدي للغاية لحكومة ترامب وتجاوزاتها. وفي البيرو صوتنا، أيضا، ضد الفساد تحت ذريعة إنه «يسرق، لكنه يعمل»… لقد ارتكبنا خطأ فادحا باختيار برلمان فوخيموريا (نسبة إلى الديكتاوتوري البيروفي الشهير فوخيموري)، مع العلم أن الفوخيمورية (fujimorismo) مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالفساد. لهذا ندفع الثمن، بالطبع. ولكن أعتقد أنه من الخطأ الاعتقاد بأنه يجب إغلاق الكونغرس، بل يجب أن نحسن الاختيار في المرة المقبلة. دوما تطرح مشكلة عدم حسن الاختيار بشكل أفضل.. إذا كان الأمر كذلك، هل أساء الفنزويليون الاختيار في خمس مناسبات؟ هم يدفعون، الآن، ثمن هذا الخطأ بشكل رهيب. حالة فنزويلا المأساوية هي أنه لا توجد هناك انتخابات حرة، ولا وجود لحرية التعبير. إنها ديكتاتورية في أبشع صورها. أما حالة البيرو فهي مختلفة جدا: لدينا ديمقراطية، طبعا، ناقصة جداً، وفاسدة جداً، ولكن لايزال بوسعنا إنقاذها من الداخل. وأعتقد أن هذه العملية تتم بفضل بعض القضاة والمدعين العامين والصحافيين مثلك، ومثل زميلكم جوستافو غوريتي… على أي، هناك أسباب كثيرة لعدم التشاؤم في البيرو. هل ترى أن الرئيس فيزكارا، الذي خلف الرئيس السابق المستقيل، جريء سياسيا بما فيه الكفاية؟ هذا صحيح. لقد شكل لدينا مفاجأة. رغم أننا كنا نتوقع أن يتم ذلك مع الرئيس السابق المستقيل كوسثنسكي. لكننا كنا مخطئين. فيزكارا كانت لديه الجرأة أخيرا على مواجهة تيار فوخيموري الفاسد، وقد اكتسب مكانة وسمعة في البيرو، كما أنه يتحرك في إطار الشرعية الديمقراطية، واحترام الحريات. لقد كانت مفاجأة مواتية للغاية وأعتقد أن المفاجأة من بين أشياء أخرى التي تبرر هذا التفاؤل. عبارة «نحن مخطئون»، اقتبستها من كتابك الأخير «نداء القبيلة»… الليبراليون دائماً على خطأ… لكننا نُصيب في بعض المرات. إنهم مخطئون، بمعنى أنهم على استعداد للاعتراف بأن الواقع مختلف وأنه بإمكانهم تغييره أعتقد أن الرسالة الأكثر إثارة للاهتمام في الكُتاب الذين أشيد بهم في كتابي الأخير، هي أنهم أخطؤوا مرات عدة، ولهذا يصرون على أن الديمقراطية لا غنى عنها لتصحيح الأخطاء بطرق سلمية ومعقولة وبدون عنف. أعتقد أننا نرى ذلك بوضوح شديد في البيرو. هل يجب أن تكون لديهم الأمانة الفكرية لقبول الخطأ… بالطبع. لكنها في بعض الأحيان تغيب لا، في كثير من الأحايين يرفض المفكرون قبول أخطائهم، وهذا هو السبب في أن هناك الكثير ممن خيبوا آمالنا. مثال هايدغر. ليس هناك فيلسوف بلغ شأواً مثل هايدغر في القرن العشرين. كيف يمكن أن يكون نازيا؟. هل أخطأ.. دافع سارتر، وهو شخصية كبيرة أثرت فيّ، عن الماوية، وعن الثورة الثقافية الصينية، حيث قُتل 20 مليون شخص. لهذا يمكن أن يرتكب الأشخاص الأذكياء أخطاء فادحة أيضا. لذلك، من المهم للغاية أن يكون هناك جو من الحرية، حيث يمكن ممارسة النقد بشكل دائم لمنع هيمنة هذه الأخطاء ولتكون هناك إمكانية تصحيحها بشكل سلمي. هذه هي الديمقراطية، على علتها تحل في أمريكا اللاتينية محل الحكومات الاستبدادية. هل يمكن لأي شخص ما اليوم، الاعتقاد أن النموذج الفنزويلي هو صيغة لتحقيق الرخاء؟ هذا الفشل يظهر أن الديمقراطية تفوق بكثير الحكم الشمولي. هناك في البيرو أصوات تنادي الرئيس فيزكارا قائلة: «اغلق الكونغريس» و»كلهم فاسدون» و»زج بهم في السجن!» إذا بدأنا في انتهاك الشرعية باسم الشرعية، سوف نقع في التقاليد الرهيبة للديكتاتوريات. لقد كنا مخطئين، لأننا لم نختر كونغريس حرًا. علينا أن نختار بشكل أفضل، ونتجنب إهداءه على طبق من ذهب للتيار الفوخيموري، الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالفساد. أعتقد أن البيروفيين قد فهموا الرسالة، وخير دليل هو حجم تمثيلية هذا التيار في استطلاعات الرأي. لايزال يمثل عشرة في المائة… إنها بدأت تتلاشى. أليس كذلك؟. قلت إن الديكتاتوريات في البيرو يكون لديها رد فعل متبق، بعدها تختفي. كيف ذلك؟ رد فعل سياسي. غادر السياسي سانشيز سيرو حزب الاتحاد الثوري، وابتعد السياسي أورديا عن الاتحاد الوطني، كما ترك السياسي فاسكيث العديد من أتباعه الذين لازالوا ينشطون، كما أن حزب فوجيموري لازال ينشط. لكن ماذا بقي منه؟ لا شيء. أعتقد أن التيار الفوخيموري قد دخل مرحلة الانقراض، والتي آمل أن تكون سريعة. سيكون البيرو أفضل بكثير عندما تختفي الفوخيمورية (fujimorismo). قبل أيام، طرح عليك سؤال أثار الكثير من الجدل في مواقع التواصل الاجتماعي. أحدهم قال إنك قلت إن هناك ديكتاتورية جيدة وأخرى سيئة… لا. لم أقل قط، إن هناك ديكتاتوريات جيدة. هل هناك من كان يريد تقويلك ما لم تقله؟ نعم. شاب تشيلي هو من صاغ السؤال بطريقة سيئة. أعتقد أنه ترك مثل هذه الفكرة تمر، وجود ديكتاتورية جيدة، خطأ خطير. هذا الخطأ نفسه هو الذي جعل أمريكا اللاتينية تفوت عليها قطار (الديمقراطية) في العديد من المناسبات على مر التاريخ. حتى لو قامت هذه الديكتاتوريات بأشياء جيدة.. بالتأكيد، يمكن أن تقوم بأشياء جيدة. على سبيل المثال، حالة بينوشيه: لقد وضع سياسة اقتصادية مهمة للغاية، وكانت إيجابية. ولكن في الوقت نفسه، كان هناك قتلى، ومعذبون، وآلاف مؤلفة من المنفيين، إلى جانب الرقابة المطلقة على الصحافة. هل هذا يسمح بالقول إنها جيدة؟ أعتقد أنه لا. في هذا نحن الليبراليون على حق: يجب أن تعمل الحريات بشكل مواز في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية من أجل أن يكون هناك بالفعل تقدم. رجال الأعمال البيروفيون لا يؤمنون كثيرا بهذه النظرية، أليس الأمر كذلك؟ أعتقد أنهم تصرفوا أحيانا بشكل صحيح جدا. فكرة بلد حر وأسواق متكاملة منفتحة على العالم كان لها وقع على العديد من رجال الأعمال وبعد ذلك، اعتقدوا أن رجلا قويا، يفرض نظاما سيئا، يمكن أن يكون الحل. على أي، لم يكن هذا هو الحل في أي حال من الأحوال في أي بلد. كيف ترى حرية الصحافة في البيرو؟ أعتقد أنها توجد بفضل أشخاص مثلك، وغوريتي وغيرهم، والذين لم يتوانوا في مواجهة النافذين دفاعا عن القضايا العادلة. وهذا يحظى بدعم أغلبية البيروفيين الذين يعرفون ممارسة حقوقهم عبر هذا النوع من الصحافيين. لكن هناك مشاكل… هذا واضح. يجب أن نكون دوما يقظين وملتزمين ومقتنعين بأن وجود حرية التعبير والنقد، حتى لو سقطت في أخطاء، هي أفضل من غيابها. كنت مؤخرا ضحية ل»الأخبار الزائفة»، حيث قالوا إنك تتهرب من الضرائب.. هذا كذب وتزييف للحقائق. نعم، هناك نقاش حول المالية. ودفاعي أوضح ذلك بشكل جلي. لكن مثل هذه الأخبار الزائفة ستستمر. هل تعتقد أن عالم الأخبار الزائفة يشكل تهديدا لحرية الصحافة؟ إن لها تهديد كبير. هو نوع من إفساد حرية الصحافة من الداخل، من خلال استعمالها لنشر الأكاذيب. وإلى حدود الساعة لم يتم إيجاد طريقة لتصحيح هذا العيب دون قمع حرية الصحافة. لكنه اليوم، عيب علينا التعايش معه… هو مشكل جدي تعاني منه البلدان المتقدمة جدا، والأقل تقدما على حد سواء. يأتي كنتيجة للتقدم. هكذا هي الحياة، خصوصا وأنها ليست مليئة فقط، بالأشياء الجميلة. بتصرف عن صحيفة “لاريبوبليكا” البروفية.