اليوم هناك نقاش كبير حول لغة التدريس في المدرسة العمومية، ما الذي سيجعلنا اليوم في المغرب نتخلى عن اللغة الأم ونعتمد اللغة الفرنسية كلغة لتدريس المواد العلمية؟ أولا، العربية ليست باللغة الأم بالنسبة للمغاربة، فهي لغة رسمية للدولة، لكنها غير مندمجة في مسارات البحث العلمي ولا تستطيع مواكبة تطورات العلوم الدقيقة، لأنها لغة دين وأدب وليست لغة علوم بالمعنى المعاصر لهذا المفهوم، والسبب في ذلك ضعف بنيات البحث العلمي ببلادنا وضعف الفكر العلمي، فالدول التي تعتمد لغاتها الوطنية في البحث العلمي، هي الدول الصناعية المتقدمة التي لديها بنيات وطنية للبحث في العلوم الدقيقة، ونذكر منها روسيا والصين وألمانيا وفرنسا، أما المغرب ودول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، فهي تعيش على استهلاك البضاعة العلمية الجاهزة والمستوردة، ولا يمكنها إلا اعتماد اللغات الأجنبية. ولهذا فلغة تدريس العلوم لا تفرضها الدولة بقرار سياسي من أعلى، بل تخضع لشروط وسياق مستواها الاقتصادي والصناعي والعلمي. فمثلا عندما فرضت الدولة تعريب العلوم منذ 40 سنة بقرار فوقي، فشل تدريس العلوم لأن العربية لم تكن مهيأة لذلك. بما أنكم تدافعون عن التدريس باللغات الأجنبية، الأحرى أن تكون اللغة المعتمدة في التدريس هي اللغة الإنجليزية التي هي لغة العصر.. اللغة الإنجليزية هي اللغة العلمية الأولى عالميا، لكن المغرب لا يمكنه حاليا أن ينقلب مؤسساتيا بين عشية وضحاها إلى اللغة الإنجليزية، لا بد من مرحلة انتقالية تمتد ما بين 15 سنة إلى 20. وخلال ذلك، علينا اعتماد اللغة الفرنسية التي هي لغة البحث العلمي في المغرب منذ عقود طويلة، إذ لا توجد أبحاث في العلوم الدقيقة بالعربية. وعلينا بجانب ذلك التمهيد للغة الإنجليزية بالتدريج عبر تكوين الأطر فيها. هناك من يقول إن اعتماد اللغة الفرنسية كلغة للتدريس الهدف منه طمس الهوية المغربية وخلق شرخ في هوية الأجيال الصاعدة، ما رأيك؟ هذا كلام لا معنى له، فتدريس العلوم الدقيقة لا يرتبط بموضوع الهوية لا من قريب ولا من بعيد، فإما أننا بلد صناعي قوي يتوفر على بنيات وطنية للبحث العلمي، وفي هذه الحالة ستكون لغاتنا الوطنية لغات علم، وإما أننا بلد زراعي متخلف ننتظر سقوط الأمطار، وفي هذه الحالة نعتمد على غيرنا في العلوم وبلغات الغير. والمستحيل هو أن نختار أن نبقى متخلفين ونتطلع رغم ذلك إلى أن ندرس العلوم التي نستوردها بلغاتنا. هل أنت مع تدريس المواد العلمية فقط بالفرنسية أم كل المواد؟ موضوع النقاش في البرلمان لا يتعلق بكل المواد، بل بتدريس المواد العلمية، أما إذا أردتم رأيي في بقية المواد، فينبغي تدريس المواد الأدبية مثل التاريخ والجغرافيا والأدب والتربية على المواطنة وغيرها من المواد المرتبطة بهوية المغرب باللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية. أما العلوم فمن الكذب على الشعب القول بإمكان تدريسها بالعربية أو بالأمازيغية في الظروف الحالية، ومن يقول بذلك من الأحزاب عليه أن يبدأ بأبنائه.