يبدو أن الأزمة بين المغرب وحليفيه السابقين؛ السعودية والإمارات، وصلت بسرعة إلى مفترق طرق؛ إما التعامل كحلفاء على أساس المعاملة بالمثل بما يراعي سيادة كل دولة، أو البحث عن بدائل بما يوافق مصالح كل طرف. في هذا السياق، يمكن فهم تصريحات وزير الخارجية والتعاون الدولي، ناصر بوريطة، خلال الندوة الصحافية المشتركة مع نظيره الأردني، أيمن الصفدي، في أعقاب المحادثات الثنائية التي أجراها الملك محمد السادس والملك الأردني عبدالله الثاني، أول أمس، بالقصر الملكي بالدار البيضاء. ناصر بوريطة أكد في تصريحات غير مسبوقة أن “السياسة الخارجية هي مسألة سيادة بالنسبة إلى المغرب”، وأن “التنسيق مع دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، يجب أن يكون وفق رغبة من الجانبين، وليس حسب الطلب، ويجب أن يشمل جميع القضايا المهمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على غرار الأزمة الليبية”. وبعدما أكد على عمق العلاقات التاريخية بين المغرب ودول الخليج، قال بوريطة إن: “الرغبة في الحفاظ على هذه العلاقات، يجب أن تكون من الجانبين، وأن تكون متقاسمة، وإلا يجب البحث عن بدائل”. عبارات قوية وواضحة إذن، جاءت على لسان رئيس الدبلوماسية المغربية، مفادها أن العلاقات وإن كانت تاريخية، يجب الحفاظ عليها من الطرفين، دون إملاءات أو حسب الطلب، إذ التحالف يقتضي احترام السيادة الذي يقتضي المعاملة بالمثل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية مراعاة مصالح الطرفين، وإلا يجب البحث عن بدائل. التهديد بالبحث عن بدائل من قبل الوزير بوريطة يشير إلى أن الخلاف عميق وجدي مع السعودية والإمارات، وأن التناقض في المصالح، ربما، وصل إلى مداه. يأتي ذلك بعد حوالي أسبوع من اتصال هاتفي للملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز بالملك محمد السادس، وهو الاتصال الذي أعلنت عنه وكالة الأنباء السعودية وصمتت عنه وكالة الأنباء المغربية، وتوقع بعض المحللين أن يكون خطوة أولى نحو طي الخلافات، لكن يبدو من تصريحات الوزير بوريطة أن الخلافات أعمق من أن ينهيها اتصال هاتفي. محمد تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي، اعتبر ما كان “يظهر سحابة عابرة في العلاقات المغربية مع السعودية والإمارات، أصبح يكتسي تحولا جوهريا، لأن المغرب يرفض سياسة الإملاءات التي اعتادت دول الخليج اتباعها مع دول أخرى،”. وأضاف أن المغرب إذ يؤكد على “مبدأ السيادة الوطنية”، فهو يلح على ضرورة “التقيد بمبدأ المعاملة بالمثل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ورفض سياسة الكيل بمكيالين”. واعتبر الحسيني أن الصدام في العلاقات لا يقتصر على ليبيا، كما أشار إلى ذلك وزير الخارجية بوريطة، بل يمتد التناقض إلى ملفات أخرى في سوريا واليمن. مؤكدا أن “هناك سياسة المحاور، حيث الإمارات والسعودية ومصر تتزعم سياسيات لا يوافق عليها المغرب، ولا تتماشى مع مبادئ وثوابت سياسته الخارجية”. خالد يايموت، أستاذ العلوم السياسية، أكد على القراءة نفسها قائلا: “منذ بداية سنة 2018، بدأ التناقض في السياسات والمصالح بين المغرب والإمارات أساسا”، ثم مع السعودية “بعدما استطاعت الإمارات أن تستميل السعودية إلى صفّها”. التناقض ظهر في السياسات والمصالح. ظهر أولا في منطقة غرب إفريقيا، “حيث بذل المغرب جهودا مالية وسياسية كبيرة من أجل استعادة نفوذه، وإحداث نوع من التوازن مع النفوذ الفرنسي، لكن التدخل الإماراتي في الكوت ديفوار أربك المغرب، وظهر أنه يناقض المصالح المغربية، على خلاف المتوقع والمطلوب”. وفي ليبيا “كان هناك تنسيق فرنسي إماراتي مغربي في البداية، لكن في مطلع سنة 2018، مالت الإمارات إلى الجانب المصري، واستمالت إلى جانبها السعودية، وشكل الثلاثي كتلةَ تناقضٍ في توجهاته للمصالح المغربية”. وهكذا، وبينما “دعّم المغرب حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، المعترف بها دوليا، وبذل جهودا كبيرا مع فرنسا وإيطاليا للوصول إلى حل سياسي مدعوم من قبل أمريكا، عرقلت الإمارات ومصر والسعودية تلك الجهود، بل أثرت سلبا في السياسة الفرنسية في ليبيا كذلك”. التناقض الثالث بين المغرب من جهة، والسعودية والإمارات من جهة ثانية، حدث في الملف اليمني، بل كان أول ملف يفجر الخلاف بين المغرب وحليفيه السابقين، حين اشتكى وزير الخارجية، بوريطة، بشكل مفاجئ عبر برنامج “بلا حدود” على قناة “الجزيرة”، بتاريخ 23 يناير الماضي، من السياسة السعودية والإماراتية في اليمن، معلنا أن المغرب أعاد تقييم مشاركته في التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان وقضايا أخرى. يايموت يستخلص أن “التناقض” بين الطرفين صار على “مستوى التوجهات الاستراتيجية”، لكن “لم يقرر المغرب بعد الانفصال النهائي عن السعودية والإمارات، وبالتالي، لم يقرر بعد البحث عن بدائل مضادة”، مشيرا إلى أن هناك “شراكة قطرية مغربية في بعض الملفات، وهناك تحالف استراتيجي مع فرنسا، لكن لا نعرف ما هي البدائل الأخرى الممكنة التي قد تعوض السعودية والإمارات”.