كان عبد الكبير العلوي المدغري، وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف لحوالي عشرين عاما، بين عهدي الملكين الحسن الثاني ومحمد السادس، يقول إن الإسلاميين إذا تولوا الحكم، فإنهم لن يكونوا أشخاصا مختلفين عن أولئك الذين تولوا الحكم قبلهم، وحتى اللحى، وهي العلامة السياسية الرئيسة لهم، سيحدث أن تفقدها وجوههم، وستُشذّب بعناية في أفضل الأحوال. في كتابه «الحكومة الملتحية»، لم يكن هذا الوزير، الذي يقدمه حزب العدالة والتنمية في الوقت الحالي باعتباره صديقا، يعتقد أن تغييرا جوهريا سيحدث إن تسلم هذا الحزب الحكم. كان يؤكد أن الناس ينبغي ألا يأملوا شيئا لولايتين حكوميتين على الأقل. كتب ذلك قبل 2011. كان صادقا على نحو ما، بغض النظر عن تحاشيه تحليل الطريقة التي بمقدورها أن تجعل ذوي اللحى أشخاصا متشابهين مع الزمرة المعتادة من السياسيين. بشكل أدق، كان المدغري يعول على العائق الذاتي لدى الإسلاميين، أي تلك القناعة المحاطة بالشكوك بأن نظام الحكم يجب أن يستمر كما هو. وفي غالب الظن، أن الرجل عزز تقديره بالخبرة الشخصية التي اكتسبها من الاقتراب المدروس من بعض الوجوه التي ستشكل، لاحقا، كتيبة الحكم في حزب العدالة والتنمية. كان يعرف عبد الإله بنكيران، وهو أدرى بدوغمائيته المريبة بشأن الأفكار المؤسسة لمشروعه السياسي. وقد حدث في إحدى المرات، في مؤتمر للصحوة الإسلامية، سمح فيه المدغري لحركة الإصلاح والتجديد بالمشاركة وإلقاء خطاب، أن رمى بنكيران بنص الخطاب الذي طلب منه أعضاء حركته أن يتلوه، وبدلا من ذلك، ألقى خطابا مرتجلا قدم فيه للسلطات ما يراه مناسبا من الضمانات لكي تترك حركته تعمل بحرية. نص يشبه تلك الرسالة المنسوبة إليه والتي قيل إن الرجل بعثها إلى وزير الداخلية آنذاك، إدريس البصري. جرى توبيخ بنكيران لاحقا في اجتماع لشورى الإصلاح والتجديد، لكنه لم يحد قيد أنملة عن أفكاره منذ ذلك الحين. من الصعب علي -كما كان سيكون على المدغري نفسه لو بقي حيّا- الشعور بأني كنت ضحية عملية خداع. إن مشكلتنا هي أننا ننزع إلى التصرف مع المواقف إما بالتجزئة والاختزال، وإما بحذف صيرورتها التاريخية. إننا، بحسن نية، نقرأ بصدمة إعلان بنكيران معاداته الملكية البرلمانية، أو قبوله بمعاش استثنائي، فيما الواقع في تاريخيته يعضد القول إننا يجب أن نشعر بالصدمة في حال إعلانه نقيض ذلك. لكن بنكيران وحده ليس شخصا جبارا؛ ودوره في التاريخ ليس كليا. لقد عمل ربما كابحا للمجرى التاريخي في بعض الفترات، لكن حتى أفضل أنواع الفرامل سرعان ما تتلاشى في نهاية المطاف بسبب شدة الاحتكاك. ليس هناك ما يدعو إلى الخوف. إن العقيدة السلفية في الفكر السياسي لبنكيران ينبغي ألا تلهينا عما هو أهم، أي أن مثل هذه الأفكار منتشرة على نطاق واسع على كل حال. الهندسة السياسية لأفكار بنكيران بسيطة، فهو مثل الآخرين تقريبا، كل ما يملكه، زادا إضافيا، هو لحيته، والجرعة غير المألوفة من الجرأة في القول. لكن، دعونا نحدد ما كان شجاعا فيه؛ هجومه على خصومه السياسيين! السياق كان يسمح بذلك. الاعتراضات القليلة على بعض تعيينات الولاة! يمكنه أن يخبركم بالجواب الرسمي عندما شكا تأخر وزارة الداخلية في تسليمه القائمة الرسمية يوما قبل التعيين. يمثل بنكيران تلك الصلابة في الشخصية السياسية، وهي الميزة التي تكاد تصبح من الماضي. والنَّاس يشعرون بشكل متزايد بالحنين إلى تلك الشخصيات ذات القدرة على التحدي. رغم أنني لا أعرف أحدا كتبت له الحياة أو مستقبل سياسي بعد عام 80 وهو على هذه الشاكلة. وإذا أضفت الصدق إلى ذلك، ستحصل، لا محالة، على أفضل النتائج في الانتخابات وغيرها. لكن، ما الذي قد تعنيه الصلابة إذا كان أفق الانتظار السياسي عندك يمكن تسويته بالأرض؟! بنكيران، كما هو رجل ذو أفكار تنطوي على بساطة، كان يتصرف أيضا كشخص بسيط. ذلك كان مصدر جبروته الوحيد. لقد كان يتحدث كالبسطاء إذا خُدشت كرامتهم أو كبريائهم، أو مُس شعورهم بالاعتداد بالنفس. في هذه التفاصيل، فشل سعد الدين العثماني، فهو يتصرف بتعقيد، وكشخص معقد، وفي المحصلة الأخيرة، يبدو لنا مثل شخص فاقد لحس إدراك الاتجاهات. إن المصعوقين من أفكار بنكيران هم في الحقيقة أشخاص دون ذاكرة. إن الرجل قد صنف خصما رئيسا لحركة 20 فبراير، وهو نفسه الذي وبخ مصطفى الرميد على لافتة الملكية البرلمانية في مسيرة الرباط عام 2011، وهو نفسه رئيس الحكومة الذي تخلى عن حزمة من صلاحياته الدستورية عام 2012، وهو نفسه ذلك الخطيب المفوّه كل مرة شعر فيها بأن أحدا يريد الوقيعة بينه وبين الملك. الصلابة، في آخر المطاف، قد تصبح مجرد عملية حفظ مظاهر خادعة. وقد يتحقق ذلك بزيارة خفيفة لوزير مقال بأمر ملكي، أو بتوبيخ وزير عينه الملك دون أن يلتفت إلى رئيس حكومته. وقد يتصاعد ذلك إلى فلتة لسان حول أسبقية رضا من؛ الوالدة أم الملك. هذه، بالنسبة إلي، مجرد أحجار ألقيت في النهر، وصنعت تموجات صغيرة، لكنها، قطعا، لم تؤثر على الاتجاه الذي يجري فيه النهر. كنّا نعتقد، كما يحلو لفتات اليسار المزيف أن يفكر، أن كل ذلك كان مجرد تلاعب متقن بالعقول، أو تبادل مراوغ للأدوار داخل كيان سياسي يتقوى باستمرار. لكن الحقيقة، كما هي في هذا السياق، ليست أكثر من بساطة هندسية. إن العقيدة السياسية، كما هي عند بنكيران أو أكثرية من يقودون حزبه الآن، ليست أكثر من ثلاث نقاط مرسومة على ورق أبيض، ويطلب من هؤلاء أن يخطوا بواسطتها شكلا هندسيا. ستعطيك النتيجة مثلثا بالطبع، وكما يفعلها الأطفال الصغار في المدارس، يفعلها الكبار في حزب العدالة والتنمية. ويمكنك، بعدها، أن تخربش في الورق كما تشاء. كان المدغري يرى أن الإسلاميين لا يستطيعون أن يثبتوا أن لديهم القدرة على طرح بديل سياسي. في نهاية المطاف، ذلك هو ما حدث بالفعل؛ لا يمكن أن تتشبه بالملك ثم تطلب المُلك. كان ذلك يحدث في ما مضى.