توقعات أحوال الطقس لليوم الخميس بكافة ربوع المملكة    اختتام فعاليات جمعية صدى الشمال في النسخة الثانية من مهرجان الطفل    عامل إقليم الدريوش يترأس مراسم الإنصات للخطاب الملكي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة    "خطاب الحسم".. الملك يوجه رسائل قوية إلى خصوم الوحدة الترابية للمغرب    ذكرى "المسيرة الخضراء" تطلق عشرات الأوراش التنموية المستعجلة بكلميم    هذه انعكاسات عودة ترامب إلى البيت الأبيض على قضية الصحراء المغربية‬    رسميا.. الكشف عن عدد سكان المغرب وفق إحصاء 2024    البنيات التحتية الأمنية بالحسيمة تتعز بافتتاح مقر الدائرة الثانية للشرطة    عامل سيدي إفني يترأس مجموعة من الأنشطة احتفاء بعيد المسيرة الخضراء        الجمعية والرابطة يتفقان على المضي قدما في معركة حماية وصون استقلالية التنظيم الذاتي للصحافيين الرياضيين    ولاية أمن الرباط… فرقة مكافحة العصابات تضطر لاستعمال السلاح الناري لتوقيف مشتبه فيه هاجم المواطنين بسلاح أبيض    الملك محمد السادس يوجه خطابا بمناسبة الذكرى ال49 للمسيرة الخضراء    الدكيك بعد الخسارة ضد فرنسا: "المرجو التحلي بالصبر لأننا في مرحلة جديدة ورهاننا هو الحفاظ على ألقابنا"    الإصابة تبعد تشواميني عن ريال مدريد نحو شهر    الملك محمد السادس يتخذ قرارات جديدة خدمة لمصالح الجالية المغربية المقيمة بالخارج    المسيرة ‬الخضراء.. أول ‬حركة ‬تحرير ‬في ‬التاريخ ‬البشري ‬لم ‬ترق ‬فيها ‬قطرة ‬دم ‬واحدة    جائزة عالمية تصنف المغرب في صدارة البلدان المضيافة في العالم        وزير: تحويلات الجالية استهلاكية فقط ولا تستغل في الاستثمار بالمغرب    الجمهوريون يقتربون من السيطرة على مجلس الشيوخ الأمريكي    إضرابات الإطفائيين الفرنسيين تلغي رحلات بين البيضاء ونانت    تنسيق قطاع الصحة يراسل البرلمان لتعديل مشروع مالية 2025    الفرقة الوطنية تستمع لشباب مغاربة زاروا إسرائيل بتهمة الإساءة للرسول    شركة "إنيرجين" تتجه لإيقاف أعمال التنقيب عن الغاز بالعرائش    انطلاق مهرجان وجدة الدولي للفيلم المغاربي في نسخته 13    دراسة: أحماض أوميغا 3 و 6 تساهم في الوقاية من السرطان    تحديد 13 نونبر موعدا لأولى جلسات محاكمة القاضية المتقاعدة مليكة العامري استئنافيا            انطلاق الدورة الثالثة عشرة للمهرجان الدولي لسينما الذاكرة المشتركة بالناظور    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    ابتسام بطمة ترد على شائعات العفو الملكي    حماس: فوز ترامب يختبر وعده بوقف الحرب خلال ساعات    أغناج ل" رسالة 24 ": نعيب على الحكومة ووزير العدل الاستقواء بالأغلبية الأتوماتيكية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    بعد احتفاء ترامب بالفوز في الانتخابات .. صعود الدولار يخفض أسعار النفط    نتنياهو: ترامب يحقق "عودة تاريخية"    "مهرجان سينما الذاكرة" يناقش الدبلوماسية الموازية في زمن الذكاء الاصطناعي    برنامج يخلد المسيرة الخضراء بمونتريال    في خطاب النصر.. ترامب يتعهد بوقف الحروب وعودة العصر الذهبي لأمريكا    قطر تعلن إقرار التعديلات الدستورية    مكتب الفوسفاط و"إنجي" الفرنسية يتجهان لإنشاء مصنع ضخم للهيدروجين الأخضر في الصحراء    "فيفا" يلزم الوداد والأندية بالمشاركة بأقوى اللوائح في "موندياليتو 2025"    الجديدة : لقاء تواصلي حول برنامج GO SIYAHA بحضور فاعلين في مجال السياحة    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    لحماية القطيع.. وزير الفلاحة يمنع ذ بح الإناث القادرة على التكاثر    ترامب: حققت فوزا تاريخيا وسنغلق الحدود أمام المجرمين    اختتام فعاليات الدورة التدريبية لحكام النخبة (أ)    الانتخابات الأمريكية..ترامب يتقدم على هاريس في ولاية بنسلفانيا            أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في محاولة فهم النص البنكيراني
نشر في اليوم 24 يوم 28 - 12 - 2016


ياسين بوشوار – طالب باحث في الاتصال.
الكل يجمع على أن الخطاب السياسي جزء لا يتجزأ من المنظومة التواصلية، فالسياسية تواصل. وبالتالي وجب على كل خطاب سياسي أن يرتكز على أسس صلبة ودعائم وركائز صلدة من الشجاعة والجرأة والقدرة على الإقناع والتخاطب.
فقد عرفت الساحة السياسية بالمغرب أشكالا متعددة من فن التخاطب السياسي، غايته خلق نوع من الآثار والزيادة من حدته، فكما هو معلوم أن الخطاب السياسي من حيث هو خطاب مفوه شهد نقلتين أساسيتين في تاريخه المعاصر، النقلة الأولى كانت في عهد عبد الرحمان اليوسفي، والثانية في فترة عبد الإله بنكيران.
من حيث القيادة الاشتراكية للحكومة المغربية، لأول مرة في تاريخ البلاد، وهو نفس الشئ ينطبق في حالة حزب العدالة والتنمية، كحزب يصنف ضمن دائرة الإسلام السياسي بالمنطقة المغاربية. (مع التحفظ على هذا التصنيف وسنعود إلي هذا الموضوع في مقال لاحق)
إذ شهدت الفترة الأولى استمرار الخطاب المفوه من حيث نخبويته وصرامته، وامتاز بنقده للبنيات السياسية في ذاك الإبان، كخاصية انفرد بها حزب الاتحاد لاشتراكي إبان التناوب دون إغفال حزب التقدم والاشتراكية الذي انخرط بدوره في نقد البنيات القائمة ( الخطاب السياسي لعلي يعتة)، في حين تم تسجيل النقلة الثانية من حيث الإطار الخارجي للخطاب المفوه، من خلال بلاغته الشعبية والايديولوجية، وكذا عبر السياق الذي جاء فيه حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة.
يعتبر بنكيران كائنا سياسيا وظاهرة تواصلية متفردة، احدث ثورة على مستوى الخطاب السياسي المغربي، فمنذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة سنة 2011، إلا وظهر معه خطاب سياسي تواصلي مغاير تمام لما عهد عليه عموم المتابعين، من حيث سلاسة الخطاب السياسي أو الأصح بساطة منطوق الرسالة، والتي يمكن فهمها وفك شفراتها من لدن العموم، دون إجهاد أو خصخصة فئوية.
كما يمتاز هذا الخطاب عن غيره، بحمولته المفاهيمية النابعة من اللغة المسترجلة " الدارجة " ومن الحقل الطبيعي (" معجم الحيوانات، معجم الأسطورة ") ومحاولة إسقاطها على المشهد السياسي الوطني.
وعلى ضوء ذلك، سنعمد إلى تحليل مضامين الخطاب السياسي لرئيس الحكومة المغربية السيد عبد الإله بنكيران، بالاستعانة بمنهجي الوصف والتحليل .
ملاحظات عامة
الخطاب السياسي بالمغرب اليوم، أضحى معطى تواصليا مرتبط بالمقولات الشعبية المتداولة، بدلا من خطابات النخب التي كانت سائدة في ما مضى .فالتواصل لدى بنكيران هو تواصل يلامس النظام الدلالي للشرائح الاجتماعية، كونه مبني على إنتاج وإعادة إنتاج هذا النظام، الذي يغترف من معين المجتمع .فهو خطاب ينطلق من الأسفل نحو الأعلى؛ بمعنى من لسان المجتمع نحو للسان الرسمي المؤسساتي.
وهذا ما يترجم حضوره في ساحة التواصل السياسي، كنموذج ناجح، من حيث خلق الآثار، وإحداث لمسة خاصة في مسار التواصل السياسي بشكل عام، والخطاب السياسي بشكل خاص.
فنجاح هذا الخطاب في الانتشار بين مختلف فئات المجتمع كان راجعا بالأساس إلى تمثلات الأفراد تجاهه من حيث الاعتبار اللغوي المنطوق به، بمعنى خطاب يمثل الواقع اليومي والمعاش، ويعبر عن أذواقهم وأرائهم، أي أن بنكيران يمثلهم من خلال خطابهم.
عندما نمعن النظر في خطابات الرجل نجدها ذات بعد ثقافي فهو ينطلق من الأنظمة العلاماتية التي أنتجها وينتجها المجتمع عن نفسه، ثم يعيدها إليه من جديد، وهنا يحس المتلقي انه من أنتج هذا الخطاب بنفسه لأنه يلامس لغته اليومية . فلو دققنا الملاحظة سنجد بنكيران يوظف الثقافة في جوهر الخطاب الاتصالي كمبدأ مركزي في قاعدة بياناته التواصلية.
وهذا ما يجعله نجم الشاشة التلفزيونية بامتياز ونلاحظ كثيرا ما تختلف وجهات النظر حول فحوى وشكل الخرجات الإعلامية لرئيس الحكومة، مما يجعلها حَرية بالتفحص والتحليل. وذلك من جهة، لما تحققه من نسب مشاهدة مرتفعة، بلغت، حسب أرقام "ماروك ميتري " لقياس الجمهور، 3 ملايين مشاهد على القناة الثانية في نهاية حلقة برنامج "لقاء خاص" الذي بث بالتزامن على القناتين الوطنيتين وقناة العيون الجهوية، ومليون و255 ألف مشاهد على القناة الأولى، ووصلت في إحدى جلسات الأسئلة الشفوية بمجلس النواب المنعقدة شهر ماي المنصرم، إلى مليوني مشاهد، ومن جهة أخرى ، لأنها صادرة عن رئاسة الحكومة وترسم ملامح سياستها في تدبير شؤون البلاد.
كما سنلاحظ أن خطاب بنكيران يعد خطابا مركبا تركيبا متجانسا مقارنة مع خصومه والسياسيين، يتمظهر عبر مستويين اثنين :المستوى اللفظي اللغوي، والمستوى الأيقوني البصري.
فبخصوص المستوى اللفظي اللغوي : لابد من ان تتوفر في أي خطاب سياسي شروط التماسك اللغوي، كي تصل دلالات الرسالة، تبعا لذلك، يتكأ رجل السياسة على مكونات لغوية بلاغية بقصد التأثير على المتلقي، ومحاولة إثارة فضوله المعرفي وزعزعة بعض المفاهيم الراكنة لديه، محاولا تمرير خطابه السياسي بشكل يروق وينسجم مع الفضاء الذي يلقى فيه الخطاب.
أما على المستوى الايقوني: تعد الصورة البصرية إحدى أهم الوسائط الأساسية في فن التواصل بصفة عامة والتواصل السياسي بصفة خاصة، فالخطاب البصري يعتبر خطابا بلاغيا كذلك.
فبنكيران يكاد أن يكون الفاعل السياسي الوحيد بعد الملك، الذي يحسن استخدام الصورة ويوظفها بشكل يسوق نموذجه الخطابي الفريد، سواء من حيث التماهي اللفظي والصورة الإيمائية، داخل المؤسسات السياسية عبر الخطابات السياسية والتواصلية )البرلمان او داخل حزبه)، كذلك عبر تسوقيه لشخصية بنكيران السياسي المواطن) .المواطن في بيته في السوق مع أصدقائه… الخ(.(لقاء واستقبال الطلبة الأطباء في منزله، ونفس الشيء مع زعماء الأحزاب كذا مرة. بلباس منزلي "فقية وسبحة" …)
فطبقا لهذا فإن اللغة الصورة واللفظ من بين السمات الأساسية للسياسي المتمرس :ونحن نذكر على سبيل المثال كيف كان المغفور له الحسن الثاني يستخدم الصورة واللغة في التأثير على المتلقي بشكل غير مسبوق في التاريخ السياسي المغربي، رغم الظروف التي كان يمر بها المسار السياسي في حقبته، لكنه عرف كيف يسوق نفسه ،انطلاقا من خطاباته وخرجاته الإعلامية التي تكون في غالب الأحيان سوق نموذجي يسوق فيه الرجل نفسه بشكل يخول له الظهور أمام المغاربة والعالم، بذكاء سياسي يرسل من خلاله رسائل تحت عنوان "أنا رجل المرحلة ".
وهذا ما يمكن ملاحظته في شخصية الملك محمد السادس، كواحد من ابرز الزعماء الذين يحسنون استخدام الصورة باعتبارها خطابا كامل المعنى، "أوليست الصورة ابلغ من ألف كلمة؟" .
إذ لا يمكن القول بأن أن جميع خطابات بنكيران هي خطابات مسترجلة بمعناها الأعم، وان الدلالات التي يحملها اعتباطية مبنية في أنيتها، بل هو حوار نابع من مجموعة عمل تواصلية يحاول أن يترجمها بنكيران .فعفويته هي عفوية متحكم فيها، وهي بذلك ورقة رابحة في الممارسة السياسية يجيد السيد بنكيران لعبها بذكاء. بنكيران لديه أسلوب في التواصل مبني على عفوية مفكر فيها، وليست عفوية خالصة، تهدف إلى التواصل مع جموع المواطنين وبناء نوع من المكاشفة أو البوح ليشعر المواطنين أنه قريب منهم.
فالأسلوب الذي يلجأ إليه في تمرير وإيصال أفكاره للمواطنين، يستند إلى المقولة الشهيرة للزعيم السياسي البريطاني وينستون تشرتشيل، التي تذهب إلى أن "أحسن الخطابات المرتجلة، هي تلك المعدة سلفا بعناية وإتقان"، أي في المظهر عفوية وارتجال، وفي الجوهر تفكير واتزان.
عليه فان بنكيران يجد نفسه خارج النص أو بالأحرى يحاول دائما التخلص من سلطة النص (ما عليك عزيزي القارئ إلي عقد مقارنة بين بنكران وهو يتحدث من نص مكتوب وبين تحرره من سلطة الورقة "النص")
ويهمني هنا إزالة بعض سوء الفهم في حدود ما تم الإشارة إليه في ما يخص الرسالة السياسية اوبالاحرى النصية ، باعتبارها الحامل لكل المكونات المشكلة للخطاب السياسي. وبالتالي فكل رسالة ليست عشوائية دون معنى، فكل رسالة لها معنى وإنتظارات نتوقع منها غايات.
وما يمكن ان نسجله كذلك في حدود هذه الملاحظات، السياق الذي جاء فيه حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة باعتباره حزب ينطق باسم المواطن المغربي إبان المعارضة، حيث كان يلتزم بتشييد خطاب هجومي على الحكومة الاستقلالية، والنداء الدائم بمحاربة الفساد والعدالة الاجتماعية. بالإضافة إلى ما تشكله مرجعيته الدينية كأطروحة تمثل الإسلام السياسي بالمغرب، وما يمثله ذلك في الحس الجمعي للمواطن المغربي.
بالتالي نجد أنفسنا بصدد تحليل الخطاب السياسي أمام مدخل يتمثل في طبيعة الشخصية المغربية التي تشكل البنية الأساسية، لفهم طبيعة الخطاب. وبهذا لابد من الوقوف أمامها لفهم طبيعة العلاقة القائمة بين نوع الخطاب وتأثيره على الأفراد.
وعلى العموم فإن الأمر متعلق بدرجة أولى بطرائق التفكير والتفاعل لدى الشعب المغربي، فهو في غالب الأحيان لا يتفاعل مع الخطاب العقلاني القائم على أسس بيانية وحسابية، ( ويعتبر هذا النوع من الخطابات، خطابات فئوية لا يجري تفسيرها إلا من طرف النخب بصفة عامة)، بقدر ما يتفاعل مع الخطابات التي تستنطق العاطفة، وبالتالي نجد أن اغلب الأفراد يتفاعلون مع الخطاب السياسي لا مع السياسة أي مع المشروع السياسي .( ومنه فلكل مجتمع سياسة (السياسيين) التي يستحقها).
كما نسجل كذلك عاملين كان الحزب يلعب على وترهما ولازال يتغنى بهما :
اولا نظافة اليد : حيث يعتبر حزب العدالة والتنمية واحد من الأحزاب التي يسوق لها أعضاءها، بنظافة أيادي قادته، لكونهم لم يشتبه بهم في قضايا الفساد، عكس قادة الأحزاب الأخرى. حيث لا تمر دورة في البرلمان إلا ويذكر قادة الحزب، المغاربة بنظافة أيديهم التي أصبحت كباقي الأيادي بعد مشاركته في الحكومة .
ثانيا لعب دور الضحية : كما حاول صياغة خطاب سياسي يوافق ولسان حال المواطن المغربي المقهور، لذلك تعرض على طول مساره لنوع من المضايقات من طرف المخزن،خاصة ما تترجمه مواقفه تجاه المؤسسة الملكية وتجاه السياسية الدينية التي تنهجها الدولة المغربية،وبالتالي فهو يحاول ان يمس الحس المشترك الجمعي عبر خطابته ويؤسس لنوع من خطاب التظلم. لكن بمجرد وصوله الى الحكومة إلا وتغيرت معه مجموعة من المواقف التي كان يتغنى بها أمام أنصاره.
علاوة على مسألة المؤامرة التي يحسن الحزب اللعب بها، حيث يحاول أن يرسخ لدى المواطن البسيط فكرة مفادها أن اغلب الأحزاب الوطنية تشترك في مؤامرة ضد الاصلاح، وان حزبه هو القادر على الوقوف ضدا في هذه المؤامرة السياسية التي تعرض لها الشعب المغربي، وما يسميه الحزب بالتحكم.
ففي نهاية المطاف ان إتقان هذه الوسائل من لدن الفاعل السياسي سيمكنه بلا شك من التأثير في الحشود و بذلك اتساع قاعدته الجماهيرية مقارنة مع أقرانه وخصومه السياسيين .
وفي نظرنا نلمس أن قوة خطابة بنكران يستمده بشكل كبير في القدرة على الجمع بين المتناقضات في حديثه الدائم عن عدم قدرة الحكومة أو فشلها في مجموعة من القطاعات الحيوية، إلا أن هذا لا ينفى نجاحها في قطاعات أخرى ويعبر عن ذلك انطلاقا من عدة خطابية ترتكز على الممارسة الكلامية، التي تدحض الأفكار التي عبر عنها في البداية كفشل. لينزع التناقض عن طريق تعبيره الدائم، أن حكومته هي الأفضل على مر التاريخ المغربي، لأنها تمكنت من الخوض في جملة من القضايا الإصلاحية على حد تعبيره، التي لم تمتلك الحكومات السابقة الجرأة في مجاراتها أو إصلاحها مخافة فقدان الكراسي وهذا تعبير مباشر على ان بنكيران جاء للإصلاح الممكن ولا يهتم في العودة مرة أخرى إلى المشاركة في السلطة. ونسوق هنا نموذجين من هذا الباب:
* ملي تنشوف مالين تاكسيات راه قلبي يتقطع… ولكن ماتستغربوش حيت بنكران مادارش، لكن تسغربوا حيت بنكيران دار.. هكذا خاصكم تفكروا.. فالبلاد حمد الله تنعم بالاستقرار …"مقتطف من الجلسة الشهرية 1/ 12/2015"
* أنا مالي ومال تقاعد اش داني ليه … أنا درت جهدي ومميمكنش ندير حاجة أخرى …اشنو لنعتب أنا على راسي من مشات لنا مليار درهم …هذي لي نقول لكم ربما إلى خرجتو تقول خاص نطيحو بنكيران لأنه مادارش الإصلاح من الأول نخرج معكم هذي هي روح المواطنة. " انظر الجلسة شهرية مع النقابات "
وبالتالي يحاول أن يؤسس لدى المواطن المغربي فكرة مفادها، أن الغاية إصلاحية، وليس البقاء على كرسي الحكومة. وهذا ما يفسر حديث الحزب عن نظافة اليد وسعيه إلى تحقيق الرفاه الاجتماعي للإفراد وانقاد الاقتصاد الوطني،ومحاربة الفساد والمفسدين.
كما هو الحال بنسبة للكثير من المحطات التي يعلن فيها على أن حزبه وصل إلى الحكومة بطريقة نزيهة وانتخابات شفافة، وهذا يعني أن الانتخابات السابقة كانت متحكم في نتائجها، وان حزبه يمثل صوت الشعب، دون الأخد بالحذر الكمي الإحصائي. الذي يترجم حقيقة الأصوات التي أوصلته إلى الحكومة ،التي لا تتعدى أكثر من 2% من مجموع سكان المغرب.
فهذا الجمع بين المتناقضات يحدث نوعا من الاختلال الذهني لدى المتلقي، ويجعله حائرا بين الخطاب المفوه والواقع المرير الذي لا يترجم بالأساس المقولات الخطابية للرجل.
فالجمع بين المتناقضات ليس أمرا اعتباطيا بل هو تأسيس لنوع من المصداقية والاعتقاد في إن البديل لا يمكن أن يحل محله مادام صادقا في خطابه المفوه ،ومنه يخلق نوعا من الانتظارية لدى المتلقي على أساس إمكانية الإصلاح في المستقبل .
فالملاحظ أن خطابات بنكيران حاول ألا ينفصل عن المجتمع باعتباره خطابا كلاميا تواصليا لا توضيحيا يستمد دلالاته من إحصاءات وأرقام. والملاحظ أن بنكيران يتميز بكفاءة أسلوبية كلامية خاصة لا لغوية تؤسس لخطاب سياسي مؤسساتي جديد.
المعجم السياسي و الدلالي لرئيس الحكومة المغربية بنكيران
تعد الابعاد الاستعارية للخطاب السياسي مكونا أسياسيا للتعبير عن الوقائع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبالتالي فاشراك الاستعارات ليس بالامر الاعتباطي او المجاني بل له دلالاته القوية التي ترنو الى تحقيق الاثار او الممكن، الذي يعبر عن علاقة جدلية قائمة على التفاعل بين الضمير الجمعي والواقع المعاش بوجه عام والسياسي بوجه خاص.
كما يمكِن ذلك من إيصال رسالة الى المتلقى بشكل يترك له المجال للتاويل المباشر للرسالة " فالخطاب السياسي ليس حامل اوجه كما يعتقد البعض ففي غالبيته يكون غير قابل لتأويلات متعددة "
نظرا لكون المصطلحات والمفاهيم الاستعارية مجردة والتصورات والتمثلات متجسدة أساسا على حد تعبير "جورج لاكوڤ" وتبقى قيمة هذه الاستعارات، تتمثل في تلك العمليات التخيلية المتجسدة في هذه الاستعارات اي الاستعارات الحية التي تمتلك القدرة على التشَاكل بناء على رواسب التي راكمها الضمير الجمعي للمجتمع تجاه الخطاب السياسي ،وبالتالي تأسيس لأشكال تأويلية ذات اتجاه واحد يسهل إلى حد ما التلاعب بها، كلما كان الخطاب مغايرا شريطا ان يكون هذا الخطاب يحمل جملة من المتغايرات التي لم تكن تعبر عنها الخطابات السالفة والانطلاق من ذات المرجعية التي ينطلق منها معظم الأفراد داخل المجتمع واقصد هنا المرجعية الدينية كمؤسسة لنوع من الشرعنة .
فما تشكله العفاريت والتماسيح في التراث الشفهي المغربي خارج السياق السياسي غير ما تشكله داخل هذا السياق ، وعليه فان المعنى يتشكل انطلاقا من القائم بالاتصال، "بنكيران معبرا عن وضع معين بالتماسيح والعفاريت فهذا التعبير يعد تعبيرا مباشرا عن الفساد والمفسدين. حينما يقول احدهم لأحد أصدقائه فلان عفريت فهذا دليل على كفاءته أو تحايله، "تختلف حسب السياق" .
يعتبر المعجم أهم جانب في تحليل الخطاب، فلكل خطاب معجمه الخاص، كما أن المستوى الصوتي و الايقوني هو جانب في التحليل لا محيد عنه، سواء فى التحليل السوسيولوجي او السيميولوجي لنظام العلامات اللغوية، خاصة ان تعلق الامر بموضوع القادة السياسيين، باعتبار هذه المكونات الثلاث هي المشكلة للخطاب السياسي، مما يستدعي تماهي بعضها ببعض في علاقة تجانس واتصال.
ومما لاشك فيه ان توظيف المصطلحات في الميدان السياسي لا يتم بشكل اعتباطي عشوائي بقدر ما يتم انتقائها بشكل حاد ودقيق سواء تعلق الأمر بالوصف مباشر أو بالإيحاءات.
مند الوهلة التي أرخى فيها بنكيران العنان لقرحاته كرئيس للحكومة المغربية، إلا و دشن خطابا سياسيا جديدا، يستند إلى معجم مفاهيمي استثنائي، يزخر بجملة من المصطلحات التي تغترف من الطبيعة للتعبير عن ما هو سياسي، وعليه سنحاول الوقوف عند البنية الدلالية لهذه المفاهيم بالرصد والتحليل . ومن ابرز هذه المفاهيم التي تؤثث الخطاب "البنكيراني" كخطاب جديد في الساحة السياسية الوطنية، بتوظيف استعارات لأسماء حيوانية .
واهم هذه الأسماء المتداولة في القاموس البنكيراني و التي تداولها شركائه وخصومه السياسيين, بل حتى الإعلاميين وعامة المواطنين . نجد " التماسيح, العفاريت,الدود , الجن , الذئاب…" وغير ذلك من المصطلحات والنعوت .
التمساح: من أضخم الزواحف الحية، له جسم طويل وأرجل قصيرة و ذنب طويل له جسم يمكنه من السباحة و أسنانه حادة يقبط بها على فريستيه و من الغريب انه لا يستطيع إخراج لسانه .
و يعد التمساح من بين الحيوانات الارستقراطية التي يفضلها الكثير من القادة لإظهار الجبروت والقوة، كما استخدمه الرومان للدلالة على عظمتهم في قتل أعدائهم بدم بارد ،فهو رمز من رموز الغموض والتحايل والعدوان و المراوغة، و يقال لشخص تمساح بمعنى انه شخص مراوغ .
أما بالنسبة لابن كيران فهو يشمل هذا النعت، بعض الاقتصاديين المسيطرين على الحياة الاقتصادية و الاجتماعية للمواطنين، مما يقوي وجودهم على الساحة الوطنية كقوة ضغط على الفاعل السياسي، و بذلك التدخل في رسم الخرائط السياسية وفق ما يخدم مصالحهم الخاصة، مشيرا إلى أن حكومته لن تكون لهم لقمة سهلة بقوله ": داكشي لكنتو عارفنو راه مابقاش …لتقولها هيا لتكون… وقت أخرى هذه… و الكذاب راه معروف … "
العفريت :تستخدم كلمة عفريت للدلالة على شخصيات معينة غالبا ما تكون خرافية أو خيالية وأحيانا يمكن أن تذكر كشخصيات حقيقية لها وجودها في عالمنا وموضوع خرافية أو حقيقة وجودهم تتعلق عادة بمعتقدات الشعوب وطريقة تفكيرهم أو عقيدتهم وما ورثوه من أسلافهم. والعفريت كان وما زال له مكانة هامة في الانتاج الأدبي والفلكلوري للشعوب .
والعفريت يقصد به الشخصية الذكية التي تتميز بصفة المكر، و يوظفه بنكيران لوصف أولئك الأشخاص النافدين المتوغلين في السلطة ,الذين يدبرون أمور البلاد من وراء الستار, فقد عرف بنكيران العفريت في إحدى مقابلاته الإعلامية " أنه يحرك الأشياء و أنت لا تراها " و هذا ما ينطبق حسبه على الحياة اليومية للمغاربة. وعليه فالعفاريت هم شخصيات نافدة في المجتمع ويسيرون الشأن الوطني ، فهم كائنات معنوية غير مرئية ،ولهم من التجربة والذكاء ما يكفي لرسم والنقش على الخريطة الوطنية كما يحلوا لهم و وفق ما يخدم مصالحهم.
برزت هذه المصطلحات في إحدى الملتقيات الخطابية لشبيبة حزبه كلازمة لغوية يرددها مع أنصاره
لا للتماسيح …… لا للمشوشين
لا للعفاريت …… لا للشياطين
ولاعتبارات موضوعية وتجنبا لأي تحليل قد يفضي في نهاية المطاف إلى الخروج بنتائج عامة وذات طابع قيمي. سأتوقف في عرض مقتطف من مقابلة تلفزيونية أجراها عبد لإله بنكيران مع القناة الفرنسية "فرانس 24" يشرح فيه بنفسه المقصود بالتماسيح والعفاريت
بنكيران يجيب عن سؤال حول المقصود بالتماسيح والعفاريت ؟ :
(العفاريت والتماسيح هي كائنات موجود في كافة الدول ,وهي كائنات تتسرب إلى السياسة وتكون مصالح ومنافع بطبيعة الحال وهي تقاوم الإصلاح …
س: من تقصد ؟
ج بنكيران : لو كنت ضابطا لهذه الأسماء لما كنت سميتها بهذا الوصف, فهي طريقة للإشارة إلى المقاومة الموجودة لكل عملية إصلاحية … تكون فئات معينة تشعر أنها سوف تتضرر من الإصلاح , فهي تتصرف بهذه الطريقة التي تتصرف بها التماسيح و العفاريت …
فالتماسيح تأتيك من الأسفل وتمسك بك وأنت لا تراها، والعفاريت تحرك أشياء أنت لا ترها .(
على سبيل الختام
أن قوة الخطاب لا تتجسد في المنطوق أو موقف من المواقف، إنما في الحركة والقوة والاحتواء والعلو والانخفاض أثناء الإلقاء فالاستعارة تحضر في كل مجالات حياتنا وفي سلوكياتنا بكل بساطة وبالتالي فان العادة هي الاستعارة وليس شيء آخر.
فموت السياسية ليس سوى موت للخطاب السياسي وسذاجته، والذي فقد أدواره التفاوضية وتحول إلى أداة للصراع الايديولوجي، أو ما يمكن أن نسميه بالعنف والازدراء السياسي الذي يفقد السياسة معناه البرغماتي القائم على القيمة ذات الفعالية، وبالتالي فإننا أمام مجال يحوي الكثير من الخطاب السياسي والقليل من الفعالية السياسية، ليصبح الخطاب غاية في ذاته، وممارسة السياسة ليس سوى وسيلة لتحقيقه.
ومما سبق، نجد أنفسنا أمام تساؤلات مشروعة، فان كان الخطاب البنكيراني تمكن في المرحلة السابقة من أحداث نوع من الآثار لدى المتلقي، فإننا هنا أمام سؤال الاستمرارية في ظل تحولات، خاصة مع الائتلافات الممكنة، التي ستغير لا محال من خصوصية الخطاب السياسي) خاصة بعد أن فقدت المعارضة أهم اقطابها( ، كما هو الحال بنسبة له إبان المعارضة، وفي مشاركته في قيادة الحكومة السابقة.فما هو اذن الخطاب السياسي الجديد الذي ينتظر المغاربة في ظل هذه التحولات المتوقعة؟وهل سيحافظ الحزب على نفس المكانة والخطاب تجاه الفئات الشعبية بعد رحيل بنكيران ؟ وهنا يطرح السؤال هل بنكيران هو من صنع الحزب وأخرجه إلى الساحة السياسية أم العكس ؟ وبمعنى أخر ألا يمكن القول أن وصول حزب العدالة والتنمية إلي الحكومة المغربية هو بداية نهاية بريقها؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.