على بُعد 15 سنة من إطلاق تجربة الإنصاف والمصالحة، وفي سياق تميز بالتعيينات الملكية الأخيرة لرؤساء بعض مؤسسات الحكامة، أعاد مجلس المستشارين بتنسيق مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان طرح الموضوع مجددا، أول أمس، في ندوة دولية استُدعيت إليها وفود دول من أمريكا اللاتينية وإفريقيا والعالم العربي، ما دفع إلى التساؤل: هل المغرب مقبل على دينامية جديدة قد تستأنف روح تجربة المصالحة بعد سنوات من التوتر، كما عبّرت عن ذلك احتجاجات حراك الريف وجرادة وحملة المقاطعة أم هي فعاليات من أجندة معدة سلفا ولا صلة لها بالتطلعات المنشودة لفئات عديدة؟ في تقديمه للندوة، قال حكيم بنشماش، رئيس المجلس المستشارين، إن الهدف الرئيس للندوة يتمثل في “مرافقة التحولات التي تشهدها المنطقة العربية وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، من خلال افتحاص مدى نجاعة اللجوء إلى خيار العدالة الانتقالية، وإلى دروس وعبر المصالحات الوطنية بوصفها بديلا عن أشكال أخرى لفض نزاعات الماضي”، وفي الوقت نفسه “تلمس سبل رفع التحديات ذات الصلة بالمتغيرات الجيوسياسية، وتبعات هبات الاحتجاج التي أفضت إلى تغيير أنظمة سياسية معينة، وما أفضت إليه من توترات ومآسي وتمزقات، بل وعدم اليقين في هذه المناطق”. لم يشر بنشماش في كلمته إلى أي معطى يفيد بأن الندوة تندرج في إطار إثارة النقاش العمومي حول إمكانية إطلاق أي دينامية جديدة بالمغرب، وقد علمت “أخبار اليوم” أن الندوة كانت مبرمجة سلفا، في إطار اتفاقية شراكة بين مجلس المستشارين والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وبالتالي، لا علاقة لها بأي تطلعات جديدة لزحزحة الوضع السياسي والحقوقي في المغرب. لكن بعض المؤشرات تفيد بأن المغرب، ربما، مقبلٌ على إطلاق دينامية جديدة، تتجاوز الفراغ السياسي والتراجعات في مجال الحقوق والحريات، ويبدو أنه سؤال مطروح على أعلى المستويات، وعبّرت عنه إشارات نادرة، منها تصريح رئيس الهيئة الوطنية لمحاربة الرشوة، محمد الراشدي، الذي كشف أن الملك محمد السادس طلب منه “الذهاب بعيدا” في محاربة الرشوة والفساد، أما المؤشر الثاني، فهو التعيينات ذاتها، التي أتت بعد توترات اجتماعية تم إخمادها باستعمال القوة العمومية أساسا، وهي التعيينات التي تذكر بسياق 2011. لكن السؤال هو كيف يمكن إطلاق دينامية جديدة وسط شبه فراغ سياسي؟ انطلاقا من خلاصات تجربة الإنصاف والمصالحة سنة 2004، تبدو المصالحة بحاجة إلى السياسة أساسا، وهذه الخلاصة وردت في الندوة على لسان اثنين من الفاعلين في مسار المصالحة. فالحقوقية أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، اعتبرت أن “مسار تجربة الإنصاف والمصالحة تتحقق بالتدريج، وبدأت أولى حلقاته في بداية التسعينيات من القرن الماضي، بقرارات العفو الملكي عن المنفيين والمعتقلين السياسيين، وتأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وإحداث هيئة مستقلة للتعويض”، كما وردت هذه الخلاصة على لسان أحمد شوقي بنيوب، المندوب الوزاري لحقوق الإنسان، الذي اعتبر أن مسار الإنصاف والمصالحة “ولد وترعرع بفعل التفاعل الديناميكي بين المسارين السياسي والحقوقي، حيث جرت ديناميات ووفرت إمكانيات لمصالحات وليس مصالحة واحدة”، مؤكدا أنه في “قلب المصالحة السياسية ولدت وترعرت العدالة الانتقالية، ولولا السياسة لم نكن لنصل إلى تجربة الإنصاف والمصالحة”. عادل بن حمزة، كاتب وفاعل سياسي، يرى في هذا الإطار أن “منطق الإنصاف والمصالحة لا يقبل دورة ثانية”، واستبعد أن تنعكس التعيينات الملكية الأخيرة على الوضع العام “رغم الماضي السياسي والنضالي للمسؤولين الجدد”. مشيرا في السياق ذاته إلى أن “المدخل إلى المصالحة هو مدخل سياسي بالدرجة الأولى، إذ قبل تعيين الهيئة سنة 2004 سبقتها إصلاحات سياسية لمدة جاوزت العشر سنوات على الأقل”. على خلاف ذلك، يرى ابن حمزة أن السياق الحالي “لا يؤشر على رغبة في استئناف المصالحة، بل إن ملاحقة شخصيات سياسية مثل عبدالعلي حامي الدين، ومحاكمة الصحافيين مثل توفيق بوعشرين، وأيضا محاكمات محتجي حراك الريف وجرادة..، يعبر عن رغبة في نسف ما تبقى من العدالة الانتقالية”.