كيف تعرفت على توفيق بوعشرين؟ على خلاف ما يتصوره العديدون، لا أعرف توفيق بوعشرين إلا من خلال كتاباته وعمله الصحافي، حيث لم يتجاوز لقائي به مناسبتين عامتين تبادلنا فيها التحية والسلام وسط آخرين. غير أن التعرف على الصحافيين كما السياسيين الحاضرين بشكل دائم في التفاعل مع قضايا الشأن العام ليس أمرا صعبا، ولا يتطلب علاقات شخصية، فأنا كغيري من السياسيين حريصة على متابعة ما يُكتب في الصحافة الوطنية، وتجربة توفيق بوعشرين تجربة متميزة ضمنها، لذلك كان تضامني معه مبدئيا لم تمله عليّ إلا قناعتي الشخصية. كيف تنظرين إلى تجربته الصحافية؟ أتصور أن المستهدف لم يكن بوعشرين كشخص، وإنما تجربته الصحافية ومجموعته الإعلامية التي تعتبر بشهادة الجميع متميزة ومؤثرة، في سياق يصعب معه بناء تجارب إعلامية مشابهة لكثرة الضغط والرغبة في التوجيه. تجربتي السياسية علمتني أنه لا توجد موضوعية ولا حياد في الصحافة، فحينما نكتب أو نتحدث، فنحن نعبر عن انحياز ما. يبقى السؤال إذن هو، هل هذا الانحياز نابع من قناعة أم راجع إلى إغراء أو بيع للذمم أو انكسار أمام خوف ما؟ كل هذه الأمور تعاني منها الصحافة في كل الأزمنة والأمكنة. لذلك أتحسر أن مغرب اليوم، فقد قلما صحفيا حقيقيا متوازنا وذكيا، يلتقط الإشارات ويجمع المعطيات ويتقن تحليل الوقائع وبناء التوقعات، وهو ما يُسهم في تأطير الرأي العام الذي لا يمكن أن يترك فقط، لنوع من الصحافة السطحية التي تهدم أكثر مما تبني. ما رأيك في اعتقاله، والحكم الابتدائي الصادر في حقه؟ تلقيت كغيري خبر اعتقال بوعشرين، بتلك الطريقة، بصدمة شديدة، كما تابعت أطوار الملف بحزن على هذا الوطن. يعرف الجميع أن بوعشرين صحافي بقلم متوازن، وكل تجربة ديمقراطية ولو كانت وليدة أو حتى مترددة، لا بد أن تصنع هامشا من حرية التعبير والرأي مهما كان مزعجا لجهة من الجهات لأن المغرب في حاجة إلى توازن، ومن الخطر وضع البيض كله في سلة واحدة وبمقاربة واحدة، ثم إن رأسمال المغرب وصورته في الخارج تتمثل في نموذجه المنفتح وتمكنه من إقناع العالم في مراحل سابقة أنه بلد يشق طريقه نحو الديمقراطية والتنمية، ومثل هذه الحوادث تظل في تقديري غير مبررة وضررها كبير على المستوى الاستراتيجي. وبكل صراحة لا أفهم أسباب النزوع القوي إلى توتير وتأزيم الأوضاع، وتفريخ المشاكل التي تبدو مصطنعة وغير مبررة ووضعية البلاد واستعداد مختلف الأطراف للتعاون، يؤكد ذلك. في بلدان كثيرة هناك مشاكل وقلاقل، وهناك مجهود جبار لتجاوزها. في بلدنا أشعر أن الله حبانا بكل شيء جميل، لكن رغم ذلك نحن من نبحث عن المشاكل ونصنع العراقيل لأنفسنا، وكأننا نستيقظ صباحا لنطرح السؤال: ما هو المشكل الذي سنصنعه اليوم؟ رجائي أن يستدرك القضاء في المراحل المقبلة من المحاكمة، وأنا واثقة أن المغرب بإرادته الجماعية استطاع دائما أن يبدع حلولا ذكية يَخرج منها الوطن وحده منتصرا. أشعر بتضامن كبير مع زوجة توفيق وأبنائه، وأتمنى أن يعانقهم قريبا، لأن الأوطان الحرة والقوية لا تُبنى بالأحقاد والانتقام.