كان الكاتب الفرنسي جون كوكتو يعتبر الاعتصام بالصمت، حين يكون الكلام هو المطلوب، تواطؤا من أسوأ التواطؤات. هذا الصمت الذي مَجَّهُ كاتب «بيت من زجاج»، يبدو، الآن، أعز ما يطلب في واقع الصحافة المغربية التي تحلل جسمها المهني وتعفن بفعل الأجسام الغريبة التي زرعت داخله، فلا هي ضخت فيه روحا جديدة، ولا هي تركته يجر أطرافه الكسيحة وخيباته القديمة. للتذكير، تتحدث المنظمات الحقوقية عن وجود أزيد من 35 موقع تشهير بالمغرب، فيما حصر الصحافي عمر المخفي، في دراسة له، عدد المواقع والجرائد التابعة للسلطة في 72 منبرا. بعد الاعتقال التحكمي لتوفيق بوعشرين، كانت صحافة التشهير، التي باضت واصفرت بعدما خلا لها الجو هذه الأيام، تسابق القضاء لإعدامه رمزيا وشعبيا، ويا ليتها اكتفت بلعب دور «البوق» للنيابة العامة أو لدفاع النساء المستنطقات (5 منهن تركن المغرب لتفادي الضغط عليهن، وأربع أحضرن بالقوة بعدما نفين تعرضهن لأي اعتداء من طرف بوعشرين)، بل إن صحافة التشهير أطلقت العنان لخيالها المريض بالتحامل على رجل هو، لسوء حظه، زميل صحافي وناشر، حيث لم يكتف بعض المسؤولين عن جرائد ومواقع التشهير بنشر أراجيفهم المتحاملة على بوعشرين، بل تفرغوا –وفي شهر رمضان- للاتصال هاتفيا بمثقفين مستقلين وقياديين حزبيين، والنفخ في آذانهم، كذبا، بأن بوعشرين متورط في جرائم أخطر من أن يصدقها عقل، تتعلق بزنا المحارم والمثلية الجنسية. وقد كنت شاهدا على اتصال مسؤول عن إحدى هذه الجرائد، أو بالأحرى الجرائم الإلكترونية، يدعي صلته بالنقابة وبالعدالة، بمسؤول حزبي تصادف أنني كنت رفقته، ليقول له إن المحكمة ستعرض شريطا لبوعشرين رفقة شقيقة زوجته، قبل أن أعرف لاحقا أن زوجة بوعشرين ليست لها أخت أصلا. ولم تكتف هذه المنابر البئيسة بالتشهير والتشنيع ببوعشرين فحسب، بل طال أذاها كل من رفض صك تجريمه الجاهز، مثلما حدث مع المحامي عبد الصمد الإدريسي الذي لم تتوقف المواقع البئيسة عن اتهامه في شرفه، أو ما حدث مع صحافي ب«أخبار اليوم» وقع له خلاف بسيط مع رجل أمن بلباس مدني، على هامش المحاكمة، فما كاد يعود إلى الجريدة حتى كانت هذه المواقع قد اختلقت له قصة أخلاقية أسوأ مما تلفقه لبوعشرين. كما أن الموظفة المكلفة بالاستقبال في «أخبار اليوم»، والتي استدعتها المحكمة فقط لتسألها حول المترددين على الجريدة، ما إن قالت إنها لم يسبق لها أن رأت إحدى أشهر بطلات «حريم التجريم» في الجريدة حتى هاجمها أحد مواقع التشهير مدعيا وجود شريط فيديو لها، فأصيبت المسكينة بحالة هستيريا. الأمر نفسه بالنسبة إلى عفاف برناني وأمل الهواري وحنان باكور اللواتي هوجمن بأقذر الأسلحة فقط لأنهن رفضن الإسهام في «تغراق الشقف» لبوعشرين. نستميح القارئ الكريم عذرا للتلميح إلى غيض من فيض هذا القبح الذي تلفحنا وإياه به هذه المنابر صباح مساء. الخطير في هذه السخافة، التي أصبحت تزاحم الصحافة المهنية الأخلاقية وتهاجمها، هو أن بعضا من مالكيها تبوؤوا أو لايزالون مواقع حساسة داخل السلطة، فإحدى أشهر جرائد التشهير، بالإضافة إلى موقع إلكتروني تابع لها، يعودان لشخص كان ضمن الوفد الذي رافق الملك إلى قمة الاتحاد الإفريقي، وموقع آخر صاحبه كان عاملا بوزارة الداخلية، وقس على ذلك. ولنا عودة أخرى للحديث عن «جرائم» الإعلام العمومي، أو الإعلام الرسمي، كما كان يسمى في سنوات الرصاص.