أداء إيجابي في بورصة الدار البيضاء    منفذ الدهس بنيو أورلينز "داعشي"    وفاة أكبر بطلة أولمبية في العالم المجرية أغنيش كيليتي عن 103 أعوام    إدارة السجن المحلي واد زم تفند مزاعم بخصوص وفاة سجين    توقيف أربعة أشخاص في طنجة للاشتباه في تورطهم في حيازة وترويج المخدرات    فرار مغاربة بمطار مالطا بعد هبوط اضطراري لطائرة تركية    الفيفا تعتبر إبراهيم دياز نقطة تحول في مسار المنتخب الوطني سنة 4202    البطولة الاحترافية.. مباراة واعدة بين تواركة و"الماص" والفوز مطلب يوحد الوداد و"الماط"    10.393موظف أمن استفادوا من الترقية برسم السنة المالية 2024    مالي تندد ب«استمرار تدخل» الجزائر في شؤونها    اليورو يتراجع إلى أدنى مستوياته منذ أكثر من سنتين مقابل الدولار    تفاصيل متابعات في حق مقاولين متهمين بالنصب على ضحايا زلزال الحوز    بلاغ من المغرب التطواني بخصوص جمهور الوداد    هولندا.. العثور على جثة مهاجر ينحدر من الريف بعد 11 يوما من اختفائه    قطب الريسوني ورشيدة الشانك ومحمد العناز يفتتحون سنة 2025 في دار الشعر بتطوان    تسجيل هزة أرضية خفيفة بإقليم أزيلال    سيارة تصدم شرطيًا أثناء أداء مهامه بطنجة    "مقتصدو التعليم" يحتجون بالرباط    بشار الأسد يتعرض لمحاولة اغتيال    المعارضة بورزازات تطعن في انتخابات رئيس المجلس وتصفها ب"المذبحة القانونية"    فيفا: رحلة دياز تعيد المغرب إلى القمة    تفاقم البطالة والفساد والمديونية.. منظمة نقابية تستعرض إخفاقات الحكومة في 2024    تأجيل محاكمة مبديع إلى 9 يناير الجاري    السلطات الفلسطينية تقرر توقيف بث قناة الجزيرة القطرية و"تجميد" كافة أنشطتها    شرطة كوريا الجنوبية تداهم مطارا في إطار الكارثة الجوية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    خطر الدوغمائية على مآل "الميثاق الغليظ" في المغرب!    مقتل شخص وإصابة عدة أشخاص في انفجار سيارة كهربائية بلاس فيغاس    ّ"البذخ مقابل الجوع".. زعيم البوليساريو يبني قصرًا فاخرًا بتندوف الجزائرية    صن داونز يصل إلى المغرب لمواجهة الرجاء    تقرير يصنف المغرب ضمن أكثر الدول استهلاكًا للبن    صفرو: ثلاث مجموعات شركات رائدة عالميا في إنجاز محطات نقل الطاقة بواسطة الضخ تتنافس لنيل مشروع "محطة المنزل" للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب    إختتام الدورة السادسة للمهرجان الدولي للسينما و التراث    ضحايا زلزال الحوز .. لفتيت يكشف تفاصيل عمليات النصب    مجموعة من التعديلات الضريبية تدخل حيز التنفيذ مع حلول السنة الجديدة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    شركة "مايكروسوفت" تطور نموذجا لذكاء اصطناعي جديد لتنفيذ المهام بنحو مستقل    تنظيم الدورة الأولى لمهرجان أفلام الصحراء    كلشي بالمكتاب .. الدوزي يختتم 2024 بإصدار جديد    المنظمة العالمية للأرصاد الجوية: 2024 الأكثر دفئا على الإطلاق    وفد سوري برئاسة وزير الخارجية يحل بالرياض في أول زيارة رسمية خارج البلاد    مسار استقلال السلطة القضائية في السياسات العمومية كتاب جديد للقاضي عبد الله كرجي    مشروع الغاز المشترك بين موريتانيا والسنغال.. نموذج للتعاون الإقليمي    زياش يلتقي بمعجبين مغاربة في دبي    صدمة جديدة .. الليغا تزيد أوجاع برشلونة    أحكام ‬قضائية ‬‮‬ضد ‬‮"صناع ‬التفاهة" وارتياح ‬كبير ‬لدى ‬للرأي ‬العام    وفاة الكاتب الفرنسي باسكال لينيه الحائز جائزة غونكور عام 1974    دراسة: الصيام المتقطع يساعد في علاج اضطراب التمثيل الغذائي    باحثون يطورون علاجا آمنا وغير مسبب للإدمان لتسكين الآلام    الطهي يتجاوز الفواكه والخضروات باستخدام أجزاء الأشجار    تنبيه من خطورة عودة انتشار "بوحمرون" بالمغرب ودعوة إلى ضرورة التلقيح للقضاء عليه    الدكتور فؤاد بوعلي ضيفا في حلقة اليوم من "مدارات" بالإذاعة الوطنية    باسل خياط يخالف مبادئه ويقع في الحب ضمن الدراما الاجتماعية الرومانسية "الثمن" على "5MBC"    بنكيران: الملك لم يورط نفسه بأي حكم في مدونة الأسرة ووهبي مستفز وينبغي أن يوكل هذا الموضوع لغيره    الثورة السورية والحكم العطائية..    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حراك الريف.. الرياح التي أسقطت ورقة التوت عن عورة الدولة
نشر في اليوم 24 يوم 23 - 04 - 2018

«في الأزمات الفاصلة، يكون الأكثر جرأة هو الأكثر أمانا في أغلب الأحيان»؛ هكذا تكلم ثعلب السياسة الأمريكية، ووزير خارجيتها الأشهر، هنري كيسنجر، الذي وإن كان يتحدث عن وقائع حدثت في سياق دولي له خصوصيته، فإن كثيرا مما حملته عبارته يصلح أن ينظر من خلاله إلى حراك الريف. ولعل المعطيات الواقعية والميدانية تسير في اتجاه تصديقها، من خلال تقييم تدبير النشطاء لحراك الريف، ورصد مختلف محطات تطوره، منذ مقتل بائع السمك، محسن فكري، مرورا بمرحلة ما بعد موت عماد العتابي، وحتى يوما هذا، إذ بتتبعك مسار محاكمة النشطاء القابعين خلف السجون، تستشعر هذا الإحساس بالأمان رغم ثقل التهم الموجهة إليهم، وتلمس حماسا متزايدا لم تخمده ظروف السجن وما سبقها.
إذا كان حراك الريف قد عرف مدا وجزرا ومر بمنعرجات خطيرة أحيانا، فإنه حمل كذلك آمالا وبوادر انفراج أسعدت الجميع، ووجهتهم إلى التفكير بحكمة واعتدال في التعامل مع القضية، ليس خوفا من أحد، كما اتضح من خلال مسار الأحداث، ولكن، إسهاما في بلوغ حل توافقي ملح، وإبداء حسن النية في الاستعداد للتعامل بجدية ومسؤولية مع المؤسسات الرسمية، من أجل حلحلة الملف، وتجنب المزيد من التصعيد، الأمر الذي لن يخدم أي طرف.
لكن، للأسف، جرت رياح البعض بما لم يشتهه السفن، فرجحت المقاربة الأمنية، وكانت الأولوية للحديد والنار، «حفظا لهيبة» الدولة كما صرح بذلك مسؤولو وزارة الداخلية غير ما مرة، والنتيجة مئات الشبان داخل السجون، ومحن جسيمة أحاطت بأسرهم، وتهم ثقيلة طمست معالم كل أمل في بلوغ باب الحرية.
اعتبارا لذلك، يكون تعامل الدولة مع حراك الريف بمثابة المعول الذي عمق الأزمة الحقوقية للمملكة. ودون حاجة إلى العودة إلى ما ألبس محطاته من لبوس القمع والتضييق والمنع، يكفي اقتفاء أثر مسلسل محاكمات المعتقلين للوقوف على جسامة الوضع، ومعاينة مظاهر التخلف الحقوقي الذي تنكره الجهات الرسمية، بل إن هذه الجهات نفسها أقرت ببعض تلك المظاهر عبر تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي أورد وجود «حالات تعذيب» طالت 34 معتقلا عرضوا على الخبرة الطبية، واعتبرت ادعاءاتهم حول تعرضهم للتعذيب «معقولة».
تقرير مجلس اليزمي، المكون من 35 صفحة، والمكتوب باللغة الفرنسية، استعرض «الدلائل المادية والنفسية، وشهادات المعتقلين المعنيين بالتقرير»، وقد قسم إلى قسمين، قسم يهم المعتقلين الموجودين في سجن «عكاشة» بالدار البيضاء، ويضم 19 معتقلاً، والثاني يتعلق بالمعتقلين القابعين في السجن المحلي لمدينة الحسيمة، والبالغ عددهم 15 معتقلاً.
الخبرة الطبية التي تضمنها التقرير أشرف على إنجازها كل من البروفيسور هشام بنيعيش، رئيس معهد الطب الشرعي بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء، وكذلك عبد الله دامي، طبيب شرعي بالمعهد نفسه، وقد كشفت تصريحات القائد الميداني لحراك الريف وبعض النشطاء أثناء مقابلاتهم مع الطبيب هشام بنيعيش، تعرضهم ل«السب والإهانة» أثناء الاعتقال بالحسيمة، وذلك بعبارات عنصرية مثل: «أولاد الصبليون»، و«بغيتو ديرو دولة ديالكم»، وتهديد ب«الاعتداء الجنسي عبر إدخال زجاجات في مؤخراتهم».
ناصر الزفزافي أكد للطبيب الشرعي أنه تلقى «ضربة بواسطة عصا على رأسه، وتلقى ضربة في العين اليسرى وأخرى في البطن والمعدة، كما وضعوا عصا بين رجليه، وهو ما اعتبره اعتداءً جنسياً عليه»، حسب مضمون التقرير، وهو الأمر الذي لم ينفه الطبيب الذي خلص إلى «وجود آثار للتعذيب، وجرح في رأس ناصر الزفزافي بقطر سنتمترين، إضافة إلى آثار الكدمات على وجهه»، فضلا عن تأكيد التقرير «تعرض الزفزافي للتعذيب وسوء المعاملة بشكل أكبر»، مقارنة بباقي النشطاء.
تفاعلا مع ذلك، أحالت وزارة العدل تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان على القضاء، إذ سارعت إلى التوضيح أنها أحالت الخبرات الطبية المنجزة حول المعتقلين على الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء والوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة، لضم هذه الخبرات إلى ملفات القضايا، المعروض بعضها على قاضي التحقيق والبعض الآخر على المحكمة، لاتخاذ المتعين قانونا، لكن الغريب أنه بعد عرض عضو هيئة دفاع المعتقلين، محمد أغناج، خلال إحدى جلسات المحاكمة، التقرير أمام أنظار المحكمة، معتبرا أن مضامينه تؤكد صحة مزاعم تعرض المعتقلين للتعذيب، طالب ممثل النيابة العامة، حكيم الوردي، باستبعاده واعتبره «وثيقة غير قضائية»، الأمر الذي أثار غضب هيئة الدفاع واستياءها، وجعلها تنبه النيابة العامة إلى أن الرفض يجسد التشكيك في صدقية وأهلية مؤسسة دستورية، هي المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
هذا الموقف المحرج، الذي أسال مداد عشرات المنابر الإعلامية الدولية، ودفع منظمات حقوقية عالمية إلى الاستنكار والتقريع والتحرك من أجل مصلحة المعتقلين، تكرر عند مثول «أيقونة الحراك» ناصر الزفزافي أمام القاضي للاستماع إليه، إذ بعدما صرح بما وافق مضامين التقرير السابق من تعرضه للتعذيب والإهانة، وإدخال أحد الضباط أصبعه وعصا في دبره، ومحاولته نزع سرواله، فوجدت الجهات الرسمية نفسها في موقف أكثر حرجا، اكتفى فيه وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان مصطفى الرميد بالقول إن «القضاء يتحمل المسؤولية الكاملة في البحث حول هذه المعطيات والتحري فيها والوصول إلى الحقيقة»، الأمر الذي استند إليه الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، حين كرر كلام الرميد وقال إن «الملفات التي تكون معروضة على القضاء، هو وحده يتحمل المسؤولية في كشف حقيقة الادعاءات فيها وترتيب الجزاءات القانونية على ضوء ذلك».
من جهة الأخرى، تفاعل عدد من الجمعيات والأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية مع تصريحات الزفزافي، ودعت إلى فتح تحقيق مستعجل فيها، فيما اكتفى الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، محمد الصبار، بوعد يتعلق بصدور تقرير شامل في الموضوع بعد انتهاء المحاكمة.
كل تلك الوقائع مجتمعة أعادت إلى الواجهة بقوة الحديث عن القمع والتعذيب في المغرب، وجعلت حقوقيين وسياسيين يدقون ناقوس الخطر بشأن العودة إلى «الأزمنة الغابرة»، والتراجع عن المكتسبات التي حققها المغرب في مجال حقوق الإنسان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.