ما زال تقرير مسرب حول انتهاكات لحقوق الإنسان وقعت على معتقلي حراك الريف، يثير جدلا واسعا في المغرب، ليس فقط بين الدولة والأوساط الحقوقية، بل أيضا بين أطراف الدولة نفسها، بين النفي القاطع والتاكيد على مصداقية التقرير من جهة، وبين تحميل المسؤولية والقاء تهم بالإساءة للمغرب وما أنجزه في ميدان حقوق الإنسان. وإذا كانت حدة الاحتجاجات في مناطق الريف، قد خفتت، في هدنة غير رسمية ومتوافق عليها، كخطوة نحو تحقيق مطالب المحتجين الذين شغلوا المغرب طوال الشهور الثمانية الماضية، من دون مواجهات تحفز على تلبية مطالب المحتجين، إلى نهاية شهر ايار/ مايو الماضي، حين بدأت الدولة حملة اعتقالات واسعة لقادة الحراك، لتصبح المواجهات بين قوات الأمن والمحتجين العنوان الأبرز والحدث الأهم في المشهد السياسي المغربي، وليصبح الحراك مسالة وطنية وليست محلية، وتتحول المطالب من القضايا الاجتماعية إلى قضايا سياسية تشمل اصلاحات سياسية ودستورية، وتنتقل الاحتجاجات إلى مدن الاغتراب الأوروبي. وخرج شباب الثلاثاء في مدينة الحسيمة لتجديد المطالبة بإطلاق سراح لمعتقلين على خلفية الأحدث التي عاشتها المدينة منذ ما يزيد عن ثمانية أشهر وبعد التطورات التي عرفتها المدينة من حيث تكثيف المسيرات، كما تأتي أيضا بعد تكثيف لجنة التحقيق التي أمر بها الملك بعد غضبة المجلس الوزاري يوم السبت من الأسبوع ما قبل الماضي، والتي بدأت في استدعاء مسؤولين لهم علاقة بالمشاريع التي تضمنها البرنامج الضخم «الحسيمة منارة المتوسط» وبعد أن خففت السلطات التواجد الأمني الكثيف بالمدينة.
ومنعت قوات الأمن مساء اليوم نفسه مسيرة عفوية لعدد من نشطاء حراك الريف بالحسيمة ،ورغم تخفيف “الحصار الأمني المضروب على عدد من أحياء المدينة، تدخلت قوات الأمن بسرعة لتفريق مسيرة انطلقت منذ قرابة ساعتين وذكر أن تفريق المسيرة بالقوة، رافقه حملة اعتقالات عشوائية، وقال موقع اليوم 24 ان «منع توثيق تدخلات المنع أصبح رد فعل صارما من طرف عناصر الأمن، هؤلاء، ينتشر عدد منهم بالزي المدني على أرصفة الشوارع ويترصدون أي واحد يحمل هاتفاً محمولا موجها نحو احتجاجات نشطاء الريف». وقابلت السلطات مسيرة احتجاجية كانت متوجهة من مدينة تماسينت، سيرًا على الأقدام، باتجاه الحسيمة وحلت بالمدينة الصغيرة أعداد كبيرة من السيارات محملة بالعناصر الأمنية التي رابطت ببعض شوارع المدينة ترقبا لبدء المسيرة وانه تم اعتقال عدد من الناشطين وتعد هذه الاعتقالات الأولى بمدينة الحسيمة مند انطلاق الهدنة قبل يومين، والتي تقتضي إيقاف الاحتجاجات بالمدينة والنواحي لمدة 48 ساعة، وفي حالة تفاعل السلطات معها بعدم اعتقال أي ناشطر تمدد تلقائيا ل48 ساعة أخرى، وإذا تم الافراج عن بعض المعتقلين تمدد كذلك ل48 ساعة اخرى. ومنعت السلطات مصورا إسبانيا من استكمال عملية تصوير وقفة احتجاج دعت لها ناشطات بالحراك الشعبي في الناظور ووقفت وراء مسح جميع الصور التي التقطها وقال موقع «هسبرس» إن المصور الإسباني يتواجد بالناظور من أجل حضور أنشطة ثقافية للمؤسسة التعليمية الإسبانية «لوبي دي فيغا»، وكان يتجول في المدينة لالتقاط صور تذكارية، قبل أن يصادف الوقفة الاحتجاجية المذكورة ويبدأ في التقاط صور لها. ولبت نساء الناظور دعوة عممتها ناشطات في «الحراك الشعبي» بالمدينة «ليقلن بصوت واحد: كفى من الإقصاء والتهميش، وكفى من القمع والاعتقال» ورفعت المحتجات شعارات مطالبة بإطلاق سراح المعتقلين على خلفية الحراك الشعبي بالريف، وعلى رأسهم «سيليا» و»سلطانة»، من قبيل «يا المرا جا وقتك .. باش تناضلي على حقك»، «الشعب يريد سراح المعتقل»، «الزفزافي خلا وصية .. لا تنازل على القضية»، «كلنا سيليا .. كلنا المعتقل»، «سيليا ارتاح ارتاح .. سنواصل الكفاح» ورفعن بالونات طائرة تحمل أسماء المعتقلين، وعبارات مثل «الحرية» و»الكرامة» و»العدالة الاجتماعية». وقالت إحدى المشاركات «ننظم هذه الوقفة الاحتجاجية تنديدا بالاعتقالات التي طالت نشطاء الحراك الشعبي بالريف القابعين في سجن الحسيمة وسجن عكاشة بالبيضاء، وعلى رأسهم سليمة الزياني، مع محاسبة المسؤولين المتورطين في تعذيب وتهديد السجناء».
لقاء وزاري مع ناشطين حقوقيين
ومن المقرر ان يلتقي 3 وزراء مع ناشطين حقوقيين على خلفية تقرير لجنة التقصي الذي أصدره الائتلاف المغربي لحقوق الإنسان ويضم عدداً من المنظمات الحقوقية، حول الأحداث في الحسيمة، والذي تم تقديمه قبل أسبوعين، في الرباط، وجهت الحكومة دعوة إلى هذه المنظمات للقاء سيتم اليوم الخميس مع كل من وزير الدولة مصطفى الرميد، ووزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، ووزير العدل محمد أوجار سعيا منها للتوضيح والرد على ما جاء في تقرير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان (رسمي) الذي اتهم السلطات بخرق حقوق الإنسان وارتكاب «انتهاكات في الحسيمة. و أورد التقرير الرسمي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، بوجود “حالات تعذيب”، في صفوف المعتقلين ال34 ممن شملتهم الخبرة الطبية، واعتبر ادعاأت المعتقلين حول تعرضهم للتعذيب «معقولة» واستعرض التقرير المكون من 35 صفحة، باللغة الفرنسية، «الدلائل المادية والنفسية، وشهادات المعتقلين المعنيين بالتقرير» المنقسمين إلى قسمين. الأول، يهم المعتقلين المتواجدين في سجن “عكاشة” بالدار البيضاء، ويضم 19 معتقلاً. والثاني يهم المعتقلين في السجن المحلي للحسيمة، والبالغ عددهم 15 معتقلاً. واعتمد التقرير على طبيبين شرعيين للتقصي في مزاعم تعرض 34 معتقلاً، ل”التعذيب على أيدي رجال الشرطة، وذلك يومي السبت والأحد 17 و18 حزيران/ يونيو الماضي» حيث خلص الطبيب عبد الله دامي بعد مقابلته للمعتقلين المعنيين، في السجن المحلي للحسيمة، أن ادعاأت تعرضهم للتعذيب «صحيحة ومعقولة» مسجلا «عدم منح المعتقلين خلال فترة الحراسة النظرية، حق الصمت والاتصال بالأقارب وتوكيل المحاميين، علاوة على توقيعهم بالقوة على محاضر للضابطة القضائية دون الإطلاع عليها» وخلص إلى «وجود آثار تعذيب، بناءً على شهادات المعنيين بالأمر والمعاينة الجسدية» في «تعارض مع الضمانات الدستورية الممنوحة للمعتقلين». وقال التقرير إن هذه الخبرة أشرف عليها كل من البروفسور هشام بنيعيش، وهو طبيب شرعي رئيس معهد الطب الشرعي بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء؛ والدكتور عبد الله الدامي، طبيب شرعي بمعهد الطب الشرعي بالمركز الاستشفائي لجامعي ابن رشد بالدار البيضاء وسجل أن المعتقلين الذين شملهم التقرير، من مجموعة ناصر الزفزافي، قائد حراك الريف، صرحوا في مقابلاتهم بتعرضهم ل”السب والإهانة أثناء الاعتقال بالحسيمة، وذلك بعبارات عنصرية مثل: «أولاد الصبليون» (أولاد الاسبان)، و»بغيتو ديرو دولة ديالكم» (تريدون إقامة دولة لكم) وتهديد ب»الاعتداء الجنسي عبر إدخال زجاجات في مؤخراتهم».
الزفزافي تعرض لضرب بالعصا على رأسه
وأبلغ ناصر الزفزافي، زعيم الحراك، الطبيب الشرعي، أنه تلقى «ضربة بواسطة عصا على رأسه، وتلقى ضربة في العين اليسرى وأخرى على مستوى البطن والمعدة، كما وضعوا عصا بين رجليه، وهو ما اعتبره اعتداءً جنسياً عليه».
وقال الطبيب ب»وجود آثار للتعذيب، وجرح في رأس ناصر الزفزافي بقطر سنتمترين، إضافة إلى آثار الكدمات على وجهه» وتعرض الزفزافي للتعذيب وسوء المعاملة بشكل أكثر. ودعا التقرير إلى فتح «تحقيق دقيق من لدن السلطة القضائية يشرف عليه أشخاص غير أولئك المرتبطين بهذا الملف، من أجل التحقق من أعمال التعذيب وضمان معاقبة المسؤولين عنه» وأوصى بإجراء تقييم طبي عقلي بشكل عاجل وتوفير متابعة نفسية للمعتقلين المعنيين والتحقيق بشكل معمق بخصوص أفعال منسوبة لضابط شرطة، اسمه عصام، والذي جاء في شهادات أغلب المعتقلين.
وأكدت وزارة العدل الثلاثاء، أنها أحالت تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشأن ادعاأت “تعذيب” معتقلي الريف، على القضاء وأنها أحالت الخبرات الطبية المنجزة حول بعض المعتقلين على خلفية أحداث الحسيمة، فور توصلها به على الوكيل العام للملك (النائب العام) لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء والوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة «لضم هذه الخبرات لملفات القضايا المعروضة بعضها على قاضي التحقيق والبعض الآخر على المحكمة لاتخاذ المتعين قانونا».
الأمن يرفض اتهامات التعذيب
وأعربت المديرية العامة للأمن الوطني، بعد تسريت تقرير المجلس «رفضها القاطع للاتهامات والمزاعم الخطيرة الموجهة لمصالحها وموظفيها، والتي أوردها البعض بصيغة الجزم والتأكيد، استنادا إلى وثيقة جزئية منسوبة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، تم تسريبها خارج الإطار الرسمي بكيفية مشوبة بالتجاوز» وأكدت حرصها على “صون حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها وطنيا ودوليا، واحترام ضمانات الحرية الفردية والجماعية خلال ممارسة الوظيفة الشرطية، كذا ترتيب المسؤوليات القانونية على ضوء الإجراأت والمساطر القضائية، معربة عن رفضها، في المقابل، توجيه التهم ونشر الادعاأت على ضوء وثيقة جزئية وغير رسمية، لم تعرض على مصالح الأمن الوطني، بالقنوات الرسمية، ليتسنى الرد على ما جاء فيها».
وأعربت المديرية عن أسفها البالغ، تجاه التوظيف المتسرع والاستغلال غير القانوني لهذه الوثيقة المسربة، والذي تطبع في كثير من الحالات بالطابع السياسي، خاصة من بعض الجهات الأجنبية، وذلك بشكل يسيء إلى جهود المغرب ومكتسباته في مجال تدعيم منظومة حقوق الإنسان. وأوضح المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن “الخلاصات والتوصيات التي سينتهي إليها تقريره الشامل والنهائي حول أحداث الحسيمة وتداعياتها، هي المرجع الوحيد للوقوف على تقييمه لمختلف المجريات لكل الأحداث في أبعادها ومراحلها بكل حياد وموضوعية ومسؤولية». واستغرب «عملية التسريب الجزئي التي تمت لوثيقة حرص المجلس أن توجه حصريا إلى الجهة المعنية». ونفى محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، “إدخال المجلس أي تعديلات” على التقرير الرسمي المعد من طرف المجلس، حول موضوع تعذيب معتقلي الريف في السجن وقال «لا يوجد أي تعديل في مضمون التقرير”، مكتفيا بالمعطيات التي أوردها المجلس في بيانه.
واعتبر أحمد الهايج رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (مستقلة) تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومبادرة وزارة العدل «بادرة طيبة في الاعتراف بالتعذيب والتعاطي معه بطريقة إيجابية» و»هذا ما يجب القيام به بدل الرد السريع ونفي مزاعم التعذيب..لا بأس أن تعترف الدولة بحصول تجاوزات قامت بها السلطات في التعامل مع الحراك» وقال «بما أن تقرير المجلس ليس نهائيا لا يمكن أن نستبق الأحداث.. علينا أن ننتظر ونلتقط الإشارات الايجابية والسلبية». وقال عمر الشرقاوي، الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، إن تسريب التقرير «سيؤثر من دون شك في المناخ العام لتطور الأحداث في الحسيمة، في ظل سياقٍ شديدِ الحساسية بالريف»، مشددا على أن أي معلومة قد تصدر في مثل هذه الظروف ومن أي طرف، ستنعكس على مسار الإصلاحات. وأضاف الشرقاوي أنه في حال إثبات التعذيب من قبل السلطة القضائية، فهذا التسريب سيتخذ مظهرين، إيجابي وسلبي، الأول يتمثل إثبات مصداقية المؤسسات الدستورية، على اعتبار أن المجلس مارس صلاحياته واختصاصاته بكل استقلالية عن السلطة التنفيذية، أو أي ضغط من جهة معينة والجانب السلبي هو فرضية العودة إلى مرحلة قطع معها المغرب بإحداث هيأة الإنصاف والمصالحة، ومصادقته على ملحق البروتوكول الدولي لمناهضة التعذيب، مشددا على أنه في حالة ثبوت التعذيب في حق المعتقلين، سيكون المغرب قد تراجع خطوات إلى الوراء. ونبه الشرقاوي إلى كون تقارير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تخضع لهندسة محددة في إعدادها، وفق الصلاحيات المخولة له قانونا، وأن الخبرة الطبية هي جزء من ضمن الوثائق والملاحق التي يعتمدها ويستند إليها المجلس، قصد إعداد خلاصات ونتائج متكاملة، تعكس روايات متعددة، منها الصادرة عن المعنيين بالاعتقالات، والطب الشرعي وروايات المؤسسة الأمنية وتوجه القضاء.