رغم كل ما يقال عن تراجع موقع الأعمال المعرفية والإبداعية والفنية في المشهد الثقافي المغربي، فإن هناك ما يكشف أنها مازالت تؤرق الرقيب، الذي بدا كأنه تغافل عنها في مراحل معينة، لكن عينه لم تطرف عنها أبدا. والدليل على هذا القول إقدامه، في ظرف شهر واحد، على منع مجموعة من الأعمال. يتعلق الأمر أساسا بحجز ومصادرة نحو ثلاثين كتابا من أروقة الدورة الأخيرة لمعرض الكتاب بالدار البيضاء، ومنع عرض لوحة «كاماسوترا»، للفنانة خديجة طنانة، بأحد معارض تطوان، وكذا مصادرة كتاب: «صحيح البخاري.. نهاية أسطورة» من مكتبة آفاق بمراكش بموجب حكم قضائي لم يعلم به مؤلف العمل، رشيد أيلال، إلا صدفة. تعيد هذه الحالات الثلاث إلى الأذهان تاريخا طويلا من حالات المنع والرقابة، يسعى هذا الملف إلى استحضار أكبر عدد منها («الخبز الحافي» لمحمد شكري، «الإيديولوجيا العربية المعاصرة» لعبد الله العروي، «صديقنا الملك» لجيل بيرو، «أمير المؤمنين» لجون واتربوري، بالإضافة إلى المجلات والجرائد والأنشطة الثقافية التي سنتوقف عندها، وإن كنا لن نتمكن من الإحاطة بجميع الحالات). وهي تطرح في الآن ذاته أسئلة إشكالية تتمحور أساسا حول مكانة الثقافة ودورها في الفضاء العمومي، ومعالجة قضايا الانتقال الديمقراطي والحرية والكرامة والمساواة، وإسهامها في فهم التوترات والحراكات الاجتماعية ومناقشة التطرف والإرهاب، الخ.مربط الفرس هنا، مثلما يتضح من هذه الحالات وغيرها، أن العلاقة التي يراد للمثقفين أن يقيموها مع السلطة ينبغي أن تكون متناغمة مع طروحاتها وتوجهاتها. والحال أنها ينبغي ألا تكون علاقة تناغم تام، كما يقول الباحث محمد الشيخ (انظر الحوار)، غير أن هناك مفارقة تطرح نفسها في هذا الباب، تتعلق بالقراءات القانونية المحتملة القائمة. فمن جهة، ينص الدستور المغربي على حرية التفكير والتعبير والصحافة، انسجاما مع ما تنص عليه المواثيق الدولية في هذا المجال، ومن جهة أخرى، تحصر بعض المصادر القانونية الأخرى هذه الحرية وتقيدها، بل تمنعها أحيانا بدعوى ضرورة احترام الدين والأخلاق، وعدم الإخلال بالحياء العام، الخ. إذ يستغل الرقيب هذه المساحات القانونية الملتبسة، ليفرض رؤيته بشأن ما ينبغي نشره وترويجه بين القراء، وما لا ينبغي. غير أن الرقابة لا يمارسها رجال السلطة وحدهم، فهي سلطة يمارسها المجتمع كذلك. لقد كشفت حالة فيلم «الزين اللي فيك» أن السلطات منعت عرضه في القاعات السينمائية المغربية، بعدما ثارت ثائرة المحافظين في وجه مخرجه، كما أن الأفراد يمارسون الرقابة الذاتية في كثير من الحالات، حيث تبدت هذه المسألة مع كتاب «صحيح البخاري.. نهاية أسطورة»، ذلك أن مكتبات كثيرة نأت بنفسها عن بيعه، خشية ردود فعل غالبا ما تكون غير متوقعة. هذا الملف يعالج موضوع الرقابة، مفترضا أن الأعمال المعرفية والإبداعية والفنية ينبغي أن تخضع للمطارحة، لا للمصادرة، على أن يكون المتلقي هو الحكَم على قيمتها أو تفاهتها في النهاية. إذ يسلط الضوء على الحالات الأخيرة، وكذا الحالات التاريخية، كما يقدم وجهة نظر ثلاثة باحثين اهتموا بموضوع الرقابة، والعلاقة بين السلطة والمثقفين من زوايا مختلفة.