في ظل الحديث عن أعطابا لنموذج التنموي المغربي، يقول مصطفى السحيمي، أستاذ العلوم السياسية والمحلل السياسي، إن الحسم في النموذج السياسي أولية أساسيا في طريق إصلاح النموذج التنموي الاقتصادي. عندما يجري الحديث عن "نموذج تنموي جديد" ماذا يعني هذا بالضبط؟ منذ خمسة أشهر عاد النقاش ليتركز على إشكالية النموذج التنموي. فالملك هو الذي جعل من هذه القضية التيمة المركزية لخطابه أمام البرلمان في أكتوبر الماضي، ودعا كل الفاعلين والقوى الحية إلى الانخراط في النقاش. هكذا يتم إشراك الذكاء الجماعي في البحث عن نموذج تنموي جديد للمستقبل تحديد طبيعته ومعالمه. بماذا يتعلق الأمر في الواقع؟ عموما، يتعلق الأمر بإنتاج ثروة أكثر وخلق مناصب شغل أكثر، خاصة بالنسبة إلى الشباب، والحفاظ على الموارد الطبيعية. وأخيرا ضمان توزيع أكثر عدلا لثمار النمو، بين مختلف طبقات المجتمعات وجهات البلاد. المشكل أن القضية تطرح بشكل تعميمي، ويجري الحديث عن "النموذج التنموي" دون تحديد طبيعته ومضمونه. طبعا هناك النموذج الاقتصادي من ناحية، والنموذج الاجتماعي من ناحية أخرى. ولكن قبل هذا كله هناك، في تقديري، التصور الذي يجب أن يقوم عليها هذان النموذجان. طبعا أريد هنا الحديث عن "النموذج السياسي"، الذي عليه طرح السؤال المركزي، أي سؤال "المشروع المجتمعي". والأسئلة التي تطرح بهذا الخصوص تبدو بلا شك بسيطة، ولكنها حاسمة عند ترجمتها إلى نموذج تنموي: ماذا نريد؟ لأي شرائح اجتماعية؟ بأي مرجعية قيمية للمستقبل؟ وأخيرا، كيف يمكننا ضمان أجرأة هذا النموذج الاجتماعي، وبالتالي السياسي، الذي نسعى إلى تجسيده على أرض الواقع على المدى البعيد؟ أقول هناك "على المدى البعيد"، أي في أفق عقدين على الأقل. ولكن أليست لدينا في المغرب حاليا أسس يمكن الارتكاز عليها لخلق هذا النموذج التنموي الجديد؟ لدينا مجموعة من المبادئ والقيم والمعايير اليوم، وقد تم تكريسها، بعد الربيع العربي وحركة 20 فبراير، في دستور يوليوز 2011. طبعا ليس فيها قطيعة مع الأسس التي تقوم عليها المملكة (هل كان هذا ممكنا ومستحبا؟) ولكن هذا القانون الأسمى للبلاد جسد، وبطريقة واضحة لا لبس فيها، خيار الاندماج في مشروع مجتمع حداثي، ديمقراطي وتضامني. وماذا بعد؟ أي نحن من هذا المشروع في 2018؟ دعني أقول نحن في أدنى الدرجات.. في الدرك الأسفل للفشل. أليس الملك نفسه هو الذي رسم، في خطاب العرش الذي ألقاه في 29 يوليوز الماضي، صورة قاسية للاختلالات التي تعاني منها السياسات العمومية؟ إنها في الواقع تشخيص يحاكم حصيلة الحكومة السابقة التي قادها عبدالإله بنكيران (2012-2016). أليس الملك – لنذكر بالأمر مرة أخرى- هو نفسه الذي ذهب أبعد من ذلك خلال خطابه أمام البرلمان، وساءل هذه المرة ليس عمل الحكومة فقط، بل السياسة التنموي برمتها التي تشمل كل العقود الماضية. وهذا يدفعنا إلى التفكير في كون العهد الجديد كانت له رؤية دقيقة مسايرة للحاجات والانتظارات والتطلعات، ولكن لم يفلح في إطلاق تحرك قوي صوب تحقيق العدالة الاجتماعية والتضامن الوطني. لماذا نحن في هذا الوضع في رأيك؟ لأننا لا نتوفر على "ميثاق اجتماعي" مرجعي. فهذا الميثاق هو الذي كان من شأنه أن يمكننا من القيام بتشخيص دقيق يكون في متناول الجميع. وهذا الميثاق أساسي ولا محيد عنه، كذلك، لأنه سيمكننا مبدئيا من الوصول إلى اتفاق شامل حول الشروط الضرورية والوسائل التي يجب تعبئتها لتحقيق إصلاحات حقيقية. هنا نصل بالطبع إلى "النموذج السياسي"، الذي يجب توضيحه وتحديد معالمه. فالعرض الذي قدمته الحكومة السابقة، وكذلك هذه الحكومة الحالية التي يقودها سعد الدين العثماني تكشف أمرا مهما: التوفر على أغلبية شيء مهم، وهو مكسب وشرط ضروري لتسيير المؤسسات ومنح الثقة للحكومة، ولكن ليس كافيا، بل يجب التوفر، كذلك، على الإرادة والمصداقية وحس القيادة والدعم الشعبي.