الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حبيب المالكي ونرجس الرغاي يتحدثان عن التناوب من الداخل (15) .. طعمٌ بعدم الاكتمال...

الكتابُ الذي ننشر ترجمته الكاملة إلى العربية هو- كما أراد له صاحباه (حبيب المالكي ونرجس الرغاي)- ثمرةَ لقاء. لقاء ما بين رجل سياسة وبيْن إعلامية: الأوّل يريد أنْ يقدّم شهادة، والثانية تريد أنْ تفهم.
ليس من عادة رجال السياسة أنْ يقدّموا شهاداتهم. قليلون جدا هُم الذين يَقبلون الانصراف إلى تمْرين تقديم الشهادة. ورَغم ذلك، فإنّ تاريخ المغرب المعاصر بإمكانه أن يشكّل تمرينا جيدا للشهادة. فمنذ مستهل التسعينيات، طوى المغرب صفحات مصالحة لم تكن دائما هادئة. إنها مادة رائعة أمام المُنقّبين الذين يرغبون في الذهاب أبعد من الطابع الآنيّ للمعلومةّّّ!
كما أنّ هذا الكتاب هو كذلك ثمرة رغبة ملحّة في الفهم، فهم هذا الحُلم المقطوع المتمثّل في التناوب التوافقي الذي دشّنه الوزير الأول السابق المنتمي إلى اليسار، عبد الرحمان اليوسفي. وهو أيضا رغبة في فهم ذلك الإحساس بالطَّعْم غير المكتمل للتناوب الديمقراطي.
} غالبا ما تمّ الخلط بين التناوب وبين المرحلة الانتقالية. هل لأنّ عبد الرحمان اليوسفي كانَ يجسّد في الآن ذاته فترة التناوب ومرحلة الانتقال الديمقراطي، في نظر بعض المراقبين؟
إنّ رحيل عبد الرحمان اليوسفي يعني نهاية التناوب في مضمونه التاريخي، ولكن لا يعني نهاية الانتقال الديمقراطي.
وبهذا الخصوص، لا يوجدُ نموذج مرجعيّ واحد، بلْ هناك عدة نماذج. فالعديد من الدول عرفت نماذج انتقالية ديمقراطية. أستحضر، على وجه الخصوص، إسبانيا، جنوب إفريقيا والشيلي، كلّ هذه الدول عاشتْ تجارب داخل سياق تاريخي شديد الخصوصية يختلف عمّا عاشه المغرب.
وتجدر الإشارة إلى أنّ عبارة «انتقال ديمقراطي» تجدُ مغزاها في مصالحة صريحة لا رجعة فيها بين الدولة والمجتمع، وبين الدولة والمواطنين. إنّ الانتقال الديمقراطي مسلسلٌ في غاية التعقيد، وغالبا ما يكون مهدّدا. وبهذا، فأوْلى لهذا المسلسل أنْ يحتضنه فكر جديد له قناعة راسخة في الديمقراطية وفي الحداثة.
} هل ينبغي أنْ نقف موقف عتاب من النخبة المغربية التي لمْ تتبنَّ تجربة التناوب، أو تبنتها بشكل خجول؟
إنّ انسحاب النخبة المغربية، هو في جزء منه واقع قائم الذات. فعدم التزامها يرتبط أساسا بتطور أحزاب يسارية كبرى. إنّ النخبة، التي لعبتْ دورا طلائعيّا في احترام حقوق الإنسان، والدفاع عن عدد من القيم، قد تركت المجال مفتوحا أمام فاعلين جُدُد. ومن نتائج ذلك أنَّ تجربة التناوب قد عانتْ نقصا في الأوكسجين بسبب المشاركة الجزئية والمحدودة لفئة من نخبتنا.
} في خضمّ هذا المسلسل، ما هو نصيب مسؤولية حكومة التناوب؟
كانت لحكومة اليوسفي كلّ الإمكانيات من أجل إحداث قطيعة فيما يخص بالحكامة من خلال وسائل وممارسات جديدة. لكني أظن أن النزوع نحو حذر مبالغ فيه، قد أفضى إلى الرقابة الذاتية .
} هل تقول إنّ التناوبَ كان سلعة تجارية، أو وسيلة للبيْع أو حُلْما مغربيا لَمْ يتحقّق؟
لا أتفق مَعَ وجهة النظر هذه. أؤكد وأعيدُ أنّ التناوب جاء نتيجة مسار انطلقَ غداة المسيرة الخضراء. إنه تتويج لما أطلق عليه الاتّحاد الاشتراكي للقوات الشعبية «المسار الديمقراطي» وذلك منذ 1976. حينها كان المغرب يرزَحُ تحت أزْمة خانقة. إنّ الوعيَ بالرهانات الجديدة على المستوى الوطنيّ والإقليميّ والدوليّ وضع الكلّ أمام مسؤولياته، مفضيا إلى تقاسم قناعة مشتركة: يجب إنقاذ ما هو أساسيّ، ووضع المغرب في المسار الصحيح . ففي هذا السياق جاءتْ فكرة التناوب .
} هل يتعلق الأمر بتناوب توافقي؟
لقد أكّدتُ سابقا أنه لا يجب أنْ نخلط بين التناوب والانتقال الديمقراطي. والمفارقة أنَّ نهاية تجربة التناوب التاريخي لسنة 2002 فتحت الطريق إلى ممارسة التناوب الذي نعيشه منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة سنة 2007. هناك اليوم تقليد معروف لدى الجميع يتمثل في كوْن الحزْب الذي يحصل على الأغلبية في الانتخابات التشْريعية، يتحمّل مسؤوليته على رأس الحكومة.
} إن المسار الديمقراطي يتقوّى. والمنهجية الديمقراطية أصبحت أكثر فأكثر محترمة. هل تبخر بشكل أو بأخر، حلم التناوب، خصوصا بالنسبة للعالم السياسي الذي تنتمي إليه؟
لنْ أتحدث عن تبخر حلم، لأن ما هو أساسي هو أن المغرب أَخَذَ مساره الصحيح، بالإضافة إلى أنّ المنهجية الديمقراطية، باستثناء تجربة 2002-2007، أصبحت قاعدة يتبناها جميعُ الفاعلين بآفاق جديدة. واليوم، يجب أن تُحترم مسبقا قواعد اللعبة، أيْ داخل تنافس سياسي صّحّي، وحياد مسؤول من طرف الإدارة. وفي نفس الوقت، لا بدّ من إعلان حرب لا هوادَةَ فيها على عامليْن يشكلان خطرا على الصّرْح الديمقراطي: استعمال المال والترحال السياسي.
} تتحدّثُ عن حدود تجربة التناوب...
أودّ أن أقتصر هنا على الجانب السوسيو- اقتصادي من أجْل إبراز أنه للأسف لم نتمكّن من/ أو لمْ نعرف كيْف نضعُ أسس نموذج حقيقي للتنمية، كما كان عليه الأمر سنة 1960، مع حكومة عبد الله إبراهيم. فقد كانَ أوّل مخطط خماسي لسنوات 1960-1964 تعبيرا عن استراتيجية قطيعة مع النظام السائد من قبْلُ.
لقد تغَيّر السياق العالمي. وتُبْرزُ حالة المغرب أنّ نهاية القرن الماضي تختلف بكثير عن فترة نهاية الخمسينيّات وبداية الستينيّات. لكنْ كان ينبغي التفكيرُ في التنمية على أساس نموذج نوْعيّ واستراتيجيّ. وهذا ما يفسر كيف أننا اعتمدنا أكثر على أسس النموذج التنموي التقني الليبرالي، وهو نموذج لمْ يأخذْ بعين الاعتبار التحوّلات العميقة التي عرفها المجتمع المغربي، ولا تطلعاته ولامطالب الشرائح الاجتماعية الجديدة، ومن بينهم الشباب والنساء.
} وكيف يمكن لحكومة يقودها اشتراكيّون أنْ تتبنى نموذجا تقنيا-ليبراليا؟
لقد كانت تنقصنا الشجاعة، والنزعة الإصلاحية هي التي انتصرت.
} هل فضلتمْ ألاّ تكونوا مزعجين ...
إن الخشية إنْ لم أقلّ الخوف من أنْ نكون مزعجين هي التي جعلتنا محافظين. وهذا الخوف، بمعنى من المعاني، أنضَبَ مخيلتنا، وحدّ من روح المبادرة عندنا. كنتُ دافعت عن مجموعة من الأفكار، من بينها على الخصوص ضرورة ترشيد عملية اتخاذ قرارات اقتصادية ومالية من خلال تحديث جهاز الدولة.
كما دافعت كذلك عن فكرة الإسراع بتفعيل اقتصاد حقيقي للسوق، وليس وضع السوق في حدّ ذاته. ولا مجال للمقارنة بين الفكرتين. وهذا يعني فرضَ احترام قواعد اللعبة بتحرير نموّ الرّبح المرتبط بالاحتكار والمضاربات، ووضع حدّ لسلسلة من التداخلات التي تجعل من عملية اتخاذ القرارات عملية ضبابية إن لم تكن معتمة. كما كان ضروريا آنذاك تطوير الطبقة الوسطى بشكل فعال، وذلك بخلق مناصب شغل، حماية القدرة الشرائية، ووضع تدابير مُوجّهة نحو تخفيض الأسعار التي تتعلق قطاعات الاتصال السمعي البَصري، وقطاع الأبناك، والسكن، ووسائل النقل... وبالتالي كان من الواجب الاتجاه نحو عدالة ضريبية أكثر، وذلك بتخفيض هامش الدخل عن طريق ضريبة مناسبة، وهذا يعني توزيع العائدات التي من شأنها المُساعدة على خلق ذرْع اجتماعيّ من شأنه المحافظة على استقرار المجتمع وتنشيط النموّ.
} هل طُرحَ مثل هذا النقاش داخل الحكومة وداخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؟
لم يكنْ هناك نقاش عميق حول الخيارات الاقتصادية، والمالية والاجتماعية. وهذه أسئلة كانتْ تتطلب تفكيرا عميقا. كان علينا بحق أن نتجنّب الحديث عما جرى خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2002 بحيث كان الفرق في الأصوات المحصل عليها طفيفا بين الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال.
} أنتَ تثير أسئلة أساسية تتعلق بالهوّيّة الاقتصادية والمالية. علما أنَّ حزبكم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هو الذي كان يشرف على القطاعات الاقتصادية الحيوية بالنسبة من خلال وزارة المالية. هل كان للجهاز التنفيذي وعي بأنه لم يحدث قطيعة مع نموذج اقتصادي ما؟
فيما يخصّ هذه الميادين، فقد أشرتُ سابقا إلى أنه غلبتْ علينا النزعة الإصلاحية!. فالتشخيصُ الذي من شأنه أنْ يفهمنا أننا في وضعية صعبة، كان يجب بالضرورة أنْ يؤدي إلى تبنّي طرقَ علاج جديدة غير إصلاحية.
وهذا ما لمْ نلجأ إليه. لقد حاولنا علاجَ المشاكل بطرق تقليدية. إنّ ما زلنا نطالب به يبقى صالحا، بمعنى ضرورة وجود نموذج جذّاب يستأثر باهتمام الرأي العام، وخصوصا بالنسبة لقاعدتنا الاجتماعية، أيْ نموذج كفيل بتحرير النموّ من كل إكْراهاته، وفي الوقت ذاته نموذج تنمويّ يعثر فيه الشباب والنساء والفاعلون والعالم القروي على مكانهم الخاص.
وهذا ما لمْ تقُمْ به حكومة التناوب.
في هذا المجال، أُصرّ على القول بأننا أَضَعْنا فرصة سانحة.
} هل يتحدّث عبد الرحمان اليوسفي عن تبخّر حلم التناوب؟
لستُ أدري إنْ كان يقول ذلك. أظن أنه كانَ يسْتشعره...
} من بين حدود التناوب، غياب نموذج للنموّ الاقتصادي. كما أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تراجعَ خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2007. هل توافقُ على أنّ هذا التراجع في نتائج الانتخابات يجد تفسيره في كوْن الحزب كان يتحمّل مسؤولية بعض القطاعات الحكومية منذ 1998.
صحيح أنّ النتائج التي حصلنا عليها خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2007، تترجم تراجُعا واضحا خلال عشر سنوات. فمن 1997 إلى 2007 تقهقر الحزب منَ المرتبة الأولى إلى المرتبة الخامسة.
إنّ العزوفَ عن التصويت لا يفسر كل شيء. صحيح أنّ الناخبين لم يشاركوا بكثافة، هذا أمْر واقع. لكنْ هناك شيء آخر غير العزوف، يحمل في طيّاته رسالة واضحة إلى الاتحاد الاشتراكي. وهذا الوضع ليس غريبا تماما عن تحمّلنا المسؤولية داخلَ عدد من القطاعات تمسّ أساسا التغييرَ في ثقافَته وقيمهُ. بتعبير آخر، لقد اعتمدنا سياسة نافعة تتطلب وقتا كي تعطي أكلها. لقد تجنبنا اعتماد سياسة نفعوية، ذات طبيعة تقنية تعطي نتائج خلال فترة وجيزة.
} معنى هذا أن القطاعات الحكومية التي كان على رأسها الاتحاد الاشتراكي لمْ تكن قطاعات واعدة من الناحية الانتخابية.
يمكن القول بأننا ساهمنا في إرْساء أسس مواطنة جديدة.
} دونَ إحساس بالندم ...؟
بصراحة لا. لقد راهنّا على ما هو كيفيّ، واستثمرنا على الصعيد الزمني. وهذه أنجع السبل لتحقيق الاستقرار المجتمعي، وفي الآن نفسه، لوضع أسس تنمية مُستدامة.
} تحمّلتَ حقيبة وزارة التعليم. لكنْ يؤاخذ عليكَ، بالخصوص، انعدام تقديم نتائج داخل هذا القطاع الاسْتراتيجي.
جميعُ الذين يؤاخذونني لا يفهمون شيئا في سياسة التعليم بالمغرب. يجب العودة دائما إلى الميثاق الذي أقرّ إصلاح التعليم خلال مختلف المراحل. يجب دائما العودة إلى الميثاق، والتأكيد على المبادئ الموجّهة والأهداف المسطّرة. إنّ تطبيق الميثاق لا يتحقق خلال خمس سنوات. ومع ذلك كانت هناك نتائج ملموسة في عدد القطاعات، كما اتُّخذتْ مبادرات مهمة، بأيّ واحدة أبدأ؟ نسبة التمدرس، إقرار تدريس الأمازيغية، ردّ الاعتبار لمادة الفلسفة التي كانت تعتبر مادة مُفسدة، إصلاح نظام البكالوريا، تبنّي نظام تعليمي داخل العالم القروي بجعله أكثر جاذبية من خلال اتباع سياسة نظام الداخليات، وتوفير وسائل النقل، إحداث المجلس الأعلى للتعليم، إطلاق القناة التلفزية الرابعة التي تهتمّ بالتعليم وبطرق التعلم.
وَفَوْقَ هذا، وَضَعنا أسسَ حكامة جديدة من خلال شبكة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.
وكما تعلمين، ففي مجال التعليم، الكلُّ ينصّب نَفْسَه خبيرا، لكي يحكُم ويضع سياسته الخاصة.
} مازالت المدرسة المغربية مريضة، وتعاني
من مشاكل عويصة.
نعَمْ، ولكنْ لا يجب تقييم وضعية المدرسة المغربية بشكل معزول. إنها حلقة داخل مسار مترابط، المدرسة المغربية مريضة لأنّ خلية الأسرة مريضة كذلك. والمدرسة المغربية مريضة لأن المجتمع مريض أيضا.
هناك نوع من التباعد بسبب وجود أزمة الثقة، التي جعلتْ من المدرسة العمومية توضع في قفص الاتهام، ناسينَ أنّ مصيرَها رهينٌ بالجميع.
ولكنْ، إذا كانت هناك استراتيجية جديدة، فعليها أنْ تدخل في حسابها جميع مكوّنات المجتمع: جمعيات الآباء ورجال التعليم والمجتمع المدني الخ.
إنّ إصلاح المنظومة التعليمية يخضع لمنطق طويل الأمد.
في الواقع إن قطاع التعليم يتوفّرُ على خارطة طريق يمثّلها الميثاق.
طبعا. فالتعليم من القطاعات القليلة التي تخضع لسياسة محددة لا تتأثر بتغيير المسؤولين. فميثاق التعليم يبقى صالحا عموما. إنّ مهمّة المسؤولين تتمثّل في سَعَة الخيال، وفي التفكير، وفي اتخاذ المبادرات الخلاّقة من أجْل تطبيق هذه السياسة التعليمية.
وأنا على يقين أنّ هذه الاستمرارية ورقة رابحة ستسمح لنا لا محالة على المدى البعيد بتطبيق بُنُود الميثاق الخاص بالنظام التعليمي بصورة أمثل.
نعتمد نفس المنطلقات ونُعيد الكرّة. هذا ما فعله الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عند تشكيل حكومة إدريس جطو.
لقد شكل ذلك حاجزا للتجربة، لأنه كان علينا أن نتحرك دون مغادرة الكراسي؟ وبالتالي يجب إسقاط فكرة الاحتفاظ طويلا بمنصب المسؤولية من كل حساب.
فهي ليست دائما ممارسات سديدة إذا أردنا إرساء أسس حكامة حكومية جيدة.
} لقد عاد ولعلو إلى وزارة المالية، والأشعري إلى وزارة الثقافة ...
الأمر لا يتعلق بأسماء الرفاق، بقدر ما يتعلق بالمبدأ. إنّ الحركيّة داخل المسؤولية تتطلب نَفَسا جديدا، وأفكارا جديدة، وطرقا أخرى في معالجة الأمور. فالاحتفاظ طويلا بنفس المسؤولية يؤدي إلى الملل، وإلى طريقة تسيير لا تخرج عن المألوف. لهذا يجب تبنّي الحركيّة وليس الإقامة الدائمة.
} ما هي نتائج هذه الإقامة الدائمة؟
النقص الكبير في الأوكسجين! وهذا ما يضطرني مرّة أخرى إلى التنصيص على أن الأهمّ هو كيفية المشاركة في الحكومة، ومعايشة التجربة، وجعل الحزب معنيا، وليس مبدأ المشاركة في الحكومة.
لهذا أقول إنه غاب عنا الذكاء الجماعي، وأعطينا الأولوية لوضعية الأفراد على حساب وضعية الحزب.
} هل كان بإمكان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أنْ يلعبَ دور المُحرّك؟
لا يمكن لحزب غير منخرط بشكل دائم، من خلال آليات وقواعد خاصة، أنْ يراقب شيئا.
} ألمْ يكن هناك أحد يعيد الأمور إلى نصابها، ويقوم بعملية التصحيح والتعديل؟
كل واحد فعل ما كان يمكنه أن يفعله. أنا على يقين أنه كان بالإمكان أن نذهب بعيدا لو كان للحزب دور المحرّك والداعي إلى المحافظة على النظام.
} من لم يقم بمهمته؟ من فشل في هذا المشروع؟
إنّ التجربة حديثة العهد. ونحن لمْ نفكّر في المشاركة، كما أننا لمْ نجعل من الحزب فاعلا محوَريا خلال المشاركة.
} هل استوعب الحزب التجربة الحكومية؟ وهل استخلص منها الدروس؟
أعتقد أن الأمر كذلك وبشكل كبير. لكننا لم نتمكن لحدّ الآن، من تحديد كيف يمكن للحزب استيعاب التجربة.
} بصرْف النظر عن الأجهزة القيادية، هلْ استطاع الاتحاديون هضم المشاركة الحكومية؟ وهل أثار ذلك نقاشات؟
إنّ الجدلَ حول التجربة الحكومية، وطريقة معايشة هذه التجربة، لمْ يصلا إلى مستوى النضج.
} هل استوعب المناضلون حقا بيداغوجية المشاركة؟
على الحزب أنْ يعتبر نفسه كحزب حكوميّ، وهذا ما يتطلب مرة أخرى تغييرا في الثقافة. فعلى هذا الأساس يمكننا حقّا تصوّر الانفتاح.
} لكنْ ثقافة المعارضة مازالت مترسّخة داخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
لقد أتيحتْ لنا الفرصة أنْ نبرز بأنّ هناك حركةَ تأرجح بين ثقافة المعارضة وثقافة المشاركة. وهذه الحركة معبّرة عن أية تجربة سياسية. فنحن اليوم في الحكومة، وغدًا سنكون في المعارضة. إن مهمّتنا هي المساهمة والمشاركة، من خلال أسس شفافة وديمقراطية، في تدبير الشأن العام على جميع الأصْعدة: محليّا وإقليميّا ووطنيّا. وهذا يعني أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هو حزب حكومي أكثر حتى وإنْ مارس المعارضة.
إن مواقفه ومبادراته والحلول التي يقترحها تندرج ضمْن منطق حزْب حكوميّ.
} إذا كنتُ قد فهمتُ جيّدا، فإنّ الاتحاد الاشتراكي لمْ يعدْ يريدُ أن يمارس المعارضة من أجل المعارضة؟
بالنسبة لنا، لا يتعلق الأمرُ بممارسة المعارضة دون تقديم حلول ذات مصداقية، وقابلة للتطبيق إذا أصبح الاتحاد الاشتراكي في الحكومة.
} هناك شعور بأنّ الاتحاديين يتخلون عن الحزب بمجرّد أن يصبحوا وزراء؟
لا، لا أظن ذلك! فجميع الرفاق الذين تحمّلوا مسؤوليات حافظوا على روابط وثيقة داخل الحزب، وحتى داخل المجتمع عموما. إنّ المشكل يكمن في كيفية وضْع ميكانيزمات وقواعد تنظّم العلاقات بين الحزب وبين المسؤولية الحكومية.
أكرّر مرة أخرى: هناك حدود داخلية تفسّر إلى حدّ ما حدود مشاركتنا.
} كيف يمكن لاتحاديّ يتحّمل مسؤوليات معينة أن يتصرّف؟
أنْ يتجنب ازدواجية الخطاب والغموض. فالمصداقية عبر خلق التوافق والعمل الجاد هي الطريق الأوحد الذي يجب اتباعه.
} وأنت بكل التأكيد لست من الذين يتبنّون المَثَل الشائع الذي يقول «قَدَمٌ هنا وقَدَمٌ هناك».
أنت من أثار الموضوع ! فهذه الوضعية، من الناحية السياسية، خطيرة ولا تؤدي إلى مخرج. إنّ ازدواجية الخطاب أمر غير محمود في السياسة.
} أليس التواجد في المعارضة مريحا أكثر بالنسبة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؟
ليس قَدَر كلّ حزب سياسي أن يحافظ على بريقه، وأن ينصّب نفسه في المعارضة إلى الأبد. إنّ مهمة الحزب هي أن يتحمّل مسؤوليات من أجل تحقيق برنامجه السياسي.
} ماذا عن الذين يشدّهم الحنين إلى المعارضة؟
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كما أسلفنا سابقا، تخترقه تناقضات المجتمع. هناك بطبيعة الحال حساسية تعتبر أنّ الثلاثين سنة المجيدة من عمر الحزب هي إلى اليوم وجود الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في المعارضة، والنضال ضد السياسات التي تمّ تبنّيها!
لا يجب أن ننسى بأننا كاتحاديين نشكل حزب التغيير، وأننا أصحاب رسالة هدفها تطوير المجتمع المغربي نحو مزيد من الديمقراطية، مزيد من الحرية ومزيد من المشاركة.
وبكل تأكيد، إنّ مجرد وجود الحزب في الحكم، يعني نهاية أسطورة. وهناك الكثيرون الذين يؤكدون ذلك: عندما أصبح الحزب داخل الحكومة، فقد بات حزبا كباقي الأحزاب.
إن طبيعة ثقافتنا وخطابنا هي التي أوحتْ بأن يكون محكوما على حزبنا بأن يكون حزب معارضة.
وفي نفس الآن، ومن باب المفارقة، لا بدّ من الاعتراف بأننا منذ دخلنا في الحكومة، بات المشهد السياسي أعرج... نظرا لغياب المعارضة.
} أنتَ بصدد القول إن المعارضة الحالية لا تمارس المعارضة الحقيقية.
إنها تبحث عن طريقة لممارسة المعارضة، وهو مشكل أسلوب ومشكل خطاب، ومشكل تموقُع... ليس من السّهل، كما يتصور البعض، أنه كلما كانت هناك إصلاحات كبرى، إلاّ واعتبرت كلُّ الأحزاب نفسَها أحزابا إصلاحية.
} هلْ تغيّر الاتحاد الاشتراكي بفعل ممارسة السلطة؟
الحزب يتغير بفعل قوة الأشياء. هناك إجماع حول ما هو أساسي، لكن هذا يدعو إلى التفكير باستمرار في أوْراش إصلاح جديد .
نحنُ نعتبر أننا حققنا تقدما لأنّ هناك توافقًا حول ما كنا نطالب بالأمْس . فتطوّر الأشياء يظهر أننا كنا في المسار الصحيح ما دمنا نشهد نوعا من «تأميم « الخطاب وتحليلات الحزب. بلْ يمكنني القول إنّ طريقة العلاج التي دافع عنها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هي التي ألْهَمَت الكثير من المبادرات .
} منذ 1998 إلى 2010 ، اثنا عشر عاما مرّت كانت، بشكل من الأشكال، هي سنوات الانتقال. كيف تنظر إلى المشهد السياسي كما يتبدّى اليوم ؟
لقد خبا بريقُ السياسة اليوم بسبب الفساد الذي ينخُرُها. والنتائج المترتبة عن هذا هي التشكيك في الإنجازات وإضعاف الديمقراطية. هناك أزمة خانقة تعيشها المؤسسات التمثيلية إنْ على المستوى المحلي أو الوطني. إنّ المسألة أخطر من كونها مسألة صورة. فمصداقية العمل السياسي على المحكّ. فالرأي العام اليوم يميل إلى اعتبار السياسة مجرد مسرحية. ما هي الأسباب العميقة وراء أزمة السياسة هذه ؟ أكتفي هنا بذكْر عامليْن اثنيْن: استعمال المال والترحال السياسي. إننا نعيش أزمة مشروعية المؤسسات التمثيلية. لقد قاطع المواطنون الانتخابات الأخيرة، والعمل السياسي يكتسي شيئا فشيئا شكل مساومة حيث المال يفسد المنافسة السياسية.
} إنّ استعمال المال في الزمن الانتخابي يهدّد الديمقراطية بالمغرب .
بكل تأكيد ? وإذا لم يوضع حد لسلطة المال، فإن ما لا تُحمد عقباه سيصبح هو القاعدة. يجب اتخاذ تدابير صارمة في هذا الشأن .
} هل يتضمن القانون هذه التدابير؟
هذه التدابير هي القانون وليست القانون وحده. إنها التطبيق الصارم للقانون من طرف السلطات المحلية. فإذا لم يكن هناك وعي بضرورة القطْع مع هذه الممارسات فلا مفرّ من الإفلاس!
} لكنّ الدولة تقول إنها تلتزم الحياد. فكيف تفسّر طبيعة هذا الحياد السلبي؟
يُلاحظ تزايد لممارسة الحياد على المستوى المحلي، غير أنه حياد سلبي. وهولا يظهر على المستوى المركزي، إذْ يكون العقاب فوريا كلما طرح المشكل.
حاليا، هناك عوْدة لمخلفات الماضي وتوظيف المال على مسْتوى أوسع. وهذا ما يشكّل خَطَرا كبيرا على المسلسل الانتخابي.
يخامرنا إحساس بأنّ السلطات العمومية لا تبالي بالأمْر حقيقة.
من الناحية الرسمية، الكلّ يقول نفْس الكلام. لكن المشكل هو كيف السبيل إلى وضع حدّ لممارسات تفسد السياسة. السياسةُ التي فَقَدَتْ أصلا هدفها الرئيسي. يُضافُ إلى كلّ هذا ضبابية العمل البرلماني. فلم يعدْ هناك مجال للنزاعات والخصومات. فتشكل جماعات الرحل، التي تنتمي إلى الأغلبية كما تنتمي إلى المعارضة، هي اليوم مؤشر سلبي على الحياة البرلمانية. إنها ممارسات غيْر صحيّة، لا يمكن أنْ يفهمها الرأي العام. الرأي العامّ هو في حاجة إلى الوضوح والتماسُك.
كلّ هذا مؤسف لأن المواطن يقاطع صناديق الاقتراع. وأعيد القوْل مرّة أخرى بأنّ ظاهرة الترحال تشكّل خطرا كبيرا يفرغ الالتزام من محتواه، ويمسّ بالمؤسسة البرلمانية.
} ومع ذلك، فإنّ المجلس الدستوري سمح بالترحال، وتحوّل البرلمانيون على غرار كرة القدم ؟
لأنه ليس هناك انسجام واضح بين القانون المتعلق بالأحْزاب السياسية، وبين قانون الانتخابات! وقد قام المجلس الدستوري بقراءة دقيقة للبند الخامس، وهو البند الذي يمنع ظاهرة الترحال.
إن المال وظاهرة الترحال السياسي هما من بين المشاكل التي يلزم مواجهتها في الإصلاحات التي يتم التحضير لها في أفق انتخابات 2012. ومن الضروري أنْ تتوصّل الأحزاب في هذا الشأن إلى حلول مشتركة.
} هل الأحزاب السياسية كلها مستعدّة للقيام بذلك؟
هذا كلّه في مصلحة الديمقراطية المغربية! وبالتالي في مصلحة الأحزاب التي هي الفاعل الرئيسيّ في الانتخابات.
} هلْ يزعجكَ هذا العدد الكبير للأحزاب على الساحة السياسية؟
في هذا الميدان، لم يكن التّضخّم أبدا مسألة محمودة. ليستْ لي دروس أعطيها لأحد ، غيْر أنّ الجميع واع بضرورة ترشيد الحقْل السياسي عبْر تشكيل أقطاب كبرى لكي يغدو الحقل السياسي واضحا اكثر، ولكيْ تعاد الثقة إلى المواطنين. هؤلاء المواطنون الذين يحارون أمام هذا الكمّ الهائل من الأحزاب ومن البرامج. وهو ما يفسر، في جزء منه، ظاهرة الامتناع عن التصويت. إن تشكيل أقطاب كبرى هي الاختيار المستقبلي الذي يفرض نفسه. لكن تشكيل الأقطاب الكبرى لا ينبغي أن يتم بملقط الولادة، بقدر ما يجب أن يخضع لمنطق حتى يكون الحقل السياسي الجديد المرتقب غدا تتويجا لعملية نضج، وذلك تفاديا لأيّ تراجع إلى الخلف.
} لقد ظهر على الساحة السياسة مولود جديد. هلْ يخيفكم حزب الأصالة والمعاصرة؟ وكيف تنظرون إليه؟
لقد أصبح حزب الأصالة والمعاصرة أمْرا واقعا. فقد أصبح لهذا الحزب السياسي وجود برلماني؛ وهو يسيّر أو يساهم في تسيير العديد من الجماعات منذ الانتخابات الأخيرة لسنة 2009. وهو يصرّح بأنّ رغبته وهدفه هو العمل من أجل ترسيخ الديمقراطية في بلادنا. غير أنني ألاحظ بأنّ الأصالة والمعاصرة يقول بأنه لا ينتمي لا إلى اليسار ولا إلى اليمين. فهلْ يمكننا التواجد على الأقلّ في الوسَط، بدون يمين ولا يسار؟ وبناء على أية أسس سوفَ يُْجري هذا الحزب مستقبلا تحالفات واضحة وقوية؟ هذه بعض الأسئلة التي أطرحها ولا أجدُ لها جوابا...
} هل يمكننا تصوّر تحالف واضح وقوي بين الاتحاد الاشتراكي وبين الأصالة والمعاصرة؟
لا يوجد على جدول أعمال أجهزة الاتحاد الاشتراكي أيّ شكل من أشكال التحالفات.
نحنُ حاليا منشغلون أكثر بمستقبل الكتلة ومستقبل اليسار. هذه هي أساسيات الحزب، أيْ أساسياته في مجال التحالف. وهذا لا يتناقض مع فتح نقاش حول الإصلاحات السياسية والدستورية التي ننتظرها.
إنّ قضية التحالفات لا يمكن أنْ تُطرح إلا بعد اتنخابات 2012، وظهور خريطة سياسية جديدة. وفي هذا الشأن، فإنّ ثقافتنا إجرائية، أي بعبارة أخرى ثقافة عملية أكثر مما هي استباقية. إلا في حالة واحدة جرت سنة 1993، حيث تقدم حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي بترشيح موحّد في إطار الكتلة.
} باستماعنا إلى حزب الأصالة والمعاصرة، نجده مسرورا بخطه الأحمر: كل شيء إلا إسلامييّ العدالة والتنمية.
هذا ليس كافيا لكيْ نحدد خطا سياسيا! خلال الانتخابات المحلية الأخيرة، قدم الاتحاد الاشتراكي مقترحا يقضي بإقامة تحالفات على أساس وجود برنامج محدد. لكن اليوم لابُدّ من تقييم ما قرّرناه، لأننا نلاحظ بأنَّ هذه التحالفات سرعان ما تنحل وتتهاوى. ومن ثَمّ يجب أن يخلص هذا التقييم إلى إدخال عدد من التصحيحات.
} لم تكنْ تجربة عُمُودية الرباط مقنعة دائما.
لقد بيّنت لنا التجربة، في المدن التي تمّتْ فيها هذه التحالفات، بأنّ التحالفات الظرفية لا تسمح بإبراز آفاق الحياة السياسية.
} نتكلم كثيرا عن التحالف، فما موقع الكتلة من كل هذا؟
من المفروض علينا اليوم إعادة النظر في تحالفاتنا، واعتماد خطاب الحقيقة مع توضيح لخطوط الفصل الحقيقية. وخطّ الفصل هي الديمقراطية.
ينبغي اعتبار أن الكتلة قد أنْهَتْ مهمتها الأولى، التي كانت تتجلىّ في التحضير لمجيء التناوب. كما استنفدتْ مهمّتها الثانية التي كانتْ تتمثل في وضع أُسُس التناوب داخل التناوب. واليوم، يتعلق الأمر بتحْديد مهمة ثالثة لها هي تحضير جيل جديد من الإصلاحات.
} لكنّ الكتلة لمْ تجتمع في الحقيقة منذ أن أصبح الزعيم الاستقلالي، عباس الفاسي، وزيرا أوّل!
كانت هناك بعض الاجتماعات، غير أنها اجتماعات ظرفية وليستْ اجتماعات عمل تهمّ موضوعات وملفات ملموسة.
أظن بأنه في إطار تحديد مهمة ثالثة، يمكن للكتلة أنْ تنفتح، بصورة فعلية، على قوى سياسية أخرى تشترك معها في نفس القيم، ونفس الرؤية المتعلقة بمغرب أفضل.
لقد فضّل الاتحاد الاشتراكي أن يعمل بمفرده، ويوجه لمن يهمه الأمر مذكرة حول الإصلاحات الدستورية والسياسية.
فضّل حزب الاستقلال عدم الالتحاق بهذه المبادرة، وقد برّر ذلك بقوله: «إننا على مشارف الانتخابات المحلية، ومن شأن هذه المذكّرة حول الإصلاحات الدستورية أنْ تصْرف اهتمام الرأي العام».
لم يكنْ هناك، في الحقيقة، خلافٌ بين الاتحاد الاشتراكي وبين حزب الاستقلال حول المبدأ، بقدر ما كان الخلاف حول التوقيت.
} وهل كان الاتحاد الاشتراكي مُصيبا حين بعث بهذه المذكرة بمفرده، وقبل الانتخابات الجماعية؟
أعترفُ بأننا تسرّعنا قليلا. فالمطالبة الفردية بإجراء إصلاحات دستورية، كما فعل الاتحاد الاشتراكي، لا تذهب بعيدا. فهي مسألة تتعلق بالمصلحة الوطنية، وبالتالي كان ينبغي حثّ قوى سياسية مغربية أساسية إلى الانخرط في هذا المشروع. لكننا كنا محْكومين بالالتزام بقرارات المؤتمر الثامن.
} الأستاذ حبيب المالكي، هناك عدد كبير ممن يطلب توقيع شهادة وفاة الكتلة. كما أن وحدة اليسار هي اليوم على كل الشفاه السياسية. ومع ذلك، فإن الاتحاد الاشتراكي يعطي الانطباع بكوْنه أدار ظهره لليسار.
الاتحاد الاشتراكي حزب ينتمي إلى اليسار. ونقطة قوّته هي أنْ يظل أساسا حزبا يساريا. فلا ينبغي أن يذوب داخل خليط يفقده هويته بصورة تدريجية.
ومن جهتها، فإن مكونات اليسار ما فتئت تتحدث عن وحدة اليسار. المشكل هو أنّ هذا النقاش يجري أكثر على مستوى المبادئ. ونحن لمْ نتمكن لحدّ الآن من الذهاب أبعد، وتصوّر حلول من شأنها حقيقة جعل وحدة اليسار واقعا حيّا وفعليا. هذه في النهاية هي الصعوبة التي لمْ ننجحْ بعد في تجاوزها.
نحن، بين مكونات اليسار، نحبّ الكلام وتقديم التحليلات... ولكننا لا نحب الذهاب أبعد. ولا بدّ من توفّر الشجاعة من أجل الذهاب أبعد، لا بد من توفّر الشجاعة من أجْل تشكيل قطب سياسي حقيقيّ.
اليسار المغربي في وضعية مزْرية.
ينبغي القبول بأنّ اليسار عندنا جدّ مفتّت ومشتت. ثم إنّ الأسس الوجودية لبعض هذه المكونات لا تسهّل تسريع وتيرة عملية التوحّد.
وكل الانقسامات التي عرفها الحزب في السنوات الأخيرة لا تستند إلى أسس سياسية وإيديولوجية. إنها بالأحرى انقسامات مرتبطة بخلافات تمليها تقديرات ذات طابع ظرفي. هذه بعض العوامل التي تجعل النقاش هشّا، وتجعل الحلول غير مؤكدة.
} هل وحدة اليسار حلم ممكن؟
يجب مع ذلك الوصول إلى هذه الوحدة. إنّ الاتحاد الاشتراكي يظلّ مفتوحا في وجه هذا المشروع الكبير. ونتمنى في هذا الإطار أنْ يعود كل الذين غادروا الاتحاد الاشتراكي إلى قواعده. إنها الطريقة المثلى لإعطاء معنى للعودة إلى «البيت». ولا أجد حلولا أخرى لتحديد شروط العودة، لأنه لا تفاوض بين أفراد العائلة!
ومع ذلك، فإنّ هناك مقاومات وعوائق تَحُولُ دون وحدة اليسار.
} من طرف مَنْ؟
من طرف الاتحاد الاشتراكي خصوصا.
أبدًا! صدّقيني إذا قلتُ لك بأنّ هذه النية السيئة لَمْ توُجَد أبدا. بلْ نحن نتمنى بأن تسير الأمور بشكل أسرع.
} ألا يكمنُ المشكل في أن الاتحاد الاشتراكي يعتبر نفسه أكبر حزب في اليسار، أي الحزب الواحد والوحيد؟
الاتحاد الاشتراكي ليس هو الحزب الوحيد في اليسار، بل نحن هو التنظيم اليساري الكبير..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.