أكد التقرير السنوي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2012 أن الرهان الاقتصادي للمغرب يتمثل في الرفع من قدرة الاقتصاد الوطني على امتصاص الصدمات الخارجية والتأقلم مع تغيرات المحيط الدولي واقتناص الفرص التي توفرها تلك التغيرات. وأوصى التقرير، الذي قدمه رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي نزار بركة خلال ندوة صحفية، على الخصوص، بضرورة إعطاء دينامية جديدة للنمو من خلال دعم حكامة الاستراتيجيات القطاعية والتموقع الدولي عبر العمل على الاستفادة ، إلى أقصى حد ، من المؤهلات المتمثلة في الموقع الاستراتيجي للمغرب وعلاقاته المتميزة مع مختلف شركائه الاقتصاديين، وتشجيع الاستثمارات الخارجية المباشرة، عبر تتبع استراتيجيات المقاولات الدولية وضمان موقع المغرب على صعيد القيم العالمية. ودعا المجلس في تقريره ، الذي شخص الوضع الاقتصادي للمغرب، أيضا إلى الرفع من مساهمة المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتحسين محيط الأعمال مع الحرص على الحفاظ على الاستقرار الماكرو-اقتصادي، وتسريع الأعمال الرامية إلى الرفع من التنافسية العامة للأنشطة الإنتاجية، واستغلال مؤهلات الجهات عبر التوطين الترابي للسياسات العمومية، وخلق شروط تنمية إدماجية. وأشارت الوثيقة إلى أن التطور على المستوى الاقتصادي تميز، سنة 2012 ، بتراجع وتيرة النمو وتفاقم أوجه الاختلال الماكرو-اقتصادية، فضلا عن المناخ العالمي الذي اتسم بتراجع اقتصادي في دول منطقة الأورو، وارتفاع أسعار المواد الأساسية وعدم استقرار أسعار الصرف. وفي هذا السياق، استقرت نسبة النمو في 2012 عند 2ر4 في المائة، مقابل 5 في المائة قبل سنة. ويعود هذا التطور إلى انخفاض القيمة المضافة الفلاحية بما قدره 8,7 بالمائة، أما انخفاض القيمة المضافة الفلاحية، فيرجع بالأساس إلى تراجع محاصيل الحبوب بما يقارب 40 في المائة، بسبب الجفاف الذي شهده الموسم الفلاحي. وفي ضوء تراجع وتيرة النمو، استقرت نسبة البطالة عند 9 في المائة في 2012 ، عوض 8,9 في المائة، المسجلة في 2011 . وترتفع تلك النسبة في صفوف الفئة العمرية (15 - 24 سنة) إلى 18,6 في المائة في عموم البلاد، و 33,5 في المائة في المدن، فيما تبلغ تلك النسبة 16,4 في المائة في صفوف الشباب حاملي الشهادات على المستوى الوطني، و 18,2 بالمائة في الوسط الحضري. وتراجع النشاط نتيجة لانخفاض الإنتاج الزراعي بسبب الجفاف. كما ساهم التأخر في المصادقة على قانون المالية في إقرار مناخ من الانتظارية في صفوف الفاعلين، بسبب نقص الوضوح في ما يخص توجهات الميزانية. وقد أثرت هذه التطورات في النمو الوطني والتوازنات الماكرو-اقتصادية والقدرة على خلق فرص الشغل. وفي ما يتعلق بمناخ الأعمال، أفاد التقرير بأنه إذا كان ترتيب المغرب في مختلف التصنيفات الدولية في هذا المجال قد شهد تراجعا خفيفا، فإن تدفق الاستثمارات الخارجية المباشرة سجل ارتفاعا رغم الظرفية الدولية غير الملائمة. وهذا يدل على ثقة الفاعلين الأجانب في إمكانات تطوير أنشطتهم في البلاد. وعلى الرغم من ذلك فإن التقرير يوصي بضرورة العمل على تقوية مناخ الأعمال وجعل أعمال السلطات العمومية تتجه صوب تحسين منظورية الفاعلين الوطنيين والدوليين، مذكرا بتردي التنافسية وتفاقم اختلال الميزان الخارجي ، بحيث إذ ارتفع العجز التجاري في متم سنة 2012 إلى ما قدره 201,5 مليار درهم، بما يمثل زيادة في العجز قدرها 10,2 في المائة قياسا مع سنة 2011 . وقد جاء هذا التطور السلبي نتيجة لزيادة في الواردات قدرها 7,9 في المائة، بما يساوي 28,4 مليار درهم، كانت أسرع من زيادة الصادرات، التي سجلت ارتفاعا قدره 5,5 في المائة، بما يساوي 9,7 مليار درهم. بذلك انحسرت نسبة التغطية لتبلغ 47,8 في المائة، عوض 48,9 في المائة في السنة السابقة. ويجد هذا الارتفاع في الواردات تفسيره في ارتفاع قدره 17,9 في المائة في مشتريات المنتجات البترولية وزيوت المحركات، وكذا في ارتفاع قدره 4,3 في المائة في مشتريات السلع غير الطاقية. وأضاف المصدر أنه رغم الرفع من أسعار المحروقات، الذي أتاح اقتصاد 5,7 مليار درهم، فإن نفقات المقاصة ارتفعت بأكثر من 12 في المائة، لتبلغ ما يناهز 55 مليار درهم. كما أن الأعباء المتعلقة بالمستخدمين ارتفعت بما نسبته 28 في المائة، لتستقر عند 96 مليار درهم. وقد انتقل عجز الميزانية في ظل هذه الظروف من 6,1 بالمائة إلى 7,1 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. وهي مستويات مرتفعة يزداد تحملها صعوبة على مر الزمن، مما يجعل من المتعين اعتبارها بمثابة عنصر يقظة، من أجل اتخاذ التدابير الكفيلة بتوفير هامش للمناورة يتيح تفعيل سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.واعتبر التقرير أن تغطية العجز تدفع إلى اللجوء المنتظم إلى الاقتراض، مفضية بطريقة آلية إلى ارتفاع في جاري دين الخزينة، الذي أصبح في متم فبراير 2012 يمثل نسبة 57,8 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، عوض 47 بالمائة في 2009. غير أن اللجوء إلى الاستدانة الخارجية - الذي يمثل جاريه الحالي ما نسبته 13.6 بالمائة من الناتج الداخلي الخام - قد يتكرر، باعتبار الحدود التي تم تجاوزها في مجال الاقتطاع من السوق الداخلية. وفي المجموع فإن عتبة 60 بالمائة من الناتج الداخلي الخام قد يصلها المغرب انطلاقا من سنة 2013 ، مما يمثل عامل خطر بالنسبة إلى التوازنات المالية الوطنية. وأشار التقري كذلك إلى أن مداخيل السياحة وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج سجلت انخفاضا قدره 1,7 بالمائة و 3,8 بالمائة على التوالي. وأمام تراجع الأرصدة الخارجية، ومن أجل الاستعداد لأي صدمة خارجة كبيرة ممكنة، يضيف التقرير، حصل المغرب في شهر غشت على تسهيل من قبل صندوق النقد الدولي، تمثل في خط ائتماني للسيولة بما قدره 6,2 مليار دولار، مبرزا أن منح هذا التسهيل للمغرب من قبل الصندوق في حد ذاته دليل على الثقة في آفاق الاقتصاد المغربي والسياسات المتبعة. ويتضح من تقديرات المواطنين للوضعية الاقتصادية، كما تتبين من خلال بارومتر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن أغلبية نسبية من المواطنين والفاعلين الاجتماعيين يرون أن الوضعية الاقتصادية قد شهدت ترديا خلال الأشهر ال 12 المنصرمة.