بعد دخولي لموقع بوابة المغرب الإلكترونية ولجت للنافذة التي تتضمن السياسات العمومية، فوجدت سياسات عمومية لثمانية قطاعات. لكن تخصصي العلمي أحالني على سؤال مهم و منطقي، سيما و أنني أبحث في التدبير و الحكامة الرياضية بالمغرب، وهو لماذا لا يتوفر المغرب على سياسة عمومية بالمجال الرياضي علما أنها حق يضمنه الفصل 33 من الدستور ؟ بعد مدة من التفكير، بدا لي أن الجواب على هذا السؤال ليس بالأمر السهل بل ويتطلب آليات معرفية دقيقة، و استيعابا كبيرا للقطاع الرياضي خصوصا و أن هذا القطاع يتداخل فيه ما هو قانوني، ثقافي، سياسي، اجتماعي واقتصادي. كما يتطلب دراية واسعة بالتحولات التي يعرفها المغرب على المستويين الداخلي والخارجي، سيما أن المغرب مقبل على هيكلة جديدة للدولة وفق منظور جديد للجهات والجماعات الترابية في علاقتها بالدولة المركزية. رغم حضورها المتواضع في البرنامج الحكومي، يعد موضوع الرياضة من ضمن أولويات الشباب المغربي إن لم أقل كافة المواطنين و المواطنات، و هو ما يجب على الحكومة أخده بعين الاعتبار وتوفير خدمة عمومية ملائمة للمواطن في هذا المجال، على اعتبار أن الرياضة ركيزة من ركائز الصحة العمومية و الاستقرار الاجتماعي و التنمية الإقتصادية. كما عليها محاربة كافة الممارسات و السلوكيات الغير اللائقة و المحيطة بها، كالتعاطي للمنشطات والعنف داخل وخارج الملاعب، لما لهم من عواقب وخيمة على المجتمع وعلى سلامته واستقراره. وتدرك أن إهمال هذا المجال لا يخدم التماسك وتوازن النسيج الاجتماعي، سيما وأن حرمان المواطنين من ممارسة الرياضة بشكل ديمقراطي و حرمانهم من فرق رياضية وطنية قوية ومشرفة يعد مصدرا للإحباط والإقصاء والتطرف . كل هذا يتطلب اعتماد برنامج وطني مضبوط المسؤوليات، لمحاربة الفساد المستشري في هذا القطاع و تحرير الجامعات و الأندية من تحكم بعض العصابات و المرتزقة التي تحدثت عنهم الرياضة الملكية الموجهة للمشاركين في المناظرة الرياضية التي احتضنتها مدينة الصخيرات سنة 2008. في الحقيقة ما زال التدبير الحكومي لهذا القطاع يعيش استثناءات كثيرة ومتعددة خصوصا في أيامنا الحالية، التي يسير فيها القطاع دون وزير مسؤول رسميا. صحيح أن الرياضة الوطنية عاشت مرحلة مؤقتة في ظل حكومة التناوب و قبلها في فترة الستينات من القرن الماضي، لكن أن تعرف هذا الخبط والخلط في مغرب ما بعد دستور 2011، فهذا غير مشرف تماما. إن الواقع الرياضي الأليم لرياضتنا الوطنية التي تعيش تحت وصاية، إن لم أقل رقابة، نظام إداري يشتغل وفق أجندة تكنقراطية، لا يتغير بتعاقب الوزراء و لا ببرامجهم هو ما جعل امحند العنصر الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، يتحمل مسؤولية تدبير هذا القطاع بعد ما غادره الوزير السابق من نفس الحزب محمد أوزين، يعقد يوم الاثنين الماضي بمقر وزارة الشباب والرياضة اجتماعا حضره مجموعة من "المسؤولين"، يؤكد فيه على إلزامية الحفاظ على الوثيرة الاعتيادية لأنشطة الوزارة… وصاية الدولة المغربية على القطاع الرياضي لا تخدم فعالية الجامعات و الأندية الرياضية و لا تنمية الممارسة الرياضية ببلادنا، على اعتبار أن القطاعات التي تكون تحت الوصاية هي التي لا يستطيع فاعلوها مسايرة التحولات و لا على تسيير المؤسسات أو تدبيرها ، في حين أنه إذا أمعنا النظر في هذه المؤسسات سنجد أن أغلبها تتوفر على إمكانيات مادية و بشرية محترمة و تتمتع بانتشار ترابي واسع على مستوى جميع الجهات و الأقاليم و الأحياء. قدرات تنظيمية عالية و إمكانات مالية محترمة و رصيد شعبي معتبر، يجعل منها حركة اجتماعية مؤثرة وذات حضور وازن و هو ما يفرض علينا استثماره بشكل إيجابي ليساهم في بناء نموذج رياضي قوي و ناجح لهذا الوطن. و لهذا أجد أنه بنظام الوصاية نشكك حتى في قدرة مؤسساتنا الرياضية على التعبير… و لهذا فالدولة المغربية مطالبة بضمان الاستقلالية الحقيقية للجامعات والأندية الرياضية وفق عقود برامج تتضمن الخطوط العريضة للإنجازات وللتنمية الرياضية إن كنا نطمح لوضع اللبنات الأساسية لسياسة عمومة قوية و واضحة، أي تحويل طبيعة العلاقة بالجمعيات الرياضية (الأندية والجامعات) من وصاية إلى شراكة وتعاقد، سيما و أن الأندية والجامعات الرياضية جزء لا يتجزأ من جمعيات و مؤسسات المجتمع المدني الذي ينادي أصحابه بالتحرر و الاستقلالية… يجب أن تكتفي الدولة فقط بأدوارها "البوليسية"، كالتكوين و الأمن و الحرص على احترام القواعد و المعايير الرياضية. وبالتالي تعطي لهياكل الجامعات والأندية الرياضة استقلالية القرارات الداخلية. لهذا فنظام الوصاية متجاوز تماما ولا يرقى لمغرب ما بعد دستور 2011. لقد خصص دستور 2011 مكانة محترمة للرياضة، على عكس دساتير بعض الدول. وهذا ما جعلها حقا من حقوق المواطن المغربي يضمنه الفصل 33 من الدستور. كما ذكرنا فهذا الدستور جاء بأربع فصول تشير بشكل واضح وجلي إلى الرياضة وإلى الحق في ممارستها (الفصل 26، 31، 33 و 170). الفصل 26 واضح و يشير إلى أن تطوير الرياضة ينبغي أن يكون على أسس ديمقراطية. كما يشير كذلك إلى أن تدبير الرياضة يتوجب أن يتم وفق أسس مهنية مضبوطة. الفصل 31 يشير إلى أن من واجب الدولة والمؤسسات العمومية تعبئة كل الوسائل المتاحة من أجل استفادة المواطنين على قدم المساواة من الحق في التربية البدنية. الفصل 33 يحث السلطات العمومية على ضرورة اتخاذ التدابير الملائمة لتيسير ولوج الشباب للمجال الرياضي، كما تنص على إحداث المجلس الأعلى للشباب والعمل الجمعوي، والذي أوكلت له مجموعة من الاختصاصات من بينها الاختصاص الرياضي. الفصل 170 يتحدث عن المجلس الاستشاري للشباب و العمل الجمعوي ، تركيبته و اختصاصاته. إن دسترة الرياضة الوطنية والرغبة في ضمانها كحق دستوري لجميع المواطنين والمواطنات يجب أن تترجم إلى سياسة عمومية لهذا القطاع، من اجل تعزيز التنزيل الديمقراطي للدستور وتحديث واحترافية الإدارة الرياضة، وهو ما سيساعد على إخراج النصوص التنظيمية المتعلقة بالإطار القانوني المتبع ( قانون 30.09 للتربية البدنية و الرياضية). أغلب الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الشبيبة والرياضة أكدوا على أن هذا القطاع يعاني من الفساد الإداري و المالي. و اتخذوا إجراءات متعددة لمواجهة هذا الفساد لكن دون جدوى و ذلك لأن منهجيتهم كانت تفتقر للمقاربة الإصلاحية، و كانت بعيدة عن مصالح الرياضة و الرياضيين. سيما و أن محور التنمية بشكل عام هو الإنسان، و لهذا فمنطلق التنمية الرياضية يجب أن يكون هو الرياضي. ويجب أن ينصب حول كيفية ترسيخ ثقافة الممارسة الرياضية لدى المواطن المغربي بشكل ينسجم مع خصوصية المغرب و يراعي مكوناته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. و يركز على تعزيز وظائفها في المجالين الحضري والقروي سواء على المستوى الأسري أو التعليمي أو المقاولاتي. والباقي فروع و تفاصيل خصوصا و أن جوهر هذا التراجع يتمفصل في اشكالية ثقافية عميقة عنوانها انهيار مجموعة من القيم على رأسها القيم الرياضية مراد بنتوك، باحث في الحكامة الرياضية [email protected]