سيصبح المغرب،بعد المصادقة على مشروع الدستور الجديد،من بين البلدان القلائل في العالم،التي يكرس دستورها الرياضة كحق من حقوق المواطن ورافعة للتنمية البشرية بما يتماشي والتحولات العميقة،التي تشهدها المملكة في مختلف المجالات . إن تكريس الجهوية المتقدمة في مشروع الدستور المعروض للإستفتاء حتم على الحركة الرياضية الوطنية ضرورة مواكبة هذا الحراك والدينامية السياسيين،اللذين أطلقهما الخطاب الملكي السامي ليوم تاسع مارس الماضي. واستجابة للنداء الملكي وتفعيلا لدور الحركة الرياضية الوطنية،بادرت الجامعات الرياضية والإعلام الرياضي الوطني،كمؤسسات ذات قوة اقتراحية في مشروع وطني طرحه جلالة الملك،إلى تنظيم أيام دراسية وندوات وورشات عمل توجت بجملة من التوصيات تمت إحالتها في شكل مذكرة على اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور،بغية التنصيص على دسترة الرياضة كحق من حقوق المواطن بالنظر إلى تجذرها في عمق المشروع المجتمعي المغربي وأهمية دورها في بناء مجتمع ديمقراطي قوي ومتماسك. وكان الهدف من هذه الخطوة بناء منظور جديد لضمان حقوق جميع مكونات المجتمع الأساسية (الاقتصادية والاجتماعية والرياضية)،والانخراط في دينامية تنقيح القانون الأسمى للأمة والاستثمار في هذا المشروع بالغ الأهمية بالنسبة لمستقبل المغرب. ولئن كانت الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية الثانية حول الرياضة بالصخيرات (2008) قد اعتبرت الممارسة الرياضية حقا أساسيا من حقوق المواطن وأكدت على ضرورة تعميم ممارستها على جميع شرائح المجتمع وعلى دور الجماعات المحلية في التأسيس لمجتمع رياضي،فإن مشروع الدستور،الذي سيعرض على الاستفتاء الشعبي في فاتح يوليوز المقبل،استجاب لانتظارات الرياضيين المغاربة بشكل كبير. وهكذا نص الفصل 26 من الدستور الجديد على ضرورة أن تدعم السلطات العمومية بالوسائل الملائمة،تنمية الإبداع الثقافي والفني والبحث العلمي والتقني والنهوض بالرياضة إلى جانب السعي إلى تطوير هذه المجالات ومن ضمنها بطبيعة الحال الرياضة وتنظيمها بكيفية مستقلة وعلى أسس ديمقراطية ومهنية مضبوطة. واعتبارا لكون الرياضة تستهدف بالأساس شريحة الشباب،فإن الفصل 33 يدعو السلطات العمومية إلى اتخاذ التدابير الملائمة لتيسير ولوج الشباب للثقافة والعلم والتكنولوجيا والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية،مع التشديد على ضرورة توفير الظروف المواتية لتفتق طاقات الشباب الخلاقة والإبداعية في كل هذه المجالات وخاصة من خلال إحداث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي. وفي هذا الصدد،سجل رئيس الجمعية المغربية للصحافة الرياضية بدر الدين الإدريسي أنه يستشف من خلال دسترة الحق في الرياضة ودعمها والنهوض بها،أن مشروع الدستور الجديد "حريص على أن تنمى الرياضة قطاعيا ومهنيا وتقوم على أسس ديمقراطية تضمن لها الاستقلالية من جهة والحكامة الجيدة من جهة أخرى،ما دام أن المبتغى هو جعل الرياضة،وقد استوفت شروط الهيكلة وديمقراطية التدبير،رافعة من رافعات التنمية الوطنية الشاملة". وأكد الإدريسي أن الدستور الجديد يهدف بالأساس إلى "قيام مؤسسات ديمقراطية،ويؤسس تاريخيا لانعطافة قوية في مواصلة بناء المغرب الجديد،بالإنصات العميق لكل القوى الوطنية،ومن ضمنها العائلة الرياضية التي تجد في التنصيص دستوريا على دعم السلطات العمومية للرياضة والنهوض بها،ما يحفزها على مواصلة العمل مع كافة القوى الوطنية،حتى يتمكن المغرب من مسايرة عصره وراهنه الإقليمي والدولي تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس". ومن جهته،لاحظ عبد اللطيف المتوكل،عضو المكتب التنفيذي للرابطة المغربية للصحفيين الرياضيين،أنه لأول مرة في تاريخ المغرب الحديث،يتم التنصيص بشكل صريح دستوريا على الحق في الممارسة الرياضية كحق من حقوق الإنسان وتحديد دور ومسؤولية الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية في تأطير الممارسة الرياضية ومد الرياضة بالإمكانيات اللازمة على مستوى اللامركزية واللاتمركز. ومن الإيجابيات التي جاء بها مشروع الدستور،يضيف المتوكل،التنصيص على تخليق وإرساء أسس الممارسة الديمقراطية في تسيير الشأن الرياضي واعتماد مقاربة جديدة للممارسة الرياضية،داعيا ،في هذا السياق ،إلى ضرورة بلورة القانون الجديد للتربية البدنية والرياضة والتعجيل باستصدار مراسيم تطبيقية لتفعيل نصوص وبنود هذا القانون. ومن جانبه،ثمن محمد بلماحي،رئيس الجامعة الملكية المغربية للدراجات ومنسق اللجنة التحضيرية لمشروع التوصيات،التي رفعت إلى اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة الدستور،مضامين مشروع الدستور،معربا عن عميق ارتياح الحركة الرياضية الوطنية لتكريس الحق الدستوري في ممارسة الرياضة استجابة لملتمساتها،التي تم أخذها بعين الاعتبار،بالتنصيص عليها في الفصول 26 و 28 و 31 و 33 من الدستور الجديد. وقال إنه يحق للمغاربة أن يفخروا بأن المملكة ستصبح من بين البلدان القلائل في العالم التي ينص دستورها على الممارسة الرياضة كحق من حقوق الإنسان اعتبارا لدورها الهام في خلق نوع من التحام النسيج الاجتماعي ومساهمتها في التنشئة الاجتماعية وتقوية الإندماج بين الفئات الإجتماعية . إلا أنه شدد على عدم " تغييب الرياضة عن مشروع القانون التنظيمي للمجلس الإقتصادي والإجتماعي،لكونها ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية هامة تدل على ارتباطها الوثيق بأهداف المجلس". أما منصف اليازغي،الباحث الجامعي المختص في السياسات العمومية بالقطاع الرياضي،فلاحظ أن المغرب بات أول بلد إفريقي وعربي يتم فيه التنصيص على الرياضة في مشروع الدستور "الذي تجاوز كل توقعات الحركة الرياضية،عندما أفرد ثلاثة فصول للقطاع"،مذكرا بأن دسترة الرياضة استفادت من مضامين الرسالة الملكية الموجهة إلى المناظرة الوطنية بالصخيرات،في أكتوبر 2008،والتي اعتبرت القطاع الرياضي قطاعا حيويا يتوجب إيلاؤه الاهتمام الكامل من طرف السلطات العمومية. وقال إن دسترة الرياضة جاءت لتضع المغرب في مصاف بعض الدول الأوربية التي تشير دساتيرها إلى الرياضة كحق من حقوق المواطنين،إلى جانب الميثاق الأوربي الموقع بلشبونة سنة 2007 والذي يشير إلى ضرورة قيام الدول الأعضاء بتيسير كل السبل أمام ممارسة مواطني الاتحاد للرياضة. وخلص الأستاذ اليازغي إلى أن دسترة الرياضة تشكل نقلة نوعية تسمو بالرياضة من قطاع يركز اهتمامه على المرخصين داخل الجامعات الخمسة والأربعين فقط ،إلى ضمان ممارسة الرياضة لجميع المواطنين. والواقع إن الإقرار دستوريا بالحق في الرياضة ليس غاية في حد ذاته،بقدر ما هو تمهيد لفعل وطني عميق،يبدأ من أجرأة الحق في الرياضة بتقريبها من المواطن أينما وحيثما وجد،من خلال توفير بنيات وتجهيزات أساسية،وتخصيب موقعها في المخططات التنموية بالقرى والمداشر،كما هو الشأن بالمدن الكبرى،واعتماد سياسة موصولة لاحتضان النخب الرياضية داخل ربوع الوطن وخارجه وصولا إلى وضع هرم متوازن ومتطابق للرياضة الوطنية تكون قاعدته هي جهات المملكة،التي ستوفر المناخ الملائم للممارسة الرياضية ،وذلك تجسيدا لأنبل معاني حقوق الإنسان في أبعادها الشمولية،لا سيما وأن الرياضة باتت تشكل مدرسة مفتوحة على الحياة.