ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحكمة الدستورية تحدد قواعد العمل البرلماني

عرف مجلس النواب على مدار سنة كاملة جدلا متناميا أثارته فرق المعارضة، وأدى هذا الجدل إلى إدخال المؤسسة البرلمانية في متاهات عدة تتعلق بطرق اشتغل الفرق البرلمانية وبالعلاقات بين الأغلبية والمعارضة من جهة، وبين البرلمان والحكومة من جهة ثانية، وعاشت المؤسسة البرلمانية خلال الأشهر الأخيرة خروقات دستورية بالجملة من قبل فرق المعارضة التي وصل بها الأمر لعرقلة اشتغال البرلمان، ودخلت في عملية ابتزاز غير مسبوقة بعد أن قاطعت جلسات مساءلة رئيس الحكومة.
وقد شكلت محطة مراجعة النظام الداخلي لمجلس نواب مناسبة لتمارس فرق المعارضة مزيدا من الضغوط وصلت لحد الابتزاز السياسي في مواجهة الأغلبية والحكومة على حد سواء، وكانت عدد من المحاور التي تضغط المعارضة لإدراجها في النظام الداخلي لمجلس نواب تثير الدهشة بسبب إصرار المعارضة على خرق الدستور والحصول على حقوق سياسية ومؤسساتية مخالفة للدستور ومتناقضة مع مبادئ التمثيل الديمقراطي.
وكان الفصل العاشر من الدستور يتم استعماله بشكل متعسف لخرق فصول أخرى من الدستور، وكانت بعض فرق المعارضة تحاول إلغاء مبادئ دستورية واضحة وتعطيل عدة فصول في الدستور في محاولة للحصول على مكاسب غير قانونية.
وبعد مصادقة مجلس النواب على نظامه داخلي الجديد بالإجماع أغلبية ومعارضة، تمت إحالته بشكل تلقائي على المحكمة الدستورية لفحص مدى مطابقته للدستور وفقا لأحكام الفصل 69 من الدستور، بعدها بأيام قليلة فوجئنا بفرق المعارضة ترسل مذكرة للمحكمة الدستورية تطعن بموجبها في عدد كبير من مواد النظام الداخلي الذي صوتت عليه بالإجماع، وقد استغربنا لهذا التصرف غير قانوني والمناقض للدستور ولمبادئ العمل السياسي، وهو ما أكده قرار المحكمة الدستورية رقم 922 الذي رفض مذكرة فرق المعارضة واعتبر لجوءها للطعن في النظام الداخلي غير دستوري من أساسه.
أما قرار المحكمة الدستورية رقم 924 ومتعلق بفحص مطابقة النظام الداخلي للدستور فقد جاء مفصلا وغنيا بالمبادئ الدستورية المتعلقة بالعمل البرلماني وبالعلاقة بين البرلمان وباقي المؤسسات والسلط الدستورية.
وقد اعتبر القرار أ ن 33 مادة في النظام الداخلي غير دستورية (من أصل 251 مادة)، في حين أبدت المحكمة الدستورية مجموعة من الملاحظات على 21 مادة اعتبرتها دستورية وسليمة، لكنها تحتاج لتوضيح من قبل محكمة الدستورية كي لا يُساء تفسيرها أو يتم التعسف في تطبيقها خلافا للمبادئ الدستورية الأساسية، كما وضعت المحكمة الدستورية في هذا السياق مجموعة قواعد واضحة لعمل المؤسسات بعيدا عن الابتزاز الذي كانت تمارسه المعارضة داخل البرلمان.
قاعدة التوازن بين السلط
تعتبر من بين أهم المبادئ الدستورية التي تضمن التطبيق السليم للدستور وممارسة السلط والمؤسسات الدستورية لمهامها واختصاصاتها بشكل مطابق لدستور 2011، فالسلط الدستورية الثلاث مستقلة عن بعضها البعض (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، ولا يمكن لسلطة أن تمارس اختصاصات السلط الأخرى أو تتدخل في مهامها.
ومقابل فصل السلط، أكد الفصل الأول من الدستور على تعاون وتوازن السلط، وهو ما أكده قرار المحكمة الدستورية الذي اعتبر الإخلال بهذا مبدأ مخالفةً صريحة للدستور.
وتعتبر الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة أهم تجليات الخرق دستوري والإخلال بمبدأ التوازن بين السلط، فالأصل في جلسات مساءلة الحكومة أن يتم اقتسام الحصة الزمنية بين البرلمان والحكومة، على أساس أن يتم تخصيص نفس الحيز زمني لأسئلة النواب وأجوبة الحكومة، وهي القاعدة الدستورية مطبقة على جلسات الأسئلة الشفوية الأسبوعية.
غير أن المعارضة بدأت قبل أزيد من سنة بالمطالبة بحقوق غير دستورية وتفوق بكثير نسبتها في الحصة زمنية، متناسية بأن النظام البرلماني المغربي يقوم على أسس خاصة به، وحاول عدة فرق معارضة تطبيق النظام الإنجليزي على جلسات المساءلة بالبرلمان المغربي، وعلى رغم من أننا كنا نؤكد دائماً على الاختلاف الكبير بين نظامين البرلمانيين إنجليزي والمغربي، إلا أن المعارضة كانت مصرة على ابتزاز فرق الأغلبية وقاطعت في نهاية المطاف جلسات مساءلة رئيس الحكومة رغم أنها تعلم أن مقاطعة جلسة دستورية يعتبر إخلالا فظيعا بأحكام الدستور.
وخل مناقشة مواد النظام الداخلي لمجلس النواب، كانت فرق المعارضة تلح بشكل غريب على الحصول على نصف المدة الزمنية المخصصة للجلسات الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة، على أن يخصص النصف الآخر للأغلبية وللحكومة مجتمعة، وهو منطق غريب يضرب أهم القواعد والمبادئ الدستورية، فكيف يعقل أن يخصص لرئاسة الحكومة ربع الحصة الزمنية المخصصة لجلسة مساءلته؟
ورغم أننا أكدنا عند مناقشة النظام الداخلي أن مبدأ التوازن بين السلط يتناقض مع هذا الطرح، إلا أن المعارضة بقيت مصرة على موقفها الغريب، وفي نهاية المطاف تنازلت فرق الأغلبية عن مواقفها ضمانا للتوافق مع المعارضة حول باقي بنود النظام الداخلي، وتم التوافق على اقتسام الحصة الزمنية بين الحكومة والأغلبية والمعارضة بموجب ثلث الحصة لكل طرف.
لكن بالموازاة مع ذلك أكدنا تحفظنا على صياغة هذا الاتفاق معتبرين أن البرلمان لا يمكنه أن يمس في نظامه الداخلي بحقوق رئاسة الحكومة كسلطة ومؤسسة مستقلة.
وقد جاء قرار المحكمة الدستورية بهذا الخصوص ليؤكد صواب موقف الأغلبية وليعيد الأمور إلى نصابها، وليضع القواعد الدستورية موضع تطبيقها السليم، واعتبر قرارها أن مقتضيات المادة 207 من النظام الداخلي غير دستورية لمخالفتها لمبدأ التوازن بين السلط المنصوص عليه في الفصل الأول من الدستور.
فقد أكدت المحكمة الدستورية بهذا الخصوص على ضرورة اقتسام التوقيت الزمني مناصفة بين البرلمان والحكومة، وعلى تخصيص نفس الحصة الزمنية للبرلمان ولرئيس الحكومة، عكس ما كانت تطالب به المعارضة التي ملأت الدنيا صراخا بمطالبتها المناقِضة لأحكام الدستور.
قاعدة النسبية في العمل البرلماني:
كان الجدل يثار دائماً بشكل مبالغ فيه بخصوص قاعدة النسبية في حقوق وواجبات الفرق والمجموعات البرلمانية، وكانت عدد من فرق المعارضة، وحتى بعض أطراف الأغلبية، تحاول إلغاء هذه قاعدة وحصرها فقط في تشكيل هياكل المجلس (عضوية المكتب ورئاسة اللجان الدائمة)، وكان الهدف الأساسي من تعطيل هذه القاعدة محاولة منح بعض الفرق حقوقا أكثر من حجمها ومن عدد أعضائها.
وعلى الرغم من أن قاعدة التمثيل الديمقراطي تجعل جميع النواب متساوين في الحقوق والواجبات والمهام التشريعية والرقابية، فإن عددا من الفرق النيابية كانت تحاول إلغاء هذه القاعدة وعدم تطبيقها على حصص الفرق في المداخلات وحقوقها التشريعية والرقابية، وعدد الأسئلة المخصصة لها.
فقاعدة النسبية تعني أن كل فريق برلماني يحصل على الحقوق والامتيازات بحسب عدد نوابه البرلمانيين، وهي قاعدة تجسد بشكل واضح قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات بين النواب.
وقد حرصنا عند مناقشة مشروع النظام الداخلي على تطبيق هذه القاعدة في جميع المقتضيات المتعلقة بالمهام التشريعية والرقابية وفي مجال الدبلوماسية البرلمانية، كما في مجال الحقوق المادية والبشرية للفرق والمجموعات النيابية، إلا أن عددا من الفرق البرلمانية كانت تنتقد باستمرار إصرارنا على تطبيق قاعدة النسبية وكانت تطالب بحقوق أكبر من عدد أعضائها.
وبعد هذا اللغط الكبير الذي عرفه مجلس نواب خلال هذه السنة، جاء قرار المحكمة الدستورية رقم 922 المذكور أعلاه والمتعلق بفحص مدى دستورية مواد النظام الداخلي ليضع حدا لهذا الجدل، وليؤكد على قاعدة النسبية خلال فحصه لمقتضيات المادة 33 من النظام الداخلي، وأكدت المحكمة الدستورية على "ضرورة العمل بقاعدة النسبية فيما يخص حقوق وواجبات الفرق والمجموعات النيابية بحسب عدد أعضائها اعتمادا على مبدأ التمثيل الديمقراطي المنصوص عليه في فصل الأحادي عشر من الدستور".
قواعد ضمان حقوق المعارضة:
شهد البرلمان المغربي على مدى سنة كاملة جدلا حادا بخصوص مكانة المعارضة وحقوقها، ووصل الأمر حد مقاطعة جلسة مساءلة رئيس الحكومة خلال دورة أبريل الأخيرة.
وكانت فرق المعارضة تطرح مبادرات غريبة تروم السطو على المجلس التشريعي وتحاول الاستفراد بممارسة مجموعة من الحقوق بالبرلمان، ورغم أننا كنا نؤكد دائماً على أن البرلمان يشتغل بمنطق تمثيل نسبي للفرق ومجموعات النيابية التي تعتبر أساس التمثيل الديمقراطي، إلا أن فرق المعارضة كانت دائماً تلجأ للمزايدات السياسية وتتعرف في قراءة النص الدستوري.
وقد اضطرت فرق أغلبية البرلمانية في نهاية المطاف للتنازل عن حصتها في مجموعة من حقوق والمهام البرلمانية لضمان حد أدنى من التوافق، وجاء قرار محكمة الدستورية ليضع حدا لهذا التعسف المناقض والمخالف لدستور 2011.
فقد قضت المحكمة دستورية، في قرارها المذكور أعلاه، بعدم دستورية مجموعة من المواد التي تعطي للمعارضة حقوقا أكبر من تمثيليتها الديمقراطية، فقد اعتبرت أن "منح المعارضة حقاً خاصا بها دون أن يمنح أيضاً للأغلبية" أمر مخالف للدستور وفيه مسٌّ واضح بمبدأ نسبية وبقاعدة المساواة في التمثيل الديمقراطي بين جميع نواب الأمة. فلا يمكن التمييز بين النواب في ممارسة حقوقهم الدستورية ومهامهم البرلمانية بسبب انتمائهم لفرق نيابية دون أخرى.
فقد اعتبرت المحكمة الدستورية بالتالي الفقرة "د" من المادة 41 غير دستورية لأنها تمنح المعارضة حقاً بشكل حصري في الممارسة البرلمانية، ويتعلق الأمر بالإحالة على محكمة الدستورية في حالة النزاع المرتبط بالتشريع.
كما اعتبر القرار أيضاً أن الفقرة الأولى من مادة 42 غير دستورية لأنها منحت بدورها للمعارضة اختصاص تحديد الحيز الزمني لمداخلتها في الجلسة العامة مخصصة لمناقشة ملتمس الرقابة.
وبمقابل ذلك رفضت المحكمة الدستورية ما تضمنته المادتان 43 و 122 بخصوص انفراد المعارضة بالترشيح في منصب عضوية المحكمة الدستورية، وأكد قرارها بالتالي على شرعية التمثيل الديمقراطي وقاعدة المساواة بين النواب.
وتعتبر جلسات مساءلة رئيس الحكومة خير مثال على الابتزاز والمزايدة السياسية، فقد كانت فرق المعارضة تطالب بنصف الحصة الزمنية المخصصة لها على أن تنال فرق الأغلبية مجتمعة ربع الحصة الزمنية والربع الآخر لرئيس الحكومة، إلا أن المحكمة الدستورية قامت بتوجيه صفعة لفرق المعارضة، ورفضت جميع مطالبها واعتبرتها مخالفة للدستور، بل إن قرارها اعتبر أن الصيغة التوافقية غير دستورية طبقا لقاعدة التوازن بين السلط، بحيث أكدت المحكمة الدستورية أن ضمان حقوق المعارضة لا يمكن أن يسير ضد دستور أو أن يمس بالمبادئ والقواعد الدستورية ومن بينها قاعدتي التوازن بين سلط والنسبية التي تجسد المساواة بين النواب على أساس التمثيل الديمقراطي.
حدود الاختصاصات الرقابية للبرلمان:
جاء قرار المحكمة الدستورية مليئا بالمفاجآت فيما يتعلق بالمهام الرقابية للبرلمان، خاصة المقتضيات الجديدة التي تضم اختصاصات هامة ذات طابع جديد ومتقدم مقارنة مع مهام الرقابية الكلاسيكية التي يمارسها البرلمان. فالنظام الداخلي الجديد تضمن مقتضيات هامة تتعلق من جهة بتقييم وتتبع السياسات العمومية وجعلها أساس وجوهر المهام الرقابية للبرلمان.
كما تضمن النظام الداخلي مقتضيات جد متقدمة تهم استحداث لجنة تتكلف بمراقبة الإنفاق العمومي الذي تقوم به القطاعات الوزارية، وهي اللجنة تي عرفت بدورها نقاشا عميقا بين مكونات برلمان المغربي.
كما رفضت المحكمة الدستورية للمرة الثانية إعادة صيغة السؤال المفاجئ أو ما يعرف بالإحاطة علما (المادة 104 من النظام الداخلي).
وقد تفاجأ مجلس النواب بموقف المحكمة الدستورية من لجنة الإنفاق العمومي، إلا أن تعميق النقاش في حيثيات القرار يسمح باستخلاص مجموعة من القواعد التي تحكم المهام الرقابية للبرلمان وفق أحكام دستور 2011.
فبخصوص تقييم السياسات العمومية (المواد من 211 إلى 217)، وعلى الرغم من أن المحكمة الدستورية أكدت على أحقية مجلس النواب في ممارسة هذا الدور الرقابي الهام، إلا أنها رفضت ممارسة هذه المهام الرقابية بشكل مشترك مع مجلس المستشارين، وأكدت على ضرورة التقيد بأحكام الدستور وعدم ممارسة الاختصاصات بشكل مشترك مع الغرفة الثانية للبرلمان إلا في حالة منفردة وتتعلق بالمصادقة على مراجعة الدستور طبقا لأحكام الفصل 174 من الدستور.
وهذا القرار بحيثياته يعني أن جميع المهام التشريعية والرقابية يتعين ممارستها بشكل منفرد من قبل كلا مجلسي البرلمان، سواء تعلق الأمر بجلسات تقييم السياسات العمومية أو جلسات مناقشة تقارير مجلس الأعلى للحسابات أو جلسات مناقشة تقارير هيآت ومؤسسات الحكامة.
أما المفاجأة الكبرى في قرار المحكمة الدستورية تتعلق بعدم دستورية البند 9 من المادة 55 التي أحدثت لجنة دائمة لهذا الغرض، واعتبرت أن جميع اللجن الدائمة تقوم بمراقبة الحكومة ولا يمكن حصر الاختصاص الرقابي في لجنة بعينها، وهذه قاعدة هامة تتعلق بتصور عمل اللجان البرلمانية في نظامنا الدستوري، وهي نفس القاعدة التي ارتكز عليها قرار محكمة الدستورية بخصوص عدم دستورية إحداث اللجان الموضوعاتية (المواد 73 إلى 80 من النظام الداخلي).
كما رفضت المحكمة الدستورية المواد 218 إلى 221 من النظام الداخلي التي تفصل في إجراءات مراقبة إنفاق العمومي على مستوى اللجنة المحدثة وعلى مستوى الجلسات العامة، وهي مقتضيات جد متطورة وتؤسس لمنهج جديد في العمل الرقابي البرلماني.
فمن جهة أولى اعتبر قرار محكمة الدستورية أن مراقة الحكومة المنصوص عليها في الفصل 70 من الدستور لا يمكن أن تمتد لمراقبة قطات الوزارية لأن أمر يتعلق باختصاص مؤسسة دستورية أخرى هي المجلس أعلى للحسابات.
ومن جهة ثانية أكد القرار على أن مقتضيات النظام الداخلي المتعلقة بهذا المجال تعتبر إخلالا بأحكام الفصل 89 من الدستور الذي يضع القطاعات الحكومية تحت تصرف ووصاية وإدارة الحكومة ورئيسها وليس البرلمان.
وبخصوص المهمة الرقابية الأساسية المتعلقة بالأسئلة الشفوية، فقد رفضت المحكمة الدستورية للمرة الثانية إدراج أية آلية رقابية لا تحترم قاعدة التوازن بين البرلمان والحكومة، واعتبر القرار بالتالي أن الإحاطة علما مخالفة للدستور.
فحيثيات هذا المقتضى في قرار المحكمة الدستورية تؤكد على عدة قواعد دستورية في العمل البرلماني وفي علاقة السلطتين التشريعية والتنفيذية.
فمن جهة أكد القرار على المساواة بين جميع النواب البرلمانيين ولا يوجد لأي استثناء أو امتياز لنائب على آخر في ممارسة المهام التشريعية أو الرقابية، وبالتالي اعتبر القرار أن إفراد رؤساء الفرق بالحق في المداخلة غير دستوري.
ومن جهة ثانية اعتبرت المحكمة الدستورية إدراج مداخلات في إطار الإحاطة علما مخالفة للدستور، لأنها تمس بمبدأ دستوري أساسي يقوم على التوازن بين السلط، فإدراج إحاطة دون الاتفاق المسبق مع الحكومة يخل بهذا المبدأ.
وبشكل عام، اعتبر قرار أن الجلسة الأسبوعية يجب أن تخصص أساسا لأسئلة النواب وأجوبة الحكومة، وأي مقتضى مخالف يجعل المادة 104 من النظام الداخلي غير مطابقة للدستور.
طرق تنزيل قواعد المناصفة وتمثيلية النساء:
عرف هذا الموضوع بدوره جدلا حادا ومزايدات سياسية غير مسبوقة، أثارتها بعض النائبات البرلمانيات المنتميات لعدد من الفرق النيابية، ووصل الأمر إلى تبادل الاتهامات بين عدد من الفرق بهذا الخصوص، بشكل جعل مبدأ المناصفة المنصوص عليه في الفصل 19 من الدستور مجال التطاحن السياسي وخرق قواعد الدستور عوض أن يكون مجال تشجيع التمثيلية السياسية للنساء بشكل إيجابي.
وعشنا على مدار السنة الحالية مزايدات سياسية محمومة حول مبدأ السعي نحو المناصفة، ورغم أن النظام الداخلي جاء بمقتضيات مهمة جداً بهذا الخصوص، فإن عددا من البرلمانيات انتقدت بشكل حاد ما جاء في المشروع، وتركزت المطالبات على خرق عدد من فصول الدستور.
ورغم التحذيرات المتتالية المثارة حول التعسف في استعمال الفصل 19 من الدستور، فإن الضغوط السياسية التي تقوم بها جزء من الفعاليات النسائية وبعض الفرق التي تدعي الدفاع عن حقوق المرأة بالغت في دفوعاتها واعتبرت ما جاء به النظام الداخلي غير كافٍ في هذا السياق.
وجاء قرار المحكمة دستورية المذكور ليضع قواعد تنزيل النص الدستوري بشكل واضح، وليسطِّر مجموعة من الأسس والقواعد الدستورية المتعلقة بالتمييز الإيجابي وبالسعي نحو المناصفة واعتبر أن مقتضيات المادة 53 من النظام الداخلي مخالفة للدستور.
فالقرار ركَّز على قواعد تطبيق أحكام دستورية متعلقة بالسعي نحو المناصفة، وبيَّن بجلاء أن المقصود هنا قاعدتين أساسيتين:
- الأولى تؤكد أن سعي نحو المناصفة يتأسس بشكل خاص على "وضع آليات الترشيح لتمكين النساء من الولوج لمناصب المسؤولية السياسية"، لكنه رفض الصيغة المعتمدة في النظام الداخلي، والتي تذهب إلى تخصيص مقاعد في مناصب المسؤولية بشكل حصري للنساء، واعتبر أن هذا التخصيص مخالف للدستور، وفيه "خرق واضح لقاعدة المساواة بين جميع النواب والنائبات الذين يستمدون مشروعيتهم من مبدأ التمثيل الديمقراطي".
- أما القاعدة الدستورية الثانية بهذا الخصوص فتتعلق أساسا باعتماد "مبدأ التناسب بحسب عدد عضوات كل فريق برلماني فيما يتعلق بنسبة الترشيحات"، واعتبر بالتالي أن التمييز الإيجابي المسموح به يهم فقط آليات "تشجيع ترشيح النساء حسب النسبة داخل كل فريق أو مجموعة نيابية"، بمعنى أن الفريق الذي يضم نسبة النساء فيه لا تتجاوز 15% يفترض أن يخصص نفس النسبة على الأقل في ترشيحاته لمناصب المسؤولية وليس في عدد المناصب التي تؤول إليه.
فهذه القواعد المتعلقة بتفعيل مبدأ سعي نحو المناصفة تفسر بجلاء مضامين الفصل 19 من الدستور وآليات تطبيقه على مستوى المؤسسة البرلمانية، وهي قواعد تقطع مع المزايدات السياسية بين الفرق وتمنع بشكل صريح محاولات خرق مبادئ وقواعد دستورية واضحة وأساسية، كما يسمح هذا التفسير الذي اعتمدته المحكمة الدستورية بمنع أي تعسف في تأويل القواعد أو المبادئ الدستورية الأخرى مرتبطة به
قاعدة منع الترحال وضبط الانتماء للفرق البرلمانية:
عرفت مادة 32 من النظام الداخلي جدلا حادا داخل اللجنة وخل الجلسة العامة بمناسبة مناقشة المقتضيات المتعلقة بالمصاب قانوني للفرق والمجموعات النيابية، وبإعادة تشكل الفرق خلال منتصف الولاية.
فعلى الرغم من أن المحكمة الدستورية قد اعتبرت أن مقتضيات المادتين 32 و33 دستورية، إلا أن القرار أكد على قواعد دستورية واضحة مرتبطة بتشكل الفرق البرلمانية ولمنع الترحال تحت أي شكل من الأشكال.
فقد اعتبرت المحكمة الدستورية أن إعادة تشكيل الفرق في منتصف الولاية لا يجب أن يؤدي لترحال نواب أو تخليهم عن الفرق والمجموعات البرلمانية التي انتظموا فيها منذ بداية ولاية التشريعية، وهو ما يعني أن إعادة تشكيل الفرق في منتصف الولاية سيقتصر فقط على تحيين عدد أعضاء فرق البرلمانية نتيجة تنظيم مجموعة من العمليات الانتخابية الجزئية خلال السنتين الأخيرتين.
وبالتالي فإن أية عملية للتخلي عن فريق أو مجموعة نيابية خلال شهر أبريل قادم سيؤدي لتطبيق أحكام الفصل 61 من الدستور الذي يعني تجريد النائب متخيل عن فريقه من منصبه البرلماني وفق المسطرة القانونية.
قاعدة الطابع السري لأشغال اللجان:
خلافا للدستور السابق، جعل الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 عمل اللجان البرلمانية مشمولا بطابع السرية كمبدأ عام، وجعل فتح اللجان أمام العموم استثناء على هذه القاعدة.
ففي ملاحظتها على المادة 72 من النظام الداخلي، أكدت محكمة دستورية أن نشر تقارير اللجان لا يجب أن يمس بمبدأ سرية أشغال اللجان البرلمانية.
وهي القاعدة تي أكدها نفس قرار المحكمة الدستورية بخصوص المادة 129 التي اعتبرتها غير دستورية، بحيث اعتبرت أن الحالات التي يمكن فيها نزع طابع السرية عن أشغال اللجان يجب أن تحدد بتفصيل وبدقة باعتبارها استثناء عن القاعدة، وعدم تحديد هذه الاستثناءات يجعل المادة 129 مخالفة لأحكام الدستور.
إن المحكمة الدستورية بهذا القرار تكون قد بينت شكل تطبيق النص الدستوري على مستوى العمل البرلماني وعلى مستوى العلاقات بين السلط وحدود الاختصاصات الرقابية وتشريعية للبرلمان.
كما وضع قرارها قواعد ومبادئ محددة تؤطر تشجيع التمثيلية النسائية وولوج المرأة المناصب السياسية، وتم التدقيق في حقوق المعارضة كي لا تبقى مقتضيات الفصل العاشر من الدستور مجال المزايدات السياسية والابتزاز الذي شهده مجلس النواب طيلة السنة الحالية.
فالمحكمة الدستورية بهذا القرار تكون قد فسرت بشكل واضح جزءا مهما من دستور 2011، رغم ما يمكن أن يقال عن حيثيات هذا القرار، والذي تبقى مضامينه قابلة للنقاش الأكاديمي والعلمي لاستنباط القواعد الدستورية التي تضبط الممارسة البرلمانية بالمغرب.
*دكتور في القانون
متخصص في العلوم الإدارية والمالية العامة
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.