بتاريخ 7 نونبر 2012، أودع الفريق النيابي للتجمع الوطني للأحرار، لدى مكتب مجلس النواب ،مقترح قانون تنظيمي يهم اللجان النيابية لتقصي الحقائق. وبتاريخ 14 يناير 2013، سيودع الفريق النيابي للعدالة والتنمية، لدى مكتب مجلس النواب، مقترحاً يتعلق بنفس الموضوع. المقترح الأول سيُحال على لجنة العدل و التشريع و حقوق الإنسان بمجلس النواب، بتاريخ 10 دجنبر 2012، فيما سيحال المقترح الثاني بتاريخ 30 يناير 2013. ستبرمج لجنة العدل و التشريع، بتاريخ 8 يناير 2013 إجتماعاً لتقديم مقترح فريق التجمع ،خلال هذا الإجتماع -وفقاً لما نقلته الصحافة-ستتم إثارة نقاش مسطري طويل، يتعلق بتدبير طريقة مناقشة مقترحين محتلين على مكتب المجلس في نفس الموضوع، النقاش سينتهي بمراسلة المكتب طلباً لرأيه في النازلة المستجدة،و بالإتفاق على يوم دراسي لتقريب وجهات نظر أصحاب المُقترَحين. هكذا وبتاريخ 17 يناير2013، ستعقد اللجنة يوماً دراسياً في موضوع التجربة المغربية في مجال تقصي الحقائق، بحضور غالبية رؤساء لجن التقصي التي سبق تشكيلها من طرف البرلمان. بعد اجتماعين للجنة في نفس الموضوع، سيتم التوافق بشأن تكليف لجينة مصغرة تقوم بصياغة مقترح واحد باتفاق ممثلي الفريقين المذكورين، إضافة الى ممثلي باقي الفرق والمجموعات، وهكذا أصبح للجنة في منتصف شهر يونيو، مقترحها الجديد الذي تمت مناقشته التفصيلية، قبل أن يبعث للفرق قصد تقديم تعديلاتها قبل تاريخ 10 يوليوز 2013، ورغم أن فريقا قد طالب بتأجيل هذا الموعد، فإن المقترح عملياً أصبح جاهزاً للتصويت داخل اللجنة ليحال بعد ذلك للجلسة العامة للمجلس. في انتظار ذلك -وبعد تسع أشهر من العمل النيابي، إلى أن أصبح الحسم النهائي في المقترح مسألة أيام معدودات- سيفاجئ الرأي العام ،ببرمجة مجلس الحكومة المنعقد الخميس الماضي الموافق لِ18 يوليوز2013، لمشروع قانون تنظيمي في نفس الموضوع:اللجن النيابية لتقصي الحقائق! وهول المفاجأة، يتعلق بكون الحكومة كانت على معرفة تامة، بقرب إنتهاء مسطرة المبادرة النيابية في هذا الموضوع، بل الأنكى من ذلك أنها كانت حاضرة خلال كل المسلسل التشريعي، عبر الوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان، الذي واكب وساهم في كل حلقات التحضير لإعداد المقترح، بل صرّح أكثر من أربع مرات، بأنه لا يمكن للحكومة أن تفكر في تقديم مشروع قانون تنظيمي يخص إحدى الصلاحيات الرقابية للبرلمان. ما الذي حدث إذن؟ إن ما وقع،لا علاقة له بتاتاً، بمسألة تضارب التأويلات المتباينة للدستور، إنه ببساطة قضية سوء إحترام كبير للشرعية الدستورية. لقد بحثت في القاموس، ولم أجد من توصيف ممكن لما حدث،غير "الفضيحة"، نعم فضيحة دستورية وسياسية مُدوية، فضيحة مزدوجة، فمن جهة، جزء من الدولة يريد عبر الأمانة العامة للحكومة، مباشرة إنقلاب حقيقي على الدستور، يقضي بمنع النواب من حقهم المؤكد في تقديم مقترحات قوانين تنظيمية، ومن جهة أخرى، الحكومة تستمر في مسلسل تنازلاتها في موضوع القوانين التنظيمية لتصل الى حدود احتقار البرلمان، بالمصادقة على مشروع قانون تنظيمي يَهُم موضوعاً أشرفت فيه المبادرة التشريعية للنواب على الإنتهاء. فضيحة للذين ضغطوا ضداً على الدستور ! و فضيحة للذين قبلوا بالضغط و تنازلوا، ضداً على الدستور! فإذا كان لأي جهة مَا،تصور يقتضي بحصر المبادرة التشريعية المتعلقة بالقوانين التنظيمية على الحكومة، فما عليها إلا أن تعلن على ذلك بكل شجاعة، وأن تطالب بتعديل دستوري، يقتضي بسحب حق البرلمانيين في تقديم مقترحات القوانين التنظيمية، عوض مثل هذه المغامرات غير المحسوبة، والمؤدية الى المسِ بالأمن القانوني للدولة. في مُجمل القول، لا شك أن الكثيرون يعتبرون أن دستور 2011، قد أنجز مهمته الأساسية المتمثلة في تدبير "عاصفة" الربيع العربي،و أنه يكاد يصبح -مع الإبتعاد عن لحظة 20فبراير-عبئاً ثقيلاً، ينبغي التخلص منه كلياً أو جزئياً، في أقرب وقت، أو على الأقل تجميد أو تعليق بعض مقتضياته التي قد تبدو مزعجة للبعض. إن التعامل التكتيكي مع الدستور، بإعتباره وثيقة تخضع لتطبيق تقريبي مرتبط بموازين القوى، وبالتقديرات السياسية للفاعلين، يؤدي الى المس بدولة القانون، ونقض جوهر التعاقد السياسي للمجموعة الوطنية،و ينتهي في آخر التحليل بقتل فكرة "الدستور" نفسها!