أفرزت الانتخابات التشريعية الأخيرة في المغرب، وبعدها مشاورات تشكيل الحكومة التي يقودها الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" عبدالإله بنكيران، الذي تصدر استحقاق 7 أكتوبر الانتخابي، مشهداً حزبياً يتسم بالاصطفافات السياسية المتباينة إلى حد التنافر أحياناً. وساهم تبادل الاتهامات بين مجموعة من الأحزاب المغربية بخصوص المسؤول عن حالة "الانسداد" في مشاورات تشكيل الحكومة المرتقبة، في اصطفاف هذه الهيئات السياسية إلى ثلاث مجموعات، الأولى تشمل أحزاب "العدالة والتنمية" و"الاستقلال" و"التقدّم والاشتراكية"، والثانية أحزاب "الأحرار"، و"الاتحاد الدستوري"، و"التجمع الوطني للأحرار"، و"الاتحاد الاشتراكي"، و"الحركة الشعبية"، والثالثة تضم حزب "الأصالة والمعاصرة". الأحزاب الثلاثة التي أعلنت مشاركتها في الائتلاف الحكومي، "العدالة والتنمية"، و"الاستقلال"، و"التقدّم والاشتراكية"، أجمعت على اتهام ما تسميه قوى "التحكّم" بأنها تقف وراء جمود مفاوضات تشكيل الحكومة، إذ يشير قادة هذه الأحزاب تلميحاً أحياناً وتصريحاً أحياناً أخرى إلى حزب "الأصالة والمعاصرة". واتهم "العدالة والتنمية"، الذي تصدر الانتخابات التشريعية الماضية، أكثر من مرة جهات تمارس التحكّم، بحسب تعبيره، بأنها تقف وراء مواقف أحزاب أبدت موافقتها في البداية على المشاركة في الحكومة، قبل أن تتراجع عن مواقفها، وتُظهر نوعاً من التردد في دخول الحكومة. ويستند الحزب الأغلبي في طرحه بخصوص اتهام "التحكّم" إلى ما راج بخصوص لقاء جمع الأمين العام ل"الأصالة والمعاصرة"، إلياس العماري، وزعماء بعض الأحزاب، في اليوم الذي تلى الإعلان عن نتائج انتخابات 7 أكتوبر، والذي ناقش فيه زعماء هذه الأحزاب موضوع "الانقلاب على بنكيران". بدوره، أشار حزب "الاستقلال"، الذي سبق له أن شارك في الحكومة الأولى ثم انسحب منها، أكثر من مرة بأصابع الاتهام في عرقلة تشكيل الحكومة المرتقبة إلى ما يسميه "الحزب المعلوم"، في إشارة إلى "الأصالة والمعاصرة"، معتبراً أن شرط زعيم "الأحرار" عزيز أخنوش بخروج "الاستقلال" من الحكومة "لا يمكن أن يصدر منه، بل هو إملاء من حزب التحكّم". كذلك انتقد حزب "التقدّم والاشتراكية" أيضاً جهات قال إنها تمارس التحكّم، وتقف وراء تعقيد مشاورات تشكيل الحكومة. وسبق لأمينه العام أن جاهر من قبل بانتقاده لمؤسسي حزب "الأصالة والمعاصرة"، أحدهم ليس سوى فؤاد عالي الهمة، مستشار وصديق الملك المغربي، ما جر عليه غضباً من المؤسسة الملكية تُرجم ببلاغ حاد اللهجة. مقابل هذه المجموعة الأولى من الأحزاب التي ترمي بكرة جمود مشاورات الحكومة في ملعب "التحكّم"، في إشارة مبطنة إلى من يقفون وراء حزب "الأصالة والمعاصرة"، هناك المجموعة الثانية المشكّلة من "الأحرار"، و"الاتحاد الدستوري"، و"الاتحاد الاشتراكي"، و"الحركة الشعبية"، وكلها تتهم بنكيران تحديداً بالتسبّب في تأخر تشكيل الحكومة. حزب "الاتحاد الاشتراكي" اعتبر أن سبب جمود مشاورات الحكومة الجديدة يعود بالأساس إلى طريقة إدارة بنكيران لهذه المفاوضات، خصوصاً أنه ثبّت في فريقه حزبي "الاستقلال" و"التقدم والاشتراكية"، وحاول فرضهما على الأحزاب الأخرى، معتبراً ذلك بمثابة لي ذراع باقي المكوّنات الحزبية. أما حزب "الأحرار" فنفى حديث بنكيران عن شرط أخنوش المتمثّل في عدم تواجد "الاستقلال" في الحكومة الجديدة. وأكد مصدر قيادي في "الأحرار"، ل"العربي الجديد"، أن أخنوش لم يضغط أبداً على بنكيران بشأن هذه النقطة، وإنما ألح على ضرورة أن تكون الحكومة منسجمة، ولا يتكرر ما حصل في نسختها الأولى، عندما انسحب "الاستقلال"، وكاد الأمر يؤدي إلى أزمة سياسية خطيرة في العام 2013. وأضاف القيادي في حزب "الأحرار" أن لا مشكلة لحزبه مع "الاستقلال"، ولكنه من الناحية الإجرائية والعملية جاء "الأحرار" ليعوض "الاستقلال" في الحكومة الأولى لبنكيران، وفي القطاعات الوزارية نفسها، وهو ما قد يؤدي إلى نوع من التجاذبات إذا ما شارك الحزبان معاً في الحكومة المقبلة. وتزداد الاصطفافات حدة مع إصرار بنكيران على عدم التخلي عن "الاستقلال" و"التقدم والاشتراكية"، وضرورة تواجدهما في الحكومة المرتقبة، مقابل ربط أحزاب "الاتحاد الدستوري" و"الحركة الشعبية" و"الاتحاد الاشتراكي" دخولها إلى الحكومة بموقف "الأحرار" الذي تحوّل إلى قطب الرحى في مشاورات بنكيران. أما الجهة الثالثة في هذا المشهد السياسي والحزبي المفكك في المغرب، فتتمثّل في حزب "الأصالة والمعاصرة"، الذي اختار منذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية أن يكون في المعارضة، وهو بدوره يعتبر بنكيران السبب في تأخر تشكيل الحكومة، بالنظر إلى طريقة إدارته للمشاورات، نافياً أن يكون السبب في الأزمة الحكومية الراهنة. ودعا رئيس الحكومة المكلف إلى "إلقاء الأعذار الواهية، والإسراع بتشكيل فريقه الحكومي لوضع حد لهذا التعطيل الحكومي، وهدر المال العام بخصوص البرلمان الذي ينال النواب فيه رواتبهم على الرغم من عدم إنتاجهم". وفي خضم هذه الاصطفافات الحزبية التي أفرزتها مشاورات تشكيل الحكومة، والتي أفضت إلى تأخر خروجها إلى العلن بعد ما يزيد من سبعين يوماً، تعالت أصوات تطالب بالتحكيم الملكي. لكن هذا الطرح رفضه بنكيران الذي قال إنه لن يحرج الملك بطلب تحكيمه بين مؤسسات حزبية. فيما يبقى الرهان إما على تراجع "الأحرار" عن شرطه وقبوله دخول الحكومة، أو إعلان فشل رئيس الحكومة في مهمته، وبالتالي احتمال إعادة الانتخابات التشريعية في البلاد. نقلا عن العربي الجديد