15 دقيقة من العجائب ملأى بالأحداث والغرائب كم من سيناريو مجنون حُبك ما بين الشوطين؟ لكل مباراة من مباريات إحدى الرياضات طقوسها وأجواؤها وقانونها التنظيمي، والإطار الذي تُلعب فيه وفق زمن محدد تفصله فترة أو فترات إستراحة متقطعة ومتباينة المدد الزمنية، وكرة القدم من بين أكثر الرياضات التي تعرف فاصلا واحدا طويلا للراحة وإسترجاع الأنفاس حيث يستغله المدربون واللاعبون لتمرير الأوامر وتلقي التعليمات وشحن البطاريات، في وقتٍ يكون فيه المشجعون وأطراف أخرى غارقين في أعمال وإنشغالات مختلفة. فرصة لإلتقاط الأنفاس 15 دقيقة هي المدة القانونية التي تتوسط كل مباراة لكرة القدم من 90 دقيقة لأخذ الإستراحة والتوجه إلى مستودعات الملابس لإلتقاط الأنفاس وتروية العروق وتجديد الدماء، وهي فترة مهمة جدا ولا يمكن الإستغناء عنها نظرا لكونها ضرورية لضبط العقارب أولا، ثم تهدئة الأقدام والأعصاب ثانيا، وجعل الجسد يرتاح قليلا لإستحالة إستكماله لكل فصول المباراة بنفس الإيقاع بلا توقف وما لذلك من عواقب صحية خطيرة على القلب واللياقة البدنية. فلا توجد أي رياضة فردية أو جماعية خالية من التوقفات أو فترات الإستراحة بغض النظر عن المدة الزمنية لأشواط هذه المباريات، وقد تزيد أو تنقص حسب طول اللقاء وقانون اللعبة الذي يوفر أحيانا أوقاتا إضافية للإستراحة في ثوب الأوقات المستقطعة التي تنضاف إلى فترة ما بين الجولات. وعلميا وصحيا وقانونيا ففترة الإستراحة موضوعة بالدرجة الأولى لإلتقاط الأنفاس وإراحة الجسد ثم ترويته تأهبا لإستئناف النشاط بكل قوة وإستعداد، لكن ذلك بات مصاحبا بإستغلال رياضي أساسي وضروري يتجلى في عمل المدربين الذين يشتغلون ويبدعون بالأساس في هذه الفترة الحاسمة من أي مباراة. الإستفادة الأكبر للمدربين يضع كل مدرب وإطار تقني تصوره القبلي لكل مواجهة حيث يسهر على الإعداد ورسم الخطة قبل إنطلاق صافرة البداية، وفق دراسته لفريقه وخصمه في آن واحد ورؤيته للسيناريو المحتمل أن تُجرى وتُعزف عليه أوتار النزال. بيد أن تقلبات الكرة والسيناريوهات المضادة والأحداث الخارجية التي يمكن أن تحدث في الشوط الأول تدفع المدرب إلى تدوين الملاحظات وتغيير المخططات وإعادة قراءة الذات، فلا يستطيع فعل الشيء الكثير أثناء سير المباراة غير إنتظار صافرة نهاية الجولة الأولى والتوجه إلى مستودع الملابس في فترة الراحة. هنا يبدأ عمل المدرب بعدما ينتهي عمل اللاعبين فيشرع في تبديل الأوراق وتوزيع الأوامر ونشر الأفكار، فتحدث إنقلابات أحيانا وأشياء لا يعرفها سوى من يكون في الغرفة والعلبة السوداء، فتُقلب الطاولات وتُقلب معها فصول المباريات من هزائم إلى إنتصارات هتشكوكية بفعل هذا القائد الذي يتوجب عليه إظهار مهاراته في التواصل ومؤهلاته التدريبية في ظرف زمني قصير، وكم من مدرب ينجح في كسب المعارك والتحديات الكبرى والنهائيات العظمى حينما يستفيد فقط من فترة الراحة ويحسن إستغلالها بفضل قراراته وخطاباته، ليطبق مقولة أن الشوط الأول للاعبين والثاني للمدربين. مستودعات بين الحركية والصمت حينما تمر غالبا بجوار مستودع الملابس ما بين الشوطين تتوقف عند صمت رهيب سرعان ما تكسره أصوات وصيحات تخرج عادة من أفواه المدربين، فتسمع الصراخ والتأنيب لمدربين يعبرون عن غضبهم أو تنصت إلى كلام موزون وهادئ لربان حكيم، أو قد لا تسمع شيئا لإختيار بعضهم الصمت والإكتفاء بالتوجيه القليل والإنفرادي مع الحرص على أخذ الراحة والإبقاء على التركيز. تتنوع المناهج والخطط والوصفات وتختلف معها صور مستودعات الملابس من فريق لآخر، ولكل نادٍ صغير أو كبير أجواؤه داخل هذه الحجرة العجيبة في فترة الإستراحة، والمؤكد أن الشرارة والحرارة فيها تتباين درجاتها حسب قيمة المباراة ونتيجة الشوط الأول وشخصية المدرب وأسماء النجوم ووزن اللاعبين. الصخب والنيران والحماس المصاحب بالوعظ والإندفاع مظهر طبيعي يسود غالبية مستودعات الملابس، والهدوء والكلمات القليلة الثاقبة والتركيز المتطلب للصمت سمة تحضر لدى آخرين، مع إستثناءات لحالات شجار وعراك وتكسير للمرافق في بعض الأحيان، حيث تكون فترة الإستراحة نقمة وبؤرة للتوتر وإنفلاتات عوض أن تكون نعمة ومدة للإستفادة ومراجعة الأوراق، والإستعداد الجيد لخوض الفصول الثانية من المباريات بأفضل صورة وأحسن خطة. التجارة في أوج رواجها في الوقت الذي يغلي فيه مطبخ الفريق في الأسفل ويكون فيه مستودع الحكام محاصرا أو في مأمن، تعرف المدرجات حركية كبيرة جدا وتشهد مرافق الملعب ومحلاته رواجا عاليا، وتنتعش الموجة التجارية خلال الفترة ما بين الشوطين حيث يتشابه المشهد مع سوق للتبضع أو إفتتاح مطاعم ومقاهي للأكلات الجاهزة. فعدد كبير ومهم من المتفرجين يبارحون في آن واحد مقاعدهم ويغادرون قاعة العرض مؤقتا متوجهين إلى ما يضمه الملعب من مرافق ومحلات، وهذا يحدث بتنظيم وسلاسة وإنضباط في مجتمعات الشعوب المتقدمة والملاعب الأوروبية والأمريكية، حيث تتوفر كل المتطلبات التي يحتاجها المتفرج والذي تجعله مرتاحا ومستمتعا بالمباراة التي يأتي من أجل مشاهدتها تشجيعا لفريقه وترفيها عن نفسه في جو حميمي وعائلي قبل وأثناء وبعد المواجهة. هذا الرواج التجاري والحركية الإستثنائية التي تكون في فترات الإستراحة عادة قد تكون بصورة أخرى في البلدان الإفريقية والمجتمعات المتخلفة، إذ تعرف الكثير من مدرجات بعض الملاعب إنتشارا كبيرا للباعة المتجولين طيلة مدة المباراة وليس التوقف فقط، فيغيب التنظيم وتسود العشوائية والرواج التجاري غير المنظم الذي يحول الملعب إلى سوق، الداخل إليه تائه ومفقود والخارج منه سالم ومولود، والعائد إلى مقعده متشاجر أو مسروق بعدما يفقد مكانه أو تضيع منه أغراضه. أحداث أخرى ما بين الشوطين إلى جانب الحركية الدؤوبة والنشاط الكبير الذي تشهده سواء المستودعات أو المدرجات خلال الربع ساعة أو أكثر ما بين شوطي المباريات، فإن الكثير من الأشياء تقع أثناء هذه المدة في الكواليس أو في أرضية الملعب من طرف كل المتدخلين والفاعلين في المباراة. وتختلف المظاهر من ملعب لآخر وثقافة لأخرى، فهناك من يفتح الأبواب مجانا لدخول بقية الأنصار العالقين في الأبواب وهذه الظاهرة متفشية في دول العالم الثالث، ونجد من يحاول شغل المشجعين والترفيه عنهم خلال هذه المدة خاصة في أوروبا وأمريكا بوضع مسابقات مباشرة للجمهور تتخللها فقرات موسيقية وخفة دم من أحد المنشطين، وهناك من الأنصار من لا يكترث ويغادر المدرجات بحثا عن وجبة سريعة أو مشروبات، والبعض يسهر على تأدية فرائضه وواجباته الدينية خاصة في البلدان الإسلامية، وهناك من يجلس صامتا ينتظر الشوط الثاني متجاهلا كل ما يجول من حوله، أما فوق أرضية الملعب فإمكانية مشاهدة إستعراض أحد الأطفال أو الأشخاص الموهوبين لمهاراته بالكرة وارد لتشجيعه أولا ثم عدم السقوط في الملل ثانيا، والإكتفاء بمعاينة تسخينات اللاعبين البدلاء شيء طبيعي كما هو طبيعي أن تُطلق رشاشات سقي العشب، أما التفاعل مع الوصلات الغنائية من إذاعة الملعب فيحضر بقوة بعدما تتوقف الحناجر عن الهتاف وترديد الأهازيج والأغاني الكروية. وخلاصة القول فربع ساعة من الإستراحة ما بين شوطي المباريات كافية بأن تكون عالما مفتوحا بأحداث عديدة وطرائف وعجائب كثيرة، فبدءا من مستودعات الملابس مرورا بالمدرجات ووصولا إلى مرافق الملعب، تقع أشياء ومتغيرات وسلوكات تنضاف إلى توابل المباراة لتجعل منها بحق تحفة وإجتماع مجنون لا يمكن أن توفره إلا الرياضة وتحديدا كرة القدم. شركة «نايك» تدخلت لإيقاف مذلة البرازيل ضد ألمانيا كشف كاتب برازيلي في صحيفة «غلوبو» عن تفاصيل التصريح المثير الذي أدلى به تياغو سيلفا عميد المنتخب البرازيلي بين شوطي مباراة البرازيلوألمانيا في نصف نهائي مونديال 2014. وكان سيلفا قد ثار غاضباً خلال فترة الإستراحة حين قال: «لو يعرف الناس ماذا يحدث الآن لإشمأزوا من لعبة كرة القدم». وقد كُشف فحوى هذا التصريح الملغوم بعدها حيث عُلم أنه بعد تقدم المنتخب الألماني بخماسية نظيفة في الشوط الأول، تدخلت شركة “نايك” الراعي الرسمي للمنتخب البرازيلي وطلبت من المنتخبين تسيير الشوط الثاني بإيقاع منخفض دون تسجيل عدد أهداف أكبر وإذلال المنتخب البرازيلي حفاظاً على مصالح الشركة التسويقية، حيث يعتبر السلساو أحد الوسائل التسويقية الأكثر تأثيرا في عالم كرة القدم. هذا الأمر والتدخل يبرر أيضاً الطلب الذي تقدم به هاملز مدافع المنتخب الألماني بين الشوطين بعدما دعا رفاقه إلى عدم تسجيل اهداف إضافية إحتراماً للخصم المستسلم وجماهيره. وما حدث فعلاً هو أن المنتخب الألماني تراجع في حدة أدائه في الشوط الثاني في وقت استسلم فيه المنتخب البرازيلي تماماً وكان بالإمكان تسجيل عدد أهداف تاريخي، وقد عقد إجتماع سري إتفاقي بين الشوطين حضره بعض اللاعبين من المنتخبين. ريبيري وروبن يتلاكمان وراء الستار تسببت ضربة خطأ في شجار قوي بين لاعبي بايرن ميونيخ فرانك ريبيري وأريين روبن خلال إستراحة مباراة سابقة لفريقهما ضد ريال مدريد ضمن نصف نهائي عصبة الأبطال الأوروبية. وحصل تشابك بالأيدي ولكمات خاصة من ريبيري إلى روبن في مستودع الملابس ما بين الشوطين، بسبب ضربة خطأ تقدم ريبيري من أجل تنفيذها لكن روبن إعترض فذهبت إلى طوني كروس في نهاية المطاف. وأكد المتحدث الرسمي بإسم النادي البافاري الواقعة مؤكدا أنها من الأحداث التي تبقى في غرفة تغيير الملابس، وتم تغريم ريبيري بعدها ماليا وإلزامه بالإعتذار لروبن وبقية زملائه، لتبقى مثل هذه الأشياء والوقائع قائمة في مستودعات الملابس خلال فترات الإستراحة، بغض النظر عن قيمة النادي أو طينة الأسماء والنجوم. بيليغريني: أستعمل سحر الكلمات ما بين الشوطين حول مانشستير سيتي تأخره 12 في الشوط الأول إلى فوز مثير على ضيفه بايرن ميونيخ 32 في المباراة التي جمعتهما خلال مرحلة المجموعات لعصبة الأبطال الأوروبية في الموسم الأخير. المدرب مانويل بيليغريني تحدث عن الوصفة التي جعلت فريقه يعود من بعيد ويثور في وجه العملاق البافاري مباشرة بعد فترة الإستراحة قائلا: «أول ما فكرت فيه ما بين الشوطين هو فارق الهدفين وصعوبة تحقيق الفوز، قلت للاعبين أن أمامنا 45 دقيقة لتسجيل هدفين والإنتصار وإلا سنخرج من البطولة». وتابع: «أكدت لهم أنها فرصتنا الأخيرة للإستمرار في عصبة الأبطال وطلبت منهم عدم الإستسلام لليأس وللبايرن، فأنا أستعمل عادة خطابات تحفيزية وحماسية مع إختيار دقيق لسحر الكلمات حتى أشحن اللاعبين، من الضروري جدا أن يقوم المدرب بإعادة الثقة لنفس اللاعب في مستودع الملابس خاصة في حال الإنكسار والهزيمة». رافا بيتينز يحكي سيناريو الإستراحة المجنونة هو بلا أدنى شك أفضل نهائي في تاريخ عصبة الأبطال الأوروبية وواحدة من أفضل المباريات إثارة وجنونا على مر العصور، تلك التي حول فيها ليفربول الإنجليزي هزيمته بثلاثية نظيفة في شوط أول ضد ميلان إلى إنتصار هتشكوكي بالضربات الترجيحية بعد تعديل الكفة خلال الجولة الثانية، ليرفع الريدز خامس كأس قارية من قلب إسطنبول سنة 2005. صانع الإنجاز الإسباني رافا بيتينز الذي رسم الملحمة العجيبة في أول موسم له مع ليفربول يحكي الرواية الكاملة لهذا النهائي الخرافي ويحكي عن ما جرى في مستودع الملابس ما بين الشوطين قائلا: «لقد كان عامي الأول في ليفربول ولغتي الإنجليزية كانت سيئة، رأيت فريقي متخلفا بهدفين حينما أخذت الورقة والقلم وأخذت أبحث عن بعض الكلمات بالإنجليزية لتدوينها في شكل ملاحظات، في تلك اللحظة رفعت رأسي وتفاجأت بتسجيل كريسبو للهدف الثالث، رميت الورقة أرضا لأن النتيجة إنتهت وكان من المستحيل الرجوع في المباراة». وتابع: «في الطريق إلى مستودع الملابس ما بين الشوطين لم أتوقف عن التفكير وخصوصا ماذا سأقول للاعبين، كان من الضروري أن أمرر لهم رسالة ما قوية ومؤثرة وأن لا أظهر لهم أننا إنتهينا، كان المشهد حزينا جدا داخل الغرفة فالكل طأطأ رأسه ولم ينظر أحدهم إلى الأعلى، فبدأت بالحديث مباشرة قائلا: «يا أيها الأولاد لم يعد لدينا ما نخسره، لا شيء، لم نأت إلى إسطنبول بعد كل هذا المشوار لننهزم بهذه الطريقة، أطلب منكم تسجيل هدف واحد، هدف واحد فقط وسترون بعدها كيف سنصبح، لا تنهاروا ولا تتفككوا ولا تتركوا الإحباط يهزمكم، إدفعوا إلى الأمام قليلا ولتنظروا إلى الجماهير في المدرجات كيف تشجعكم حتى وأنتم منهزمين بثلاثية، نملك الملايين من المساندين عبر العالم فلا تخذلوهم رجاءا». وواصل بينيتز الحديث عن ما جرى في مستودع الملابس مضيفا: «كنت هادئا جدا وعملت على تهدئة اللاعبين حتى يسمعوا جيدا ما أقول، وبعد كلامي غيرت الخطة التكتيكية فدفعت بجيرار للمقدمة وأغلقت الممرات في وسط الميدان، وقمت بتبديل جديد بعدما إضطررت لإجراء أول إستبدال في منتصف الشوط الأول، واجهتني العديد من الصعوبات وكنت مضطرا لتعديل كل الأمور وإصلاح جميع الأعطاب في ظرف 8 دقائق وهذه المدة التي جلسنا فيها داخل غرفة تغيير الملابس في فترة الإستراحة». وختم رافا روايته عن هذه الإستراحة المجنونة والإنقلاب التاريخي قائلا: «لن أقول بأن خطابي وتغييراتي هي التي جعلنا نعدل الكفة ونسجل 3 أهداف في الشوط الثاني ونربح بعدها الكأس بالضربات الترجيحية، لكنني قمت بعملي فقط الذي تمثل في ضرورة إقناع اللاعبين بقدرتهم على العودة في المباراة وأن المستحيل ممكن، إخترت الكلمات الواضحة وتعاملت بهدوء مع الوضعية، وآخر ما قلته للاعبين في طريق العودة إلى أرضية الميدان، سجلوا هدفا واحدا، واحدا وسنعود، والنهاية كما يقول الإنجليز كانت تاريخية». مالديني وكاراغر يرويان ما وقع في نهائي 2005 بإسطنبول لا يمكن لأي متتبع يعشق كرة القدم أن ينسى ليلة 25 من ماي 2005 والتى شهدت معجزة فوز ليفربول الإنجليزى على ميلان الإيطالي في نهائي عصبة الأبطال الأوروبية في ملعب أتاتوريك في مدينة إسطنبول التركية، حيث كان الروسونيري متقدما بعد نهاية الشوط الأول بثلاثية نظيفة لباولو مالديني وثنائية كريسبو، قبل أن ينتفض بأعجوبة الرديز في الجولة الثانية معدلا الكفة في ظرف ست دقائق، ليتم اللجوء إلى الشوطين الإضافيين ثم الضربات الترجيحية التي منحت ليفربول اللقب الخامس في تاريخه. الأسطورة والعميد السابق مالديني كشف بعض تفاصيل تلك الليلة المجنونة التي يعتبرها جمهور ليفربول أهم ليلة في تاريخ النادي، وأكد صاحب اليسرى الإستثنائية أنه كان يشعر بأنه قدم أفضل مردود فى مسيرته أثناء تلك الأمسية خصوصا فى الشوط الأول الذي سجل فيه هدفا ساهم به في ثلاثية فريقه، وحكى كيف كان يستمع نجوم ميلان لأهازيج الجماهير ويرقصون ويحتفلون في مستودع الملابس إحتفالا مسبقا باللقب، لكن كارلو أنشيلوتى إنفعل حينها بصوت عالٍ وألزم اللاعبين بالصمت لمدة خمسة دقائق كاملة وأمرهم بالتوقف عن الإحتفال والحديث. مالديني أكد بأنه لم ينم بعد اللقاء طوال ثلاثة أشهر وشعر بأن مسيرته الكروية إنتهت، ولم يستفق من الصدمة الكروية سوى بالإنتصار على ليفربول في نهائي ماي 2007 بأثينا، حينما ثأر الروسونيري للهزيمة النكراء قبل سنتين محرزا اللقب الأوروبي السابع. أما جيمي كاراغر نجم ليفربول السابق تحدث عن موقف الريدز في غرفة خلع ملابس الفريق ما بين الشوطين مشيرا أن المدرب رافا بيتينز كان هادئا وأمر اللاعبين بالتحدي وعدم اليأس، وأجرى تغييرا مفاجئا في التشكيلة وأمر العميد جيرار بالتقدم للأمام وترك المهمة الدفاعية لهامان وألونسو، لينطلق الإندفاع الأحمر بشراهة ويحدث السيناريو العجيب والأسطوري. يحدث في إفريقيا إجتماعات وتهديدات ورشاوى مستعجلة لأنها إفريقيا ولأنها أرضية لكل ما هو ممكن وقابل للشراء، فإن الدقائق التي تفصل الأشواط الأولى بالثانية في المباريات تكون حبلى بالأحداث والفصول العجيبة البعيدة عن كل ما هو أخلاقي ورياضي ونزيه. فكم هائل من المباريات التي تُجرى من شمال القارة إلى جنوبها تُطبخ سيناريوهات جولاتها الثانية بعيدا عن الأنظار وفي غرف التبديل ومستودعات اللاعبين والحكام، وكم من تلاعب وفساد إشترك فيه القاضي بالمدرب والمسؤول واللاعب. فعقلية المسيرين تدفعهم إلى إرشاء الحكام طلبا لتغيير النتيجة أو خدمة مصالح هذا الفريق أو ذاك، وإجتماعات على السريع تُعقد في المسالك المؤدية إلى المستودعات أو أرضية الملعب مقابل شيكات ورشاوى متباينة الأصفار بعد الأرقام، والقصص كثيرة ومتعددة يتدخل فيها أكثر من طرف ومن أصغر مسؤول إلى أكبرهم، كما وقع سابقا مع وزير رياضة إيفواري مع حكم زامبي في لقاء أسيك أبيدجان والصفاقسي التونسي، حيث نزل الوزير شخصيا إلى الحكم ما بين الشوطين وإجتمع به لتتغير بعدها النتيجة في الشوط الثاني لصالح الفريق الإيفواري. هذا مثال واحد فقط لمئات الحالات التي تحدث في أكبر التظاهرات والمنافسات الإقليمية والقارية خلال منتصف المباريات والظروف الطارئة والمستعجلة، ولا يمكن حصر إفريقيا فقط في كل ما هو لا أخلاقي وغير نزيه بل الفساد منتشر في جميع بقاع العالم وحتى داخل الجهاز الأول الوصي على اللعبة الذي ثبت تدخله سابقا في نتائج بعض اللقاءات، والربع ساعة القليلة والسريعة التي وُضعت للإستراحة يتربص بها البعض للتهديد والوعيد والإرشاء في كواليس العجب بعيدا عن الأعين وعدسات الكاميرا. ماذا يتناول اللاعبون في فترة الإستراحة؟ مما لا شك فيه أن فترة ما بين الشوطين هي فرصة للراحة وإلتقاط الأنفاس وتلقي التعليمات، كما أنها مدة زمنية كافية للتزود الجسماني بتغذية خاصة ودقيقة تُمنح للاعبين قبل إستئناف اللعب في الجولة الثانية. فالركض الطويل والجهد العضلي والتعرق يجعل الجسم يفرز الكثير من الطاقة والمعادن والماء، والتي وجب تعويضها في فترة الإستراحة وإلا فمن المستحيل إستكمال النشاط بنفس الإيقاع والحيوية والتركيز. ويركز الأطباء والأخصائيون في التغذية والطب الرياضي على أن يأخذ اللاعب ما بين الشوطين السوائل التي تتوفر على الكاربوهيدرات والبروتين والصوديوم، الزنك، المنغنسيوم، لخلافة ما تم إفرازه ومنح جرعات من الطاقة والقوة والتركيز خصوصا في اللحظات الأخيرة من المباريات. وعادة يتناول اللاعبون وجبات غذائية قبل المباريات لكنها قد تكون ضعيفة وتؤثر على مردود اللاعب، وبالتالي ففترة ما بين الشوطين بالغة الأهمية للتعويض بشرب السوائل وتناول الفواكه وبعض الأطعمة والحلويات، وقد أكد العديد من العلماء بناء على دراسات وبحوث أن زمن شرب الماء أو العصير فقط خلال فترة الإستراحة ولى وأن الموضوع أصبح علميا ومنظما. الصينيون خلقوا الإستثناء بنصف ساعة راحة أثارت الجامعة الصينية لكرة القدم سابقا الكثير من الإنتقاذات خاصة من (الفيفا) بعدما قرر تمديد فترة الإستراحة في مباريات الدورات الأخيرة من البطولة الصينية إلى نصف ساعة عوض 15 دقيقة. المسؤولون الصينيون وضعوا 30 دقيقة بين الشوطين مع تحديد إنطلاق الأشواط الثانية من جميع المباريات في التوقيت ذاته، لمنع الحكام واللاعبين من التلاعب بنتائج اللقاءات في ظل الفساد الذي إنتشر بقوة في أوساط الكرة سابقا. وهزت فضائح التلاعب الكرة الصينية مما جعل تمديد الإستراحة إلى نصف ساعة لإستثناء إحترازي، لكن ذلك لم يعجب المدربين واللاعبين الصينيين كما أن (الفيفا) إعتبره إغتصابا للقوانين ولا يحق لأي كان أن يخترق الأنظمة والأعراف المعمول بها.