إحتراف الغش بماذا يجب أن نقيس بطولتنا الوطنية لنعرف بأي درجة إرتقت في سلم الفرجة وبماذا أفادها الإحتراف وهي تنهي السنة الثانية في جلبابه؟ بالإحتكام إلى الأرقام وإلى القياسات أو بعقد مقارنات على السريع مع بطولات قارية من محيطنا الصغير أو بالإستناد إلى ما هو عاطفي كما هو حالنا كلما أردنا أن نقايس أنفسنا مع الآخرين من أبناء عمومتنا؟ الذي شاهد عن بعد البطولة الوطنية في مواسم خلت وانقطع عن مشاهدتها لسنوات ثم عاد إلى مشاهدة بطولة الموسم المنقضي سيتوصل حتما إلى أن لا شيء تغير في مبنى وعمق وجمالية الأداء، أكثر منه سيقول لنا حقيقة تبدو جارحة وهي أن البطولة المغربية ليست حاملة في الأصل لهوية تتمايز بها في محيطها الصغير، فأن تفوز الرجاء باللقب فهذا دليل على سيطرة الأندية التقليدية على ألقاب البطولة من دون حاجة إلى الأخذ بما تنجزه بين الحين والآخر أندية بقيمة المغرب التطواني، وأن تتوج الرجاء باللقب في ظل منافسة تقليدية خالصة مع الجيش الملكي دليل قاطع على أن البطولة الوطنية برغم دخولها عهد الإحتراف لا تحمل في تجاويفها ثورة نمطية هي من أصل التجديد والإبتكار، ثورة تساعد على خلق أقطاب جدد ونخب جديدة وقاعدة أكثر إتساعا لهرم المنافسة، ومن يشاهد هذه البطولة مجردا من الإنطباعات سيقول أن الإحتراف لم ينحث البطولة الوطنية بالشكل الذي يساعدها على مقاومة عوامل التعرية. الخلاصة المنطقية أن الإحتراف الذي نظنه عصا سحرية يمكن أن تشق الأرض وتثير الفرح وتأتي بالحصاد الجميل لا يمكن أن يكون إلا نظام معاملات يتجاوز بنا قليلا مظاهر الهواية في التدبير ويقترح مناخا ملائما للعمل لا بد أن تحترم فيه الإختصاصات لكي يرتقي بنا إلى ما هو أفضل، هذا الإحتراف هو منهج عمل ونمط حياة إما أن ندخله كاملا أو نتركه كاملا لأنه لا يقبل أن يؤخذ بعضه، وعندما نجد أن الجامعة نزولا عند إكراه أكثر منه تلبية لحاجة موضوعية قد قررت دخول الإحتراف بشكل سلس لا ترهيب ولا لي للأذرع فيه بالنظر إلى أنها تسامحت كثيرا مع مواثيق هذا الإحتراف، فإنه من غير الطبيعي أن ننتظر حدوث المعجزات، أن ترتفع البطولة الوطنية إلى مرتبة البطولات المثيرة للإعجاب، المحفزة على المشاهدة والمذرة للدخل الكبير لمجرد أنها تركت جلباب الهواية المهترئ ولبست جلباب الإحتراف الفضفاض. قطعا لا يمكن أن نعتد بما زاد في مداخيل الأندية ولا ما شجعها على التنافس في أسواق الإنتدابات التي هي صورة من حجمها ولا أن نحتكم فقط لخروج اللاعبين من فترة إستعباد طويلة لنقول أن الإحتراف غير في بطولتنا الشيء الكثير العوائد والتقاليد والطباع، هناك بالتأكيد طريق طويلة لا بد أن نمشيها بصبر أيوب متحملين مشاق ووعتاء السفر ومصرين على كسر الجدارات المانعة التي أقامها المناهضون للتغيير لكي نقول بأن بطولتنا بدأت بالفعل مسيرتها لربح رهان التغيير. في بطولة لا وجود لمراكز التكوين داخل أنديتها ولا وجود لتوازنات إقتصادية، في بطولة لا تحتكم في التدبير لمقاربات حديثة وأساليب مستحدثة يكون من الصعب القول بأن الإحتراف قد غير فيها الشيء الكثير. .......................................................... لن أستبق الأحداث وأصدر حكما قيميا ورياضيا في حق ما يصطلح عليه اليوم بقضية التلاعب في مباراة النادي القنيطري ورجاء بني ملال عن الدورة 29 من البطولة الإحترافية ما دام أن القضاء يتقصى في ما هو جنحي وما دامت الجامعة صاحبة الوصاية تتابع القضية في إطارها الرياضي الصرف لتقرر بشأنه ما يقترحه القانون من قرارات إنضباطية، ولكنني أقف عند الظاهرة بكل حمولاتها السلبية وبكل إنعكاساتها وتداعياتها الفضائحية لأسأل عن هذا الذي منعنا زمنا طويلا من وضع أجهزة وقائية، لا تمنع مثل هذه الظواهر المحاربة على أكثر من صعيد في العالم من أن تتفشى في مشهدنا الكروي، لأنه ما من شيء يقول أنها غير موجودة، ولكن للحيلولة دون إستشرائها، فمن يريد بطولة إحترافية نظيفة ومنتجة تتكافأ فيها الفرص ويتنزه فيها التنافس عن كل محاولة غش لا بد وأن يتحصن فعلا وليس قولا. لا أستطيع كغيري أن أقيم الدليل المادي على وجود حالات غش وبيع وشراء في الذمم ولكنني لا أستطيع الجزم بعدم وجود مثل هذه المسلكيات في مشهدنا الكروي، فقد جرى التلميح بل والتصريح على أنه كانت هناك بين الحين والحين محاولات لشراء ذمم لاعبين وتوافقات بين مسيرين لتمرير نتيجة وشروع في البيع إلا أن الجامعة أصرت على أن تتعامل مع المادي وليس مع المحسوس، مع المكتوب والمشفوع بالقرائن وليس المكتوب القائم على تنبؤات. مؤكد أن ما يتابع به رئيس النادي القنيطري وحارس مرماه ولاعبون من رجاء بني ملال من جنح بموجب شكاية مقدمة من إدارة رجاء بني ملال ستكون لنتائجه القضائية تداعيات رياضية وأخلاقية، فإن أثبث القضاء وجود حالة رشى فإنه سيذهب إلى حد النطق بأحكام سجنية سالبة للحرية، وإن تأكد للجامعة أن هناك تلاعبا قضت بأحكام إنضباطية قد يكون منها إنزال النادي القنيطري إلى القسم الثاني والإبقاء على رجاء بني ملال، وفوق هذا وذاك ينبئنا ظاهر هذه القضية على أن هناك زلزالا قويا يضرب كرة القدم الوطنية ويهدد مشروع الإحتراف بالدمار إن لم تكن الجامعة متيقظة وحازمة في الضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه الخروج عن النص الأخلاقي واحتراف الغش.