هل سرقوا الدولة؟ ذات وقت والبطولة الإحترافية في مرحلة الحبو تطلعنا على تضاريسها الأولى وتؤسس لهويتها، إستعار البعض كل مرادفات الإستهجان والتقديح للقول بأن ما نعيشه هو إحتراف كاذب، مخاض وهمي وسفر غير مرخص في الخيال، لأن البطولة التي قيل أنها لبست ثوب الإحتراف ما زالت هي هي، قاصرة، ضعيفة المنتوج وفاقدة لكل قدرة على إغراء الجماهير بالتوافد على الملاعب. وقلت يومها أن في أحكام القيمة هاته ظلما ترمى به البطولة الإحترافية ونرمي به أنفسنا، وقد نندم ذات وقت على أننا عمدنا بأنفسنا إلى وأد الأحلام فقط لأننا لم نحترم منطق التغيير الذي يحتاج إلى دورة زمنية كاملة.. كان الدخول فعليا إلى الزمن الإحترافي إعلانا عن وجود حالة من الإنقلاب النوعي، حالة من الثورة النمطية على منهج ونظام الهواية، وإن كنا بذلك قد إستعضنا عن فصول قانونية هاوية بأخرى إحترافية، إن كنا قد ألزمنا الأندية بدفتر تحملات وإن كنا قد حررنا اللاعبين من قيود الإحتكار وفرضنا العقود كشريعة، فإننا لم نضمن في الإنتقال الإحترافي سوى عنصره القانوني أما النواة الصلبة لهذا الإنتقال فتوجد حتما في العقليات ولتغيير العقليات لا بد من وقت نقضيه وقد ربطنا على أنفسنا إلى أن يأتي جيل جديد يستطيع أن يتمثل فكريا كل ما يقوم عليه الإحتراف من شفافية وديمقراطية ونزاهة فكرية وقدرة على الخلق والإبتكار.. وبرغم كل الوجع، وجع الإستعصاء في تأمين هذا الإنتقال، إلا أنه بالإمكان أن نلحظ اليوم هامش التطور الذي يحدث داخل البطولة الإحترافية، فقد أصبحنا نشاهد أسبوعا بعد آخر عددا من المباريات التي إن طابقناها مع إمكاناتنا ومع قدراتنا ومع طفولة إحترافنا قلنا عنها إنها مباريات بمضامين تكتيكية جيدة، والدليل على ذلك أن جغرافية التنافس على أول لقب إحترافي تشهد حضور أندية ما كان لها لأن تكون حيث هي، إلا لأنها تدبرت في مرحلة سابقة هذا الإنتقال الإحترافي بشكل ذكي والمقصود هنا أندية الفتح، المغرب التطواني والمغرب الفاسي. وتستطيع البطولة الإحترافية وقد بلغت اليوم مرحلة الإياب أن تقدم الدليل على أن مرحلة الجني المبكر قد بدأت، فهناك مباريات يمكن أن تصبح وحدة للقياس وأكثر منه أن تصبح دليلا نقيمه للقول بأن البطولة بدأت تجني ثمار الإحترافية، ما يشجع على مواصلة العمل الثوري والتطهيري الذي يبيد ما بقي من صور مشينة موروثة عن هواية مهترئة ويستأصل ما ينبث في الهوامش من ظواهر سيئة.. ويكون لزاما ونحن ندخل الثلث الأخير من أول بطولة إحترافية أن تتشدد الجامعة بأجهزة ذات مصداقية وعلى قدر من الإستقلالية وبآليات ضبط صارمة في تعقب المسير الإحترافي، فلا تترك ذرة شك تعكر صفو مصداقية هذه البطولة وأكثر من ذلك تواصل بكل أمانة وصدقية عملية بناء المنظومة الإحترافية بإرساء قواعد شفافة للدعم المادي الذي ينطلق من الجامعة والذي يخرج من النفوذ الجغرافي الذي تتواجد به الأندية وبإعمال كل الصرامة في الضبط وفي المراقبة.. إن المشروع الإحترافي هو من صميم الرهان الرياضي الحالي، لذلك وجب أن تتعبأ كل القوى من أجل إنجاحه في أماد زمنية معقولة وبتطابق كامل مع خصوصياتنا وعدم تخصيصه بكرة القدم، ما دام أن رياضة النخبة التي تنتج أبطالا من المستوى العالي لن تنجح ما لم تنحز للخيار الإحترافي. ----------------- أثار النشر المفصل عبر لوائح طويلة وعريضة للمستفيدين من مأذونيات النقل الطرقي« الكريمات» إعمالا لمبدإ الشفافية الذي يفرضه الخيار الديمقراطي الذي هو من صلب مشروعنا المجتمعي الجديد جدلا كبيرا إقترب كثيره من اللغط الذي يقوم على التهييج والتهجين.. لم يكن من البدعة أن تنشر هذه اللوائح ولا أن أن يحصي كل صنف من إستفادوا منهم من هذه المأذونيات ، ولكن الجهالة التي يرمى بها المغاربة اليوم هو أن يصنف الأبطال الرياضيون تحديدا بسارقي الدولة وبالمستفيدين من أموال غير مشروعة. أصابتني الحسرة من الصورة التي ثم بها الترويج في كثير من المواقع للمستفيدين من هذه المأذونيات، ولست أدرى من أفتى عليهم بإدخال هؤلاء في صنف «المختلسين للمال العام» و«المستفيدين من أموال غير شرعية» وما إلى ذلك من تهم باطلة أسقطت عليهم بغير وجه حق.. ولو نحن وافقنا على أن في النشر المفصل لهذه اللوائح ما يدحض كثيرا من الشائعات التي تم الترويج لها سابقا وأيضا ما يضفي على المشهد نوعا من الصدقية والشفافية فإننا في مقابل ذلك نقول أن من نال من الرياضيين هذه المأذونيات، إنما نالوها لغياب أي شكل من أشكال المكافأة العينية، فكثير من هؤلاء الأبطال كانوا مصدرا لسعادة المغاربة في حقب ماضية أهدوهم فرحا ولحظات حبور وأعلوا شأنهم عالميا وهم يعتلون منصات التتويج في بطولات عالمية.. قد نختلف على درجة الإستحقاق وقد نتفق على أن الأمر بات بحاجة إلى مقاربة جديدة ولكننا لن نختلف على أن هؤلاء لم يسرقوا الدولة ولم يتحصلوا على أموال بطريقة غير شرعية.. -------------------- كنت دائما أصر على أن الشغب الذي تعرفه ملاعبنا بين وقت وآخر له خصوصيته، وهذه الخصوصية تفرض مقاربة من نوع آخر، قد يحضر فيها الردع وقد يحضر فيها التحسيس والتوعية وقد يحضر فيها الزجر بالقانون، ولكن لن تنجح المقاربة ما لم تستحضر هذه الخصوصية.. مثلا ما الذي يجعل أحداث الشغب تندلع في مدرجات مركب محمد الخامس بالدارالبيضاء يوم الأحد الماضي في مباراة الرجاء وحسنية أكادير، مع أن الرجاء فاز ومع أن من حضر من جماهير الحسنية لم يتحرش أبدًا بجماهير النسور الخضر؟ عندما يتناحر مناصرو الفريق الواحد بشكل يثير الدهشة لأسباب واهية ونسمع عن حوادث للسرقة الموصوفة بإشهار السلاح الأبيض، فهذا يعني شيئا واحدا، هو أن مدرجات المركب أصبح يغزوها فكر إجرامي منظم لا علاقة له أبدًا بالمسببات الرياضية لاندلاع أي أعمال شغب.. وعندما يتجاوز بعض المحسوبين على جمهور النادي القنيطري كل الحدود في إشاعة الرعب في الطريق التي عادوا منها إلى القنيطرة، فهذا يؤكد أن ما يحرض على الشغب أسباب ليس لها أي طابع رياضي، فليست الهزيمة هي التي تحرض عليه وليس التسيير السيء هو الباعث عليه، إنما هناك أنفس مريضة تتهور فتصيب المشهد الكروي كله بوباء قاتل.. أرجو أن يتعمق البحث وتنضج المقاربات لتجد كرة القدم المغربية وسائل ردع وتحسيس تقوى على مواجهة هذا الشغب الفتاك..