الإحتراف.. بأي ثمن؟ الإحتراف الذي كان لنا رهانا قديما، تحول ذات وقت من حلم إلى وهم بسبب ما كان يطبع التفكير فيه من إنسداد ومن تطرف لدرجة ربطه تعسفيا بالإمكانات المادية وكأن لا إحتراف إلا مع وجود المادة... هذا الإحتراف أصبح اليوم إكراها وإلزاما.. فالإتحاد الدولي لكرة القدم بات يخيرنا بين أن نكون محترفين (أي أن تكون لنا بطولة إحترافية) أو نكون هواة، إن تقمصنا دور الهواية قبلنا لزاما أن لا تكون لأنديتنا رخص إحترافية تؤهلهم للمشاركة في المنافسات القارية، وقبلنا ولو على مضض أن لا تنافس بلادنا على أي من البطولات العالمية التي تنظمها الفيفا وقد نكره ذات وقت على أن لا يتنافس منتخبا الوطني على مقعد بكأس العالم، إن أصبح السباق يوما حكرا على الدول التي توجد بها بطولات إحترافية وبها نظام إحترافي.. وللأمانة فالمكاتب الفيدرالية المتعاقبة على جامعة كرة القدم وضعت إختياريا الإحتراف ضمن إستراتيجياتها وقد فرض بعضها مرحلة إنتقالية كلفتنا العديد من السنوات لمجرد أننا لم نتوافق أولا على الطريقة التي سنتأهل بها قانونيا وإداريا وتنظيميا للإحتراف وثانيا على طبيعة الإحتراف نفسه، هل نسقطه على القاعدة من القمة؟ أم نصعد به من القاعدة للقمة؟ وما تنبهنا إلى أن ما اختلفنا فيه وهو للأسف لم يكن بالبداهات التي يقوم عليها الإحتراف أهدر لنا وقتا طويلا إلا حين نزلت الفيفا بالعديد من المطارق التي هي من صميم عولمة كرة القدم، فإما أن تكون قادرا على الإنخراط في ثوابت هذه العولمة فتخضع لكل الأحكام التي جرى تعميمها وإما أن تصبح مفردا من عالم محكوم بصيغة الجمع، كان هناك قانون للاعب يُسقط إلى الأبد جدار الوصاية الدائمة والتبعية الأبدية للاعبين لأنديتهم ويضع إطارات تعاقدية مقننة، وكان هناك قانون تأديبي يضع ضوابط إحترافية للعلاقات ويحدد عقوبات متفاوتة بحسب درجة الخرق، وهناك قانون آخر مازلنا نتثاءب في إخراجه لحيز الوجود وهو المرتبط بالأطر التقنية على إختلاف تخصصاتها ودرجاتها، وإذا ما أضفنا لهذه الأضلاع التنظيمية، ضلعا آخر متعلقا بعولمة نظام الإنتقالات والذي قصدت الفيفا منه رأب صدع قانوني قوي كان يعطل الكثير من المصالح، فإننا سنقف على ثوابت أساسية في منظومة أي عمل إحترافي كما يتصورها الإتحاد الدولي لكرة القدم... ماذا يبقى بعد كل هذا؟ أن تستقبل الأندية التي هي قاعدة كل ممارسة هذه الإشارات وتوظفها بالكامل في تدبيرها لبيتها، فإما أن تنجح في ذلك وتكون أهلا لحمل رخصة تخول لها لعب بطولة إحترافية وإما أن تخفق بدرجات، وبحسب درجة الإخفاق تقاس المسافة الفاصلة عن الإحتراف.. وما عكفت عليه الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم منذ قدوم رئيسها الجديد السيد علي الفاسي الفهري الذي شدد في رسم خارطة عمل المكتب الجامعي على محطة الإحتراف... هو أن تطابق لزوميات الإحتراف المتعارف عليها دوليا مع واقعنا الكروي، وهو ما جاءنا في صورة دفتر تحملات، أخذت الجامعة بشأنه رأي الأندية الوطنية وحددت مهلة زمنية للإستجابة لمختلف بنوده.. وإذا ما نحن تجاوزنا الإطار التنظيمي الذي يفرض وجود حدود دنيا في تدبير الأندية لشأنها الإداري والتقني واللوجستيكي بتقديم ضمانات عينية، فإن الحلقة الأقوى في مسلسل تأهيل الأندية للحصول على الرخصة الإحترافية هي ما يقول دفتر التحملات بوجوب توفره للفريق، موازنة مالية لا تقل عن 9 ملايين درهم، وهي موازنة لا تعتد بالمنح التي تحصل عليها الأندية من الجامعة في صورة حقوق مستحقة من عائدات النقل التلفزي وفي صورة حوافز ومكافآت، ما يعني أنها موازنة مشكلة من منح السلطات العمومية ومن عائدات التسويق والإستشهار مثبتة في عقود تسري على الموسم الكروي القادم... وإذا ما كانت اللجنة التي عينتها الجامعة والمنصوص عليها في لوائح الفيفا والمخول لها إفتحاص ملفات الأندية لمنحها الرخصة المخولة لدخول البطولة الإحترافية، قد سجلت طبقا للمعايير الموضوعة ملاحظات من درجات مختلفة على كل الأندية، فإن أهم وأقوى ملاحظة تحجب عن أي فريق هاته الرخصة هي ما يرتبط بالبند المتعلق بالموازنة المالية الخالصة والتي لا تقل عن 9 مليون درهم، وعندما تقرر الجامعة إرجاء موعد تسليم الرخص الإحترافية للأندية إلى غاية 4 يوليوز القادم، فلأن الأندية التي تسري عليها هذه الملاحظة الجوهرية طلبت مهلة زمنية لتقديم تعهدات جديدة.. وأعتقد أن الأمر ونحن بصدد قراءة عميقة لمضامين مشروع الدستور الجديد يحتاج فعلا إلى وقفة موجبة لسؤال هو من صميم المواطنة.. إذا كانت الأندية التي لا تستجيب في دفتر التحملات للنقطة المتعلقة بضمان وجود موازنة منصوص عليها بقيمة 9 مليون درهم، فهل هذا ذنبها لوحدها؟ أم أنه ذنب مَن عمل على توزيع المال العام الذي يأتي من بعض المؤسسات شبه العمومية ففضل فريقا على آخر بدون وجه حق؟ ثم إذا كان مشروع الدستور الجديد الذي نباركه كمغاربة لأنه يؤسس لنموذج ديمقراطي وحداثي ومؤسساتي متميز ينص في فصله 26 على أن تدعم الجهات العمومية الرياضة وتنهض بها وتسعى إلى تطويرها وتنظيمها بشكل يضمن إستقلاليتها ودمقرطة تدبيرها، فهل ستجد الأندية الواقعة تحت «الحظر» الإحترافي في السلطات العمومية في مستواها الجهوي ما يضمن لها هذا السقف المالي للحصول على الرخصة الإحترافية؟ من لزوميات المرحلة أن تمر كرة القدم المغربية إلى الإحتراف.. الإحتراف المتطابق والمندمج، ومن فرضيات المرحلة أيضا أن يكون مرورنا إلى الإحتراف سلسا ومرنا لا يُشهر سيف الإقصاء فيعاقب أندية بحرمانها من الرخصة الإحترافية لذنب لم ترتكبه..