لم أكن مندفعا منذ الوهلة الأولى التي أطل فيها القناص أيوب الكعبي بأهدافه الثلاثة في المباراة الأولى من بطولة إفريقيا للمحليين أمام موريتانيا، ولم أندفع أكثر للحديث عن الرجل والنجم الواعد في المباراة الثانية أمام غينيا لأنه سجل هدفين من الطراز العالي، ولكني إندفعت هنا لجاذبية هذا الفنان الذي افتقدناه لسنين طويلة في البطولة الوطنية أو ما يسمى بالبطولة الإحترافية لأنه أصلا غير مولود في هذه البطولة من بدايتها الأولى, وأيوب الكعبي «ما شاء الله» فاجأني ليس فقط مع النهضة البركانية لأنه سجل أهدافا بمثل التقنية الرائعة، ولكنه منبث بيضاوي لم تسرقه لا الرجاء ولا الوداد من فم نادي الراسينغ الصاعد بأنموذج هداف من الطراز العالي ولم تنجبه حتى أكاديمية محمد السادس. وأيوب الموهبة التي فتتناها من كل جانب غير موجود مثله في سجل هدافي البطولة لسنوات ولو أن عبد الرزاق حمد الله كان له طعمه الخاص بأسفي وله طعمه المؤقت بالفريق الوطني، ولكنه قتل أحلامه بالخليج، وأيوب الذي شكل الإستثناء في نظري اليوم كهداف حطم الرقم القياسي ل "الشان" بتوقيعه ستة أهداف دونما النظر فيما سيفعله في نصف النهائي وربما حتى النهائي الذي يحلم به المغاربة، راقني هيكله العام على مستوى اللياقة البدنية العالية والسرعة المطلقة في المتابعة ورصد البناءات مع تخويف كل الخصوم التي واجهها بنفس الهالة والصراع في كل المواقع الخطيرة، مؤكدا في نظري العلامة المميزة في هذه البطولة التي أبرقت بصحوة الكرة المغربية بوصولها إلى نصف النهائي رغم أن هناك الكثير من علامات الإستفهام المحاطة بالرصيد النقني الهش لبعض العناصر والعشوائية المفرطة في التمرير والأخطاء الساذجة دفاعا وهجوما وحتى في بعض المناسبات على صعيد الوسط، إلا أن هذه الرؤيا العامة للفريق الوطني لا يمكن الحديث عنها إجمالا في هذا العمود لأنه مخصص لكعب غزال الكرة المغربي وولادة هداف من الطراز الرفيع، وأيوب الكعبي الذي خرج من عرين نهضة بركان بأقوى وأروع الأهداف رغم قلتها في البناءات وليس من ضربات الجزاء لبقية هدافي البطولة، ما يعني أن أيوب وقع على شهادة الميلاد العلنية من الدارالبيضاء مع الراسينغ وحولها إلى بركان ليستمع أهلها بحلاوة الكعبي. وأقولها بصراحة لم يجد زمن الألفية الثالثة بهذه النوعية من الهدافين الذين عرفهم تاريخ الكرة الوطنية من آخر العناقيد المختصة كقناصة من طينة الغريسي وأنفلوس قبل دخول الأفية الثالثة، ولو أني كنت متفائلا بالقناص الجديدي ناناح قبل ثلاث سنوات ولكن حسه التهديفي إختفى لأسباب غير معروفة، ولكن بعدها لم تمهد البطولة بأي صناعة خاصة لرجل القرار الهجومي المفترض أن يكون هو هداف المنتخب الوطني الذي نبحث عنه دائما في أي بطولة أوروبي، وأيوب ولد منذ أربعة أعوام بالأقسام الدنيا وتحول بسرعة البرق والكشافة إلى نجم يحرق المسارات بسرعة النجم الذي يريد أن يكون هو رونالدو أو أغويرو أو هيغواين في منظوري الخاص وليس في منظور أيوب الكعبي، ولذلك أقول أن هذا النجم هو الذي يبحث عنه رونار بالضبط من البطولة ولو أن كشكول بوطيب وبوهدوز وعليوي هم أيضا من طينة عالية، ولكن الكعبي له ميزات كبيرة وخصائص تقنية من المستوى العالي، ولو كان مع ميسي أكيد سيكون هو سواريز الثاني ولو كان مع مودريش وكروس لكان هو رونالدو المغربي ولكنه أصلا الكعبي المغربي. وعندما تحلل أهداف هذا الرجل تجد فيه رائحة كريمو في التموضع الحاسم والنداء المستجاب، وفيه بريق من أحمد فرس باليسرى الذهبية ويتفاعل مع الأهداف بكل الأنماط التقنية رجلا ورأسا وصناعة أيضا، وهذا الشكل من الهدافين القلائل هم من تبحث عنهم الأندية العالمية في عز الولادة كإسبانيا التي تتحدث نفس اللغة الإسبانية بأمريكا اللاتينية، ولذلك نرى في الكعبي هذا التوهج اللاتيني من مهارة مغربية، ونرى فيه الأحلى لو اختار أوروبا على الخليج وسأكون ضده إن قتل أحلامه بالخليج العربي لأنه سيكون مع صناع اللعب والكعبي كما قلت بحاجة إلى أجنحة طيارة وصانعة للتمريرات، وبحاجة إلى أدمغة فنانة بالوسط البنائي ليكون هداف كل الأزمنة وعليه أن يقرأ ما قلته دون أن يغتر مطلقا، لأنه كما جرت العادة عندما تتحدث عن ولادة نجم ما في وقت قياسي قصير تموت موهبته ويموت نبضه ويختفي لدرجة الغرور (والقصارة والسهر والشيشا وووو)، وأعتقد أن ما أظهره الكعبي اليوم هو ولادة سيدة لمولودها الجميل سميناه كعب غزال من بطولة ضعيفة محتوى الولادات من المستوى العالي، وعندما يكون الكعبي مع زياش وبوصوفة ودرار وأمرابط ستتمتعون بأهدافه أكثر من اليوم لأن الكعبي بحاجة إلى صناع اللعب الذين تفتقدهم الأندية الوطنية، ولو احترف سيحمل نفس المشعل مع النادي الذي سيختاره بأوروبا وليس بالخليج، لأن مآسي الكرة المغربية منذ 18 سنة من دخول الألفية الثالثة لم تفرز هدافا من الطراز الرفيع، وأملي أن يكون الكعبي من هذه الطينة. وصدق من قال: الغرور هو المسكن الذي يخدر ألم الغباء.