الآن وقد زال عنا التشنج وتحررنا نسبيا من كدمة الحسرة على ضياع نقطتين على الفريق الوطني في مواجهة الإياب لنسور مالي بباماكو، كيف يمكن أن نقرأ حظوظ الفريق الوطني لبلوغ نهائيات كأس العالم على بعد جولتين فقط من نهاية السباق التصفوي المثير والمشحون؟ وهل حجب ضياع العلامة الكاملة من أسود الأطلس في مواجتهم المزدوجة لنسور مالي، شمس التأهل عنهم؟ وكيف يمكن أن نتدبر ما بقي من مسير؟ لنتفق جميعا على أن الفريق الوطني فوت على نفسه فرصة القبض على صدارة المجموعة الثانية وسقوط فيلة كوت ديفوار بأبيدجان أمام فهود الغابون بعد أربعة أيام فقط على تلقي الفهود لهزيمة مروعة بليبروفيل، رتب كل الظروف لكي تنقلب خارطة التنافس في المجموعة رأسا على عقب، فما كان ظاهرا ومنطقيا، في صورة ما شاهدناه خلال الفوز هنا بسداسية على نسور مالي وخلال مواجهة الإياب بباماكو، هو أن الفريق الوطني تحصل على فرصة العمر ليكون هو الماسك بناصية المجموعة، يديرها بالشكل الذي يخدم مصالحه ويختصر عليه الطريق نحو روسيا. إلا أنه في مقابل ذلك، لا يمكن القول على أن النقاط الأربع التي تحصل عليها الأسود من المباراتين أمام مالي غير ذات قيمة، أو أنها تلزم الفريق الوطني بالخيار الصعب أو الإنتحاري والمتمثل في إسقاط الفيلة بعرينهم، بعد الفوز طبعا هنا بالمغرب شهر أكتوبر القادم على فهود الغابون التي أماتها السقوط بالثلاثية أمام الفيلة بليبروفيل وأحياها بعد ذلك بأربعة أيام الفوز الأنطولوجي على نفس الخصم وهذه المرة بالأرض المحظورة أبيدجان. لا يمكن التنقيص بأي حال من الأحوال مما أنجزه الفريق الوطني في مباراتيه أمام مالي، فقد كان بلغة الأرقام الأجود بين المنتخبات الأربعة المشكلة للمجموعة، صحيح أنه لم يقبض على الصدارة، إلا أنه قلص الفارق بينه وبين كوت ديفوار إلى نقطة واحدة، ليس هذا فقط ولكنه أيضا إنفرد بمركز ثان كان يتقاسمه مع الغابون، وابتعد بأربع نقاط عن نسور مالي، ومن تلقاء ذلك باتت الصورة واضحة نسبيا، فلا خلاف على أن المجموعة التي كان المنتخب الإيفواري قبل الجولتين الثالثة والرابعة يبدو صاحب أفضلية فيها، تقلصت الفوارق فيها كثيرا، ولا أحد يشكك اليوم في أن المنتخبين المغربي والغابوني يمكن أن يكونا منافسين بعناد كبير للمنتخب الإيفوارين. وفي ضوء ما أفرزته الجولات الأربع المنتهية، فإن أسود الأطلس يعرفون اليوم أي طريق يجب أن يمشونها لكي يحققوا حلم التأهل لمونديال غابوا عنه لعشرين سنة كاملة، أي الخيارات تتيحها المبارتان المتبقيتان أمام الغابون هنا بالمغرب وأمام كوت ديفوار بأبيدجان؟ ومن دون حاجة لرهن المصير بأي مباراة أخرى، فإن الفريق الوطني مطلوب منه الحصول على أربع نقاط من مباراتيه المتبقيتين، بالتعادل أمام الغابون هنا بالمغرب وبالفوز على فيلة كوت ديفوار بأبيدجان، لأنه حتى في حال فوز كوت ديفوار بمالي، فإنه سيصل في ختام التصفيات إلى النقطة العاشرة متساويا مع الفريق الوطني، والأفضلية ستكون طبعا للأسود بالإعتماد على النسبة الخاصة. قطعا هناك الكثير من المعادلات التي توصل الفريق الوطني إلى روسيا، إلا أن أقواها ما عرضت له، فهل يجوز أن ندخل مباراة فهود الغابون باحثين عن التعادل؟ أم أن المنطق يفرض أن نفوز عليهم لنضعهم خارج السباق ويصبح التأهل للمونديال حكرا على أسود الأطلس وفيلة كوت ديفوار؟ تقتضي الحكمة أن يوجه الفريق الوطني إهتمامه لمباراة الغابون التي ستكون شاقة ومتعبة وملأى بالحفر والمطبات، ولعلكم تذكرون ما عاناه وما تكبده الأسود في نزالاتهم الأخيرة أمام فهود الغابون سواء تلك التي بها إرتبط مصير التأهل لكأس العالم، أو تلك التي تحكمت في مصيرنا بنهائيات كاس إفريقيا للأمم، ولكي نوفر للأسود أجواء مثالية لإنجاز المهمة على الوجه الأكمل، فلا بد وأن ننظف البيئة من كل الشوائب النفسية التي علقت بها بعد مباراة باماكو، واستحضار ذات الروح التي سادت خلال مباراة الجولة الثالثة أمام مالي هنا بالرباط وأعطت للاعبينا حافزا معنويا مهما للإجهاز على نسور مالي، وإذا كان لزاما بعد التخلص من فهود الغابون، أن نذهب لأبيدجان في مهمة إنتحارية هدفها الأوحد إسقاط كوت ديفوار، فعلينا وقتها أن نؤسس يقيننا على قدرة الأسود على إسقاط الفيلة بمعقلهم على أمرين إثنين. أولهما، مباراتنا أمامهم بالغابون خلال نهائيات كأس إفريقيا للأمم 2017 والتي كان الفوز فيها للأسود عنوانا لمفاجأة كبيرة تمثلت في إقصاء الفيلة من الدور الأول، وثانيهما المباراة الملحمية التي خاضها هناك منتخب الغابون وانتهت بفوزهم برغم أنهم لعبوا أربعين بالمائة من زمن المباراة منقوصين من لاعب واحد. بالمختصر المفيد، نحن في مرحلة تستوجب أن نكون كإعلاميين وكجماهير أكثر ثقة من اللاعبين أنفسهم بأن مونديال روسيا بات على مرمى حجر، وبأن أمامنا فرصة تاريخية لمصالحة حدث كوني لنا معه ذكريات جميلة، يكفي أن نقول لبعضنا البعض: «تفاءلوا خيرا تجدوه».