نسأل أنفسنا مستفهمين ومستنكرين، عن هذا الذي كان يجب أن نفعله ولم نفعله لنستأصل نبثة الشغب الخبيثة من وسطنا الكروي الوطني؟ نسأل عن نجاعة المقاربات وعن حقيقة الإحاطة الكاملة بتمظهرات هذا الشغب الصريح والمتنكر، وعن جدوى مواصلة التعاطي القانوني مع الظاهرة من دون أن تلوح بالفعل في الأفق بوادر لسحق هذا الشغب، بحيث لا يقدر على أن يرفع بعد اليوم رؤوسه النارية ليحرق بيتنا الكروي. وفي السؤال بكل الصيغ الممكنة عن كل الأشكال التي تقمصها عنف الملاعب وكل التلوينات التي تلون بها، نحاول أن نحصي ما نهدره من جهد من أجل القطع مع هذا الشغب حتى لا يقتل فينا الصبر ويغرس فينا الخوف على مصير كرة القدم فنلجأ إلى الحل المؤلم، أن نخلي الملاعب من الجماهير ونحكم على اللاعبين باللعب في قبور يسودها الصمت القاتل. منذ وقت طويل أقررنا بأن هناك مسؤولية متقاسمة في هذا العناد الذي يبديه الشغب من أجل أن يزول وينمحي، مسؤولية السلطات القضائية التي تستصدر العقوبات الجنائية الحبسية والتغريمية والتأديبية، مسؤولية السلطات العمومية في رفع مستويات الرصد والتوقع لمواجهة كل الأوضاع المنذرة باندلاع أعمال الشغب داخل الملاعب وأيضا في محيطاتها، مسؤولية وزارة الشباب والرياضة كجهاز حكومي وصي على تهذيب وتخليق الرياضة لملاحقة الظاهرة بكل تجلياتها السلبية، في محاولة لتفكيكها سوسيولوجيا وتربويا ورياضيا وأخيرا مسؤولية الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم التي تملك الوسائل العقابية لردع مرتكبي أعمال الشغب التي تستهدف بالأساس سمعة بل ومستقبل كرة القدم الوطنية. والحال أنه مع تقاسم المسؤوليات ومن دون حاجة لإحصاء الأطراف المقصرة ولا التباين الحاصل بين كل هذه الأطراف في ردع الشغب، هناك حاجة أكبر لأن نضع مستويات للتحرك، فإن اقتضى الحال مررنا إلى مستويات أكبر وأشد في التعاطي مع الظاهرة التي لا يرضي أي منا أن تستوطن مشهدنا الكروي وتهدده في كل لحظة بالموت الزؤام. ومع ما شاهدناه مجسدا في أحداث الشغب التي أعقبت مباراة شباب الحسيمة والوداد البيضاوي وبعدها مباراة اتحاد سيدي قاسم والمغرب الفاسي، نصل إلى حقيقة أن الإجراءات الإحترازية والوقائية وما تبديه السلطات العمومية من تشدد مع فصائل الإلترات، نجحت في تخليص المدرجات ولو بشكل نسبي من العنف والشغب المدمر، وأصبحت الحاجة ماسة إلى مطاردة الشغب في محيطات الملاعب، وهنا يجب أن تتعدد أشكال التدخل للحيلولة دون تنامي الشغب خارج أسوار الملاعب والذي غالبا ما تكون ضريبته ثقيلة لأنه يستهدف أرواحا بريئة ويستهدف ممتلكات عمومية وممتلكات خصوصية. مؤكد أن فعل التحرش بجماهير الأندية الزائرة إلى درجة الإجرام في حقها، ليس فعلا بإسقاطات رياضية مائة بالمائة، ولكنه فعل محشو بإسقاطات سياسية وفعل مرتكب بسبب إنحرافات سلوكية تحيل على أزمة التربية في مجتمعنا المغربي، خاصة بعد أن أشهرت مؤسسات البيت والمدرسة وحتى الشارع إعتزالها الوظيفة التربوية المناطة بها. ولأن عملية إحياء وحتى غرس القيم القائمة على التسامح ونبذ العنف والتطرف في الإنتماء للأندية، والتي نجحت الرياضة وكرة القدم في إشاعاتها على مدى عقود من الزمن، تحتاج إلى مساحة زمنية طويلة ترتبط بالأجيال، فإن المواجهة الآنية للظاهرة بتجلياتها الجديدة تفرض أن نعمد إلى أحد الأمرين، فإما أن نضع لتنقلات الجماهير مع أنديتها صوب مدن أخرى ضوابط صارمة تقلل من حجم الإحتقان مع ما يرافق ذلك من إحترازات أمنية للحيلولة دون أي اصطدام لا لفظي ولا جسدي بين جماهير الناديين المتباريين، وإما أن نلجأ للقرار الصعب والمؤلم أن يحظر تنقل الجماهير مع أنديتها إلى حين التأكد من انطفاء لهب الإحتقان المبرمج الذي لا يكون دائما بسبب التعصب للفرق، ولكنه يكون أيضا بسبب أن تصفية الحسابات السياسية الضيقة لا تجد أفضل من مباريات كرة القدم مرتعا للإنتقام والثأر بل وإثارة الفتنة. كما لا يجب أن نيأس في حربنا الضروس مع الشغب والعنف في الملاعب إلى حين تجفيف منابعه واجتتات دابره، لا يجب أن نهادن في تعقب الظاهرة وتدارسها في كل وقت وحين بمناسبة أو بغير مناسبة، فغيرنا أمضى سنوات في التحليل والتشريع وأقام مختبرات للتشريح وأنفق ما أنفق من مال من أجل القطع مع هذا السلوك الشاذ. فلماذا نيأس نحن من القدرة على نبذ العنف الرياضي وديننا أوصانا بعدم اليأس.