من حق يوسف لمريني أن يغضب، أن يضرب على الطاولة وأن ينتفض لأن إبن سلا شعر بظلم ذوي القربى الذي هو أشد مضاضة وأيقن في قرارة النفس أن قانون المدرب الجديد والذي هوى كالمطرقة على رؤوس المدربين، فيه بعض من التجني والظلم للرجل، الذي فقد ذات يوم تحت طائل قانون مشابه مركزه الوظيفي بوزارة الشباب والرياضة في وقت ظل زملاء له من المدربين ينعمون بنفس الإمتياز لغاية اليوم. من يعرف لمريني يعلمون أن له عظما ناشفا لا يبلع بسهولة، وفي فمه ملح لا يعرف للنفاق والمداهنة سبيلا، لذلك كانت جرأة لمريني في كثير من المرات سببا في اصطدامات متكررة سرعان ما يكتشف من وقعوا فيها أن الرجل لا يجد حرجا ليقول قولة الحق ولا يخشى فيها لومة لائم فيعودون للإعتذار له بعد التفهم. صدر القانون الجديد الذي سينهي عهد «الإيس دي إيف (SDF)» وترحال المدربين، وسيفرض على كل «تالف يشد الأرض»، وعلى الرئيس والمسؤول أن يفكر عشرات المرات قبل أن يقيل بنزوة طائشة مدربا من المدربين، كونه سيكون مطالبا بأن يسدد للمدرب المقال تعويضات موسم كامل و«كاش». وبين من رأى في الشكل أن القانون الصادر وسط الموسم «الدراسي» هو ضد مصالح «المعلم»، فإن باطن ومضمون القرار جاء ليخدم المدرب بما سيتيحه من ضمانات وأداء حقوق المدرب كاملة حتى إن كان سيفرض على كل مغادر لسفينة فريق ما أن يهبط للصف الثاني ولا يحق له البقاء بنفس السربة. إلى هنا شعر لمريني وهو الخارج من أفران ومناجم خريبكة منهكا بعد أن أفرغ له السكادي الفرقة من نجومها (من بورقادي والحراري وتيبركانين وعبد الغني وانتهاء ببزغودي)، قلت شعر أن «طرف الخبز» الذي عثر عليه غير بعيد بالقنيطرة التي قادها قبل مواسم وباقتدار كبير، شعر أن مساره يهدده هذا القرار الذي يحرم عليه ما تم تحليله لغيره. كيف لأيت جودي أن يشتغل وللطوسي أن يمارس وليعيش أن يعيش ولمريني يموت؟ لم يتقبل لمريني أن يسري عليه القانون وحيدا وأن يشكل يوسف دائما الحيط القصير الذي يتم تشريع القوانين على ظهره فيؤدي وحده الفاتورة وينعم غيره بالزبدة وثمن الزبدة في قمة اللا - إنصاف. ولأنه من الطينة التي لا تنكسر بسهولة، ومن الفئة التي تؤمن أن الحق يؤخذ ولا يعطى، فقد ناضل لمريني مستندا لدعم الحلاليين ورجولة القنيطريين الذين أصروا على التعاقد مع الرجل ودافعوا على حقه المشروع، وأشهروا في وجه ماندوزا وقرار الجامعة شعار «لمريني أو لا أحد». لم ييأس لمريني بعد صدور القرار كونه أيقن أن القوانين حين تسن ويتم تشريعها فإنه لا بد وأن يرافقها أمرين: (إما أن تسري بأثر رجعي فيكون مصير الطوسي ويعيش وأيت جودي نهاية العهد والصلة مع الفرق التي يشرفون عليها، أو أن يتم تطبيق القانون بأثر فوري أي من تاريخ صدوره، وهنا سيربح لمريني القضية كون القانون صدر يوم 30 نونبر ولمريني وقع للكاك قبل هذا التاريخ بأسبوع كامل). لو لم تستجب الجامعة لرغبة لمريني وتظلم يوسف لربح الأخير النزاع إن فكر في نقله لمحكمة الطاس السويسرية، لأنه أمسك من صاغ القانون وشرعه من اليد التي توجعهم (إما يطبق القانون على الكل بمبدإ المساواة وبمن فيهم فريق رئيس الجامعة أو يطبق القانون من يوم صدوره فيفلت لمريني ويربح رهان تدريب الكاك كونه وقع مع الفريق قبل صدور الفرمان كما يسمى بالتركية والقانون بالعربية تاعرابت. ما قام به لمريني سيجعل هذا المدرب يدخل التاريخ كونه آخر حالة يسمح لها بتدريب فريقين بنفس الموسم، وما فعله لمريني أكد أن قاعدة «الحق يؤخذ ولا يطلب» صحيحة وعلى أنه كرر بقبعة المدرب ما فعله بوصمان بقانونه الشهير كلاعب سمح بالقضاء على كوطة احتراف اللاعبين بالفرق الأوروبية وسمح للاعبين الحاملين للجواز الأوروبي اللعب بأندية القارة العجوز بصفة المواطنين وليس الأجانب. لذلك يبرز لمريني في صورة بوصمان المدربين، ويستحق أن ترفع له القبعة على هذا النضال والذي لم يواجه فيه الرجل خصما افتراضيا بل واجه الظلم الذي كان سيشعر الرجل بالحكرة بعد أن انتفض بعض من زملاء المهنة وهذا للأسف أمر واقع بالممارسة الكروية بالمغرب، حيث يبرز سياق «خوك فالحرفة عدوك» واضحا في أبرز تجلياته وخاصة بين المدربين المغاربة الذين ينتفضون ضد بعضهم في وقت يباركون للأجنبي ويصفقون لقدومه. رائع جدا أن يأتي هذا القرار ليزيح غمة «التراضي» الذي ظل لسنوات يشهد بالزور في طلاق المدربين مع فرق البطولة، بعد أن يعجز أطرنا المساكين عن فرض مطالبهم فيقبلون بأخف الأضرار وهي أداء راتب شهرين في بدعة ضالة خلفت لنا هذا الهرج والرواج الكبير على مستوى الإقالات. برافو لمريني إذن على الإستماتة والإلحاح الذي يحبه الله في عبده، برافو على الإصرار والدفاع عن الحق المشروع لغاية حصولك على الإنصاف، لتصديك لقاعدة «حلال عليكم حرام علينا» وكونك قلت «مرحبا بالقانون» لكن «ماشي على ظهري»، ولأنك أنقذت الجامعة من خطأ تشريعي فادح كانت ستحاسب عليه، وهي تضعك في خانة الإستثناء غير المبرر شكلا ومضمونا. ولكونك أكدت للجميع على وجه الخصوص حقيقة «ما ضاعت رخصة وراءها لمريني»، وهذا تحدي ورهان أكبر من رهان إنقاذ فريق.