لم تكن مباراة المغرب والكامرون الأخيرة مجرد لقاء في كرة قدم أنهى مشوار الإقصائيات، بل كان آخر مأتم جماعي نقيمه لكرتنا الوطنية، لقد كانت المندبة في فاس كبيرة جدا، حضرت لها كل مراسيم المآتم المتعارف عليها، حضر اللطامون واللطامات والندابون والندابات والحياحة من كل البلاد الذين لم يتوقفوا عن العويل وتعداد محاسن الفقيد، حضر صواريخ الطعام من السمسارة والشناقة الذين لا يضيعون مثل هذه المناسبات لملء البطون من عشا الميت، حضر حفارو القبور على رأسهم السي مومن ببذلة سوداء وربطة عنق سوداء كما هي عادة الغربيين في الجنازات متخليا عن التي شورت الأبيض، حضر السي علي الفاسي الفهري اللي دار شي بركة ديالو الله يجازيه بخير، وحضر الحاج بلخياط مول الوثاق واقف على شغلو، فلم يكن الميت منتخبا وطنيا فقط، ولا مكتبا مسيرا، ولا طاقما تقنيا، بل كان المرحوم هو مرحلة كاملة من التسيير العشوائي أعلنا وفاتها ودفنها منذ قدوم مكتب جامعي جديد اللي بغا يسلك حتى تفوت الربعينية، وما حدث في مركب فاس يعتبر أربعينية مرحلة آن أن نطويها إلى الأبد·· - كيفاش أربعينية ديال مرحلة؟ علاه صلاة الجنازة هاداك النهار على من صليناها؟ - ما سمعتيش الفقيه كان يقول: جنازة مرحلة· - أسيدي ما كنقولوش: جنازة مرحلة، كنقولو: جنازة رجل· - وعلاه كون كان فينا شي راجل غادي نتبهدلو هاد التبهديلة؟ أصحيح أننا نعيش في زمن قلّ فيه الرجال؟ وحتى وإن كان هذا الكلام صحيحا الآن، فإن المغرب هو البلد الوحيد الذي لا يتعب من صنع الرجال، ومشهد نزول ذلك الطفل إلى الملعب من فوق البوليس والسيكيريتي وربعة مترو ديال الحيط، وبالطريقة التي تقدم بها إلى الشباك حبة حبة كما يقول الشاب بلال، يكون قد أرسل رسالته الواضحة إلى كل المسؤولين ملخصها، أن لا خير في جيل اليوم الذي ظل مستمرا منذ سنوات، البركة في الدراري الصغار، فمستقبل كرة القدم الوطنية يبدأ من هذه اللحظة بالضبط، بعد أن نطرد كل الوجوه البشعة التي رافقت هذه المرحلة المؤلمة يجب أن نطوي مرحلة الشماخ وحجي والسفري والحمداوي ولمياغري والآخرين، واللي عندو أكثر من 21 عام يبقى يلعب قدام دارهم، لأن أربع سنوات التي تفصلنا عن كأس العالم القادمة خاصها تلقى الدراري عندهم 25 عام على الأكثر· - أواه، وغادين يبقاو عندنا هاد المسيرين نيت؟ - وما لهم؟ راه يا الله بداو، واللي فيهم ريحة العهد القديم هو ما اللي ما عندنا ما نديرو بيهم دابا· - وياك حسن مومن من العهد الجديد، واش غادي يبقى مدرب؟ - وهو فين عمرو كان مدرب؟ مسكين حسن مومن، كان رجلا بسيطا مخبي راسو وسط الريوس ما بيه ما عليه، ولا أحد يعرف من ورطه في هذه المهمة، لن ننسى أبدا أنه رغم تواضع سيرته المهنية كان دافع الجبهة، حيث صرح منذ أشهر بأن المنتخب الوطني تحت قيادته إن حقق نتيجة إيجابية فهي نتيجة لمجهودات الجميع، وإذا كانت النتيجة كارثية فسيتحمل المسؤولية وحده، لكن هذا لم يحدث بعد الهزيمة المذلة أمام الكامرون، وسمع الناس كيف قدم مومن كل المبررات الممكنة لإبعاد مسؤولية النكسة عنه، وقد يكون صادقا، مادام أن المكتب الجامعي حين ضمه مع ثلاثة آخرين باش يبعدو عليه العين، أكد بأنه لن يحاسب أحدا، طيب وأي جديد حملته الجامعة الجديدة؟ فإفلات المدربين من العقاب وبرصيد مالي محترم عادة مغربية بامتياز، ولم يحدث أن طالبت الجامعة المدربين الفاشلين باسترداد الأموال التي بلعوها ظلما، لكن التاريخ سيذكر أن مومن كان شجاعا حين قبل تدريب منتخب متآكل (أكل المسؤولون فيه النص والسماسرة النصف الآخر)، وجاء مدعوما بالحسين وجمال وعبد الغني (كيبانو بحال السميات ديال شي ولاد الدرب)، ليخوض المغامرة بروح وطنية عالية، لذا ينبغي أن نقول له شكرا· - بلا ماتشكر مومن، راه قال ليك دار غير الواجب الوطني، ولا شكرا على واجب· - يعني مسكين تطوع وضحى فداء للوطن؟ - تماما· - واش واحد كيشد خمسطاشر مليون في الشهر وقصانا بفضيحة، وباقي يقول ليك دار لينا الواجب الوطني، فعلا، مومن واش مومن· ================= نافذة اللي عندو أكثر من 21 عام يبقى يلعب قدام دارهم