في الصورة مصطفى بغداد رفقة المطربة الراحلة رجاء بلمليح حين مات الحداني لم أتذكر بغداد. وحين قرأت ما قرأت،وسمعت ما سمعت عن علي الحداني بعد وفاته تذكرت مصطفى بغداد. منذ أن كنت صغيرا،ومنذ أن كانت الأغاني الوطنية تتهاطل في المناسبات الوطنية على التلفزيون بدون عطب تقني أو حتى فاصل إشهاري وأنا أعرف الرجلين. كان يمكن أن أسمع في ساعة واحدة عشرين أغنية بمناسبة ميلاد الأميرة مثلا،ومع كل أغنية تتكرر عبارة "كلمات علي الحداني"أو "كلمات مصطفى بغداد"،وكنت حينها أتساءل بعفوية عن سر فرادة هذين الشاعرين حتى لا يجد الملحنون والمطربون غيرهما لتقديم آيات الولاء والإخلاص طربا. ولم أقرأ ما قرأت،ولم أسمع ما سمعت عن علي الحداني إلا بعد وفاته. .ياه...أشعر بالندم الشديد على العمر الذي ضاع مني دون أن أعرف أن شاعرا كبيرا كان يحيا بيننا ولم نمنحه التقدير الذي يستحق. لماذا نكتشف متأخرين عظمة مبدعينا؟ لمادا لا نحسن الاعتراف إلا بعد صلاة الجنازة؟أي كبرياء كان يمنعنا من أن نرد للحداني كبرياءه وهو حي؟ لو كان الحداني يعرف أن الفجيعة ستكون كبيرة برحيله كما رددت المقالات والإذاعات والمنابر لما مات الرجل. ولهذا ووسط كل هذا تذكرت بغداد. ماذا ننتظر جميعا حتى ندلي بشهاداتنا في حق مصطفى بغداد. هل ننتظر سقوطه لا قدر الله لنمنحه الكلمات لينهض؟ هل ننتظر وفاته بعد عمر مديد لننثر الدمع والمدح على جثته؟ أخاف أن نكتشف متأخرين أن مصطفى بغداد كان عبقريا،وكان فلتة من فلتات الأغنية المغربية...فنندم. أتوسل إليكم أيها الندابون أن توفروا دموعكم للفواجع القادمة،وأدلوا بشهادتكم في حق بغداد وهو حي. تحدثوا عن عظمة هذا الرجل.عن تقديسه للصداقة قبل الفن بدليل علاقته بمحمود الإدريسي.عن إخلاصه للفنانين بالثبات على زعامة النقابة دون شريك أو بديل رغم كل الإغراءات التي يقاومها بتعفف،ورغم كل الحروب التي يعلنونها ضده.تحدثوا عن تحمله لمشاق السفر وطول المسافات ودوخة الطائرات كي يمثل المملكة المغربية في الدول الأخرى في كل مرة.وتحدثوا عن حبه الكبير لبلده حيث لا يحضر فنان عربي ضيفا ببلادنا حتى يمده بقصيدة من تأليفه ليغنيها وإن لم يغنها له أحد.وتحدثوا عن دعمه للمطربات الجميلات اللواتي يرسم لهن طريق الفن بدل طريق الرذيلة. تحدثوا عن مهرجان الأغنية العربية الذي ينظمه بالدار البيضاء ويتحدى به غياب الدعم ويعلم الله مداخيله ومصاريفه.وتحدثوا عن مهرجان الأغنية المغربية والشروط التي يفرضها على المشاركين حتى يحمي الفن المغربي من الرداءة. تحدثوا عن قصص أغانيه،عن قصة أغنية " الله عليك يا مغرب "التي رفض أن يغنيها البلوشي وغناها محمود الإدريسي،لنفهم عظمة هذين الصديقين. أرجوكم أن تتحدثوا الآن عن مصطفى بغداد. أيها المنافقون تحدثوا الآن.لأن في ليلة سقوط بغداد لا أريد أن أرى العلوج تصنع مندبة كبيرة. ""