من يبحث عن عشق الشجن يجده في نعيمة سميح، ومن ينشد آهات جميلة تشاركه آهاته في لحظات الانكسار يلفيها في هذه المطربة المتميزة.. فهي التي أبدعت في أغنيتي «أمري لله» و«شكون يعمر هاذ الدار»، وأتحفت حينما شدت بأغنية «هاذا حالي» و«نوارة»، هي من منحت المغاربة، ولاسيما عشاق الزجل واللحن المغربيين، إحدى أجمل الأغاني في تاريخها الفني، ويتعلق الأمر ب«جريت وجاريت» أو بالتحفة الفنية التي يسميها بعض المغاربة حبا «ياكا جرحي». لأغنية «جريت وجاريت» حكايات خاصة، تبتدئ بالإحساس الذي أضفاه الزجال الراحل علي الحداني، حينما يقول: «ياك آ جرحي، جريت وجاريت، وحتى شي ما عزيتو فيك وواسيت، وعالجت، وداويت وواسيت وعالجت وداويت وترجيت الله.. الله يشافيك آ جرحي واليوم.. اليوم تهديت نبالي بيا أولا بيك أنا أنا جريت وجاريت جريت وجاريت وعييت وتهديت وف هاذي حتى واحد.. حتى واحد حتى واحد ما ينوب آ لحبيب عليك ما ينوب آ لحبيب عليك الحال وإلا باغي تعرف» هذه الأغنية، التي ظهرت أول مرة سنة 1975 وسجلت في سنة 1979 بمناسبة افتتاح صندوق التوفير الوطني، تشكل محطة بارزة في مسار الفنانة الشابة نعيمة سميح، إذ منحتها هذه الأغنية بصفة خاصة الإطلالة الفنية الحقيقية، وصارت بفضلها -كما يحكي ذلك بعض النقاد والمهتمين- المغنية الأكثر حظوة بالحب من لدن المستمع. عن هذه الأغنية، يقول ملحنها عبد القادر وهبي، في تصريح ل«المساء»: «بعدما اشتغلت مع الأصوات الذكورية، وبصفة خاصة مع الفنان عبد الهادي بلخياط الذي أنتجت معه حوالي 13 أغنية، سألني بعض الأصدقاء عن السر في عدم اشتغالي مع الأصوات النسائية، فقررت -كما صرحت سابقا- أن أخوض التجربة مع نعيمة سميح من خلال أغنية «جريت وجاريت» التي كانت مدخل نعيمة سميح نحو الشهرة، إذ أصبح الكل يعرف اسمها بعد هذه الأغنية، مع أنها أخذت تقول فيما بعد إنه لولا صوتها لما تحقق للأغنية النجاح الذي حصدته، وهو ما جعل العلاقة الفنية بيننا تنقطع. ومن الصدف التي ما زلت أحتفظ بها أنني وجدت القطعة لدى كل من الملحن محمد بنعبد السلام وعبد الوهاب الدكالي، إذ لحنا جميعنا هذه الأغنية وكان من الممكن أن تأخذ مسارا فنيا آخر، لولا أنني أسرعت في تسجيلها، فلو لم أبادر إلى تسجيلها لضاعت مني. وأظن أن الراحل علي الحداني رحمه الله هو من أعطاهما الأغنية، وهذه كانت ظاهرة سائدة في المغرب، إذ كان الزجالون يعمدون إلى منح الأغنية للعديد من الملحنين في نفس الوقت، وهذا كان يخلق مشاكل من جهة، كما أن الملحن كان يجد نفسه أمام إكراه الوقت والمنافسة، من جهة أخرى، وهذا بطبيعة الحال يؤثر على جودة العمل الفني». وعلى الرغم من النجاح الذي حققته أغنية «ياكا جرحي»، فإن هذا المعطى لم يكن ليجعل الثلاثي يمنح أغنية بنفس الوهج والإحساس الخاص الذي منحته الأغنية لمستمعيها، إذ اختارت نعيمة أن تتخذ وجهة أخرى مع المغاري والعلوي وعبد القادر الراشدي وبغداد، واختار عبد القادر وهبي أن يهدي الفنانة الشابة آنذاك ماجدة عبد الوهاب «حتى فات الفوت» التي كتب كلماتها كذلك الراحل علي الحداني، وهي الأغنية التي عكست حالة الطلاق الفني بين وهبي ونعيمة سميح والذي يخفي الكثير من الأسرار التي ظل يحتفظ بها الثنائي. ومن ذكريات هذه الأغنية أن الفنانة السورية الشهيرة أصالة نصري فاجأت الجمهور، في إحدى دورات مهرجان الرباط، بأدائها رفقة نعيمة سميح بإحساس خاص.