من أخطأ وأين أخطأ وكيف نصحح الخطأ؟ إذا إحتفظنا بغيرتس ما الذي يضمن أن ينجح المشروع؟ يجثم على قلوبنا جميعا الحزن وتعظم فينا خيبة الأمل بعد الخروج الكارثي للفريق الوطني من مونديال إفريقيا 2012 وبيننا من خاط ثوب العزاء ومن قذف المحيط كله بشرارة الغضب، ومن يرى أن ما حدث لم يكن إلا تحصيل حاصل وأنه لحظة موصولة بلحظات وجع سابقة، فهل كان تألق الفريق الوطني بنهائيات كأس إفريقيا للأمم قاعدة أم إستناءا؟ كانت قوة الصدمة من قوة الإنتظارات حتى لا أقول من قوة الوهم الذي جرى تسويقه، واليوم إذ ننهض متثائبين من مستنقع الإقصاء نعود لنسأل أنفسنا أكثر من سؤال. لماذا حدث هذا الذي حدث؟ هل يجوز أن نلبس ثوب الكارثة الإخفاق الذي رسم الفريق الوطني خيوطه الحزينة بالغابون؟ من نسائل ومن نحاسب؟ وبعد أن ننتهي من المحاسبة والمساءلة التي يجب أن نبلغ فيها درجة متقدمة من القسوة، كيف يمكننا أن نرتفع فوق الوجع؟ كيف يمكننا أن نغير هذا الحال البئيس؟ ومن أين نأتي بالحصانة الفكرية والرياضة التي تعفينا من معاودة السقوط بهذا الشكل المريب؟ هل الخروج من الدور الأول حالة طبيعية؟ عندما نجزم بكارثية حصيلة الفريق الوطني بنهائيات كأس إفريقيا للأمم 2012 بالغابون وغينيا الإستوائية وقد خسر مبارتين وفاز بواحدة وحل ثالثا في مجموعته ليشيع مبكرا لمثوى الإقصاء، فإننا نربط هذه الكارثية بقوة الإنتظارات، والإنتظارات ما تقوت والجماهير ما تفاءلت بأن تكون الكأس الإفريقية هذه المرة بصورة مطابقة لأصل الصورة التي كانت عليها سنة 1976 بأثيوبيا أو سنة 2004 بتونس، إلا لأنها وقفت على حجم الإعتمادات المادية المرصودة للفريق الوطني (25 مليار سنتيم لإعداد المنتخبات الوطنية سنويا) والتي مكنت الجامعة من الإرتباط بالبلجيكي غيرتس بعقد غير مسبوق في تاريخ كرة القدم الوطنية، ولأن الجماهير تبينت جيدا أن عرين أسود الأطلس قد تنظف نسبيا من معطلات كثيرة، ولأن هذا الفريق الوطني قدم إشارات على أنه قادر على إنجاح الرهان الإفريقي.. وأمام هذه الإنتظارات التي نزعت إلى التفاؤل المفرط تحت تأثيرات كثيرة ساهمت في بعضها الصحافة، كان هناك منطق الأرقام الذي يقدم حقائق صادمة، منها أن الفريق الوطني لم يكن في تاريخه الطويل متخصصا في المنافسة على اللقب الإفريقي، ومنها أيضا أن الكرة الوطنية بخاصة على مستوى المنتخبات تشكو من حالة متقدمة من العجز على المنافسة إفريقيا، فليس للفريق الوطني في تاريخ كأس إفريقيا للأمم حضور قوي في الأدوار النهائية (14 حضورا من أصل 28 دورة) ولا يملك الأسود غير لقب وحيد، ومن أصل 14 مرة التي كان فيها التأهل لنهائيات كأس إفريقيا للأمم لم يتخط الأسود الدور الأول إلا في ست مناسبات. ويكون الشاهد الأكبر على هذا الخصام الكبير للفريق الوطني مع المونديال الإفريقي أنه بعد بلوغه سنة 2004 المباراة النهائية خرج من الدور الأول في دورتي 2006 بمصر، و2008 بغانا وعجز حتى عن بلوغ الأدوار النهائية خلال دورة 2010 بأنغولا. إذا وعلى كارتية وفظاعته، فإن الخروج من الدور الأول لكأس إفريقيا للأمم 2012 يصبح حالة طبيعية تظهر إلى أي مدى نحن عاجزون عن إيجاد موقع قدم لنا في قمة كرة القدم الإفريقية. لماذا تأخرنا في الإلتحام بإفريقيا؟ ألحت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في مشروعها التقويمي الذي أشهرته بعد أن بلغ الفريق الوطني الدرك الأسفل وهو يخرج من التصفيات المزدوجة لكأس العالم وكأس إفريقيا للأمم 2010 متذيلا لمجموعته بحصيلة موجعة على ضرورة تكريس الطبع الإفريقي، وهي تعترف في ذلك بأن الكرة المغربية إرتكبت لسنوات خطأ فظيعا بتهميشها عن عمد أو عن غير عمد للمحيط الكروي الإفريقي، ما جعل الثقافة الكروية الإفريقية تبلغ درجة متقدمة من الهشاشة.. وتفاءل الكل بمشروع إعادة دمج الكرة المغربية مع محيطها الإفريقي، بل إن حصول الفتح وبعده المغرب الفاسي على لقب كأس الإتحاد الإفريقي ووصول الوداد لنهائيات عصبة الأبطال قدم إشارات على أن الجامعة بدأت فعليا في تصحيح الوضع المختل، وكانت هذه إحدى بشائر التفاؤل. إلا أن ما أعاد الكرة المغربية لعادتها القديمة هو أنها وهي تضع «العالمية» شرطا للتعاقد مع المدرب الجديد للفريق الوطني إبتعدت كثيرا عن شرط التصالح مع المحيط الكروي الإفريقي، إذ أن غيرتس المرتبط به من خلال عقد غير مسبوق لم يكن قد جرب العمل قبلا مع المنتخبات الوطنية، بل أن معرفته بكرة القدم الإفريقية ثقافة ومحتوى تقنيا وطقوسا وأجواء كانت في درجة الصفر.. ومن هنا لدغنا ولدغ الفريق الوطني ولدغت الجامعة من حيث لا يعلم أحد منا.. باشر غيرتس، وللأمانة فهو على درجة كبيرة من الكاريزما والشغف والحماس، عملا هيكليا إنصب أساسا على محيط الفريق الوطني، وساعده على تنظيف العرين أن الجامعة وضعت بين يديه بطاقة بيضاء فأعفته من كل مساءلة وحتى محاولة فهم، كما أن اللاعبين كانوا برغبة جامحة للتصالح مع جماهيرهم، وكانت مباراة الجزائر التي أدخلت غيرتس فعليا في أجواء المنافسة واحدا من المقاييس الخاطئة التي جاء معها تفصيل الحلم على نحو سيء وغير متطابق. 4 أخطاء قاتلة! صحيح أن مباراة الجزائر بمراكش قدمت الفريق الوطني بشكل فني ومعنوي يدل على أنه تعافى وتحلل من كل الأسقام، إلا أنها لم تقل أبدا بأن شخصية الفريق إكتملت وهو ما عكسته كل المباريات التي تلت مباراة الجزائر، سواء أمام إفريقيا الوسطى ببانغي أو هنا بمراكش أمام طانزانيا وحتى في دورة إل جي الدولية التي واجه خلالها أسود الأطلس منتخبي أوغندا والكامرون، لقد ترسخت في كل هذه المواجهات والتي تفاوتت فيها مستويات المنافسين فكرة أن الفريق الوطني إنما قطع شوطا صغيرا على طريق بناء شخصيته، وأنه من الخطأ القول بأن ملامح الشخصية قد إكتملت وبالتالي يمكن الجزم بأن الفريق الوطني بهذه الصورة التي أصبح عليها، وهي صورة غير مكتملة يدخل كأس إفريقيا للأمم 2012 بثوب المنافس بقوة على اللقب. وكان ممكنا أن نتلمس الخيط الأول الذي يقود للنجاح إفريقيا لو أن إيريك غيرتس لم يسقط لغياب العمق الإفريقي عنه في أخطاء لا تغتفر، هي ما تجعل أكبر مسؤوليات الإخفاق تقع عليه وعليه وحده. كان أول الأخطاء أن غيرتس أسقط قاعدة ذهبية يقوم عليها تأسيس أي فريق وطني، قاعدة الجاهزية، عندما أصر من مبدإ الحفاظ على النواة الصلبة، على ضم لاعبين بتنافسية ضعيفة لا تؤهل أبدا للدخول في رهان كأس إفريقيا للأمم، إما لأنهم عائدون من الإصابة وإما لأنهم فقدوا رسميتهم داخل نواديهم.. وكان ثاني الأخطاء أن غيرتس لعدم معرفته الكاملة بطقوس كأس إفريقيا للأمم أقدم على برمجة المعسكر الإعدادي للفريق الوطني بمنتجع ماربيا الإسبانية في طقس بارد نسبيا وهو الذي كان مدعوا للعب بالغابون، حيث تصل درجة الحرارة إلى 26 درجة وحيث تبلغ الرطوبة درجات قياسية. ولا يستطيع لا غيرتس ولا حتى المعد البدني أن ينفيا ما كان من تأثيرات مباشرة لهذه الفوارق الحاصلة على مستوى المناخ، فقد إتضح أن الفريق الوطني ما دخل فعليا الأجواء إلا في نصف المشوار الذي لم يستغرق للأسف غير ثلاث مباريات. أما ثالث الأخطاء فهي إمعان الناخب الوطني في برمجة مبارتين إعداديتين أقرب منهما إلى دعم الجانب اللياقي منهما إلى ضبط الإيقاع والكشف عن أوجه القصور التكتيكي، فبينما كانت المنتخبات الإفريقية المؤهلة للنهائيات تخوض ما بين ثلاث إلى مبارتين وديتين لضبط الإيقاع وترويض الجانب التكتيكي، جازف الفريق الوطني ببرمجة محكين تجريبيين ضعيفين وهو الذي كان بحاجة إلى ثلاث مباريات ودية على الأقل أمام منتخبات كبيرة لتمكين اللاعبين الفاقدين للجاهزية من الدخول في أجواء المباريات.. وكان رابع الأخطاء أن غيرتس وقف عاجزا أمام الإختلالات التكتيكية والفنية والتي وقف على كثير منها خلال مباريات سبقت كأس إفريقيا للأمم، ومنها الإهدار الغريب لفرص التهديف (الأمر حصل أمام تونس) وأيضا التناقض اللا مبرر للأداء من شوط لآخر (الأمر حصل أمام الغابون).. أفظع الأخطاء تسويق الوهم وبالطبع عندما يكون فريق وطني بكل هذه المعيقات التكتيكية والتدبيرية، فإن ذلك ينطق بحقيقة دامغة لا يمكن توهيمها وهي أن الفريق الوطني لم يكن قد أكمل بناء شخصيته، كما أن مدربه غيرتس كان بحاجة لأن يقف بنفسه على أشياء كثيرة كانت تغيب عنه، وهي أشباء تتصل بالمناخ، بالأجواء وبالطقوس والتي من دونها تتشتت الرؤى.. لذلك كان من باب تسويق الوهم القول بأن الفريق الوطني له كل المقومات البدنية والتكتيكية والتنافسية للمنافسة على اللقب الإفريقي، وكان من الممكن أن نقدر حماسة غيرتس وشغفه لتحقيق النجاح الذي يعبر به عن إمتنانه للجماهير التي وثقت به، كما كان من الممكن أن نقدر تطلع الجامعة لحماية مشروعها، لو أن الأحلام تأسست على وقائع أكثر ما تتأسس على أوهام. لذلك كله يسأل غيرتس عن تصديره للوهم وعن ضعف عمقه الإفريقي وعن تخليه على الثوابت التي يقوم عليها تدبير فريق وطني وعن التأطير التكتيكي السمج للمباريات وأيضا عن العذر الذي كان أقبح من الزلة، عندما وقف حائرًا، بل وعاجزا عن فهم أشياء يأتي بها فريقه. وتسأل الجامعة عن هذه الصلاحيات المطلقة التي أعطتها لغيرتس حتى تركته وحيدا يضع خارطة طريق الأسود نحو كأس إفريقيا للأمم بكل الإشارات التي لم يكن للأسف قد إستوعبها جيدا. وإذا كانت المسؤولية، مسؤولية الإخفاق متبادلة ومتقاسمة برغم أن الجانب الأكبر منها يتحمله المدرب والناخب إيريك غيرتس، فإن هناك مسؤولية أكبر، إنها مسؤولية إستشراف الأفق القريب والتي تلزم بإحكام العقل ولا شيء غيره في محاكمة الواقع الكروي الحالي وأيضا في اقتراح البدائل. هل يجب الإبقاء على غيرتس؟ كثيرا ما حرضتنا الإخفاقات ونكبات الإقصاء على العودة إلى نقطة الصفر والتي تأتي في العادة على اليابس والأخضر فلا تقتلع الجذور السيئة فقط ولكنها تقتص أيضا من الجذور كل البذرات الجميلة، لذلك يكون من الضروري أن نحتكم إلى الحكمة في تدبر هذه المرحلة، فلا نترك ما تسربه من يأس وتبئيس يزيدان من قوة الغشاوة ولا نترك ما تنتجه بشكل طبيعي من غضب يحجب عن الأعين ما هو آت. إننا نحتاج بعد المصارحة والمكاشفة والمحاسبة العسيرة للذات إلى كثير من الإتزان لتدبر المرحلة القادمة، وهي مرحلة حساسة وبالغة الأهمية.. وقد يكون أول أسئلة المرحلة... هل يجب الإبقاء على غيرتس مدربا وناخبا وطنيا؟ إذا كانت كأس إفريقيا للأمم قد عرت عن النصف الفارغ في كأس غيرتس فإنها أيضا كانت له وجه العملة الذي غاب عنه، الوجه الذي لم يكن يعرفه، ويفترض أن يكون غيرتس قد وقف على كثير من الحقائق التي ظلت غائبة عنه، حقائق تتعلق أولا بفهمه هو للأشياء وتتعلق ثانيا ببعض اللاعبين الذين وضع فيهم كل ثقته فخذلوه وتتعلق ثالثا بالعمق الكروي الإفريقي الذي لم يكن قبل «الكان» قد تعرف على كثير من خصوصياته.. وبالطبع عندما تلزمنا الإلتزامات القارية القريبة ممثلة في تصفيات كأس العالم 2014 التي تنطلق شهر يونيو القادم بمواجهة غامبيا ببانغول وكوت ديفوار هنا بالمغرب بعدم المجازفة بأي تغيير قد يدخل الفريق الوطني في مرحلة فراغ لا أحد يمكن أن يتنبأ بما قد تأتي به، فإنها في ذات الوقت تلزم الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بتغيير الكثير من الأشياء في نمط التعامل مع المدرب ومع الفريق الوطني. الإدارة التقنية الوطنية حالة مستعجلة لا يكون مستصاغا أن نأتي اليوم للحديث عن كل الأخطاء التي إرتكبها إيريك غيرتس في مناحي كثيرة وافتضح أمرها خلال كأس إفريقيا للأمم 2012 من دون أن نحدد في ذلك مسؤولية الجامعة، وهي مسؤولة مزدوجة. مسؤولية الجامعة في أنها منحت غيرتس صلاحيات مطلقة من دون أن يكون لها أي قدرة على المراقبة أو على التحفظ، ومن دون أن تضع إلى جانبه أي إطار تقني وطني كما تقضي الأعراف الدولية بذلك. ومسؤولية الجامعة أيضا هي في غياب إدارة تقنية وطنية بمفهومها الواسع وبما يرمز إلى أنها مؤسسة قائمة بذاتها. إن ما هو موجود اليوم مدير تقني وطني مكلف بالتكوين (بيير مورلان)، في حين يغيب المدير التقني الذي يستطيع أن يصحح الكثير من الإختلالات التقنية التي تحدثت عنها والتي تسببت في صدع تقني وصدع إستراتيجي أيضا كان بمقدور الإدارة التقنية الوطنية لو تواجدت بهيئتها الكاملة غير منقوصة أن تضع أمام المدرب والناخب الوطني دراسة متكاملة عن كأس إفريقيا للأمم، خصوصياتها، تضاريسها، طبيعتها وعن كل المعاناة التي يستشعرها، الفريق الوطني كلما دخل الأدغال باحثا عن هويته.. وإذا ما كنت شخصيا مع الإبقاء على غيرتس مدرب وناخبا وطنيا لأمرين أحدهما أقوى من الآخر، لتكريس ثقافة الإستقرار والترفع عن الحلول السهلة التي نسمع بها كثيرا و التي منها إقالة المدرب والجامعة والوزارة ولمواجهة إكراهات المرحلة القادمة، فإننا ننتظر من الجامعة أن تباشر إستكمال ورش الإدارة التقنية الوطنية واختيار أحد الأطر التقنية المغربية للعمل إلى جانب غيرتس، وننتظر من غيرتس كل ما يؤكد أنه إستفاد من الدرس.