حطمتم قلوبنا وكأن السيد غيرتس أقلب لنا ظهر المجن فأرانا من المحن في مباراة الغابون ما لم نره في مباراة تونس.. بالغ أمام نسور قرطاج لحد الغرور في الثقة بهجومية فريقه فتكسرت أضلع الأسود وكانت الهزيمة التي أشرت على أن رحلة الإفلاس والإقصاء قد بدأت، وأمام فهود الغابون تقنع بدفاع ساذج حفاظا على هدف خرجة فكان السقوط المريع، بل وكان الخروج الكارثي من منافسات كأس إفريقيا للأمم. فأبدا لم يحدث أن إعتزل الفريق الوطني المنافسة على بطاقة الترشح في الأدوار النهائية لكأس إفريقيا للأمم مثلما يفعل اليوم، وهو يعلن مقصيا حتى قبل أن يلعب مباراته الثالثة أمام منتخب النيجر. قلنا وقد شاهدنا التشكيل الذي دخل به الفريق الوطني أن غيرتس عاد لرشده وللثوابث التكتيكية باللعب بعادل هرماش وحسين خرجة كعنصري إرتكاز وبيونس بلهندة كصانع ألعاب وأيضا عندما تنبه إلى أن مروان الشماخ لم يعد ذاك السهم الخارق الذي يمكن الإعتماد عليه هجوميا فأدخل يوسف العرابي.. وبرغم ما يصحب عادة مباراة يلعبها أي منتخب مستضيف على أرضه وبين جماهيره من دعم معنوي قوي يوازيه سخاء تحكيمي، إلا أن الفريق الوطني أدار جولته الأولى بشكل مثالي ونموذجي وكان الأفضل على مستوى البناء والتركيز، وتقدم بهدف للحسين خرجة وهو أمر مثلما أرق مدرب ولاعبي الغابون مثلما كان يستوجب من الفريق الوطني أن يستثمر هذا السبق على نحو ذكي.. للأسف لم يكن الأمر كذلك، فقد تحطمت القلوب والآمال وكل الأحلام على صخرة شوط ثان تجرعنا فيه مرارة أن يكون لك مدرب لم يستأنس بالأجواء الإفريقية أولا ولا يستطيع أن يكون مؤثرا على لاعبيه بالتوجيه وبالنصح وبالتأطير ثانيا ويقف وهذا أفدح ما في الأمر متفرجا على إختيارات خاطئة من دون أن يصحح حتى عشرها، كان هناك منكر تكتيكي لم ينه عنه غيرتس.. من هجومية مفرطة أمام نسور قرطاج إلى دفاعية قاتمة وجالبة للأحزان وللمعاناة أمام الغابون، ولست أدري كيف يسمح مدرب مثل غيرتس أن ينتقل فريقه بكل هذه الرعونة من النقيض إلى النقيض. كانت الجولة الثانية قد بدأت بتحوير تكتيكي إعتمده مدرب الغابون من الذي قرأه في الجولة الأولى، وكان نجاح هذا المتغير التكتيكي يتوقف على ما سيبديه الفريق الوطني من ردة الفعل، على الطريقة التي سيتدبر بها سبقه الإستراتيجي، والحقيقة أنني ذهلت لدرجة الصدمة أن يكون لاعبو الفريق الوطني قد إختاروا عمدا أو تحت الإكراه لا يهم، أن يتراجعوا إلى الوراء ويتركوا كل مساحات المناورة للاعبي الغابون الذين نشطوا ولدرجة كبيرة مستأنسين بالدفع المعنوي لحكم المباراة في فتح الممرات وفي إسقاط الكرات بحثا عن لحظة إرتباك.. وكان صادما لي وللكثيرين أن لا يتحرك غيرتس لإخراج الفريق الوطني من هذه الهيستيريا الدفاعية الخطيرة، بأن يعطي إنتعاشة لخط الوسط وبأن يلعب بدفاع متقدم غير متراجع بتلك الصورة البشعة والسمجة، بل وغير المقبولة على الإطلاق.. للأسف لم يستطع غيرتس أن يفعل شيئا ولست أدري إن كان فاقدا للقدرة وللإستطاعة على تكسير هذه الرقابة وإنقاذ الفريق الوطني من حالة الإستنزاف أم أنه من نوعية المدربين الذين لا يخرجون لحظة من المباراة للتفكير بذهن صاف في الحلول، وشعرنا أننا وضعنا برغم إمكاناتنا في صورة تطابق أصل صور كثيرة في مباريات سابقة خسرها الفريق الوطني لأنه رضي بالخنوع والتقوقع في دفاعه لا يستطيع أن يأمن شرور الأخطاء التي يمكن أن تأتي في أي وقت.. ومن خطإ فادح في التغطية سيتمكن أوباميانغ متحررا من أي رقابة من توقيع الهدف الأول، هدف التعادل، وعندما لم تكن هناك حلول عملية لإخراج اللاعبين من التوهان كان الهدف الثاني الذي سجل أيضا من ضعف واضح للتغطية. وحتى إذا كنا قد تحصلنا على هدف التعادل بقرار شجاع من حكم المباراة وهو يعلن عن ضربة جزاء فإننا كنا فاقدين لكل قدرة على الإتيان بردة فعل متطابقة.. وعندما لا تكون للسيد غيرتس القدرة على معاكسة الوقائع وإبداع متغيرات تكتيكية تتناسب مع الموقف، وعندما لا يكون لاعبونا بروح قتالية كبيرة في أعتى اللحظات، فإنه يكون من الطبيعي جدا أن يكون الإنكسار وتكون الهزيمة ويكون هذا الخروج الكارثي الذي لا يسأل عنه سوى شخص واحد هو المدرب غيرتس، فهو من إختار تشكيله وهو من إختار نهجه وهو من رمانا في بحر الإقصاء ونحن من كنا نعتقد أنه سيرسم لنا طريق الأمل والإنتصارات بحجة أنه مدرب عالمي.. تطوى الصحف ويعلن الفريق الوطني مقصيا من دون حتى حاجة لمباراته الثالثة أمام النيجر، وتسقط أطروحة غيرتس بأن الأسود ذاهبون للمنافسة على اللقب الإفريقي وليس هناك ما يدفع عنه المسؤولية.. أما من سيحاسبه؟ وكيف سيسائله؟ هذا هو السؤال.